المقالات

الاشتباك والقيادة الفاشلة \ بكر أبوبكر

باتت الأمور في فلسطين في حالة من الاستعصاء العجيب والتأزم الشديد، لا يفيد معها التفكير باتجاه واحد أو من طرف واحد، أو في سياق هدف واحد.

إنها اشتباك أو أزمة (بل اشتباكات وأزمات) بات معها الحليم حيرانًا، وبات لا يفيد معها تركها للزمن في فكر انتظاري أو تأجيلي تسويفي يفترض أن المشكلة قد تحل نفسها بنفسها دون أي قطران، أو يراهن على الآخر، أو على العوامل الخارجية فهذا تفكير خطر ومسعى فشل.

إن الاشتباك القائم حاليا بين مختلف المواضيع الداخلية بخيوط لا تكاد يتم تبين أولها من آخرها، وتلك السياقات الخارجية، بات أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.

نرى تشابكًا صعبًا وتواصلًا للفعل الداخلي وتأزمه من تعارضات متعبة بين أصحاب الشمال وأصحاب الجنوب في صراع السلطة المحدودة تحت الاحتلال، وفي صراع التكتيل العقيم، وصراع المستقبل الحزبي-الأنوي.

كلٌ قد استراح في منطقته الجغرافية والنفسية، وروايته المنقوصة، وتشابكاته مع دول المصالح اللافلسطينية، لا يضيره ما يحدث للآخر بقدر ما ترتفع أولويته ويبرز عنقه عاليًا للإيقاع بالآخر شتمًا وضربًا واتهامًا وتكفيرًا وتخوينًا، ولو على حساب الهدف الوطني المشترك، حيث يفوز الآخرون بالإبل!

كلا الطرفين يتفقان على المقاومة الشعبية لكنهما يهلّلان لغيرها، وهما ليسوا أصحابها معًا، وكلاهما مع التسوية السياسية فيمنعان التقدم على حدود غزة لضرب الجيش الإسرائيلي بضبط حديدي كما يتم منع العمليات العسكرية بالضفة فيما يسمى التنسيق الأمني لا فرق بينهما الا بأن هناك اتفاق رسمي وآخر حزبي مع دولة الاحتلال، فلماذا التحارب الوطني والاشتباك؟

الطرفان يتفقان على أسس الوحدة الوطنية والقرار المشترك بالسياسة والحرب ويمتنعان عن تنفيذ ما يتفقان عليه؟! حيث تطغي التصنيفات والأيديولوجية، وتبرز أولويات أصحاب المصالح والسلطوية المحدودة تحت الاحتلال فتظل المياه مقطوعة عن مشروع أو نهر الوحدة الوطنية وتتدفق في مسار مزيد من الانقسام والانشقاق، في انتظار مستقبل ما بعد الاشتباك والامتناع عن التقدم.

باتجاه آخر نرى عدم اهتمام عام لمآلات القرارات السلطوية من جهة في خضم اضراب فاق الشهرين ترك التلاميذ بالعراء، ما عرّى القيادة في جميع الاتجاهات أي داخل أصحاب الإضراب، وداخل الحكومة معًا الذين وقفوا عاجزين عن فهم الأولوية الوطنية، وأهمية التنازلات بين الأخوة، وأهمية الثروة الوطنية ممثلة بالطلاب.

إن المضحك المبكي أن هذا يحصل في ظل تفاقم الاعتداءات الصهيونية الإرهابية العدوانية على شعبنا ومن الجيش وعصابات المستعمرين المتوحشة وفي القدس وكل مكان، وهي الاعتداءات التي كان من المفترض أن تشكل دافعًا لمزيد من الاقتراب بدلًا من تواصل الاشتباك غير المفهوم!

الحكومة لم تستطع أن تجد الحل الملائم في ظل وجوب تبريد الجبهة الداخلية مقابل جمع الكل الوطني لمقاومة ارهاب المستعمرين ومليشياتهم السائبة بالضفة والقدس وغزة ولفضح اعتداءاتهم العنصرية الاجرامية داخليًا وعربيًا وخارجيًا.

كما فشل أصحاب الإضراب في تقدير الأمور وفي ردود الفعل العنيفة والغريبة ضد كل من يتقدم بمبادرة كما تمت الإساءة مؤخرا للواء جبريل الرجوب، وكأن هناك تيار توتيري (ولربما يكون شخص واحد أو بضعة أشخاص فقط) لا يريد مطلقًا أن تحل المشكلة! بل الهدف هو مزيد من التوتير والاشتباك لإسقاط مجمل السلطة من جهة، وحرف الهدف الوطني العام، وتدمير مستقبل الطلاب ثروة الأمة، ما لا نعتقد أنه مسعى أي من الطرفين بتاتًا، ولكنه مسعى التفاحة الفاسدة التي يجب أن نستدل عليها، ونزيلها من الصندوق بقرار صارم.

إن التفكير الأكثر خدمة لهدف الوطنية الجامعة، وفي ظل استعادة السند العربي المتين يتجلى بوحدة النقابات عامة مع القيادة السياسية ومع كافة الفصائل ومنظمات المجتمع المدني، فما زلنا للعلم في مرحلة تحرر وطني لمن لم يدرك ذلك بعد، وقد يقول قائل: في ظل عدم نسيان المطالب فنقول: نعم، ولكن مع تفعيل الأولوية القصوى على ما سواها في ظل شلال الدم النازف والمستقبل المهدور.

على القيادة السياسية قبل أو في ذات مسار العمل الخارجي والاعلامي ان توحد الخطاب الوطني والبناء الوطني بين أهل السلطة والفصائل بالاتجاهين بمعنى امكانية تجميد الخلافات الايديولوجية المستعصية مقابل التوحد نحو الهدف الجامع الذي لا يختلف عليه اثنان، هذا إن كانت مرحلة التحرر الوطني مازال لها حظ من القبول، فلا تلقى التهكم والسخرية غدًا من التفاحة الفاسدة.

إن تشابك الاهداف والمؤثرات والمصلحي الحزبي في مقابل الوطني العام (المرتبط بالجدار العربي الصلب) يحتاج فعلا لقائد مقدام يفكك الخيوط المتشابكة ويبني الهدف الوطني ضمن الإطار الجامع الذي يقر به الجميع أي من خلال منظمة التحرير الفلسطينية.

ان عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني أصبح واجبًا وليمثل كل من لم يُمثل سابقا من الشخصيات الوطنية الوازنة ومن النقابات ومؤسسات المجتمع المدني وحتى من أصحاب مدرسة الفسطاطين الغريبة على شعبنا، أو من يستطيعون منهم فك اشتباك الايديولوجي بالسياسي ومد اليد ثانية وثالثة.

إن القيادة في كافة المستويات والأطر والفصائل والمنظمات والنقابات عليها واجب الحث والدعم وتحقيق المصالح الخاصة لجماعتها نعم، ولكن قبلها لها أجمعين أولوية تلك المصالح والأهداف الوطنية العامة، وعليها إدراك الفرص، واحتياجات الناس وأهداف الجماهير، وعليها فهم المتغيرات وطرق باب المستقبل بالمصداقية والثقة بالجماهير وبالإقدام نحو الأخوية الجامعة لا الاشتباك المشكوك أو التأزيم الموبوء.

إن قيادة متردّدة تُؤثر الظلام على النور هي قيادة فاشلة.

وقيادة تسبح في دماء ثروة الأمة قيادة فاشلة.

والقيادة التي لا تتنازل لمصلحة الطرف الوطني الآخر (للأخ) قيادة فاشلة.

والقيادة السياسية التي لا تصنع الأمل وتُرِي الناس النور في نهاية النفق قيادة فاشلة.

والقيادة التي تتهاوى أمام الاشتباك أوتفقد زمام المبادرة قيادة فاشلة.

والقيادة التي لا تأخذ احتياجات ومطالب الجماهير بعين الاعتبار قيادة فاشلة.

والقيادة التي تعتمد التأجيل والتسويف، لا مواجهة الأزمة بوضوح، قيادة فاشلة.

واليك الأكبر همًا فإن القيادة التي تكذب هي قيادة فاشلة.

كما أن القيادة التي لا تميّز بين الأولويات الوطنية، وأساسها الاشتباك مع المعتدي الإسرائيلي، مقابل الثانويات المؤجلة هي قيادة فاشلة.

والقيادة التي تصطك قدماها عند ضرورة اتخاذ القرار المناسب بالوقت المناسب قيادة فاشلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى