الأخبار اللبنانية

احياء الذكرى الخامسة لاستشهاد جبران تويني في كاتدرائية مار جرجس

أقامت عائلة تويني وأسرة صحيفة “النهار” جنازا في الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد النائب جبران تويني، الثانية عشرة ظهر اليوم في كاتدرائية مار جرجس في ساحة النجمة.

وترأس الصلاة متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، في حضور الرئيس فؤاد السنيورة ممثلا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

بعد تلاوة الانجيل، القى المطران عوده الكلمة الاتية: “انكم دعيتم للحرية ايها الاخوة (غلاطية 5:13) فاثبتوا.. في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا.. بنير عبودية (غلاطية 5:1) بل اعملوا بالمحبة المنبثقة من الايمان بالرب يسوع الذي حرركم.

لقد اتى يسوع ليبشر المساكين ولينادي للاسرى بالحرية وللعميان بعودة البصر اليهم وليحرر المظلومين (لو 4:18) لأن الانسان اعطي منذ البدء ان يكون حرا، بامكانه ان يختار بين الخير والشر، بين الطاعة للرب وعصيان أوامره.

لذلك الانسان قادر على اتخاذ القرارات الحرة معتمدا على قدرة اختياره، ومتحملا مسؤوليته امام الله وامام اخيه الانسان، فهو الذي يختار بين البركة واللعنة وبين الحياة والموت، بين المحبة والبغض وبين الفضيلة والرذيلة، بين العيش حرا او عبدا مستعبدا.

ان الحرية نعمة منحها الله للانسان وبسببها يسأل الانسان عن افكاره واقواله واعماله. نعمة الله وطاعة الانسان الحرة امران ضروريان للخلاص. اننا نؤمن بان المسيح هو الذي يقيم فعلا عهد الحرية الكاملة والنهائية مع كل من اتحد به بالايمان والمحبة، كائنا من كان هذا الانسان، فكل من اتحد به لم يعد عبدا بل ابنا. ان المسيح قد حررنا لنكون احرارا ودعا كلا منا الى الحرية ليبعدنا عن كل عبودية وضلال ويجعلنا عارفين الحق. انكم ان ثبتم في كلامي فالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق والحق يحرركم (يو8:31).

لقد حررنا المسيح بقيامته من بين الاموات ذلك لانه انتصر على عدو الانسان الاول، اعني به الموت، لذا فقد الموت شوكته ولم يعد الانسان عبدا لمخافة الموت بل صار في الحرية التامة التي تعمل في المحبة والبنيان. فالمؤمن الحق في حرب مع كل انواع الخوف ليعيش في الحرية التي هي الايمان، هذه الحرية التي تتعدى الموت وظلمة هذا الدهر وظلمه. الحر يبني حياته على اسس الايمان ومعرفة الحق ويناضل من اجل ان يجعل الكل حرا. الحر عاشق الحق ونظره اليه في كل حين، متعاليا عن كل صغائر الامور، وعشق الحق والحقيقة يسبب ألما، وهذا الالم يدفع الانسان الحر الى الامام فلا يعود ينشغل بسخافات هذه الدنيا ولا يأبه بأكاذيب الناس والاعيبهم.

هكذا كان جبران المؤمن، انسانا عاشقا للحرية، لا يحيا الا بها، وعاشقا للحق، لا يرضى عنه بديلا، لذلك لم يساوم على اي من مبادئه، ولم يبع ضميره من اجل أية غنيمة، مهما غلت.. ذلك لانه كان صادقا في ما يدافع عنه، وقضيته لم تكن ستارا تختفي وراءه المآرب والمصالح، بل كانت قناعة عميقة دافع عنها حتى الشهادة، سيفه كان القلم، وسلاحه كان ذاك الصوت المدوي، بهما جابه كل انواع الهجمات، لم يؤمن يوما بالعنف ولم يتوسله قط، كان الحوار مبدأه والحقيقة هاجسه، قال: اننا سنستمر في قول الحقيقة لانها وحدها تحرر.

لقد حول جبران انتباهه وفكره الى المثل التي تحمل الانسان الى المحبة، الى محبة الله ومحبة الاخر، الى المحبة التي توحد البشر جميعا في الله. حركته كانت الى العائلة التي بعثه الله اليها رسولا، الى العائلة اللبنانية ومنها الى العائلة الاوسع. احب عائلته هذه ذاك الحب الفريد الذي يرى في المحبوب الحرية والاستقلال، فتحرك نحو هذا المحبوب بعشق كبير جعله ينسى نفسه ومن حوله ليضع كل طاقاته في خدمة هذا الوطن المحبوب، عرف ان هذا يتطلب جهدا لا بل جهادا مستمرا وبقاء في العشق والحماس الذي يقود الى الشهادة، هذا العشق يجعلك تضحي بنفسك ولا تحسب حسابا لاي شيء ولا تخاف من اي شيء يدفعك للذهاب بعيدا، القديسون والشهداء انطلقوا بهذا الجنون الالهي ولم يترددوا في اي شيء، اسرعوا الى الاستشهاد بفرح وحماس، “من يحب قليلا يعطي قليلا ومن يحب اكثر يعطي اكثر ومن يحب كثيرا جدا فماذا يعطي مقابل ذلك، انه يعطي ذاته” (الاب البار بورفيرويوس الرائي).

لقد عرف جبران، الذي أحب وطنه حبا جارفا واراده حرا مستقلا ومزدهرا، ان قدر هذا الوطن ان تكون حريته دائما معمدة بالدم ولكن قدره ايضا ان يبقى دائما شامخا، وكان يقول نحن نعيش في وطن الحرية، في وطن آمن بالحرية المطلقة. وعندما نتكلم عن الحرية لا نعني ابدا الفوضى، لقد جعل جبران لبنان مذبحا قدم عليه دمه لكي يفتدي هذه الارض الطيبة، مات ولم يمت وترك الزمن لمن يريد ان يفتدي الوطن، لقد ولد من جديد ولم يمت لان موت الشهداء هو ولادة جديدة، لقد عاد الى بطن الوجود في استشهاده. عاد بريئا، نقيا، قديسا. لقد اغتسل بالدم وعاد الى وطن الحق حيث كان يسعى قلبه. صار حرا بالكلية لان الاستشهاد هو الحرية المطلقة، لا بل صار في الجمال المطلق لان الشهيد هو الانسان الاجمل على الارض لان جماله لا يزول.

الشهيد دينونة لقاتله لكنه فخر لوطنه، ولوطننا من الشهداء ما يجعله كبيرا كبيرا. اما من لوث يديه بالدماء وكان سببا مباشرا او غير مباشر في استشهاد الكثيرين، فالتاريخ وحده سيظهر حقيقته ويصدر حكمه عليه. القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله، اما من تقترف يداه ولسانه الاثم فجزاؤه عند الله. قلب جبران كان متخشعا ومتواضعا، لذا نرفع الدعاء الى الله ان يسكنه مع ابراره وقديسيه وان يحفظ العزيز غسان مع جميع افراد عائلته، ويمنحه الصحة والصبر والايام المديدة، ويحفظ وطننا من كل شر واثم وانقسام واستعباد”.

ختاما القت ميشال تويني كلمة جاء فيها: “تمر بنا كل سنة مرة وكل مرة سنة، يتوقف الوقت فيصبح غيابك حضورا، وحضورك اليوم اقوى من اي وقت مضى، فلقد زرعت في الصدور فكرا نيرا، كلمة حرة وقلما جريئا، واي سلاح يقيد فكرا، يقتل كلمة او يحطم قلما؟ اود ان اطمئنك يا جبران علينا: ناديا وغبريلا دخلتا المدرسة وتسألان عنك دوما، ويسرني ان اخبرك بانه ولد لك حفيد يدعى جبران، والكل يفتقدك، لكن اخاف ان تسألني يا جبران: شو عملتولي بالبلد؟ ماذا حل بثورة الارز؟ احتار واخجل من الجواب واحاول الاختباء حانية رأسي من العيب امامك وامام كل الشهداء الذين مضوا ليبنوا وطنا بينما الاحياء في هذا الوطن ماضون في خرابه وتدميره.

واضافت: “اخاف ان تسألني عن رفاق الدرب الذين ذقت معهم الامرين، فمنهم من خاف وينصحنا بالنسيان لكن نسيانك مستحيل يا جبران، ومنهم ان اوقف مسيرته بحجة الامن والاستقرار والسلم الاهلي، كأن معاقبة مجرمين اصبح خطيئة، لا تسألني عن العدالة فان الله الذي انت اليوم في جواره سيقاضي الكل وهو اعدل العادلين”.

واشارت الى ان “البعض خذل والبعض تراجع والبعض صمد، وفي طليعتهم الشهداء الاحياء رفاقك وعائلتك: مي، الياس ومروان، واصبحوا اليوم متهمين بكل التهم، فقط لانهم لم يتمكنوا من اسكاتهم ولن يتمكنوا”.

وقالت تويني: “ابسط يمينك من عليائك وظلل دروب التائهين علهم يتنورون ويعودن الى السراط المستقيم فالتبعية طغت على التحرر والمصالح الخاصة على الوطنية والاستقرار والامن على العدالة، سامحنا يا جبران، صلي معنا واطلب لنا من الله ان يعمق ايماننا ويثبت عزيمتنا ويشدد قوانا انصافا للشهداء ورحمة للاحياء وخلاصا للبنان”.

واضافت: يا رب من صمت جرحي اناجيك واتضرع اليك، اسائلك يارب ان تمدني بالقوة لكي استوعب كيف ان المتهم اصبح يتهم، فالقاتل بريء والقتيل مذنب؟ اسالك يا رب جميل الصبر لكي اتمكن من تجاوز العيد دون الم وغصة ودموع ودون ضمة وقبلة من جبران، اسالك يا رب ان تعطينا الشجاعة لكي نقف ونقول كما كان يقول جبران: اللي عم يقتلك بتطلع في وبتقلو ما بخاف منك لانو لو ما انتها دوري واجت ساعتي ما متت. اسالك يا رب ان تعمق جذور الايمان في قلبنا كي لا نضعف ونتزعزع امام التهويل والتهديد. اسالك يا رب ان تعطيني القوة كي لا احاسب الذين تخلوا عن جبران مع انه لم يتخلى عنهم في احرج الظروف، اسالك القوة لاسامح قاتلي جبران انت القوي الذي سامحت قاتليك على خشبة الصليب لانهم لا يدرون ماذا يفعلون، فكيف لي انا الضعيفة ان اسامحهم وهم يدرون ماذا يفعلون. اسالك يا رب ان تشمل برحمتك جميع الشهداء واخص بالذكر اندره مراد ونقولا فلوطي الذين ابوا الا لان يرافقوا جبران في رحلته الاخيرة. اسالك يا رب نعمة الصحة لجدي غسان الذي اتعب الزمان ولم يتعب والذي دفن الاحقاد يوم توديع جبران، فهل دفنوا هم احقادهم”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى