قصص وعبر

ملخص وقائع القصة التي حصلت في مثل هذا اليوم من سنة 1943.

“على أثر اعتقال سلطة الإنتداب الفرنسيّ لرئيس الجمهوريّة والحكومة بشارة الخوري ورياض الصلح، والوزراء: كميل شمعون، عادل عسيران، وسليم تقلا، والزعيم النائب عبدالحميد كرامي.
وجه رئيس مجلس النواب صبري حمادة في الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس 11 تشرين الثاني 1943 دعوة خطيّة الى السّادة النواب لعقد جلسة مستعجلة حدد موعدها في تمام الساعة العاشرة من ذلك النهار، حينها كانت الجماهير قد احتشدت في ساحة البرلمان والشوارع المحيطة به، وهي تهتف بحياة المعتقلين.
توجه النائب سعدي المنلا على رأس تظاهرة كبيرة من ساحة البرج (حاليآ ساحة الشهداء) الى مجلس النواب مقتحمة حواجز قوى الأمن الفرنسيّة والسنغاليّة، وأراد سعدي المنلا الدخول الى مبنى المجلس من الباب الكبير، فمنعه السنغاليّون، وكما يقول منير تقيّ الدين في كتابه ولادة إستقلال: فأشار عليه الجمهور ان يدخل من النافذة الى مكتب الرئيس مباشرة، ولمّا رأى النواب من داخل المجلس زميلهم قرب النافذة يهم بتسلقها، اشاروا على الشعب ان يحمله على الأكتاف، فأندفع الجمهور، وحمل النائب سعدي المنلا على المناكب، ورماه رمياً على حديد النافذة، فتعلق المنلا بكلتا يديه، وأصبح نصفه داخل المكتب ونصفه خارجه. في تلك اللحظة، هجم الجندي المكلف بحراسة النافذة على النائب، يريد به شراً أو يريد ان يحول بينه وبين الدخول، حيث صوب إليه رأس الحربة المركزة تحت فوهة البندقية، فيا لها من دقيقة حرجة، رأى سعدي المنلا فيها الموت بعينه، وفجأة شق الجمهور فتى مفتول الساعدين، هو الرياضيّ حسين سجعان – ووثب على الجندي وأخذ عنقه بكلتا يديه، فكاد يدقهـا، بينما كان النواب يجذبون اليهم زميلهم.

ومنذ تلك السّاعة أطلق على تلك النافذة، شبّاك سعدي المنلا، وهو الأسم الذي أصبحت النافذة تعرف به في دار البرلمان.

كانت هذه الحادثة كافية لتنبيه الفرنسييّن لأن يضاعفوا الحراسة على البرلمان، فطوقه السنغاليّون تطويقاً محكماً ومنعوا أيـّاً كان من الدخول إليه، فكان النواب تلقوا الدعوة الى عقد الجلسة، وبدأوا يصلون الى دار النيابة فيحول الجند بينهم وبينها فيرتدّون عنها، ثم يذهبون الى دار رئيس الجمهوريّة، وأمّا النواب الذين في داخل المجلس فكانوا سبعة وهم: رئيـــس المجلس صبري حمادة والنواب صائب سلام، سعدي المنلا، هنري فرعون، رشيد بيضون، مارون كنعان، ومحمّد الفضل.
حينما فقد الرئيس صبري حمادة كل أمل بالإتصال بالخارج دعا النواب الستة الى إجتماع في قاعة الجلسات الكبرى، حيث إنصرفوا جميعاً الى وضع مذكرة شديدة اللهجـة، فلما إنتهوا من وضعها وتوقيعها في جو من الحماسة، نادى رئيس المجلس مرافقه الخاص وسلمه أربع نسخ من المذكرة ليوصلها الى سفيري بريطانيا والولايات المتحدة ، وممثلي مصر والعراق، فخلع الشرطي حذاءه، ووضع المذكرة داخله، وخرج من باب البرلمان الكبير، فلم يعترضه الجنود، وقد رأوا بزّتـه الرسميّة.

خشي النواب السبعة أن يداهمهم الوقت، أو ان يدخل إليهم الجنود السنغال، فقرروا في هذه الجلسة تغيير العلم اللبنانيّ وتحريره من الألوان الفرنسيّة، فقر الرأي على جعل العلم اللبنانيّ كما هو عليه الآن، ووضعت صيغة الإقتراح بتعديل المادّة الخامسة من الدستور، وجيء بقلم رصاص، وقلم أحمر، وأخذ النائب سعدي المنلا مهمة رسم العلم الجديد، ولما لم يجد النواب قلمـاً أخضر فرسم المنلا الأرزة بقلم رصاص ثم وقـَّـع النواب الستة ورئيس المجلس امضاءهم على رسم سعدي المنلا، وعلى اقتراح القانون، ثم وقف النواب الستة وأقسم الجميع على أن تكون هذه الألوان علم لبنان المستقل”.

هو مصطفى سعدي بن محمود المنلا، من مواليد طرابلس سنة 1890، أشقاؤه منير ونجيب وآصف. حائز على إجازة في الحقوق من جامعة إسطنبول.
كان من عداد النواب الذين إنتخبوا عام 1943، حيث عمل هذا المجلس على تعديل الدستور وإلغاء المواد الإنتدابيــة، أعيد إنتخابه نائباً عن مدينة طرابلس عام 1951.
ترأس سعدي بــك المنلا جمعية تجار طرابلس خلفاً للرئيس المؤسّس عبدالرحمن حلبي بتاريخ 10 آذار 1944 لغاية سنة 1952.
عُين وزيراً للعدل ثم الداخلية في حكومة الرئيس سامي الصلح سنة 1945.
أصبح رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للإقتصاد الوطنيّ سنة 1946.
توفي عازباً بتاريخ يوم الجمعة الواقع فيه 14 أيلول 1973م الموافق 17 شعبان 1393هـ عن عمر يناهز 83 سنة، ودفن في مقبرة باب الرمل في طرابلس.

بحث وتحرير غسَّان عبدالرحمَن الحُسَامي
أمين سرّ جمعيّة تجار طرابلس
رئيس رابطة الجامعيّين في الشمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى