المقالات

مقاربة حذرة لقضية ردم جانب من البحر في طرابلس

لم يعد خافيا أن مشروع ردم حوالي مليون متر مربع من البحر مقابل الملعب الأولمبي في طرابلس أصبح مادة رئيسية من مواد الحياة الطرابلسية، ليس فقط في المقاهي والصالونات بل في منتديات أساسية من منتديات المدينة، ما أضاف طبقا جديدا للمائدة الطرابلسية الممتلئة بالمنوعات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإنمائية وبالطبع الأمنية، فضلاً عن ما توفره الثورة السورية وتداعياتها من نكهات، خصوصا مع تشظي مزحة النأي بالنفس وإيغال حزب الله في الأزمة السورية. وقد طرح الموضوع للمرة الأولى على لسان النائب روبير فاضل في لقاء مباشر وحي مع بولا يعقوبيان مع حشد من الفعاليات السياسية والشعبية في أعقاب احدى جولات الإقتتال  في التبانة- بعل محسن وجوارهما.                                                                                                                              ورث النائب الشاب النيابة وأعمال الخير في المدينة عن والده، وطعمها مع زوجته بنكهة من العمل المدني والشبابي، ظهرت خصوصاً في نشاط “طرابلس خالية  من السيارات” وجوائز تشجيعية لبعض المشاريع وغيرها من المساهمات. كما حاول الفاضل “إنقاذ مشاريع” نواب التضامن الطرابلسيين حين انفجرت الكتلة وتفرق العشاق في أعقاب إسقاط حكومة سعد الحريري وانعكاس ذلك على البلد عموماً وعلى طرابلس خصوصاً، حيث زاد فيها منسوب الفوضى والتوتر وصولاً للإستباحة، والنتيجة تراجع في المشاريع الإنمائية، النادرة أصلاً، رغم وجود رئيس وعدة وزراء من المدينة ، وتراجع(أو تجميد) في الدعم الخليجي، خصوصا المرتبط بباريس3. ويقول النائب الطرابلسي أن انسداد أفق الدعم لتنفيذ مشاريع تؤمن فرص عمل لألوف الطرابلسيين العاطلين والمهيئين للإرتزاق الميليشياوي، حمله وثلة من رجال الأعمال إلى ابتداع مشروع يقوم على تأمين أموال لمشاريع إنمائية واستثمارية من خلال التشبيك مع الدولة في استثمار مساحة بحرية لبيعها لشركات تردمها وتبني عليها مشاريع سياحية بشروط معينة، ربما تحسن من الصورة النمطية للمدينة، وذلك عن طريق تأسيس شركة نوعية يساهم فيها الطرابلسيون، على أن يعود الجزء الأكبر من الربح لإنماء وإعمار المناطق المنكوبة، ومن الطبيعي أن يقابل هذا المشروع الطموح نوعان من الردود الصاخبة:
1-    التأييد المتسرع والمنطلق من الرغبة في الخروج من حالة المراوحة والتراجع والإختناق التي تعاني منها المدينة.
2-    الرفض المتسرع من فئات واسعة طرابلسية وغير طرابلسية لأسباب ندرجها في العناوين التالية:
a.    فقدان الثقة  بالفئات المتمولة الطرابلسية التي لطالما كان جشعها وميلها الريعي ورغبتها بالربح السريع يشكل سمتها الرئيسية، خصوصاً في فترة الأزمات، علماً أن فقدان الثقة يطاول معظم الطبقة السياسية الطرابلسية لجهة قلة اهتمامها بالمسألة الإنمائية.
b.    موقف مبدئي عند معظم الهيئات وناشطي المجتمع المدني من اجتياح الشواطئ بالباطون. ومن الخبز اليومي للطرابلسيين التندر بنزهة الساحل حيث لم يكن هناك منتجعات بحرية اسمنتية، تكاد تقفل كل الشاطئ من طرابلس حتى الهري على العامة.
c.    الخوف على الثروة السمكية واستطراداً على مصالح الصيادين والتي تعرضت أصلا لأخطار بيئية جمة على طول الساحل الشمالي.
d.    القلق البيئي الإجمالي والمشروع(أو الهواجس باللغة الدارجة)، خصوصاً ان منطقة الضم والفرز شكلت نموذجا سيئا لجهة القضاء شبه التام على بساتين وأشجار الفيحاء، ولولا استبسال بعض فئات المجتمع الطرابلسي المتنور لما كان ممكناً كبح جماح المقاولين والملاكين الكبار بتخفيض نسبي لعامل الإستثمار. علماً أن هذه المنطقة كان ممكنا أن تشكل جنة اقتصادية وبيئية، فيما لو حولناها منطقة مخصصة للشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا الناعمة، خصوصا أنها قريبة من الشاطئ ومن مخارج الألياف في الميناء والتي تربط لبنان مع بلدان مهمة في الخط المعلوماتي البحري، فضلا عن قربها من المدينة الجامعية التي تشاد في المون ميشال(البعض يقول أنها كان ممكنا أن تكون (little silicone valley.
e.    هناك ميل لدى كثر بالرفض التلقائي لأية مشاريع كبيرة للمدينة، يرافقه ميل للجدل المضجر والمنفر للمستثمرين على أنواعهم، كأن يتظاهروا بالقلق على الباعة المتجولين والكادحين بينما يضمروا رفضاً للمشاريع الترفيهية والسياحية الكبيرة(كالمارينا مثلا)،علماً أن معظمهم من قاصدي هذه المشاريع في البترون وجونية وبيروت وفي سياحتهم خارج لبنان. دون أن ننسى بالطبع ممانعة بعض المتزمتين والمتشددين والمحافظين والمنغلقين والذين يفضلون طرابلس القلعة على طرابلس المنفتحة على الآفاق.
f.    لدى الطرابلسيين عدم ثقة بإدارة وطريقة تنفيذ المشاريع، خصوصاً مما لمسوه في مشاريع البنى التحتية الكارثية في المدينة، حيث تنعدم الشفافية والمسؤولية وتعامل المدينة بقسوة واستهتار واستخفاف من قبل المقاولين والشركات، مترافقة مع تشظي العقود دون مراقبة فعلية، خصوصا من مجلس الإنماء والإعمار.     
g.    شعور الكثيرين بصعوبة  الوضع الراهن وضرورة أن يكون هناك حلولا ومشاريع سريعة، والبعض يستحضر العامل الأمني بمواجهة المشاريع المتوسطة الأجل أو ذات الطابع السياحي، علما أن طرابلس ستلعب دورا رئيسياً على المديين المتوسط والطويل، خصوصاً بعد انتهاء الأزمة السورية. والبنية الطرابلسية يجب أن تتهيأ لهذا الدور لتنال جزءاً من “إيجابيات” الأزمة السورية عوض استجرار “سلبياتها” فقط.
ويقول النائب فاضل في محاوراته أنه لن يذهب بالمشروع للآخر،إلا إذا لاقى قبولاً إجماليا، وإنه شخصياً سيكون راعياً ومساهما غير مستثمر، وهذه إشكالية “السياسي الإقتصادي” في كل بلد، فكيف إذن في بلد يكاد يصبح فيه الفساد ثقافة. على كلٍّ، يجب استكمال الصورة الغامضة، إذ لم نسمع حتى الآن سوى جانبا من الرؤيا وبعض الأهداف، ولكن لا شيء عن مفاصل المشروع والتي يجب أن يصيغها أشخاص متعددو المزايا والكفاءات وذوو سمعة عالية. أما السؤال الجوهري فيطاول الإطار الملائم الذي سيربط مجلس الإدارة والمستثمرين بالدولة وطبيعة التواصل مع المجتمع المدني. فهذا سيشكل موضوع تجاذب كبير، مما يتطلب صلابة ومرونة وبعد نظر في آن، فضلاً عن النفس الطويل، وهي صفات نادرة في هذه الأيام.                                                                     
طرابلس متعطشة للإنماء ولخلق فرص عمل حقيقية عن طريق مشاريع ذات جدوى فعلية ومرتبطة بدور المدينة الإقتصادي في الشمالين اللبناني والسوري وغيرهما، لذا يقع على عاتق أصحاب هذا المشروع أن يجاوبوا على أسئلة عميقة ومتنوعة، منها البيئي والإقتصادي والإجتماعي وربما الأخلاقي، كما يجب أن تتقاطع تصوراتهم مع خطط التنمية المتنوعة بما فيها خطة التنمية الإستراتيجية لإتحاد بلديات الفيحاء والتي استمرت دراساتها سنوات بدعم وإشراف دول غربية متوسطية مانحة.
ربما نضمر مساومة بيئية محدودة لقاء منافع حقيقية للمدينة وأهلها، مع ذلك فمن الصعوبة بمكان الحكم على هكذا مشروع قبل استكمال مفاصله الرئيسية وثناياه، علماً أن المشروع لا يجب أن يعفي القوى السياسية  والبلدية والمدنية المختلفة، الحكومية خصوصا، من العمل لمشاريع آنية، سواء في البنية التحتية(كالطرق والكهرباء والخدمات الأساسية)،سواء استثمارية وتحديثية وانتاجية(كتحديثABC وبعض المصانع والورش والأسواق القديمة والتسويق والتراث، خصوصا في الوسط ومحيطه)،كما لا يجب أن يحيدنا عن مجموعة الميم : مرفأ-منطقة اقتصادية- معرض- مطار- مصفاة –مشافي- مدارس- مراكز اجتماعية- مدينة جامعية وغيرها من الميمات والأحرف. من هنا نرى ضرورة الإنخراط الواسع في نقاش المشروع في موازاة تحفيز الحراك المدني المتنوع بوجه التشويه والعنف والفوضى ودعماً للإنماء الذي يشكل المدخل الأساسي لمقاربة معظم قضايا المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى