الأخبار اللبنانية
وسط حضور لافت من كافة أطياف المجتمع الطرابلسي والشمالي في “مركز الصفدي الثقافي”


“عبقريٌ من طرابلس” أرادهُ مؤلِّفه غسان الحسامي مرجعاً لإحدى القامات العلمية التي عرفتها طرابلس في عصرها الحديث، عصر التحوّلات بكل التباساتِه والضبابية التي تحوطُه، رشدي سلهب، المهندس النابغةُ العبقري، يُهديها المؤلّف إلى روح جدتِهِ لأمه نيلوفر كريمة رشدي سلهب التي لطالما تمنّت ولادة كتاب كهذا في حياتها، ولكنها فارقت الحياة قبل أن ترى تحقُّقَ الحلم. علماً أن الحسامي كان قد وقع كتابه “عبقري من طرابلس”، خلال استضافته من قبل جناح النادي الثقافي العربية المنظم لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب 55 في البيال.
كلمة “مؤسسة الصفدي”
بعد النشيد الوطني، افتتح الحفل بقراءة تحليلية لممثل “مؤسسة الصفدي” الدكتور مصطفى الحلوة، الذي اعتبر أن الكتاب “جاء ليسدّ نقصاً أغفلتهُ الكتابات التي تؤرخ لطرابلسيين تركوا بصماتٍ عميقةً في سجل الفيحاء الزاهر، إذ يتجاذبُ الحُساميَّ رغبُ العاطفةِ ورهبُ الموضوعية في آن؛ فإذا به تحركه عاطفةٌ جدويةٌ حرّى وتشدُّ به دواعي الموضوعية بكل محمولاتها الأكاديمية الصارمة”. وقال: “ومن عجبٍ أن صاحبَ الكتاب لم يَخُض من قبلُ غمار العمل التأليفي الأكاديمي، ولكن الحق يُقال إنه بذل مجهوداتٍ مضاعفةً، ملتزماً المنهجية ما أمكن، ولتترجحَ مراجعُهُ الثرَّة بين الوثيقة الخطية والشاهد الحجري والأخبار المتناقلة والمقابلات الحيَّة وما خطَّهُ قلم السلهب وما خلَّفتهُ يدُهُ الصناع، ناهيك عن عشرات المراجع من كتب ودوريات ومحفوظاتٍ”. ولفت إلى أن “سيرة رشدي سلهب تتكشف عن ملحمةٍ علميةٍ سجّل فيها انتصارات لا تزال آثارُها باقيةً على الزمن. ساحاتُ تلك الملحمة تأخذنا إلى طرابلس مسقِطِهِ، وصولاً إلى تركية وسوريا، وعبورَ بحرٍ إلى البرازيل. من هُنا جاء الكتاب ليرصد ارتحاله في فصولٍ سبعة بين بلدان هذه الساحات. فإضافة إلى التقديم من قبل الباحث الأديب مارون عيسى الخوري وإلى المقدمة، ينطلق المؤلف في الفصل الأول منقباً عن نسب الدوحة السلهبية ومستعرضاً طفولة صاحب السيرة. وفي الفصول: الثاني والثالث والرابع والخامس ثمة تعقّب للسلهب في بلاد الاغتراب ثم العودة إلى لبنان. أما الفصل السادس، المعنون بالوداع الأخير، فإنه يتضمن تحية وفاء باسم أبناء طرابلس إضافةً إلى رسالة حميمة “إلى أبي” توجهها الجدة نيلوفر تختصر فيها مسيرة والدها الظافرة. وفي الفصل السابع شهاداتٌ عن رشدي سلهب. وينتهي الكتاب بملحق يضم صوراً وغلاف مؤلفات صاحب السيرة، ناهيك عن خرائط ووثائق عثمانية. وهكذا يتحصل أن الكاتب التزم التعاقب التاريخي في سيرة عبقريِّهِ، راصداً مسار ملحمتِهِ العلمية، بدءاً من 1912 وحتى وفاته 1949. علماً أن رشدي سلهب أبصر النور في العام 1885″. واعتبر “إنها مسيرةُ عُمر امتدت أربعةً وستين عاماً، هي بحق أعوامٌ “بطوطية”، إذْ لم يعرف صاحبُها الاستقرار لأن أجنحة العبقرية لا تحط رحالها في بُقعةٍ إلاّ لتنتقل إلى بُقعةٍ أخرى، فيعمَّ خيرُها على أجزاء واسعةٍ من المعمورة!”. ثم توقف بإسهاب أمام إنجازات رشدي سلهب المتعددة: مشروع مياه رشعين، تنفيذ مشروع مياه دير سيدة صيدنايا في سوريا، دراسة فنية لمشروع جر مياه عين الفيجة إلى العاصمة دمشق، مشروع منع طغيان الفيضانات على عاصمة البرازيل ريو دي جانيرو في العام 1926 وإلى ذلك، فإن رشدي سلهب، المتقن لعدة لغات والذي يحمل شهادتين جامعيتين؛ واحدةٌ في الهندسة المدنية من اسطنبول والثانية في الهندسة المائية من فرنسا، والمتربع في مواقع إدارية هندسية عليا في تركية والبرازيل ولبنان؛ لم تستنفد المياه عبقريته، بل كان رجل فكرٍ تبدّى عمق نظرتِهِ النقدية في محاضرةٍ قيّمة ألقاها في البرازيل 1928 عن الدين الإسلامي في إحدى المنتديات الثقافية”.
وختم موجهاً الشكر إلى الكاتب غسان عبد الرحمن الحسامي “الذي نفخرُ به ونشد على يده مشجعين، علَّه يُتابع تجربته فيغوصَ على انبوشات هذه المدينة ويُخرج إلى عالم الضوء بعضاً من قاماتنا العلمية بعد أن أتخمنا بالعديد من القامات في عالم الأدب: غثِّهِ وثمينِهِ! شُكراً لك غسان عملَك، شُكراً لك اجتهادَك الذي تستحق عليه أجرين لا أجراً واحداً، كونك اجتهدت فأصبت كبدِ الحقيقة وأنت تؤرخ لرجلٍ عظيمٍ من بلدنا، ولسان حالك وعميقُ فكرك يقولان: أفلا يستحق من اشتغل بالمياه، مادةِ الحياةِ الأولى، أن تكون له حياةٌ ثانية عبر إخراجِهِ إلى حيّز الوجود ؟!”.
كلمة المؤلف
ثم تحدث مؤلف الكتاب غسان الحسامي، الذي بدى متأثراً بالحضور الحاشد، وتوجه بالشكر إلى الجميع، قبل أن يشرح للحضور أسباب تأليفه هذا الكتاب عن سيرة المهندس رشدي سلهب، مبرءاً نفسه “من تهمةِ الإنتسابِ عُنوةً الى نادي المؤلفينَ والمشتغلينَ بصناعةِ الكلام ِ بحثاً ودراسة”. لكنه اعتبر كتابه إضاءة حق للأقربينَ على الأقل أن يعرفوها، على من خـَفـَتَ صوتـُهُ حتى ذابَ ونـُسيت شخصيتـُهُ العبقرية ُ وطـُمِسَتْ في تـُربَةِ النـُسيان ِ بعاملِ الإهمالِ والتقاعُس، فوَجَبَ إستنقاضُهُ من ثِقـَلِ العُمقِ وكثافةِ العَتـَمَة، والإستضاءةُ بأنوارِ إنجازاته، والمفاخـَرةُ بثمار عقلهِ”. وقال: “فإذا ظنّ دُعاةُ التشدُدِ من سَدَنـَةِ القلم أن العبورَ الى ناديهِ بلا تأشيرةِ دخول، والإقامة فيهِ غيرُ شرعيةٍ، فهذه التـُهمة مردودةٌ عليهم، لأنهم بادعائهم حقَّ الوصايةِ على الحياةِ الفكريةِ في المدينةِ، أساءَ جلـُهُم إليها بالكسلِ والعبَث”. ولفت الحسامي: “فكم في تاريخ ِ الفيحاءِ والشِمال من مواهِبَ أعطت ما هو هامٌ ومفيدٌ ومتألقٌ في ميادين الثقافةِ العامّةِ، فلمّا أدركَ الموتُ أصحَابَها دخلت في طيِّ الماضي والظلماتِ والنـُسيان. ولن أسمّي، لئلا أنكأ ُ التاريخََ الفكريَّ والأدبيَّ والحضاريَّ في مدينتي بحربةٍ حادّةٍ هو بغنىً عنها؛ إلا أنني أجدُني معنيّاً من خارج الموقع الرسميّ لنادي القلم، بحثِّ الهمم، والأخذِ بناصيةِ التأليف، بادءً بنفسي، فكان عملي الذي أنجزتـُه حولَ رُشدي سلهب، آملاً أن يكونَ فاتحة متسعة لمن هم أهلٌ أكفياءُ للسير في هذا الإتجاه”. وقال: “ولقد كان من جملةِ ما أدهشني مُنذ أيام، سؤالُ أحدِ الذين دعوتـُهم الى التوقيع ِ في أبهاء هذا القصر الثقافيّ الفخيم: من هو رُشدي سلهب؟ وأسِفتُ وتألمتُ لجهل جيلـِنا إسمَ هذا الرجل العظيم الذي سقى عِبرَ مشروعه الفخيم زغرتا وطرابلسَ والميناءَ ولم يميّزْ، وأوصلَ الماءَ الى دير سيدة صيدنايا مجاناً ولم يميّز، وأبعدَ نأمة غرق ِ سكان “ريو دي جانيرو” من الطوْفان ِ كـُلما فاضت عيونُ السماءِ بالمطر ِ ولم يميّز، فضلا ً عن عشرات المشروعات ِ التي نفذها في جُملةِ بلدان ٍ بما فيها تركية…أن تكونَ عبقرياً في صَنعتِكَ وتقدِّمَ بلا تفريق ٍ هي صفة ابن ِ الفيحاءِ الذي نعرفـُهُ”. وختم بالقول: “إني فخورٌ وسعيدٌ، في آنٍ معاً بالتعريفِ برجلِ الفيحاءِ العبقريّ بعد مرور ستةِ عقودٍ ويزيدُ على غيابهِ، والذي يصادفُ مرورُ مئةٍ وستٍ وعشرينَ سنة على مولده، ويَسُرُني في هذا السياق أن أشكرَ كـُلَ الذينَ أمدوني بالعون والوثائق في طرابلسَ ولبنانَ عامة وسوريّة وتركيّة والبرازيل والولايات المتحدةِ الأميركية لإنجاز هذا الكتاب، كما أخصُ بالشكر النسيبَ الحبيبَ المهندسَ ماهر بن عمران بن رُشدي سلهب الذي طبع هذا العمل بنفقتهِ الخاصة. ولن يفوتـَني شـُكرُ مؤسّسِ هذا الصرح الفخيم معالي الأستاذ محمّد الصفدي الذي استضافتني أبهاءُ مؤسّستهِ بشخص مديرها العام ِ الأستاذ رياض علم الدين والدكتور مصطفى الحلوه وكافةِ الإداريين فيها على تيسير هذا التوقيع وإنجاحهِ. أمّا الجمهورُ الكريمُ فله مني عاطرُ تقديري وحارّ امتناني لتكبُدهِ مشقة َ المجيءِ في مثل هذا الطقس ِ البارد، لاحتيازهِ على هذا السِفر: عبقريٌّ من طرابلس: سيرةُ المهندس رُشدي سلهب وإنجازاتـُه”.
ثم وقع الحسامي كتابه “عبقري من طرابلس” للحضور الحاشد الذي استهله ممثل الوزير الصفدي السيد أحمد الصفدي بالتوقيع، قبل أن ينتقل الجميع إلى الكوكتيل.
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development