ثقافة

اطلاق مؤتمر التعليم والحداثة برعاية ميقاتي دياب: نسعى لأن تأخذ الحداثة موقعها في بنيتنا التعليمية

رعى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ممثلا بوزير التربية والتعليم العالي الدكتور حسان دياب احتفال إطلاق المؤتمر التربوي الأول عن التعليم والحداثة الذي ينظمه “مجمع العزم التربوي” بالتعاون مع الجامعة الاميركية في طرابلس، في حضور ممثل وزير المال الدكتور مصطفى الحلوة، وزير الدولة أحمد كرامي، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الاعلى الوزير السابق عمر مسقاوي، رئيس مجلس امناء جامعة المنار الوزير السابق سامي منقارة، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، المشرف العام على “جمعية العزم والسعادة” الدكتور عبدالاله ميقاتي وحشد من الشخصيات.

بداية النشيد الوطني ثم كلمة العريف فادي الخطيب فكلمة ميقاتي الذي اكد ان “المستقبل لا يكون ببناء الماضي بل بأفضل ما توصلت وتتوصل اليه الحداثة وان فلسفة العلم لا بد من ان تشمل جميع جوانب الحياة وميادينها”.

وتحدث عن “التغيير الذي بدا في العالم العربي والاخطار التي تحيط به من كل جانب”، وشدد على “ضرورة ان يواكب ذلك تغيير في النظم التربوية والتعليمية المعاصرة لتواكب الحداثة وتحافظ على أصالة القيم والتزام المبادىء وأصولها بما يضمن تسهيل عملية الانتقال الى النظام المجتمعي الجديد والاسهام في الاستقرار الى حد بعيد”.

ثم ألقى رئيس قسم التربية في الجامعة الاميركية غازي غيث كلمة قال فيها: “ان الجامعة الاميركية تلتقي مع مجمع العزم في التطلع نحو التعلم المستدام، والعملية التربوية تشمل الميادين كافة وصولا الى تمكين الطالب من مواجهة نتائج الحداثة ومن هنا تأتي المناهج المتماشية مع متطلبات التعليم الحديث والتكنولوجيا اضافة الى تنمية المهارات وصولا الى إنتاج المعرفة واستخدامها الذكي في خدمة المجتمع والانسان، ومن هنا يكتسب المؤتمر أهميته”.

دياب

وألقى ممثل رئيس مجلس الوزراء كلمة نقل في مستهلها “تحية الرئيس ميقاتي، إبن طرابلس البار وصاحب الأيادي البيض في العديد من المشاريع الإنسانية والتربوية والإجتماعية في مدينة طرابلس، وفي طليعتها هذا المجمع، “مجمع العزم التربوي”، وإني لأشعر بفيض من السعادة تغمرني وأنا أتحدث إلى هذه النخبة من أهل العلم ورجال التربية والتعليم في طرابلس التي تشهد اليوم نهضة تعليمية وتربوية ملحوظة من شأنها أن تعيد لها مجدها التليد حين وصفت بمدينة العلم والعلماء”.

وقال: “إن ميدان التعليم قد مر على مدى العقود الماضية بسلسلة من التغييرات المتنوعة والمتزامنة مع الأحداث والتطورات التي شهدها العالم. ويبدو ذلك بوضوح بما اتصف به النصف الثاني من القرن الماضي، وما نعاصره اليوم من تسارع في تغيير أشكال التعليم وأنماطه وصوره وملامحه، وتحول عناصره وأدواته المعروفة من الكتاب الورقي، والقلم، واللوح التقليدي، والحفظ، والفهم، والاختبار، والتعلم المباشر عبر المعلم، والشهادة الوطنية، إلى الكتاب أو الحقيبة الالكترونية، والقلم المغناطيسي، واللوح التفاعلي أو ما يعرف باللوح الذكي، والتعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد، والتواصل “ONLINE”، والتعلم الذاتي، والاختبارات العالمية ك “TIMSS” و “PISA”، والتدقيق الإلكتروني المباشر، والشهادات الدولية كال “IB”، وغير ذلك من المصطلحات والعناوين الغنية بها لغة التربية والتعليم المعاصرة، ولا شك أن ذلك كله يشكل انعكاسا للثورات العلمية والمعلوماتية والتقنية التي بنيت عليها العولمة واقتصاد المعرفة. وإنه لجدير بنا أن نتساءل عن توصيف ما نحن بصدده من تغييرات وتحولات في وسائل التعليم والتعلم وأدواته، وعلاقة ذلك بموضوع مؤتمرنا اليوم، ترى هل هي مجرد الحداثة أم هو التحديث في التربية؟”

أضاف: “إن الواقع يظهر يوميا التداخل الكبير بين مفهومي الحداثة والتحديث، فغالبا ما يجري استخدام مفهوم التحديث للدلالة على الحداثة، وعلى خلاف ذلك، كثيرا ما يستخدم مفهوم الحداثة للاشارة إلى التحديث، وهذا ما نلاحظه بوضوح في رغبة الكثير من المعلمين في إدخال الكمبيوتر في مقرراتهم وفي التوجه لتعميم تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التربية، ولكن هل هذا يحقق الحداثة أم التحديث؟”

وتابع: “يتمايز مفهوم الحداثة “Modernity” عن مفهوم التحديث “Modernization”، فالحداثة تعبر عن موقف عقلي تجاه مسألة المعرفة وإزاء المناهج التي يستخدمها العقل في التوصل إلى معرفة تفاعلية ملموسة للواقع. أما التحديث فيقتصر على استجلاب التقنيات الجديدة، بحيث توظف في مجال التربية أو غيرها بغرض إحداث تغيير عقلي أو ذهني محدود للمتعلم، وهي بذلك عملية لا تعدو كونها مجرد إدخال للمخترعات الحديثة، بالمعنى الزمني للكلمة، بقصد إجراء تحديث شكلي أو خارجي، لا يرافقه أي تغير جذري مقصود في مناهجنا الدراسية ومخرجاتها”.

وقال: “إن جوهر الحداثة يمكن إدراكه بكونها طاقة مجددة متحركة تمثل الماضي والحاضر وتعيد إنتاجهما بروح مستقبلية جديدة، وهي تمثل نواة تطور العملية التعليمية في مجتمعنا، والتي بدونها سيظل هذا المجتمع على حافة التطور الحقيقي، إذ يشمل مفهوم الحداثة مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والتي تؤثر كثيرا في نجاح التعليم، إلا أنه يأخذ اليوم مكانه في حقل المفاهيم الغامضة في مجال التربية، ويشتد هذا الغموض لدى العاملين في مجال تكنولوجيا التعليم، ويأخذ مداه ليطرح نفسه إشكالية فكرية هامة تتطلب بذل مزيد من الجهود العلمية لتحديد مضامينه وتركيباته وحدوده”.

أضاف دياب: “إن ما نأخذ به في العديد من مؤسساتنا التعليمية يعني مظاهر الحداثة وقشورها، وليس اللحظة الواعية نحو اندفاعة تعليمية قادرة على إحداث تحولات عميقة في البنية الاجتماعية والبنائية للمجتمع، وهي تتجلى اليوم بالاستيراد المنظم لشكليات الحداثة من أجهزة وبرامج تعليمية كم دون دراسة لواقع الجسم التربوي واحتياجاته الفعلية. إن الواقع يؤكد أن مؤسساتنا التعليمية ما زالت تأخذ طابع المحاكاة الجوفاء لمظاهر الحداثة، وهذه المظاهر لا تنم عن حالة حضارية أو حداثية تنبثق من صميم مجتمعنا وتتكون في رحمه الحضاري، وهو ما أدى وما يزال إلى مزيد من التردي في مخرجاتنا التعليمية”.

وتابع: “قد يتناقض واقعنا التربوي في كثير من جوانبه مع جوهر الحداثة، فنحن ما زلنا بعيدين عن امتلاك الحداثة الفعلية، عن الروح العلمية الكامنة في أصلها، في القدرة على إنتاجها وتصنيعها أو تعديلها، حتى نستطيع الانتقال من مظاهر الحداثة إلى جوهرها، ومن ثم إلى عملية الإبداع والابتكار في مجال التعليم والتعلم. إننا نسعى ونعمل لأن تأخذ الحداثة موقعها الأساسي في بنيتنا التعليمية، وأن تظهر تجلياتها من خلال المنجزات المادية والتطورات العلمية والتكنولوجية، وفي السلوك والشعور والقيم الإنسانية. إن الحداثة المطلوبة هي التجديد في التعليم والإبداع فيه دون الحاجة للتحديث فقط بإدخال أعمى للكمبيوتر والتكنولوجيات التربوية في كل مقرراتنا، فحيث نجد إبداعا نجد عملا حداثيا، وبهذا المعنى فإن الحداثة ظاهرة تاريخية إنسانية عامة نجدها في مختلف الثقافات، وتتحدد الحداثة في هذا المعنى بعلاقتها التناقضية مع ما يسمى بالتقليد، فالحداثة خروج عن التقاليد لحالة من التجديد. ولذا فالحداثة في التعليم تعني البحث المستمر والسيطرة على مدخلات ومخرجات العملية التعليمية والتطوير المستمر من أجل الارتقاء الدائم بالمتعلم”.

وقال: “إن الحداثة مفهوم متعدد المعاني والصور، ولذا فالأخذ به في التعليم يحتم رؤية جديدة لإعادة توظيف العاملين في العملية التعليمية بطريقة منهجية عقلية مرهونة بزمانها ومكانها، وهي تدور في فلك الإبداع الذي هو نقيض الإتباع، كما تعني العقل الذي هو نقيض النقل، كما إنها رفض لجمود العقل والانغلاق في تقبل الجديد والقبول بمبادىء الانفتاح والتفاعل مع الثقافات الإنسانية الأخرى، وإرساء للقيم الإنسانية الأصيلة التي تضع الإنسان في صدارة غاياتها”.

وختم: “إسمحوا لي أن أسترشد بالإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقد عبر خير تعبير عن مفهوم الحداثة في التعليم، بقوله: “علموا أولادكم على غير شاكلتكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. فالتجديد الخلاق في مكونات العملية التعليمية هي كنه الحداثة في التعليم، وبه نصل إلى تكوين المتعلم بما يتمثل في تنمية الدافع الذاتي للتعلم لديه، وتحويله إلى باحث نشط عن المعلومات وليس متلقيا لها، وتفجير طاقات الإبداع والابتكار الكامنة لديه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى