فلسطين

37 عامًا على ترجل الشه-يد القائد علي أبو طوق \ 1950-1987

يلبس اللحية السوداء الكثيفة الأنيقة، ولا يخلعها أبداً، تميز بلبسها على الدوام. بدلته العسكرية الخضراء كانت جزءاً من مكونات جسده، حتى يصل التفكير ببعضنا أنه قد ولد فيها، فهي لا تفارقه أبداً، ليدل بها على نفسه أنه كثير العمل وليس لديه وقت لترتيب نفسه، وأنه مهتم بأمور أكثر أهمية من شكله الخارجي. مربوعاً، يسير كطائر الحجل، يقفز قفزاً لا تنتظر رجله اليمنى أُختها اليسرى، تحسب أن رجليه تسابق إحداها الأُخرى. عرجته الجميلة التي أحدثتها إصابة شظية،لا ترى بالعين المجردة، ولا يعرف بها إلا الذين خبروه، أضافت هذه العرجة لحجله ومشيته جمالاً جديداً. دائم الحركة وزيارة المواقع…الأمامية منها على وجه الخصوص، وبدون سابق إنذار أو مواعيد مسبقة.
علي أبو طوق بطل سبقنا إلى الجنة، بعرجته، ولحيته، وبدلته الخضراء، لا نزال نذكره ونفتقده. كان يسبقنا في كل شيء، في الأخلاق والإخلاص بالعمل، والمثابرة، واحترام الرأي الآخر…، صدقوني كان يسبقنا في كل شيء. فإذا زارك في موقعك، فإنه يبدأ بالاسئلة حول جهوزية الوحدات وحالة التحصينات. ثم يزور المستودعات فيطمئن على كميات التموين، نوعاً وكما والذخائر والأدوات الأُخرى. يدور حول الموقع ويلتقط كل شئ مرمي، كل بذلة أو حذاء أو وعاء للطهي… يأخذه معه، يغسله ويصلحه ويعيده ويقول: “الحفاظ على الثورة وممتلكاتها وإنجازاتها وتضحيات ابناؤها أمانة في أعناقنا جميعاً.”
علمنا كيف يكون الفدائي، كيف يعد طعامه وكيف يفكر بغيره، علمنا الاعتماد على الذات في كل شيء. كان يقول دائما الفدائي قدوة في كل شيء، حتى في الشهادة، وكان بين الحين والآخر، يأخذ معه أحد الأُخوة أو أكثر ويذهب بين الجبال حاملاً معه كيساً كبيراً، يحفر الأرض ويضع علامه ويدفن الكيس، ويدون في مفكرة الموقع وعندما يسأل ماذا تفعل، يقول: “أدفن ذخائر وطعام، سيأتي يومُ نحتاجها”، وكان ذلك …. أثناء الع-دوان على لبنان في العام 1982 وما بعدها. سبقنا في كل شيء، حتى انه كان يفاجئنا بزيارته ومعه جمع من اخوة المسيرة، ليطمئن علينا ويتابع اوضاعنا المعيشية.
نفتقدك أيها الأخ القائد الكبير، نفتقد شهامتك وشجاعتك ووعيك، وصبرك وحكمتك، نفتقد محركنا وموجهنا إلى بوصلة العمل المنتج، كان الشه-يد مؤمنا بالعمل الجماعي، وكانت قيادة الكتيبة عندما تتأخر عن الاجتماع الدوري، (أو الطارئ عندما يستوجب الأمر ذلك) يبقى منهمكاً ويعمل ليل نهار حتى يعقد الاجتماع، وعندما يعقد الاجتماع غالباً ما يأخذ غفوة ونتركه حتى نهاية الجلسة فيستيقظ ويأخذ قلمه ودفتره اللذان لا يفارقاه أبداً ويدون نتائج الجلسة ويقول: “هيا للعمل.”
رجل يرتاح عندما يعقد اجتماع عمل كان يعطينا دروسا في العمل الجماعي فهو السبيل الصحيح للإنجاز، وأن نتائج العمل الجماعي ملزمة للجميع.
نفتقدك يا علي، أخاً وأباً وصديقاً وقائداً، ونفتقد عقلك في الإدارة، وفي كل شيء. في أواخر حياته كان قائداً لمخيم شاتيلا الذي استش-هد به. كان المخيم محاصراً، واستمر حصاره طويلاً… ولأنه يتميز بالروح القياديه كان يجهز لجميع الاحتمالات ولم يترك تفصيلا بدون اخذه بالحسبان من تخزين الحلوى للأطفال وحتى حفاظاتهم خزنها، وكان يوزعها كما توزع الذخائر والمؤن. نعم هكذا هي الكوادر القيادية وعند الإعلان عن استش-هاده ودعته الجماهير الفلسطينية واللبنانية وقواها الوطنية. ولا تزال ذكراه حاضرة. ووفاء لهذا القائد أطلق اسم الشهيد علي أبو طوق في اريحا على مركز اللياقة البدنية وألعاب القوى، في مجمع الشه-يد ياسر عرفات للنشاطات المجتمعية (مجمع النشاطات المجتمعية سابقاً).
بجانب هذا المركز للجهة الشرقية، مركز الشه-يدة نبيلة برير للتنمية البشرية والتدريب الإداري، ومن الجهة الغربية استاذ الشه-يد البطل مروان كيالي. إن المركز الذي يحمل اسمه بين شهي-دين سنظل نحمل أسماؤهم ونعلمها إلى أبناؤنا، سنظل أوفياء لهم ولجميع الشهداء.

الشه-يد ياسر عرفات في وداع الشهيد علي أبو طوق
استشهد علي أبو طوق في مخيم شاتيلا، أثناء عقد القمة الإسلامية في الكويت وعندما وصل خبر استش-هاده إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات، بكاه، وخرج من الجلسة.
أرسل رئيس القمة لمعرفة سبب خروج الشه-يد ياسر عرفات من الجلسة، عادوا وأبلغوه بأنه فقد قائداً عزيزاً، وأنه يجلس خارج القاعة، رفع رئيس القمة الجلسة، وذهبوا إلى ياسر عرفات معزين، فتحولت القمة الإسلامية إلى بيت عزاء للش-هيد علي أبو طوق.

يا أحبتي ويا أهلي
استش-هد علي ولم يترك زوجةً تبكيه، فبكته أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا، بكينه وأبكين من حضر مجالسهن. استش-هد علي ولم يترك ولداً الا يدعو له بالخير، هذه مناسبة أن ندعو له جميعاً ونقرأ له الفاتحة.

محمد القاروط (أبو رحمه)

المكتب الطلابي الحركي-إقليم لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى