ثقافة

المؤتمر العلمي الدولي الأول في جامعة الجنان

“عولمة الإدارة في عصر المعرفة، معالم المدرسة الإدارية المعولمة في عصر المعرفة ” شكّل تسارع التحولات الكبرى على كافة المستويات الاقتصادية والتقنية والاجتماعية وغيرها، تحديات في وجه المسؤول الإداري حول كيفية التعاطي مع تلك التحولات، والبحث الدؤوب المستمر عن حلول جديدة غير مألوفة تقوم على الإبداع والمبادرة واستشراف المستقبل وتساهم في عصرنة الإدارة وتطويرها.
إنّ عصر المعرفة، وما رافقه من ثورة الاتصالات وانتشار التقنيات الحديثة وما لازمه من اهتمام متزايد بالرأسمال البشري، أثّر على تطور الفكر الإداري وانفتاح التجارب الإدارية على بعضها البعض. فهل يحمل عصر المعرفة في طياته عولمة للإدارة؟ أم أنّ التنوّع الثقافي والبيئي سيبقي على التنوّع في المدارس الإدارية؟
انطلاقاً من المشاركات البحثية المتخصصة التي توليها كلية إدارة الأعمال في جامعة الجنان بالغ الأهمية، نظّمت الجامعة مؤتمراً علمياً دولياً حول:”عولمة الإدارة في عصر المعرفة، معالم المدرسة الإدارية المعولمة في عصر المعرفة”، حيث ناقش على مدى ثلاثة أيام مواضيع مختلفة حول الإدارة والعولمة في عصرنا الحالي، وقُدّمت أبحاث وأوراق عمل ومشاركات ما يزيد على خمسة وثلاثين باحثاً من مختلف الأقطار العربية.
بعد النشيدين اللبناني وجامعة الجنان، وتلاوة عطرة من القرآن الكريم لشيخ القراء الشيح زياد الحج، افتتح المؤتمر بترحيب من الدكتور رامز الطنبور بالحضور قائلاً: “نرحب بضيوفنا الكرام الكبار من دول المشرق والمغرب العربي، نرحب بهم رواد معرفة وبحث وعلم، في مدينة العلم والعلماء طرابلس بصورتها البهية الناصعة المكلّلة بحضوركم الكريم.
كما نتطلع من خلال مشاركتكم إلى تفعيل محاور المؤتمر ومخرجاته، وإلى تطوير علاقتنا الأكاديمية وتنشيط لما فيه رفعة المستوى الأكاديمي، وانعكاساته المعرفية والحركية في الواقع الحياتي المعاش.”
وتابع:” لم تدع العولمة باباً إلا وطرقته، فدخلت من باب الاقتصاد وتغولت فيه، وتنوعت أشكالها ومداخلها، فشهدنا العولمة الثقافية والأمنية والتكنولوجية. ولم تستطع الإدارة بأفكارها وعلومها وتطبيقاتها أن تنأى عن أبعاد العولمة. فظهرت إشكالية عولمة الإدارة في ظل عصر سريع التحوّل والتبدّل على كافة المستويات المعرفية وأدواتها وأساليبها… من هنا تكوّنت مادة دسمة لمؤتمرنا الدولي هذا”.
ثم ألقى رئيس المؤتمر – عميد كلية إدارة الأعمال –  الدكتور عمار يكن كلمة الافتتاح، مرحّباً بالحضور قائلاً:” جمعنا اليوم في هذا اللقاء الأول، وعساه أن يكون بداية الطريق لثورةٍ علميةٍ، تُمسك من خلالها بلادُنا العربية والإسلامية، زمام المبادرة، وتؤًصّل علومها، وتردم فجوة الانهيار الحاصل، وتعيدُ بريق الأمل نحو مستقبل أمة تسود العالم لغةً وثقافةً وعلماً.”
ثم تابع:” جاء هذا المؤتمر ليحقق رؤية منظورة وأخرى مهدورة؛ أما الرؤية المنظورة، فهي قراءة واقعِ المنظومة الإدارية من جميع جوانبها، وعلى كل مستوياتها، في عصر اقترب فيه الزمان والمكان والحال، فتغير بذلك السلوك، مما يسلتزم فهمه من جديد.
أما الرؤية المهدورة، فذاك العالم الذي خطف من أيدينا، وأمام ناظرَينا، لا بل بإرادتنا، حين تغلبت مصالحنا الفردية على الاجتماعية، وحين عبث العابثون بممتلكاتنا المادية والفكرية وحتى البشرية، وأصبحنا على قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام أمام اقتصاد متطور وآخر صاعد أكثر فتكاً، وأشدّ تدميراً لاقتصادنا، وما يلحق ذلك من تبعات.
هذه الرؤية المهدورة تتطلع إلى الوقت الذي نستطيع فيه أن نخرج من كبوتنا العلمية، ونضع للعالم وللمرة الثانية بعد مدرسة رسول الله صلى الله عليه سلم، مدرسة إدارية عالمية، لتعود لنا القيادة والريادة والسيادة.”
وختم يكن كلمته بإعلان عنوان المؤتمر قائلاً: “الإدارة المعولمة في عصر المعرفة” هو عنوان يحمل دلالاتٍ متجددةً، على قدر ما يشمل من مفاهيم خرجت من طورها الكلاسيكي، وأخذت تتطور سريعاً، متأثرةً بديناميكيةٍ تحركها عجلةَ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.”
أما رئيسة الجامعة الأستاذة الدكتورة منى حداد فقالت:” إنّ العولمة قد أوجدت تسارعًا فيما أحدثه العلم من تطور في مجال الاتصالات، خصوصاً بعد بروز الإنترنت والتي فتحت مجالا واسعاً في التبادل المعرفي والمالي، وجعلت الحصول على المعلومات أكثر يسراً وسهولة.
من هنا يجب أن نبحث معاً عن كيفية الإفادة من هذه النمطية الحالية والتطور الحاصل في مجال الاتصالات والمعلومات، طالما أننا الحلقة الأضعف حالياً، ولكننا نسعى صادقين إلى تحرير العولمة، من خلال أنسنة مفاهيمها وإلباسها لبوس أمتنا وصورة حضارتنا.”
وتابعت قائلة :” إن تميزنا اليوم بما نحمل من إرث معرفي يكمن في أننا نرى الأمور من مختلف الزوايا، ويمكننا إجراء مقارنة سريعة بين العناوين ومضامينها فيما لايعدو أن يكون مجرد نظرية قابلة للتطبيق متساوية النجاح والفشل. فإننا نملك إرثاً من التطبيقات العملية الناجحة على مدى تاريخنا المجيد.
وليست الإدارة إلا إحدى العناوين الأساسية في عصرنا الحاضر، وهي في عود على بدء راحت تبحث عن أشكال جديدة تطور من أدائها وتفعل حضورها كسبيل نجاح وتحقيق تقدّم استراتيجي وأرباح مادية.
ويقع الآن في رأس قائمة التطوير الإداري، الإهتمام بالموارد البشرية  وتفعيل روح الإنتماء إلى المؤسسات والرقابة الذاتية ورأس المال البشري للمؤسسة، بما يختصر من خبرات وكفاءات وأداء عال.
إنها محاولة من جامعتنا – الجنان – بالاستناد إلى ما سبق، للمساهمة في إشعال شرارة صغيرة للانطلاق نحو أفق واسع وجامع، يعطي للإدارة بعداً إنسانياً معرفياً جديداً، يستفيد من تقديمات العولمة وأفكارها المنفتحة، ومقتبسة من المدارس الإدارية الغربية، مما يعزز المدرسة الإدارية في الإسلام.”
ثم انتقل بعدها الحاضرون والمشاركون إلى قاعة المؤتمرات في الجامعة لتبدأ أعمال المؤتمر بجلساته ومحاوره المتنوعة.
أسئلة كثيرة طرحت على طاولة البحث وفي جلسات المؤتمر، وأهمها:
–    الجلسة الأولى: “الحوكمة في ظل العولمة” حيث ترأس الجلسة الأستاذ الدكتور أمين صليبا، ومقررها الأستاذ الدكتور سعيد المجذوب.
–    الجلسة الثانية: “القيم المجتمعية (التشابه، الاختلاف، الاندماج)، ترأسها الأستاذ الدكتور فضل الله يخني، ومقررها الدكتور محمد ياسين غادر.
–    الجلسة الثالثة: “الموارد البشرية في ظل الإدارة المعولمة”، ترأس الجلسة الأستاذ الدكتور كامل بربر، ومقررها الدكتور رضوان الشغري.
–    الجلسة الرابعة: “ثقافة الجودة وعولمة الإدارة”، ترأسها الأستاذ الدكتور عابد يكن، ومقررها الدكتور رامز الطنبور.
–    الجلسة الخامسة: “البيئة التقنية والتحولات الإدارية والإنتاجية”، ترأسها الأستاذ الدكتور عبد الإله ميقاتي، ومقررها الدكتور رضوان شغري.
–    الجلسة السادسة: “الإدارة في الإسلام والعولمة”، ترأسها الأستاذ الدكتور عاطف عطية، ومقررها الدكتور زكريا بيتية.
–    الجلسة السابعة: “المدارس الحديثة والكلاسيكية (تنوع وانسجام)”، ترأسها الأستاذ الدكتور أحمد محمد أحمد برقعان، ومقررها الدكتور رامز الطنبور.
–    الجلسة الثامنة: “التحولات الاقتصادية والأنماط الإدارية”، رئيس الجلسة النقيب الأستاذ بسام الداية، ومقررها الدكتور زكريا بيتية.
وقد استكملت الجلسات بورشات عمل مختلفة ومتنوعة للأساتذة المشاركين.

وبعد الانتهاء من أعمال المؤتمر ألقى الدكتور عمار يكن كلمة ختامية قال فيها: “لا أدري ما أقول وأنا أنظر إلى أحدكم يحمل همّ أمته ويجعل رسالته في الحياة البحث عن الحقيقة المجرّدة، كل حسب اختصاصه واهتمامه، لينفض عنها غبار الركود، باعثاً الأمل من جديد.”
وتابع:” دعوني في نهاية مؤتمركم هذا أن أصف لكم بعضاً من معالم المدرسة الإدارية المعاصرة، وأوضح معالمها، إنها: مرنة في هيكلها، تشاركية بين أفرادها، تفاعلية مع مجتمعها، متعلمة من تجربتها، مواكبة لحضارتها، استراتيجية في كل قراراتها ومحافظة على بيئتها.
هي مدرسة إدارية قائمة على الرسالة العظمى التي لا تصلح المنظمة إلا بها، رسالة الأخوة والمشاركة والقيم الحميدة. رسالة تدعو إلى التنافس لإرضاء الخالق وليس لإرضاء الذات. فإذا رضي الخالق رضيت الذات.”

توصيات المؤتمر:
وفي ختام أعمال المؤتمر إجتمعت لجنة التوصيات وأصدرت الصيغة النهائية لما تمخضت عنه أبحاث المؤتمر فكانت التوصيات التالية، التي ألقاها أمام الحضور رئيس اللجنة العلمية الدكتور بسام حجازي:
أولاً: إفساح المجال للمواطنين في تحقيق أطر قانونية وتنظيمية مستقرة. الأمر الذي يؤدي إلى زيادة قدرة الحكومات على إدارة وتنفيذ القوانين واللوائح والسياسات بشكل سريع ومنسق، من أجل إيجاد مناخ جاذب للاستثمار.
ثانياً: توسيع المجالات البحثية العلمية في موضوع الحوكمة لتكون مبادئها ومعاييرها سلسة التطبيق في مؤسسات الأعمال وتكون في صلب ثقافة بيئة الأعمال. بما يمكّن من وضع آليات أكثر اتساعا، تشجع مؤسسات الأعمال على الإفصاح والشفافية في المعلومات وتخفيض مستوى ما يسمى بـ “سرية المعلومات”.
ثالثاً: ضرورة تكامل الجوانب الفكرية للحوكمة مع الجوانب التطبيقية و استخدام الشفافية،  مما يعكس دور الجوانب المالية والمحاسبية و الرقابية.
رابعاً: إشاعة ثقافة الحوكمة من خلال تطوير التشريعات التي تضمن الاستقلال الحقيقي للجامعات من مختلف الجوانب المالية والإدارية.
خامساً: الاهتمام بالقيم الاجتماعية والأخلاقية، وتنمية القدرات و الابتكار و التجديد و تطوير الكفاءات، لامتلاك أهلية التعامل مع التكنولوجيا المتطورة في مجال المعلومات و الاتصالات.
سادساً: تبنّي منظمات الأعمال العربية لتنظيم إداري يتميز بالمرونة الكافية بغية استقطاب الكفاءات و القيادات الإدارية المبدعة.
سابعاً: بناء نموذج لثقافة الجودة و التميز للجامعات العربية و تطبيقها.
ثامناً: وضع استراتيجيات إدارة المخاطر في منظمات الأعمال لمواجهة متطلبات العولمة.
تاسعاً: على منظمات الأعمال أن تولي المزيد من الاهتمام و أن تتبنى إدارة المعرفة بما يدعّم العملية الإبداعية.
عاشراً: ضرورة سعي المنظمات إلى توفير متطلبات مشاركة المعرفة بدلا من الاعتماد على نقل المعرفة.
حادي عشر: العمل على غرس المزيد من القيم الأخلاقية المهنية بجوانبها كافة لدى النشء بما يعزز بناء جيل محصن لمقابلة متطلبات الحوكمة و العولمة.
ثاني عشر: إنشاء المزيد من المراكز البحثية لإعداد خطط استراتجية، مما يمكنها من التعامل مع التحديات التي تفرضها العولمة.
ثالث عشر: التركيز على استخدام الإدارة الإلكترونية في منظمات الأعمال.
رابع عشر: تحسين درجة التكيّف و التفاعل لمنظمات الأعمال مع المستجدات البيئية المتسارعة.
خامس عشر: إنشاء قاعدة معلومات عربية و إفساح المجال للباحثين للاستفادة منها.

ثم تم توزيع شهادات مشاركة على جميع الباحثين الذين شاركوا بأوراق بحثية، وتكريم للأساتذة الإداريين في الجامعة وللطلاب الذين ساهموا في نجاح هذا المؤتمر العلمي الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى