تطوير نظام معايير الجودة في الأداء على المستوى القانوني والتشريعي الواقع والمرتجى

واستهلّ الجسر كلمته بالقول:”امتاز لبنان طوال القرن الماضي بنظام تربوي تعليمي أعطاه ميزة تفاضلية على محيطه العربي، وكان هذا النظام التربوي التعليمي إلى حدّ كبير سبباً من أسباب الازدهار الذي عرفه لبنان حتى بدايات الحرب الأهلية. لقد أنتج هذا التمايز التربوي التعليمي.. خريجون على كافة المستويات المهنية أو الأكاديمية عُرفوا بنزعة اقدام، وبكفاءات تعليمية أعطتهم سبقاً على أقرانهم العرب في سوق العمل.. وأعطت للبنان بريقاً على مستوى الخدمات كافة من تعليمية أو طبية أو فندقية أو مصرفية.. جعله محط أنظار العرب ونقطة جذب لزياراتهم واستثماراتهم”.
وأضاف:”وهذا الكلام الذي أسوقه وأقدم به لمداخلتي ليس من باب الكلام الإنشائي بل هو واقع لَمَسْتهُ شخصياً ولَمسهُ كل من تَسنّتْ له فرصة زيارة الدول العربية إبان الحرب أو إبان الفورة النفطية الأولى.. فالمهندس اللبناني والغني اللبناني والمدرس والطبيب إلى ما هنالك كان يقصد لذاته لنزهته القيادية ولعلمه.. ولا أدل على ذلك من أن المهندس اللبناني كان يتقاضى راتباً لا يقل مرة ونصف المرة عن أي مهندس عربي آخر.. وكان الفني اللبناني يتقاضى مرة ونصف إلى مرتين ما يتقاضاه الفني العربي”.
وتابع: “من أسباب التمايز اللبناني كان ولا شك سبق في التعلم ومحاكاة المؤسسات التربوية في لبنان لمثيلاتها في الغرب، ومناهج تعليمية متقدمة مستعارة من المناهج الغربية كانت تعطي للتلميذ اللبناني أو الطالب اللبناني القدرة على متابعة التحصيل في أهم الجامعات العالمية. وكذلك جوّ الانفتاح والحرية والتعددية الثقافية وتعلم اللغات ساهم إلى حدّ كبير في بلورة الشخصية القيادية التي تميز بها الفرد اللبناني”.
ولفت الى “أنّ التعليم في لبنان قد بدأ خاصاً عبر الإرساليات وأنه توسع تماماً عبر المدرسة الرسمية.. وإن نسبة عدد الطلاب في المدارس تعكس واقعاً ملفتاً.. ففي إحصائية للعام 2003 كانت نسبة التلامذة في المدارس الخاصة تشكل (54%) من مجموع عدد طلاب لبنان ونسبة التلامذة في المدارس الرسمية كانت حوالي (46%) ولا شك أن التعليم الخاص كان في أساس التعليم العام وكان دائماً محفزاً له على التطور والتقدم”.
وأردف: “وإن كنت أطلت بعض الشيء في هذه المقدمة فإنما لاستنتج ما يلي: إن التربية والتعليم كانا ولا يزالان في أساس نهضة لبنان وتقدمه.. وأنه لا تنمية مستدامة على الإطلاق من دون نظام تربوي صحيح ونظام تعليمي متقدم. وإن كانت ظروف المحيط في زمن مضى قد ساعد في إبراز الميزة التفاضلية من دون كثير عناء، فإن التقدم الذي يشهده العالم العربي وعلى المستوى التعليمي بالذات يجب أن يدفعنا إلى العمل الجاد الذي يرفع من مستوى التعليم ويحافظ على تقدمه على كافة النظم التعليمية حفاظاً على دور لبنان ورسالته وريادته في المحيط”.
واقع التعليم
وتحدث عن واقع التعليم في لبنان وقال:”لقد عرف لبنان في العام 1995 خطة النهوض التربوي وإن كنا لسنا في معرض تقويم هذه الخطة إلا أنها، أي الخطة، قد أرست بعض قواعد المعاصرة من حيث مضمون المنهاج وهيكلية التعليم عبر حلقات أربعة، حلقة أولى وثانية تنتهي بها مرحلة التعليم الابتدائي، وحلقة متوسطة تختتم بشهادة رسمية، وحلقة ثانوية تنتهي أيضاً بشهادة رسمية تفرعت إلى أربع فروع هي العلوم العامة (SG) وعلوم الحياة (SV) والاجتماع والاقتصاد (SE) والآداب والإنسانيات (LH). والى جانب التعليم الأكاديمي، يقوم تعليم فني بمستوياته المختلفة والذي يفترض به تقديم طاقات شابة إلى سوق العمل مزودة بمهارات فنية عالية. كما ركزت الخطة أيضاً على ضرورة تزويد التلميذ في المستوى الأكاديمي بمهارات يدوية وفنية وعلوم الكمبيوتر والأخذ بالمنهج التطبيقي من خلال اعتماد المختبرات.وأخذت الخطة بمبدأ الترفيع الآلي في الحلقة الأولى والترفيع الميسر في الحلقة الثانية.. ولحظت إلى جانبه دعماً مدرسياً في الحلقتين الأولى والثانية من ضمن الدوام المدرسي، وفي الحلقة المتوسطة من خارج الدوام.. لكن مشروع الدعم المدرسي لم يطبق.. فيما خلا مشروع نموذجي أرسيته حين توليت وزارة التربية في العام 2004، كمشروع رائد، في مدارس أربعة في طرابلس لإختباره والعمل على تطبيقه في كافة أرجاء لبنان.. لكن المشروع توقف حيث تركته بحجة انه لا توجد أموال لازمة لتنفيذه”.
وأضاف:”ويبقى السؤال الأساس، هل أعطت خطة النهوض التربوي الثمار المرجوة؟ والجواب باختصار وبساطة لا، والأسباب لا تخرج عن أمور خمسة:
1- الخطة يلزمها أبنية مدرسية صالحة لإحتواء المختبرات العادية ومختبرات الكمبيوتر والمسارح والمشاغل الحرفية والفنية.
2- الخطة يلزمها أساتذة معدين باحتراف للتعليم وليس فقط لحملة إجازات كما يلزمها ورش للتكوين المستمر.
ويلاحظ انه عند تطبيق الخطة وقبل العام 2003 جرى التعاقد مع أشخاص لا يحملون إجازات ولا خبرة وساعدهم التنافس السياسي على التفرغ.
3- الخطة يلزمها تجهيزات ووسائل إيضاح.
4- الخطة يلزمها مساعدة مبنية على الرقابة من تفتيش وإرشاد.
5- الخطة يلزمها أعمال التقويم التربوي”.
المرتجى
وقال:” لا لم تعط خطة النهوض التربوي في نظري ما كان مرجواً منها ولا يعود السبب في ذلك لعلة فيها.. وإن كان ما من شيء في الدنيا لا يخلو من العلل- ولكن ربما للظروف السياسية التي أطبقت على البلد والتي تركت آثارها على مالية الدولة والتي انعكست أيضاً استهتاراً في الأداء على كل المستويات والتي أفرغت الإدارة من أهل الكفاءة والمروءة”.
وأضاف:”حتى لا يبقى كلامنا في مستوى التجني فاني أقول بان الحكم على الخطة وعلى العملية التربوية بكاملها تكون من خلال الحكم على مخرجات التعليم، كل مخرجات التعليم.. فالمتابع يعرف بان مخرجات التعليم على مستوى اللغة معيب.. ولا أقصد بذلك اللغات الأجنبية فقط فهذه في بعض الأمكنة تبلغ حدّ الكارثة.. بل أقصد تماماً اللغة العربية التي لم تنجو بدورها من الحال الفاضح.. أما العلوم من رياضيات والفيزياء والكيمياء.. فاني أنقل بألم شديد ما أخبرتني به رئيسة مشروع البنك الدولي على هامش مؤتمر استراتيجية التعليم الأساسي الذي انعقد في مبنى الأونيسكو في بيروت في العام 2006 بأن الأمم المتحدة أجرت مسابقة في العلوم (رياضيات وكيمياء وفيزياء) اشترك فيها لبنان من ضمن (12) دولة عربية، وكان ترتيب لبنان 11/12 وكان الأردن في الطليعة وحلت السلطة الفلسطينية في المرتبة الرابعة”.
وتابع:”طبعاً وان كان قد اشترك في المسابقة تلامذة من المدارس الخاصة والرسمية.. فان هذا الأمر وان كان يعكس حالة سائدة فإنها بالتأكيد ليست حالة عامة، إلا أنها تقتضي ولا شك دق ناقوس الخطر والعمل على إنقاذ العمل التربوي من خلال المساءلة المبنية على الرقابة والتقويم. إن الرقابة على التعليم في لبنان تقوم من خلال التفتيش أولاً ومن خلال الإرشاد والتوجيه.لقد بدأت الرقابة في الأصل من خلال التفتيش الذي كان يتولى بداية العمل الزاجر والعمل الإرشادي للمعلم.. وانتهى فقط كعمل زاجر يضبط المخالفات الإدارية والسلوكية والمالية ويوصي بالعقوبات، أما الإرشاد والتوجيه فهو ضائع في شكله القانوني فيما إذا كان يرتقي إلى مديرية من مديريات التعليم أم لا.. فهو مديرية بالفعل (par puissance)، من دون سند قانوني، مما عكس عليه الكثير من الإرباك ومما ساعد على تحويله إلى جنة صغيرة لطالبي التقاعد المبكر في كنف الوزارة”.
الحل
وعرض الجسر الحلول، قائلاً:”إن المساءلة تبقى هي أولاً وأخيراً هي الحل، لكن المساءلة لا تكون عشوائية، بل لا بد أن تستند إلى معايير، وإن المعايير يجب أن تكون متوافقة مع ما قد تم تحديده وتعريفه وتحقيقه في الوزارة مما يتوافق مع المعايير المناظِرة لها على المستوى العالي”.
وأضاف:”أما الحكم على تحقق المعايير فيكون من خلال التقويم، والتقويم لا يخرج عن كونه تقدير للإجراءات التي تتناول العملية التربوية وهي تكون على مستويات ثلاث:
• مستوى أول يتناول الجهاز التعليمي في كفاءاته وأدائه وانضباطه وسلوكياته.
• مستوى ثانٍ هو مستوى البرامج التعليمية في مخرجاتها .
• مستوى ثالث هو مستوى التلميذ (المستفيد الأول من العملية التربوية) في كل مفردة من مفردات البرامج وفي كافة مستويات التعليم وفيما تلقى من تربية تساعده على القيادة والمبادرة والإبداع”.
وسأل النائب الجسر:”كيف يتم ذلك وهل يكون من خلال الوزارة أم من خلال مؤسسات خاصة تعنى باعتماد المدارس على أساس الجودة”.وأضاف:”في أميركا لا تخضع العملية التربوية خلال الجامعة أو في مرحلة ما قبل الجامعة لامتحانات رسمية، المرحلة الثانوية تنتهي بتقدير من المدرسة (High School) وكذلك الأمر في الجامعات. لكن وزارة التعليم في الولايات المتحدة الأميركية (US Dep. Of education) والمجلس الخاص بالاعتماد على مستوى العليم العالي يتوليان مسألة الاعتراف بمشاهير هيئات الاعتماد لمؤسسات التعليم العالي. فوزارة التعليم ملزمة بموجب القانون أن تنشر قائمة بهيئات الاعتماد المعترف بها على المستوى الوطني”.
وتابع:”أما التعليم ما قبل الجامعي فيخضع الخاص منه لهيئات الاعتماد وهذا الخضوع ليس الزامياً بل تلجأ إليه المؤسسات التربوية سعياً وراء الشهرة. كذلك الأمر في أوروبا فان معظم البلدان الأوروبية بدأت تنشىء هيئات الاعتماد على مستوى التعليم العالي خاصة بعد بداية انتشار التعليم العالي الخاص.. أما مرحلة ما قبل الجامعة فان الأمر يبقى في يد وزارة التربية التي تجري امتحانات رسمية في ختام التعليم الثانوي. ماذا عن لبنان؟ هل نحن بحاجة لمجلس اعتماد في المرحلتين الجامعية والثانوية؟ وهل يلزم لذلك تدخل تشريعي أو تدخل تنظيمي من مراسيم وقرارات”.
وتابع بالقول:”أما المرحلة الجامعية فاني اعتقد بان ضبط مخرجات التعليم ومستوياته لا يمكن أن يتم إلا من خلال هيئات اعتماد تقوم بتقويم العملية التعليمية وفقاً لمعايير توافق المستويات العالمية. وأثناء تَوَلِيِّ وزارة التربية والتعليم العالي وبعد مؤتمر عام توصلنا فيه إلى توصيات تحولت إلى أهداف.. ترجمت الأهداف إلى مجموعة مشاريع مراسيم من بينها مشروع مرسوم، خاص بمعادلة الشهادات الجامعية الصادرة عن التعليم العالي، الخاص يربط المعادلة بما إذا كانت المؤسسة في كل فرع من فروعها تحوز على شهادة اعتماد من إحدى المؤسسات العالمية التي قد تحددها الوزارة، لأن حالة المعادلة القائمة الآن لا تتحقق من أي معيار جودة، وهي تصدر معادلاتها استناداً إلى إجراءات شكلية ليس لها مضمون. وقد رأينا أن هذا الأمر الذي حضرنا له يرفع من مستوى التعليم العالي الخاص إلى مستوى عالمي فيحافظ على ميزة لبنان التفاضلية ويطرد العملة الرديئة من السوق ويحقق سمعة عالية للبنان ويفتح أسواق العمل حتى في البلدان المتقدمة. لكن هذا المرسوم لم ير النور بسبب استقالة الوزارة. وإني اعتقد بأن الاستعانة بهيئات الاعتماد في مجال التعليم الخاص دون الجامعي من شأنه أن يعود بالكثير من الفائدة خاصة وان الكثير من المؤسسات التربوية الخاصة لا تبغي سوى الربح”.
وأضاف:”أما على مستوى التعليم الرسمي فان المعيار المعتمد لجودة التعليم هو النجاح في الشهادات الرسمية!! لكن في حقيقة هذا الأمر فان هذا المعيار واهٍ لأنه جزئي خاصة وان التعليم هو مراحل متكاملة.. وان العبرة في اختيار جودة التعليم ومستويات المدارس لا يكون بانتظار نتائج الشهادات الرسمية التي لا تعكس سوى نسبة النجاح بين المرشحين في زمن معين ولا تعكس أي واقع حقيقي للعملية التربوية.. وما يعكس الواقع الحقيقي للعملية التربوية هو إحصاء الداخلين للصف الأول وكم وصل منهم بعد اثني عشر سنة للصفوف النهائية.. إن هذه المعادلة تعكس واقع التعليم ومدى صحته.. والمدقق في هذا الأمر سيجد مآسي كبيرة تفسد ظاهرة التسرب المدرسي وحجمه.إن معايير الجودة هي أساس لسلامة كامل العملية التربوية في كامل مراحلها من اجل رفع مستوى التعليم ونسبة المتعلمين وإلغاء التسرب المدرسي”.
وختم:”قد يكون هناك حاجة إلى تشريعات.. لكن التشريعات في العادة تقوم إما لسدّ حاجة أو لتصحيح خطأ.. وهذا يعني أن علينا أن نقيم ورشة كاملة لتحديد الثغرات القائمة في مجالات الرقابة والتقويم والتفتيش فيما إذا كانت نتيجة النقص هي في القانون أم بسبب عدم تطبيقه، وعلى الشيء يبنى مقتضاه. لكن من أجل إنقاذ سريع فإن الأمر في نظري لا يحتاج إلى تشريعات جديدة قد يطول صدورها ويمكن الاستعاضة عن ذلك عن طريق تفعيل التفتيش وجهاز الإرشاد والتوجيه من خلال تدخل تنظيمي (مراسيم أو قرارات تنظيمية) تجعل التقويم واقعاً صحيحاً تبنى عليه المساءلة وترفع من مستوى التعليم وتحول دون التسرب وتحفظ للبنان ميزته التفاضلية”.
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development