الأخبار اللبنانية

الراعي: على مسيحيي لبنان والشرق تعريف العالم الغربي بالاسلام

أكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي “ان على مسيحي لبنان والشرق تعريف العالم الغربي بالاسلام، وعلى مسلمي لبنان تعريف العالم الاسلامي بالمسيحية”.

كلام الراعي جاء مساء أمس في ختام جولته الراعوية في منطقة عكار حيث كانت محطته ما قبل الاخيرة في بلدة ايلات، وقد نظم له استقبال شعبي حاشد بمشاركة رئيس البلدية عمار محمد وإمامي مسجد إيلات الشيخ خضر عبدالله والشيخ ربيع عبدو، والمنسق العام ل”تيار المستقبل” في عكار الدكتور عصام عبد القادر والمختار ريمون سعادة، وكاهن الرعية جان سلوم وفاعليات سياسية واجتماعية ودينية وحشد من المؤمنين.

وقال: “أشكر الله على لقائنا بكم في ايلات لما تمثله ولما سمعناه من كلام رائع، وكأن العناية الالهية شاءت ان تكونوا، مسلمين ومسيحيين، في هذه البلدة تماما كهاتين السنديانتين العظيمتين اللتين تظللان هذه الساحة، وجمالهما انهما مع بعضهما تمثلان المسيحية والاسلام معا، صامدتين تماما كالكنسية والمسجد، وهذا ما تقوله الطبيعة ايضا.
وأكتفي بالقول إن كل ما سمعته من كلمات تضمنت الفلسفة واللاهوت الاسلامي والمسيحي الذي يمثل الثقافة والحضارة اللبنانية، نوقع توقيعا بطريركيا واسقفيا على كل مضمونه.
ونحن نسمع هذه الكلمات ونرى كيف ان المسلمين والمسيحيين، بكل محبة وإخلاص، يستقبلون البطريرك الماروني، وقد سمعنا ما سمعناه. أقول ان رسالتنا في لبنان كبيرة جدا وخطيرة، لأن ثقافتنا وهويتنا اللبنانية تكونت هكذا، وربما من حيث لا ندري”.

وأضاف: “الثقافة المسيحية والهوية فيها شيء جوهري من الاسلام، والاسلام اللبناني بهويته فيه شيء اساسي من المسيحية، وما نراه الآن أكبر دليل على هذه الهوية المشتركة، ولذلك لا يمكن انفصالهما عن بعضهما البعض، ولا يمكن أن يعيش لبنان بلون مسيحي او بلون مسلم فقط، والعناية الالهية قادت مسيرتنا حتى جعلتنا موجودين معا في معظم المناطق والبلدات والقرى اللبنانية”.

وتابع: “في عكار لمسنا لمس اليد جمال هذا العيش الواحد والتزاوج الرائع الذي رأيناه، لكن مسؤوليتنا ورسالتنا نحن المسيحيين أن نعرف العالم الغربي بالاسلام، فالعالم الغربي عامة يتهم الاسلام بأنه دين العنف والحرب، وكأنه لا يمكننا العيش معه، ولكن رسالتنا كمسيحيين لبنانيين وشرقيين أن نعرف الغرب بمفهوم الدين الاسلامي وقيمه وثقافته وروحانيته، ومسؤولية المسلمين في لبنان والعالم العربي أن يعرفوا المجتمع الاسلامي بالمسيحية، فالمسيحية هي دين المحبة واللقاء والحوار، وليست ديانة الكفر، ولا هي من بقايا الاستعمار ولا من بقايا الصليبيين. هذه المسؤولية مشتركة”.

وقال: “ما عرفته من الشيخ خضر أنكم في هذه البلدة تمارسون نموذج تداول السلطة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي والاختياري، وهذا من روائع ايلات وجمالات لبنان، ودعاؤنا أن يكون عيد الفطر المقبل انفتاحا للسماء على الارض بكل خيرات الله.
ومن مظاهر النعم السماوية، أنكم على الرغم من ان النهار شارف الانتهاء وانتم صائمون، الا ان نبرة الصوت التي سمعناها عند الشيخين ربيع وخضر علمتنا أن الصوم يجوهر القلب واللسان ايضا”.

وكان الشيخ ربيع عبدو إمام مسجد ايلات القى كلمة ترحيبية أكد فيها “ان ايلات هي نموذج العيش الواحد وليس المشترك، وهي فرحة مسرورة بقدومكم يا صاحب الغبطة. نرحب بكم في هذه الزيارة الختامية لعكار في ايلات الابية بمسلميها ومسيحييها، رجالها ونسائها، كبارها وصغارها يحتفون بقدوكم.
نرحب بكم بين اهلكم واخوانكم، رجلا شامخا كأرز لبنان الحبيب، رجل خير وسلام، رجل عطاء ومحبة، وبالمحبة نبني الاوطان. أنتم تحملون الينا السلام وتنفخون عطر المحبة، ورسالات السماء كلها تدعو الى المحبة والخير والسلام، فتسمو بها الارواح. هكذا هي رسالة القرآن والانجيل، عكار ظلمها الكثيرون، ربما لانها وفية للوطن والمؤسسات والجيش، وظلت تساهم فيه، وكفى بها شرفا يا صاحب الغبطة شهادتكم التي نعتز بها عندما قلتم في محطات زيارتكم “أنتم أهل عكار، إذا أحببتم أحببتم من قلوبكم، ولم أستطع التمييز بين القرى المسلمة والمسيحية في الحفاوة والاستقبالات المتألقة والمتميزة”.

وقال: “لقد جعلتم بداية تسلمكم للبطريركية عنوانا أساسيا هو الشركة والمحبة، ولقد كانت زيارتكم لمنطقة عكار بداية والتفاتة كريمة، لعل الدولة تلتفت الى عكار ببعض ما تستحق من رعاية وخدمة وإنصاف. أرادوا من زيارتكم ان تكون فتيل فتنة وحرب طائفية تبتدىء شراراتها من عكار، لكنكم اردتموها ان تكون زيارة سلام وخير. وقد أعادت عكار الى خريطة لبنان بعد الهدر والنسيان والحرمان، وايلات اليوم في عيدين، الاول يأتي بعد ساعات قليلة على المسلمين، وهو عيد الفطر المبارك، وهو عيد مجيئكم الينا لتمسحوا جروح اهل عكار بيد المحبة والسلام والتسامح”.

واعتبر إمام ورئيس لجنة مسجد ايلات الشيخ خضر عبدالله في كلمة ترحيبية ألقاها ان “لا نهضة وتطور ولا تقدم ورقي من غير شركة ومحبة، وهو شعار مسيرتكم يا صاحب الغبطة، ومن غير شركة ومشاركة من جميع افراد المجتمع واطيافه لا سلام ولا وئام، ومن غير محبة تجمعهم لا وجود للاطمئنان”.

وقال: “إن زيارتكم تاريخية لما تحمل في طياتها من معاني الخير والسلام والمحبة، ولبناننا الحبيب أحوج ما يكون الى حكمة رجال صادقين وقادة شرفاء، وواجب علينا جميعنا في لبنان أن يكون مطلبنا تحت سلطة الدولة ومؤسساتها، وعلى رأس تلك المؤسسات مؤسسة الجيش الذي نفتخر ونعتز به، فهو المعني ببسط الامن والامان، ومتى فقد دوره وهيبته فإن الفوضى والفساد آتيان لا محالة، فلنحافظ على جيشنا الوطني الذي يضم الاطياف كافة، هو أمامنا ونحن وراءه، ندعمه ونؤيده ونؤازره ونمده بكل ما أوتينا، فلا مكان لقوة فوق قوته”.

وأشار كاهن رعية ايلات الخوري سلوم الى “أن هذه البلدة تشكل بيئة حاضنة لعيش مشترك فريد، استطاع التغلب على الصعاب التي يواجهها كل مجتمع مختلط من خلال العمل الدؤوب على ابتكار الحلول الناجعة لكل مشكلة، ومن خلال معرفة أبنائها الاتحاد بين الأنا والأنت، بحيث يشكلان نحن لا تنفصم عراها عندما تعصف الازمات الكبرى التي تهدد اساسات الوطن الصغير لبنان”، مطمئنا الى أن “لا مبرر للخوف من النفوس لان الازمات ترسخ العشور بأن تاريخنا ماض الى تحقيق المزيد من فرادته”.

ورحب رئيس البلدية عمار محمد بالبطريرك والوفد المرافق والحضور، مؤكدا “أن أبناء البلدة يتخطون الصعوبات معا ليرفعوا وطنهم لبنان عاليا بين الاوطان”.

وفي ختام اللقاء، قدمت لوحة تذكارية للراعي مثلت السنديانتين وسط الساحة مع ما تحملانه من رمزية، والى جانبهما صورة البطريرك الراعي مباركا”.

أما المحطة الاخيرة من زيارة البطريرك لعكار فكانت لبماركة ابناء دار “ابونا يعقوب” للمسنين لراهبات الصليب في بلدة الشيخ طابا، فرفع الصلاة وبارك البناء برش المياه المقدسة، ثم غرس شجرة أمام الدار تخليدا لذكرى الزيارة.

وكانت الرئيسة العامة الام ماري مخلوف قد رحبت بالراعي عارضة أهم الانجازات التي حققتها الرهبانية في خدمة الانسان والمراحل التي قطعتها أعمال بناء هذه الدار.

ثم ألقى راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج بوجودة كلمة قال فيها: “عظيمة كانت زيارتكم لهذه الابرشية، ولن تغيب عن البال. سيبقى وقعها راسخا في النفوس، ونحن واثقون من محبتك الكبيرة لنا، وما نظنك يوما ستبخل علينا بزيارات مماثلة تقوي ايمان الضغفاء منا وتجعلهم يثقون بأنهم باقون في هذه الارض مع شركاء لهم يشهدون للمسيح. وفريدة هذه الزيارة أنها أتت في زمن يعتقده بعض السذج من قليلي الايمان أنه نهاية المطاف، فلا يتذكرون اننا مررنا بظروف أصعب ومراحل اكثر ايلاما، وقدمنا شهداء بطاركة واساقفة وكهنة، ورهبانا وشبابا قديسين، فتأصلنا وتجذرنا في هذه الارض المقدسة حتى بات اقتلاعنا منها مستحيلا”.

وأضاف: “كانوا يسألونني دائما هل ستتم هذه الزيارة؟ وهل الاحداث ستلغيها؟ وكنت أقول دائما: “سيدنا البطريرك مصر على الزيارة، ولا يمكن أن تبدل. لن نقبل بأي تهديد أو بيانات توزع أو كلمات تقال، لأننا نحن أبناء هذه الارض وأصيلون فيها، وهي لنا كما نحن لها، مع اخوتنا في الوطن جميعا”.

وتابع: “تشكرك قلوبنا وأفواهنا ونودعك، آملين ألا يطول موعد اللقاء، ونحن واثقون من ثبات خطاك، وخلفك وحولك على الدرب نسير، ولن نكون إلا بأمان، فالراعي صالح والنور ساطع، ولن يدركنا ظلام أو خوف”.

بدوره قال الراعي: “ليس هناك أجمل من ان نختم الزيارة امام مؤسسة كبيرة ارادها “ابونا يعقوب” مؤسس جمعية راهبات الصليب في عكار، لنقول ان السماء تتجاوب مع مطالبهم، وها هي مؤسسة انسانية جديدة تتجذر في هذه الارض الطيبة. نبارك لكم بداية هذا المشروع الذي يحمل اسم من حمل ألم البشرية والانسان وأنشأ مؤسسات تعجز الدول عن انشائها، وذلك بفضل العناية، وما اطلبه منكم هو أن تقولوا له: “يا ابانا نحن حاضرون”.

وختم: “علمنا ابونا يعقوب ان كل قوته استمدها من الصليب الذي لم ينته يوم الجمعة، بل يوم الاحد، بالقيامة، وهذه القوة استمدها من المسيح الحاضر معنا بالقربان. اما المال ورأس المال الذي حمله ابونا يعقوب لتأسيس ما أسسه ولا يزال متابعا، فهما اثنان: القربان والصليب، وبهما ننتصر ونصمد في هذه الارض لنحافظ على وجودنا ورسالتنا مع كل اخواننا من مختلف الكنائس واخواننا المسلمين على تنوع طوائفهم، لنبني جمال هذا الوطن الواحد المؤمن بعناية الله على البشرية كلها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى