ثقافة

البيان الختامي \ ورشة تفكير ونقاش ” العصبية في المجتمع الرقمي/ آليات الحدّ من خطاب العصبيات والكراهية عبر الانترنت” إعداد: د. مصطفى الحلوة

في إطار مقاربة أبرز القضايا والإشكاليات، التي يتمُّ تطارُحُها، لبنانيًا وعربيًا، وما يتجاوز المنطقة، نظّم ” مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالتعاون مع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية، ورشة تفكير ونقاش، في جبيل- قاعة المحاضرات 1188، على مدى يومَي 24 و25 حزيران 2022. وقد جاءت بعنوان:” العصبية في المجتمع الرقمي/ آليات الحدّ من خطاب العصبيات والكراهية عبر الإنترنت”.
في الجلسة الافتتاحية، التي مهّد لها وأدارها د. مصطفى الحلوة، كانت كلمة لمعالي وزيرة الإعلام السابقة د. منال عبد الصمد، وكلمة لرئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، تلتها كلمة السيد كريستوف دوفارتس، المسؤول الإقليمي لـ”” هانس زايدل”، وكلمة لمنسق أعمال الورشة د. نديم منصوري.
أعقبت الجلسة الافتتاحية ستُّ جلسات عمل، تضمّنت إحدى عشرة مداخلة، قدّمها تباعًا، كل من : عميد معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية سابقًا د. فريدريك معتوق، د. نديم منصوري، أ. جو رحّال، د. دوللي صرّاف، د. هشام خوري، د. ماريزيونس، الإعلامية رابعة الزيّات، د. خليل خير الله، الأب د. جاد صليبا، ممثِّلاً رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء د. هيام إسحق،
أ. نورا المرعبي، أ. ربيع بعلبكي. وقد أدار الجلسات: د. كلود مرجي، د. حسّان العكره، د. سوزان منعم، د. حنا الحاج، د. دال الحتّي.
وقد قاربت هذه الجلسات، العناوين الآتية: مفهوم العصبيّة في المجتمعين الواقعي والرقمي/ أساليب التحكّم بالرأي العام الرقمي/ مخاطر سوء استخدام الوسائط الرقمية/ دور المؤسسات التشريعية والإعلامية في الحدّ من خطاب العصبيات/ دور المؤسسات التربوية في التربية على المواطنية والمواطنية الرقمية/ دور المجتمع المدني في الحدّ من خطاب العصبيات.
وعن الحضور، فقد أقتُصر على طلبة جامعيين، غالبيتهم من المنتمين إلى كليات الجامعة اللبنانية وفروعها في بيروت وطرابلس وعكار. وقد كان تفاعل بين الطلبة، وكان حوارٌ حيويّ بينهم وبين المحاضرين، إلى نقاشات وتعقيبات.
في ختام أعمال الورشة تمّ توزيع شهادات حضور ومشاركة على الطلبة الجامعيين. وقد كان للبيان الختامي أن يتضمَّن المحاور الآتية:
أولاً – في تحديد المفاهيم والدلالات
كون المفاهيم مُتحرّكةً مع زمنها، أي ذات سمة صيرورية، وقطعًا لدابر التفسيرات الخاطئة والتأويلات، فيما يعود إلى مفهوم العصبية وخطابها،وما يدور في فلكهما من مصطلحات ومفاهيم، فإننا نُوردُ الآتي:

  • مفهوم العصبية، من أقدم المفاهيم العملانية في تاريخ المعرفة البشرية. هو مفهوم كوني، تركيبي، ذهني، يتمظهرُ بأشكال جديدة، وفق الحاجة الموضوعية للجماعة، التي تعيشُهُ أو تعتمده. وهذا المفهوم نُعاينه في العديد من التجارب والثقافات في العالم.
  • مفهوم العصبية أو العصبة، كما أصَّلَه ابن خلدون رائد علم العمران، ينصرف إلى الجماعة، التي تجمع بينها رابطة الدم أو رابطة الحلف والولاء، بالإضافة إلى شرط الملازمة بينهم، من أجل أن يتمّ التفاعل الاجتماعي ويأخذ مداه. هكذا ينشأ شعورٌ، يؤدّي إلى المحاماة والمدافعة، وهم يتعصّبون لبعضهم بعضًا، ويشعر الفرد بأنه جزء لا يتجزّأ من أهل عصبته، بحيث تذوب شخصيته الفردية في شخصية الجماعة.
  • إذْ يخلصُ ابن خلدون إلى أن العصبية مفهومٌ واقعٌ في صُلب تحليله للعمران البشري، فقد رأى إليه مفهومًا مُتحركًا، يتوغّل في الصميم من حياة الجماعة البشرية، فيُوجِّه أفكارَها وسلوكياتها، وفق قواعد مصلحة العصبة.
  • إلى هذه النظرة الخلدونية، فإن مفهوم العصبية يتسّم بمرونة بنيوية، توفِّر له البقاء والاستمرار، كما التآلف مع كل جديد في الاجتماع البشري.
  • إذا كانت العصبية قد انطلقت من الاحتياجات الأمنية، في مرحلة ما قبل التاريخ، فقد انتقلت عبر المراحل التاريخية المتعاقبة إلى المجال الاجتماعي، ثم الاقتصادي والثقافي، وصولاً إلى المجال الرقمي. وهذا ما جعل المفهوم ينتقل من مفهوم العصبة إلى مفهوم العصبيّة.
  • خطاب العصبيّة، في المجتمع الرقمي، هو خطابٌ مُتطرّف، مُترع بالكراهية وبالقهر وبالقوة.
  • تذهب الأمم المتحدة، عبر مختلف منظّماتها وأذرُعها الأممية، إلى وسم هذا الخطاب بـ”خطاب الكراهية”. وكذا الآمر مع “العهد الدولي”- المادة 8- الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ناهيك عن “اتفاقية الوقاية من جرائم الإبادة والمعاقبة عليها” (1948).
  • استكمالاً، وفي الإطار عينه، تتبنّى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (الأونسكو) مصطلح “خطاب الكراهية” (Hate speech)، لجهة المحتوى الرقمي المتضمن مفاهيم الكره والتشهير والتطرّف والعنف والعداء.
  • العصبية، كمفهوم، يمكنها تفسير سبب تمدُّد “خطاب العصبيات” إلى المجتمع الرقمي، الحضري الطابع، كون المعنى المعرفي للعصبية واحدًا، سواءٌ أجاءَ بدويّ الطابع أم حضريَّ المظهر.
  • مفهوم الهوية الرقمية يتموقع بين تعريفين: تقني واجتماعي. يرتكز التعريف التقني على مجموعة من البيانات البيومترية والعديد من القياسات الحيوية، التي تُحدِّد هوية الأفراد وتتعرّف إليهم، بشكل آلي، استنادًا إلى سماتهم المخزّنة في القوائم التعريفية لكل منهم. في حين أن التعريف الاجتماعي مرتبط ببيانات سلوكية، تخضع لذاتية الأفراد وبيئتهم الاجتماعية وتوجّهاتهم السياسية.
  • لكي يحصل الفرد على هويته الرقمية تقنيًّا، ثمة مبادئ يجب توفُّرها، هي الآتية : الشمولية، المُلكية، السهولة، السرية، الموافقة، الشفافية، الأمن والنزاهة، حق البيانات، الاستخدام العادل والخِيار. أما عن مبادئ الهوية الرقمية اجتماعيًا، فثمة العناصر الآتية: اللغة ، آداب التواصل، أخلاقيات التواصل، التواصل الثقافي الرقمي، التبادل الثقافي، الانفتاح، الحوار والتكامل الإنساني.
  • الجيوش الإلكترونية مجموعات مدرَّبة على تقنيات الإنترنت والمنصّات الإلكترونية، تخترق مواقع الخصوم، وتخلق رأي عام مؤيِّدًا لأجندتها الخاصة، وتنشر الشائعات والأكاذيب المضلّلة (تضليل الرأي العام).
  • الذُباب الإلكتروني مجموعة تعمل على فكرة موجَّهة أو غير موجّهة- وغالبًا موجَّهة- تهدف إلى ضخّ معلومة لمجتمع محدّد، ولا يُقتصر الأمر على أناس واقعيين.
  • ثمة فارقٌ بين المنهج التعليمي والنظام التربوي. فهذا الأخير- أي النظام التربوي- يضم أو يحتوي المنهج التعليمي إضافةً إلى المؤسسات التربوية، في كلا القطاعين العام والخاص.
    ثانيًا- في بعض التساؤلات / الهواجس
  • في مقاربة “خطاب العصبيات والكراهية” ثمة أسئلة يتمّ تطارحها، حول عدد من القضايا، تمهِّدُ لرؤىً ، هي بمنزلة تشخيص لمختلف جوانب أطروحتنا:
  • لماذا يستخدم الأفراد الوسائط الرقمية لتفريغ مشاعر العصبية لديهم، بدلاً من أن تكون منبرًا للحوار والانفتاح والرقيّ؟
  • كيف يمكن السلطة(العصبية الحاكمة) أن تضع قوانين تحدّ من نفوذها العصبوي، أو أن تلجم نفسها عن ممارسة ما تعتقده ضرورةً لبقائها؟
  • هل ثمة آليات مُواجَهة ناجعة للحد من إنزياح العصبية، بصيغتها الخلدونية، إلى ممارسات الوسائط الرقمية الحديثة؟
  • إذا كانت العصبية، بصيغتها التقليدية (الخلدونية) تقوم على ركائز ثلاث، هي :النعرة والتذامُر والاستماتة، وإذْ يُصبحُ الأفراد معها كشخص واحد، في التفكير والتعبير وممارسة الأفعال، فكيف يمكن لهذه الركائز أن تظهر كخطاب في المجتمع الرقمي؟
  • من ذا الذي يُنتج أشكال الخطاب في المجتمع الرقمي؟ هل هو تفاعل الأفراد مع الوسائط الرقمية، أم أن الوسائط الرقمية تمتلك القُدرة على خلق طرق تفاعل الناس وتوجيه ممارساتهم الرقمية، كما سلوكياتهم، نحو أفعال عصبويَّة؟
  • إذا كان مفهوم الهويّة من أكثر المفاهيم تعقيدًا، من منظور السوسيولوجيا، فكيف سيكون الأمر مع دخول الوسيط الرقمي؟
  • إذا كان المجتمع الرقمي قد شكّل مصدرًا جديدًا للهويّة، فهل كان هذا المصدر عامل تعزيز للهوية التقليدية أم تهديدًا لخصوصيتها؟ وهل ساهم المجتمع الرقمي استطرادًا في تغيير ماهية سلطة الهوية؟
  • إلى أي مدى تستطيع العصبية تعطيل مبادئ الهوية الرقمية الاجتماعية؟
    ثالثًا- في مرتكزات المسألة والرؤى
  • السيرورة المعرفية للعصبية لن تتكامل فصولاً إلاّ بلحظ مرحلة العصر الرقمي، الذي هو أحد تجليّات ونتاج الثورة الصناعية الرابعة.
  • كون مفهوم العصبية يتصف بمرونة بنيوية، فقد تيسّر له الاستمرار والتآلف مع كل جديد. هكذا مكّنته هذه الخاصيّة من أن ينزلق إلى الساحة الرقمية، بمختلف أُطرها ومنصّاتها، وليستحيل خطاب العصبية خطابًا خطيرًا، يُؤثِّر في الحياة الواقعية، ويصنع رأيه العام، وفق مقتضياته.
  • في سيرورة مفهوم العصبية، نجدُنا بإزاء عدة مراحل تاريخية: مرحلة ما قبل التاريخ، حيث كان التشكّل العصبوي، في نطاق العائلة الممتدة ( رابطة الدم)/ مرحلة التاريخ القديم، حيث العشيرة أو القبيلة هي محور هذا التشكّل العصبوي/ مرحلة التاريخ الوسيط، حيث الإمارة والمملكة والإمبراطورية والسلطنة والدول والدين والعرق، وقد كانت العصبية أحد المحركات الأساسية في مسار هذه الأُطر السلطوية/ مرحلة التاريخ المعاصر، حيث بروز عصبية الجمهوريات والأحزاب الشوفينية والأحزاب الدينية والطائفية.
  • استكمالاً، ثمة مرحلة العصر الرقمي، حيث التشكّل العصبوي للدولة الافتراضية التعددية (التعددية العصبية الكونية). وقد غدت العصبية عابرةً للدول، وغدت السلطة بيد من يمتلك وسائطها، من الجيوش الإلكترونية والذُباب الإلكتروني وجماعة المبرمجين والمقرصنين.
  • التكنولوجيا الرقمية وسَّعت من انتشار خطاب العصبيات الرقمية، فخرج هذا الخطاب من الإطار المجتمعي المحدود إلى المجال الكوني.
  • على رُغم أن التكنولوجيا الرقمية أدخلت نمطًا جديدًا من الممارسات، في طرق التواصل وطبيعة العلاقات الاجتماعية، فإنه لم تتم الإفادة من الوسائل الرقمية بشكل فعّال.
  • إذا كانت التكنولوجيا الرقمية تُوحي بالمساواة والديمقراطية وحرية التعبير، إلاّ أنها تعكس بل تعزِّز التميّزات والافتراضات الإيديولوجية نفسها، التي نجدُها في الوسائل الإعلامية القديمة (التقليدية). هذه التكنولوجيا الرقمية تمتلك قدرات سلطوية، في إعادة إنتاج قوى السلطة وفي التحكّم بذهنيات الأجيال المتعاقبة.
  • خطاب العصبيات يُشكّل مصدرًا لخطاب الكراهية ، ذلك أن العصبية هي التي تُخلِّقُ الكراهية في مصانعها الذهنية. مما يعني أن الكراهية هي نتيجة عملية ذهنية مركّبة في البنية الاجتماعية وليست فعلاً أصيلاً ناتجًا من فراغ.
  • خطاب العصبيات والكراهية، في المجتمع الرقمي،هو خطاب تدميري، مولّد لأشكال من العنف مُتعدّدة، يدفع أصحابه إلى انتهاج سبيل التطرّف والإرهاب المادي والفكري، وإلى نفي الآخر المختلف: دينيًا، طائفيًا ومذهبيًا/ أو عرقيًا/ أو قوميًا/ أو لغويًا.
  • خطاب العصبيات، في المجتمع الرقمي، يؤدي إلى ممارسات من العنف والنزاعات، بل يؤول إلى خلق بيئة ملائمة، تجري على أرضها تصفية حسابات المجتمع الواقعي.
  • أخطر ما في خطاب العصبيات والكراهية، في المجتمعين الواقعي والرقمي، أدلجتُهُ، واستناد هذه الأدلجة على المقدّس الديني.
  • يندرج تحت خطاب العصبيات، في المجتمع الرقمي: الخطاب العنصري، الخطاب القومي، الخطاب التكفيري، الخطاب الديني الطائفي والمذهبي، الخطاب السياسي.
  • لغة العصبية هي لغة مباشرة وعدائية، فما يُطلب من أهل العصبية الهجوم المباشر، من دون أيّ تفكير، لأن محرّكات الهجوم عصبوية لامنطقية. هكذا تمتلئ وسائل التواصل بالتشهير والتخوين ورفع سقف الشتائم، وفق القرار الصادر عن “صاحب الشوكة” (أي رئيس القبيلة أو الحزب السياسي أو المجموعة الدينية أو المجموعة العرقية الخ).
  • ركائز العصبية “الخلدونية” الثلاث (النعرة والتذامر والاستماتة) اتخذت أشكالاً جديدة في المجتمع الرقمي. إلاّ أنّها تصبُّ في نفس الوعاء العصبوي، فقد تغيّر المظهر وبقي الجوهر.
  • على وقع التفاعلات الرقمية الجديدة، يُعاد تشكيل الهوية الفردية والهوية الجمعية للفاعلين الاجتماعيين. بل يُعاد إنتاجُها، وهي عملية لا بُدّ منها، لكنها تكون قيد التشكُّل والاختبار والمفاوضة.
  • إن مهارة الفاعلين، في استخدام الوسيط الرقمي وإتقانهم أساليب الخلق والتجديد والإبداع، تبقى مجرّد وسيط لتظهير القضية وتسويقها، ولا يمكن أن تصنع قضيّة، وتؤمِّن استمراريتها، ما لم تستمر القضية الأساس.
  • منذ العام 2011، أي مع انطلاق ما سُمِّيَ بـ”الربيع العربي”، شكّلت الوسائط الرقمية الشرارة في اندلاع مختلف الانتفاضات، التي شهدتها بعض البلاد العربية، ولبنان في عِدادها (انتفاضة 17 تشرين 2019، وما قبلها من حراكات).
  • ما تمَّ ملاحظتُه، في غالبية مشهديات الحراك اللبناني، إتِّسام هذا الحراك بالشعبوية وتسجيل انتصارات وهمية. هكذا كانت فعالية للحراك الافتراضي وغياب كامل في مجال الحراك الواقعي، وقد كان للوسيط الرقمي أن يؤدّي دور التحريض والتعبئة وليس تحقيق التغيير الفعلي على الأرض، أي غلبة الفاعل الرقمي على حساب الفاعل الحقيقي.
  • ما يُقلق تحوُّل الكثير من منصّات المجتمع الرقمي ووسائطه من مساحات مفترضة للتواصل والتثاقف والتفاعل إلى ساحات للتقاتل، تُرسَمُ فيها خطوط افتراضية. وقد كانت تغذيةٌ للحالة العصبية، عبر تشويه الحقائق ودسّ أخبار كاذبة واستخدام تعابير “سوقيَّة”، بما يتجاوز حرية التعبير التي يكفلها الدستور.
  • إنّ الواقع التشريعي في لبنان، بما يخصّ خطاب العصبيات، لا سيما قانون العقوبات (1943)، يغيبُ عنه الكثير من المواد المرتبطة بالتوصيف القانوني للجرائم الرقمية. وهذا الأمر ينسحب على قانون المطبوعات (1962)، وقانون البث التلفزيوني والإذاعي (1994)، وقانون الاتصالات العام (2002). علمًا أن مقترح قانون الإعلام الجديد ومقترح قانون الاتصالات وسواهما من مشاريع قوانين لا زالت عالقة بين اللجان النيابية، من دون أن تُبصر النور مُنجزَةً حتى تاريخه.
    رابعًا- في المقترحات والتوصيات
    1- إن مناهضة خطاب العصبيات والكراهية، في المجتمعين الواقعي والرقمي، يجب أن يكون في إطار معركة عالمية واسعة، من منطلق كونية هذا الخطاب.
    2- في مواجهة هذا الخطاب، فإن الاستنكار والاعتراض والتنديد.. كل أولئك لا يُشكِّل رادعًا حقيقيًا. لذا يحتاج الأمر إلى خطوات قانونية وتربوية وثقافية واجتماعية وقيمية، تتبنّاها وتُشرف عليها سياسات حكومية، ومشاركات من القطاع الخاص والمجتمع المدني. إضافةً إلى الفاعلين الأكاديميين والخبراء.
    3- استكمالاً ، وبالمقابل، لا بُدّ من تظهير العديد من الأصوات الإيجابية على الانترنت، التي ترفض وتناهض خطاب العصبيات والكراهية والتطرّف.
    4- إن المعالجة الفعّالة، في مواجهة خطاب العصبية، يجب أن لا تُقتصر على الجانب القانوني وحسب. بل ينبغي أن تُؤخذ بعين الاعتبار الجذور المنغرسة عميقًا في ذهنية الأفراد، والمُنتجة للخطاب العصبوي، الذي يتجاوز الإنترنت ووسائطه.
    5- تأصيل أخلاقيات الهوية الرقمية، بما يُثير الانتباه إلى ضرورة الاشتغال على الذات، عبر إعادة تجديد صلتها بتاريخها ومرتكزاتها الحضارية، لتحقّق مقصد التعارف الهادف، والتحكّم في منهج الحوار الحضاري.
    6- لتكوين الرأي العام الرقمي البنّاء ، يجب اعتماد مقاربات تجمع ما بين السوسيولوجيا والإنتروبولوجيا وعلم النفس وسائر الإنسانيات .
    7- تعزيز الأطر القانونية الرادعة لخطاب العصبيات، فهذه الأُطر تشكِّل صمام أمان وعامل ضبط ، للحدّ من التجاوزات العصبوية، خلال الممارسات الرقمية العلنية.
    8- تعزيز التعليم الرقمي، كاستراتيجية، لمواجهة خطاب العصبيات، وصولاً إلى خلق جيل رقمي، يتمكّن من بلوغ المعرفة الرقمية القائمة على استخدام التكنولوجيا، كوسيلة لتعميق التعلّم، من خلال التواصل المجتمعي والوطني والدولي.
    9- تعزيز التعليم الرقمي يقتضي تمكين المشرفين على العملية التعليمية، وكذلك المعلّمين، فيكون اعتماد مناهج تعليمية حديثة، تُؤمِّن التفاعل ما بين المعلّم والمتعلّم، وما بين المتعلِّم والمدرسة، ضمن بيئة تفاعلية سليمة، للحدّ من مخاطر التكنولوجيا الرقمية، لا سيّما ما يرتبط بخطاب العصبيات والتطرّف.
    10- التربية على المواطنية والمواطنية الرقمية، ففي تكريسهما سلوكًا يوميًا، يغدو مستخدمو الانترنت مواطنين رقميين، يتمتعون بالمعايير التي تؤشّر على التحوّل إلى المواطنية الرقمية.
    11- استكمالاً، وفي إطار التربية على المواطنية والمواطنية الرقمية، ينبغي تعديل المناهج التعليمية، كي تغدو خارج الرؤى السائدة راهنًا، التي تُشجع على سلوك سبيل العصبية والكراهية. وهنا يبرز دور المدرسة، والمؤسسة التربوية بعامة.
    12- في المجال التربوي، من الأهمية بمكان، الوصول إلى تكريس سمات المتعلّم الملتزم، المبادر، المبدع، الباحث، المفكّر، الناقد، التعاوني التشاوري، هذه المهارات تسمح للمتعلّم التعامل مع الوسيط الرقمي كشريك، وليس كتابع أو مجرّد وقود، في عملية التواصل.
    13- تطوير المهارات النقدية، لدى مستخدمي الإنترنت، إذْ أن تطوير هذه المهارات يُُشكّل نقطة انطلاق أساسية للارتقاء بثقافة التعامل مع المجتمع الرقمي وأفراده المتنوّعين، بما يسمح بامتلاك القدرة على مواجهة الفكر العصبوي، بمختلف أشكاله وأعراضه.
    14- على الإعلام، أرسميًّا كان أم خاصًا، تغليب الدور الإيجابي للمجتمع الرقمي، فتكون حملات توعية، عبر مختلف وسائطه، وَقْت نرى أن معظم المحطات الإعلامية، لا سيما الفضائيات، قد تحوّلت إلى متاريس، يتمّ التراشق عبرها بمختلف أنواع الأسلحة العصبوية الأشدّ فتكًا، وبما يُهدِّد السلم الأهلي.
    15- إن امتلاك الجيل الجديد، العربي واللبناني، المهارات الرقمية، يجعله شريكًا أساسيًا في المجتمع الرقمي، ناقلاً لثقافته الغنيّة بالفكر والإبداع، ومبتكرًا في خلق المحتوى الرقمي، الذي يُظهِّرُ عبره وجدانه الإنساني الخالي من كل أشكال الكراهية والتطرف والعصبية.
    16- بناءً السُمعة الرقمية وحمايتها وتقييمها، بما يفضي إلى دعم السيرة المهنية للفرد، في المجتمعين الواقعي والرقمي. ويكون ذلك بأخذ المبادرة قبل أن يبنيها الغير عن المُستخدم الرقمي. وعليه، ينبغي تنظيف الأرشيف الرقمي، مع صناعة محتوى إيجابي.
    17- دعوة “المركز التربوي للبحوث والإنماء” إلى المضيّ بفعالية، في الورشة التي يخوضها راهنًا، حول تحديث مناهج التعليم الأكاديمي، ما قبل الجامعي، لا سيما لجهة تأصيل العناوين الثلاثة: سمات المتعلّم، والفلسفة التربوية وآليات التعليم وطرائقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى