إجتماعيات

عرفات ركن الحج الأعظم بقلم الدكتورة:أسماء عبد العظيم محمد

مدرس بقسم التفسير وعلوم القرآن كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف

الحج عبادة جليلة وفريضة عظيمة، تشمل أنواعاً من التقرب إلى الله تعالى, في أوقات ومناسك معظمة, وفرصة لتعارف المسلمين وتآلفهم، وتعاونهم على البر والتقوى.
يبذل المسلم من أجل شهودها النفس والنفيس، وذلك محبة لله تعالى، وطاعة له وتقرباً إليه، ولذلك يتكرم الله تعالى على عباده فيجازيهم على هذا الإحسان بالإحسان, لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
بيّن سبحانه وتعالى أشهر الحج, وأمر من ألزم نفسه الحج بالتجرد عن عاداته، وعن التمتع بنعيم الدنيا، لأنه مقبل على الله، قاصد لرضاه، فعليه أن يترك المعاصي والنزاع والجدال مع الناس، وأن يتزود من الأعمال الصالحة التي تقربه من الله عز وجل.
ثم أبان تعالى أن الكسب في أيام الحج غير محظور، وأن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية، وقد كان الناس يتأثمون من كل عمل دنيوي أيام الحج، فأعلمهم الله أن الكسب فضل من الله لا جناح فيه مع الإخلاص, ثم أمر تعالى الناس بعد الدفع من عرفات، أن يذكروا الله عند المشعر الحرام، بالدعاء والتكبير والتلبية، وأن يشكروه على نعمة الإيمان، فإذا فرغوا من مناسك الحج، فليكثروا ذكر الله وليبالغوا فيه كما كانوا يفعلون بذكر آبائهم ومفاخرهم.
قال تعالى(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) البقرة:197-198.
الحج عبادة عظيمة وعرفات ركن الحج الأعظم, قال صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، يعني هذا هو الركن الأعظم والمهم في الحج.
والوقوف بعرفة معناه وجود الحاج في عرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، سواء كان قائماً أم جالساً أم راكباً، والموقف فيها من أعظم مواقف الدنيا،
والنبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على كثرة الدعاء فيها، لما رواه مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيدالله, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة, وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
وهو يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء).
فيقضي الحاج يوم عرفة ذاكراً ملبياً داعياً بما شاء من خيري الدنيا والآخرة مع حضور القلب وخضوعه، ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع، إلى طلوع فجر اليوم العاشر، فمن وقف بعرفة في هذا الوقت ولو لحظة فقد صح حجه, والسنة أن يدخل عرفة بعد زوال الشمس، ويقف بها إلى غروب الشمس.
ففي سنن الترمذي عن عروة بن مُضرس، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ».
فإن لم يتيسر للحاج الوقوف عند الجبل وقف في أي مكان من عرفة, فإِذا غربت الشمس, أفاض من عرفات إِلى المزدلفة وعليه السكينة والهدوء، لا يزاحم الناس بنفسه أو سيارته، فإِذا وجد خلوة أسرع, ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً، وضرباً وصوتاً للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع» والإيضاع هو حمل الدابة على إسراعها في السير.
ومن بعد يوم عرفة يأتي يوم عيد الأضحى المبارك جعله الله عيداً يعود بخيره وفضله وبركته على المسلمين جميعاً حجاجاً ومقيمين،
وذبح الأضاحي من الأعمال العظيمة المشروعة في يوم عيد الأضحى، فعلى كل من يجد سعة أن يضحي عن نفسه وأهل بيته بقدر ما يستطيع، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين, فقد روى البخاري ومسلم عن أنس قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده».
وفيه يذبح المسلم القادر أضحية خالية من العيوب، يسفك دمها بعد صلاة العيد تقرباً إلى الله، وإقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتيسر للمسلم أن يذبح يوم العيد، فله الفرصة طيلة أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي العيد، وهي أيام أكل وشرب وذكر الله كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، ويحرم صيامها إلا لمن حج ولم يجد الهدي.
قال تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج:36-37].
ويستحب للمصلي يوم العيد التجمل في العيد بلبس الحسن من الثياب والتطيب في غير إسراف ولا مخيلة, وأن يأتي من طريق ويعود من طريق آخر اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق»,
ويكثر من التكبير ويسن الجهر بها إعلاناً لذكر الله وشكره وإظهاراً لشعائره, والفرح فيه فهو من محاسن هذا الدين وشرائعه، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا».
ومن العبادات التي يحبها الله تعالى في العيد صلة الأرحام وزيارة الأقارب، وترك التباغض والتحاسد، والعطف على المساكين والأيتام، وإدخال السرور على الأهل، ومواساة الفقراء وتفقد المحتاجين من الأقارب والجيران, والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى