إجتماعيات

البيان الختامي الصادر عن ورشة التفكير والنقاش في موضوع:”المواطنية البيئية والتنمية المستدامة: بين خيارات اليوم ورهانات الغد”إعداد: د. مصطفى الحلوة

إذْ تشكِّل أُطروحة المواطنية قضيةً محوريةً، لدى “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، فقد كان له أن يُنظّم ورشة تفكير ونقاش، يومَي 7 و8 كانون الثاني 2022 (القاعة 1188 للمحاضرات- جبيل القديمة)، عنوانُها: “المواطنية البيئية والتنمية المستدامة: بين خِيارات اليوم ورهانات الغد”، وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة (لبنان) ومع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية. وقد استُهلَّت الورشة بالوقوف دقيقة صمت على روح د. زينة المير، رئيسة “قسم التكوين على المواطنية” في “مركز تموز”، وبالنشيد الوطني اللبناني.
تعاقب على الكلام، في الجلسة الافتتاحية، كلٌّ من السيد وزير البيئة د. ناصر ياسين، رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، المسؤول الإقليمي لمؤسسة “هانز زايدل” السيد كريستوف دوفارتس، مندوب “المؤسسة” في لبنان الأستاذ طوني غريّب، منسق أعمال الورشة د. علي خليفة.
إلى الجلسة الافتتاحية، كانت ست جلسات عمل، قاربت، عبر إثني عشر مُداخِلاً، ستة عناوين كبرى: الشأن البيئي وخيارات السياسة في العالم وفي لبنان/ البيئة والتنمية والمواطنية/ مساهمة الوعي البيئي في تشكيل ثقافة جديدة/ البيئة في لبنان: الإستراتيجيات والخطط والقوانين/ التنوّع في الأنظمة الإيكولوجية والتنمية المستدامة/ المواطنية البيئية: تحدّيات ورهانات مستجدّة.
إشارة إلى أن هذه الورشة تأتي في أعقاب أربع ورش، نظّمها “مركز تموز” قاربت أطروحة البيئة من زوايا مختلفة، وهي الآتية:” التربية على المواطنية الرقمية لتحقيق الاندماج الوطني والعالمي” (26 و 2 حزيران 2020) / “المواطنيات الحرجة” (12 و13 كانون أول 2020) / “التكوين الديني والمواطنية” (7 و8 أيار 2021) / “المواطنية وعلوم الإنسان:” دور الجامعات في إدارة النهضة المواطنية” (18 و19 حزيران 2021). علمًا أن ملف المواطنية لن يُغلَق، لدى “مركز تموز”، طالما أن المواطنية هي شرطُ العبور إلى الدولة الحديثة، دولة الحق والقانون.
شارك، في أعمال الورشة، ممثلو جمعيات ومنتديات بيئية، ومهتمون، إلى حضور كثيف لطلبة جامعيين في مرحلة الدراسات العليا. وقد ساد الجلسات حوارٌ تفاعلي بين المداخلين والمشاركين حضورًا.
وفي نهاية أعمال الورشة، تمّ الخلوص إلى البيان الختامي، الذي تضمّن الرؤى والتوصيات الآتية:
أولاً- في الرؤى والثوابت
1- المعضلة البيئية، بما هي قضية مصيرية وجودية، فقد غدت راهنًا بندًا أوّل ودائم الحضور، على جدول أعمال البشرية، مما يُضفي على الإنسان سمةً كيانيةً أخرى، فإلى كونه كائنًا عاقلاً، يغدو كائنًا بيئيًا، محكومًا بخوضِ صراعٍ، لا هوادة فيه، من أجل بقاء النوع وسلامة كوكب الأرض.
2- إن المواطنية، في مستوييها الفردي والجمعي، إذْ تكتسبُ كيانيّتها، من خلال التفاعل مع ذاتية حاملها، ومع المحيط المحلي الذي يُوفِّر له أسباب الحياة، فهي تكتسبُها أيضًا عبر التفاعل مع المحيط الأكثر اتساعًا، بما يأخذنا إلى المواطنية العالمية.
3- إن المواطنية البيئية لا تبلغُ مداها إلاّ في تبنّيها خِيار التنمية المستدامة. كما أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقَّق خارج إطار الوعي والتشكيل البيئيين، اللذين توفّرهما المواطنية البيئية، بمختلف مقوِّماتها واستهدافاتها البعيدة.
4- إذا كان للتنمية المستدامة أبعادٌ ثلاثة: البُعد البيئي، والبُعد الاجتماعي والبُعد الاقتصادي، فإن المواطنية البيئية تتشارك وإيّاها عبر بُعدين: البُعد المدني /الاجتماعي والبُعد الاقتصادي، من دون أن نُغفلَ البُعد السياسي.
5- استكمالاً لما سبق، فإن مواجهة المعضلة البيئية تقتضي الكشف عن الخلفيات السياسية، التي تتحكّم بمفاصل هذه المعضلة. علمًا أن الحالة اللبنانية، بيئيًّا، هي أنموذجٌ صارخ لطُغيان البُعد السياسي النفعي الذاتي والتخاصصي، على ما عداه من أسباب.
6- إن البحث في موضوع حق الإنسان، في بيئة نظيفة، لا يمكن أن يبلغ أبعاده الحقيقية إلاّ بتناوله ضمن سياقه الطبيعي، أي من خلال دراسة العلاقة بين البيئة والسياسة. علمًا أن غالبية الدراسات، في المجتمعات العربية، لم تتطرّق إلى البُعد السياسي للمواطنية البيئية، بل ذهبت إلى الإضاءة على نظام الطاقة وأنواعها واستخداماتها المتنوعة. في حين أن الدراسات العالمية الجادّة، قاربتها بما يتعدّى إطار السلوكيات والمواقف، إلى إبراز أبعاد سياسية ومدى تأثير السياسات فيها.
7- إن الكوارث التي يشهدها العالم، سواءٌ أكانت طبيعية أو من صُنع الإنسان (تسونامي، احترار مناخي، ذوبان أنهار الجليد الدهرية، تصحُّر متمادٍ..) هي التي ستدفع إلى تكريس منظومات قيم جديدة “إنقاذية”، والتزام هذه المنظومات، وإلاّ فإن البشرية ذاهبةٌ، وكوكبَها، بسُرعةٍ قياسية إلى شرِّ مصير.
8- إن النموذج الحضاري العالمي، الذي أتت به الثورة الصناعية، القائم حاليًا على اقتصاد السوق، والذي تسبّب بكل المشكلات البيئية: تُربةً ومياهًا وهواءً، ما فتئ يُمعنُ في انتهاك قرارات القمم العالمية لمعالجة المعضلة البيئية، وأولّها “قمة الأرض” في ريو دو جانيرو، للعام 1992.
9- إن المسكوت عنه، في معظم التقارير الدولية، أنّ غالبية وفيات كوفيد- 19، البالغ عددُها حوالي سبعة ملايين، هو جرّاء تلوث الهواء، ذلك أن تنشُّق هذا الهواء يُضعف مناعة الإنسان. وبحسب الدراسات العلمية، فإن البشرية باتت بحاجة اليوم إلى ثلاثة كواكب، بحجم كوكب الأرض، كي تتنفّس بشكل طبيعي!
10- إنّ إشاعة وعي بيئي، عبر الوسائط الإعلامية المختلفة، هدفُهُ جعل عناصر البيئة والتنمية المستدامة في قلب التفكير الأخلاقي، أي في مُحدّدات الفعل والسلوك الأخلاقي اليومي.
11- إن الطاقات المتجدّدة ليست بطاقاتٍ بديلة، كما تزعم معظم أدبيات البيئة والتنمية. بل كان لهذه الطاقات أن تُشكِّل تاريخيًا الطاقات الأصلية! (مراجعة المؤرخ الفرنسي المعاصر Jean Baptiste Fressoz).
12- مع توسُّع استخدامات الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المواطنية البيئية في قلب الأحداث الأكثر استقطابًا لاحتجاجات المجتمع الدولي، ولنا في الحالة اللبنانية، مع إنقاذ “مرج بسري”، خير شاهد.
13- لبنانيًا.. إذا كان تحالف السياسة والفساد هو في أساس فشل بناء الدولة، منذ الاستقلال حتى اليوم، فإن من تجليات هذا التحالف ما يُكابدهُ اللبنانيون من مشكلات بيئية، بلغت حد الاستعصاء على الحلّ. ويبقى السؤال: هل أعددنا للبيئة في لبنان السياسة التي تستحق؟ وأي ثقافة ينبغي اعتمادُها للخروج من النفق البيئي؟
14- إن المواطنية البيئية، كونها لا طائفة لها ولا مذهب، فهي يمكنُ أن تشكِّل، في لبنان، قاعدةً مشتركة لبناء الوعي الوطني ومدخلاً إلى مواجهة الواقع السياسي والاقتصادي شديد التردِّي.
ثانيًا- في المقترحات/ التوصيات
1- إنّ التمادي الممنهج والمتسارع في تدمير الموارد الطبيعية، وما يُخلِّفُ من نتائج كارثية، يفرض على البشرية إطِّراح النظام الحضاري المتبّع، واعتماد منظومة قيم جديدة، أبرزُ عناوينها عدم قهر الطبيعة وتغيير نواميسها، والإقلاع عن ممارسة شتى أنواع الانتهاكات التي تُطاولها، في مجالات مُتعدِّدة.
2- إعادة النظر في مفهوم حقوق الإنسان، وذلك عبر الاكتفاء بما يلزمه من موارد، مصدرُها الأرض، وليس المبالغة في إشباع حاجاته التي تُؤمِّن الرفاه، فتُستنفد هذه الموارد بسرعة فائقة، ويتم حرمان الأجيال القادمة من نصيبها من هذا الكوكب.
3- استتباعًا للنقطة السابقة، ينبغي إعادة النظر في مفهوم الديموقراطية، القائمة على رأي الأكثرية، في تعاطي قضايا البيئة ومعضلاتها، إذْ ما يُقرِّرُه جيل اليوم لا يُلزم الأجيال القادمة، ذلك أن أكثرية اليوم تغدو أقلية المستقبل.
4- إنَّ تدمير موارد الكوكب، بما يترتّب عليه من مصير كارثي وجودي، يفرض على البشرية إعادة النظر في مفهوم التنمية المرتكز راهنًا على زيادة الإنتاج والاستهلاك (اقتصاد السوق).
5- عدم اعتبار الإنسان محور الكون ومخلوقًا على صورة الله، إذْ عَبْرَ هذا التصوّر كان للإنسان أن يتسيّد على الكوكب ويستدرّ خيراته دونما حساب، والإمعان في انتهاكه، علمًا أن الطبيعة، في المرحلة الميتولوجية، حظيت بعناية الإنسان، فاصطنع إلهةً لكل مظهر من مظاهرها.
6- توثيق العلاقة بين الإنسان والطبيعة، عبر التشديد على دور المعتقدات الدينية في إعمار الأرض وحمايتها، بحيث تغدو هذه العلاقة قائمة على مبدأ إنسانوي (humaniste).
ثالثًا- في الحالة البيئية اللبنانية
7- إعلان حالة طوارئ بيئية، تتجنّد لها الوزارات المعنية (البيئة- الطاقة والمياه- الزراعة- الأشغال- الداخلية والبلديات..)، بالتنسيق مع البلديات واتحاداتها، والجمعيات الناشطة في ميدان البيئة، من منطلق أن أزمة البيئة لدينا، شارفت حدود الكارثة، بوصولها إلى أفق شبه مسدود.
8- مواكبة لبنان “خطة التنمية المستدامة 2030″، الصادرة بقرار عن مجلس الوزراء (69 تاريخ 21/6/2017)، تماشيًا مع خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، الآيلة إلى القضاء على الفقر والجوع، وتوفير الصحة الجيدة والرفاه، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، وتأمين المياه النظيفة والبطاقة الصحية، مع طاقة نظيفة بأسعار معقولة.
9- التطبيق الصارم للقوانين البيئية المرعية الإجراء، لا سيما قانون حماية البيئة رقم 444 الصادر في 29/7/2002، وتفعيل دور النيابة العامة البيئية، المُحدثة بالقانون 251/2014، كما الضابطة البيئية المنشأة بالمرسوم رقم 3989/2016. ناهيك عن تطبيق “شرعة المواطن البيئية” في لبنان، للعام 2003.
10- لمزيد من حماية “الأخضر” في لبنان، ينبغي إضافة محميات جديدة إلى المشرعنة راهنًا (عددها 18)، لا سيما غابة العذر في عكار، وحلّ الإشكالات القائمة حولها بين عكار العتيقة وفنيدق، فهي أجمل الغابات، على مستوى الشرق الأوسط.
11- بما يخصّ السدود، التي أثبتت عدم صلاحيتها، وتمّ هدر أموال طائلة على إقامتها، فإن البديل منها يتمثّل في ترشيد استخدام المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي وتكريرها، وإعادة تخزين مياه الأمطار، واعتماد خيار السدود الجوفية.
12- كون المدرسة هي المكان النظامي للتعلّم والتعليم – ربع سكان لبنان من الطلبة – وإذْ يمضي الطالب خمس عشرة سنة من عمره في المدرسة، فإن المطلوب خلق ثقافة بيئية، لدى أطراف الهيئة التعليمية: بدءًا من الإدارة، مرورًا بالهيئة التعليمية، نزولاً إلى الطلبة ولجان الأهل.
13- دمج قضايا البيئة، والتربية على البيئة، في مختلف المواد الدراسية (اللغات، العلوم والرياضيات، العلوم الاجتماعية، التاريخ والجغرافيا)، بحيث تغدو ثقافة البيئة عابرةً لمختلف مواد المنهج، وليست مقتصرة على كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية.
14- دعوة وزارة التربية و”المركز التربوي” في لبنان إلى التراجع عن الخطوة المتمثّلة مؤخرًا بتخفيف (Allègement) محاور التربية البيئية، وحذف بعضها، لصفوف المرحلة المتوسطة.
15- إشاعة الوعي البيئي، عبر الإعلام، بوسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة، وتعزيز دور الحملات الرقمية، التي أثبتت فعاليتها في العديد من محطات حراك المجتمع المدني في مواجهة الانتهاكات البيئية.
16- تعزيز دور المنصات البيئية ومراصد البيئة، والنوادي البيئية المدرسية، ترسيخًا لثقافة البيئة وبهدف فضح ما يجري من انتهاكات، على صعيد البيئة.
17- إطلاق حملات توعية، عبر إحياء الأيام البيئية (إحياء اليوم العالمي للتنوّع البيولوجي/ اليوم العالمي للسلاحف البحرية)، مع العمل على تحويل بناء المدرسة إلى بناء أخضر. وفي هذا المجال، يجب أن يكون حضورٌ لوزارة الإعلام، عبر برامج تثقيفية وتوثيقية مشوّقة.
18- نظرًا لأهمية القضايا والمحاور التي طرحتها هذه الورشة، سواءٌ على المستوى العالمي والمستوى المحلي (اللبناني)، فقد أوصى المشاركون بطباعة أعمالها في كتاب، بهمّة “مركز تموز” و”مؤسسة هانس زايدل” الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى