الأخبار اللبنانية

أسبوع من الشلل في التعليم والدوائر الرسمية الاقتصاد في لبنان: اقتصاد الحيتان والزعماء واللصوص

ما زال لبنان يشهد شللاً في المؤسسات الرسمية، بما فيها المدارس والثانويات، بسبب الإضراب الذي أعلنته هيئة التنسيق النقابية ابتداء من الخميس الماضي لمدة أسبوع كامل، احتجاجًا على تقرير اللجنة النيابية الذي أوصى باقتطاع نسبة من الرواتب المتفق عليهاسابقًا بين الهيئة والسلطة. وبدأ الموظفون بسلسلة مظاهرات تتوج يوم الأربعاء بمظاهرة كبرى في العاصمة. والهيئة تهدد بمزيد من التصعيد، ولا سيما التهديد بتعطيل الامتحانات الرسمية. وفي هذا الصدد نعلّق بما يلي:

إذا نظرنا في الحالة الاقتصادية اللبنانية سنجدها غاية في التعقيد. فهي فوق كونها تعاني من أزمات الاقتصاد الرأسمالي المستشري في العالم كله حالياً فإنها تعاني أكثر من ذلك بكثير من سياسة الفساد والهدر التي تتفاقم بتفاقم أزمة الكيان اللبناني.

أما عن معاناة الاقتصاد اللبناني من النظام الرأسمالي، فإن النظام الرأسمالي بطبيعته يؤدي إلى تركيز الثروات بين فئة قليلة من حيتان المال الذين تمكَّنوا بفضل هذا النظام من الاستحواذ على معظم ثروات البلاد. إذ لا يضع النظام الرأسمالي ضوابط أو قيودًا تُذكر على تنمية الثروات الضخمة التي يملكها الرأسماليون، بل يفسح المجال لأنواع العقود والمعاملات التي تؤدي إلى مزيد من تركيز الثروة في أيديهم، ومن أبرز هذه العقود عقود الربا المتمثلة في البنوك وعقود الشركات المساهمة. وإذا أضفنا إلى هذا كله أن زعماء الطوائف الذين يتقاسمون مناصب الدولة قد نهبوا بما يملكون من نفوذٍ وحصانة قدراً هائلاً من المال العام ومن الموارد المالية العامة تحقيقاً لمصالحهم وتكريساً لزعامتهم، أدركنا كم هي معقدة مشكلة الاقتصاد والمال في لبنان.

فاللعبة السياسية الطائفية الممتزجة مع النظام الرأسمالي في لبنان تفسح المجال أمام حيتان المال وزعماء الطوائف ليستخدموا أموالهم ونفوذهم للوصول إلى المناصب السياسية بحيث تكون السلطة التشريعية ممثِّلة لهم، وإن تَوهَّمَ الناس أنها تمثلهم، وكذلك تكون السلطة التنفيذية أداة بيد هؤلاء الحيتان لتحقيق مصالحهم. فمجلس النواب يشّرع القوانين التي تناسبهم وتحقق مصالحهم، والسلطة التنفيذية، ولاسيما جزؤها المتحكم بالقرار المالي، تنفق جزءاً كبيراً من الخزانة العامة على مشاريع تَدفع بالأموال العامة إلى جيوبهم. وعليه لم يكن من قبيل الصدفة أن أرباب العمل وأصحاب المؤسسات المالية والمصارف هم الذين وقفوا في وجه مطالب الموظفين بزيادة الرواتب، يؤازرهم من يمثِّلهم داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وبقطع النظر عن مدى أحقية مطالب الموظفين ومدى شرعية إضرابهم، فإنه من المعروف في علم الاقتصاد أن رفع أجور الموظفين ذوي الدخل المحدود هو من عوامل تحريك الاقتصاد الذي يعاني من الركود، لأن رفع أجورهم سيزيد من قدرتهم الشرائية، وستتحول هذه الرواتب إلى مال متداول في الأسواق المحلية، ما ينعكس إيجابًا على الحركة الاقتصادية. والشرط الوحيد لذلك هو تأمين موارد كافية للخزانة العامة لصرف هذه الرواتب. فهل يعاني لبنان من نقص هذه الموارد؟ الواقع أن واردات الخزانة العامة في الدولة تكفي أضعاف ما تتطلبه سلسلة الرتب والرواتب، بصرف النظر عما هو شرعي وما هو غير شرعي من هذه الواردات التي لا يراعى فيها حلال أو حرام. إلا أن هذه الواردات منها ما هو منهوب من حيتان المال والسلطة قبل وصوله إلى الخزانة، ومنها ما هو ينهبونه من داخل الخزانة، عبر ما يسمى بخدمة الدين التي تَضُخُّ معظم أموال الموازنة العامة إلى المصارف الدائنة للدولة، أي إلى المرابين الكبار والصغار، وعبر تلزيمات المشاريع الوهمية أو شبه الوهمية التي يحظى بها الحكام أو محظيوهم من الحيتان، فضلا عن أشكال السرقة والنهب والاختلاس الوقحة والتقليدية في هذا البلد. فالاقتصاد الرأسمالي هو اقتصاد المال وحيتانِه، لا اقتصاد الإنسان ومجتمعه. وهو في لبنان اقتصاد اللصوص وزعماء الطوائف أيضًا فضلا عن سائر الحيتان.

حين تقوم الدولة الإسلامية وتطبق الاقتصاد الإسلامي وسياسته العادلة عما قريب إن شاء الله سيرى الناس الفرق الهائل بين الواقع الاقتصادي الظالم الحالي وبين التشريع الاقتصادي الذي شرعه الله تعالى للناس. يكفينا أن السياسة الاقتصادية في الإسلام بنيت على أسس إنسانية راقية، من أهمها ما عبّرت عنه الآية القرآنية: {كَي لا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم}.

وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

أحمد القصص

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى