إجتماعيات

ندوة في رابطة الجامعيين في الشمال “آفة الفساد في لبنان.. آثاره وسبل معالجته” كبارة: “لنتعلم كيف نحيا بحرية ونزاهة وكرامة”

استضافت رابطة الجامعيين في الشمال ممثلة برئيسها غسان الحسامي ندوة بعنوان “آفة الفساد في لبنان.. آثاره وسبل معالجته” نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الدكتور فواز كبارة.

كانت البداية بالنشيد الوطنيّ اللبنانيّ، ثم كلمة للحسامي قال فيها: “مساء الخير…..مساء المحبّة والسلام، قيل ذات يوم لعمر بن عبدالعزيز: “يا أمير المؤمنين إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها ولا يقومها إلا السوط، فأجاب، فإنما يقومها العدل والحق”.

أضاف الحسامي” ثمانون عاماً منذ الاستقلال والبيانات الوزاريّة تتضمن برامج طوارىء وخطط إنقاذية، وسلة إصلاحات محورها مكافحة الفساد من خلال ورش إصلاح قضائيّ وتشريعيّ وماليّ وإداريّ، ومعالجات في الماليّة العامّة تواكبها إجراءات اقتصاديّة وحوافز تدعم الزراعة وتحمي الصناعة، فضلا عن تخقيض الفائدة غلى القروض والودائع وذلك لإنعاش الاقتصاد”.

“بالإضافة الى تمتين شبكة الأمان الاجتماعيّة … من (صحة وتربية وتعليم وضمان شيخوخة وضمان اجتماعي… الخ)، ولكن من أسف بالغ لم يتحقق شيئاً منها، وان تحقق أمراً فيكون دوماً على حساب المواطن صاحب الدخل المحدود والطبقة المتوسطة المهددة اليوم بالإنقراض لأسباب: (الإنهيار الماليّ، الإستنزاف المزمن، والهجرة المتفاقمة) التي تطالها أكثر من سواها”.

” إذًا … لطالما كان لبنان وعلى مرّ عقود مضت يعاني من حالة الفساد، والتي تفاقمت واستشرت في السنوات الأخيرة ودون حياء، فباتت شرعية الدولة مهددة، لأسباب بطليعتها بعد غياب سلطة القانون والرقابة والمحاسبة، غياب التربية على الولاء والإنتماء، فكانت سبباّ أساساّ قاد الى إضعاف فاعلية الدولة من أعلى القمة ونزولا، فطال الفساد كافة المجالات مثل قطاع البنية التحتية كالطرقات والكهرباء والمياه والإتصالات والمحروقات، وقطاع البنوك وكارثة تهريب المخدرات وشبكات الدعارة، وتهاوي التعليم الرسمي الذي لم يتم دعمه لا بل الإمعان بابقائه دون المستوى المطلوب، لمصلحة القطاع الخاص الذي لا يخلو بعضه من الفساد أيضا، كما يجب أن لا ننسى فساد القطاع الصحيّ الحكوميّ، وفساد الموظفين بالمطلق في القطاع العام، والأخطر أيضا يكمن في الفساد القضائي”.

وختم الحسامي، “كل ذلك بات يهدد بنية المجتمع اللبنانيّ بشكل عام. فهذه الظاهرة تجتاح لبنان وتتسارع وتنمو بخطوات سريعة، بحيث أصبحت تمثل ناقوس الخطر أمام أي خطة نهوض وتنمية إن وجدت.
كل ذلك جعل من تصنيف لبنان في أعلى مراتب الفساد ضارباً أرقاماً قياسيّة عربيّاً ودوليًّا.

بدأ كبارة كلامه بتعريف الفساد: “منذ أن قتل قابيل هابيل ونظرية الشر والخير تتحكم بالبشرية، وأصبحت جزءاً من الطبيعة الإنسانية وتتحكم بتاريخها، فالمؤرخون سطروا صفحات ونشروا كتباً عن الحروب وشرور البشرية ومفاسدها وهيمنة غريزة البقاء والسيطرة أكثر مما تحدثوا عن المنجزات الإنسانية الحضارية. والفساد متشعب العناصر والأنواع بحيث يكاد يختصر الشر بحد ذاته. لأن الفساد بعنوانيه الرئيسيين أي الفساد العملي السلوكي من جهة، والفساد النفسي الذهني من جهة أخرى، أصبحا يتحكمان بممارسات الناس ويتمكنان من قيم المجتمعات. ويشكل الفساد آفة عالمية خطيرة لأن من آثاره إلتهام ثروات الأفراد والشعوب، وهو يتربص بمقومات الدول، الغنية منها والفقيرة، مهددة أمنها الإجتماعي ونموها الاقتصادي وأدائها الإداري”.

“وبدأ موضوع الفساد يُعالج حديثًا تحت تسمية الإدارة الرشيدة أو ما سمي ترجمةً بالحوكمة نتيجة لتوسع أفق العلاقات الإقتصادية وإنفتاح الأسواق العالمية تحت تأثير العولمة وتم ربطها بمبدأ الشفافية والنزاهة نظراً لتأثير التجمعات الإقتصادية الفاعلة (lobbies) على الإقتصاد الوطني والعالمي، وتوسع حلقة أصحاب العلاقة (Stakeholders) المتأثرين من نشاطها. وقد أدى توسع عمل المؤثرين الإقتصاديين وارتدائهم ثوبا عالميا معولما مهيمنا على جوانب حياة الأفراد كافة تحت مسمى الشركات عابرة الجنسيات أو متعددة الجنسيات، إلى يقظة بعض الحكام والمنظمات المدنية وإلى تشكيل شبكة دفاع عن حقوق الإنسان وأصحاب العلاقة (مساهمين، عمال وموظفين، متعاقدين، دائنين، المنظمات البيئية، الضرائب، الضمان الإجتماعي، شركات التأمين)، وضد التجاوزات والممارسات غير المشروعة وغير الأخلاقية، كان باكورة عملها إصدار ما يسمى بمدونة سلوك الشركات عابرة الجنسيات (code of conduct) برعاية الأمم المتحدة في السبعينات. ولكن هذا العمل المستمر لم يكفي للجم توسع حلقة الفساد. مما دفع بالجهات المعنية إلى التصدي لآفته مباشرة على الأصعدة كافة. وقد أحصت مجموعة الدول السبعة عام 1989 المبالغ النقدية المتأتية عن الفساد والتي يتم تداولها وتبييضها بما يقارب 800 مليار دولار. مما حدا بهم إلى توقيع أتفاقية بغية معالجة هذه الآفة المالية والاقتصادية (FTAF) ولجم آثارها التضخمية ومحاربة تبييض الأموال المتأتية عنها. ومن إشكالية الفساد تنوعه وتحركه بشكل دائم بحيث يتأرجح بين التقييد غير المسوغ له من ناحية، والتسوغ المفتوح على احتمالات التأويل غير المحددة. يرافق كل ذلك فسادُ أخلاقي مُدني وإنحدار في العلاقات الإجتماعية تساهم المدنية المعاصرة ووسائل التواصل الإجتماعي في نشرها. وعرفته منظمة الشفافية العالمية عام 1993 بأنه سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب والمنافع الخاصة. ولكن الدول التي عملت على إصدار الإتفاقية الدولية لمحاربة الفساد لعام 2003 (UNCAC) لم تتمكن من وضع تعريف له فيها، وتركت لكل دولة حرية التصرف في تحديد الفساد من منظورها. ولكنها عددت حالات الفساد كالرشوة والإختلاس والمتاجرة بالنفوذ والإثراء غير المشروع وغسل الأموال الناتجة عن الجرائم. وعليه أصبح الفساد وتحديده مرتبط بالسلطة وفساد الإدارة فيها في الوقت الذي يتراءى لنا أن فساد السلطة من فساد الأفراد”.

أضاف كبارة: “لئن أردنا تحديد الفساد فيمكن اختصاره بقيام المرء فكريًا وعمليًا بما يخالف القواعد الأخلاقية والقيم الانسانية. والغاية منه تنفيذ الأعمال الشخصية وتحقيق المآرب الفردية الأنانية بواسطة وسائل ملتوية، بصورة مخالفة للقوانين والأنظمة ومنافية للأخلاق والآداب العامة والاجتماعية، كاستغلال النفوذ والوظيفة والمال وتجارة الممنوعات، يقوم بها أشخاص وجماعات ضاربين عرض الحائط بالمصلحة العامة، وذلك بغية تحقيق مكاسب آنية وجني أرباح غير مشروعة، أو طمعا في السلطة والمناصب. وانطلاقا من هذا التعريف تظهر ضرورة عرض القيم الانسانية والقواعد الأخلاقية التي تحدد نسبية العمل الفاسد وتعارضه معها عملاً بقاعدة أساسية ألاّ جرم أو عقاب بدون نص يصف الفعل وينهي عنه ويعاقب عليه”.

“وفي عودة للتاريخ تعتبر شرعة حمورابي الناموس الأول الذي حدد أنواع السلوك والقواعد التي تتحكم بمعاملات البشر وعدم جواز الشذوذ عنها. ثم جاءت القواعد الذاتية الإنسانية التي نادى بها كل من السيدهارتا غوتاما (البوذا – نيرفانا) وكنفوثيوس، ومن ثمّ الفلاسفة اليونانيين، وصولا إلى القيم الإنسانية العليا التي نادت بها الديانات السماوية. فجاءت الرسالة المسيحية في وصاياها لتشجع المحبة والسلام ولتنهي عن المساوئ. وحث الإسلام بدوره على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و مفاسد الأخلاق. وقد قال الله في كتابه الكريم:”
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٧٧ القصص﴾

” وورد الفساد في الفقه الإسلامي بمعنى تغير الشيء عما كان عليه من الصلاح، فيشمل الأفعال التي تندرج تحت معنى الشر والفساد.
و يعتبر الفساد لغةَ: الإضطراب والخلل وإلحاق الأذى والضرر بالغير والمجتمع، ومصدره كلمة فسد”.

أما عن أنواع الفساد، مسبباته وعناصره قال كبارة: “يرتدي الفساد أثوابا مختلفة ويصبغ بألوان متنوعة ويأخذ أشكالا متعددة تتماهي مع الإنسان وتطوره الفكري والعملي والاجتماعي وحسب حاجته. فعوامل تفاعله ومسبباته نفسية وإجتماعية عائلية وأقتصادية ومالية وسياسية وتشريعية ومؤسساتية.
العامل النفسي: يتأثر الفساد بالجوانب النفسية الذاتية للإنسان. وهو يتأتى عن حاجة غريزية حسنة أو سيئة النية. فثقافة الفساد الأخلاقي تطال كافة جوانب العلاقة الانسانية في المنزل، في الجوار أي في علاقة الناس في الأبنية المشتركة واحترام الجيران بعضهم لبعض ومراعاة السلامة العامة والإلتزام بالواجبات السلوكية العملية والمالية، في المدرسة ، في الإدارة (علاقة الموظفين مع المكلفين وفي احترام القواعد القانونية والأنظمة) وفي الشارع الخ. أي بتعبير آخر تنبع عن حاجة أو عن سوء تربية ولامبالاة بحقوق الآخرين وعدم احترامها والإعتداء عليها، مضاف إليها أنانية وشخصانية غريزية فتصبح ثقافة عامة. ولكن الحد الفاصل بين العمل البرئ والفاسد ضيق. فجان فالجان (البؤساء لفيكتور هيغو) سرق رغيف خبز لكبح جوعه وانتهى ملاحقا بالسرقة. ولكن هل كانت سرقته عملاً يراد به السوء وأذى الغير أم لحاجة الغذاء الذاتية والبقاء الغريزية؟ وكيف يقاس عمله بالنسبة للأموال التي كانت تهدر من قبل أرسطوقراطية سفيهة منافقة متسلطة لم تشعر بتعب العمل وقيمة المال الذي تبذره؟ وهل كان قصد المواطن الذي رشى موظفا لتسيير معاملته أن يقوم بعمل سيء أم قضاء حاجته؟ وأين الحدود الفاصلة بين عمل غريزي ونية الفساد؟ إن الفساد الأخلاقي لايقتصر على فعل إنساني إرادي مهما كان شكله ومسبباته، فهو ينبع من وضع نفسي منبثق عن الحاجة أو عن الغيرة أوحب التقليد، بحيث يسعى الفاسد إلى الحصول على مكاسب مالية أو مراتب إجتماعية أو مناصب إدارية وسياسية ليحجز له حيزا ومكانا في مجتمع منافق فاسد يهيمن الجشع عليه ويُقيَم الإنسان تبعا للمال أو المركز. ألا يمتطي البعض حجة الحاجة لتبرير فساده؟ والمشكلة تكمن في إستتباب هذا النمط من التفكير الفاسد واعتباره وسيلة مشروعة للبقاء. ناهيك عن تأثير الإعلام المركز والموجه والإعلانات التي تغسل عقول البشر وتكيفها وهذا مظهر من مظاهر الفساد النفسي أيضا.
العامل العائلي والإجتماعي: من عوامل الفساد تقييم الإنسان بالنظر لدخله أو ثروته، ففساد المجتمع و تقييمه للفرد على أساس ماله ومظاهره مهما كان مصدره أي ثقافة الجشع والتبرج أصبحت بكل أسف بنيوية في المجتمع الشرقي المعاصر، بينما هو يمس بشرف الإنسان في مجتمعات أخرى. ومن الضرورة الإشارة هنا إلى أن الفساد ينشأ أيضا عن طريق إكتساب المرء تربيته وأخلاقه أو أنه يصبغ بها نتيجة لإنتمائه إلى مجتمع أو عائلة تصوغ فكره وتفرض عليه تربية وممارسات وعادات بحيث تكون صفة ملصقة به طوعاً وليس نتيجة اختيار شخصي. وبمجرد إنتمائه إلى عائلة أو منطقة يحكم عليه ويصنف تلقائيا. مثال ذلك نشأة المرء في بيئة عائلية أوعشائرية تتميز بعقلية وعادات خاصة تؤدي إلى ممارسات بإسمها كالثأر والعار وتجارة الممنوعات الخ. وتكون أخلاق المرء مصبوغة بعادات البيئة التي ينتمي إليها. كما تستشري عقلية ربط ذكاء الإنسان بالكذب والنفاق والغش والممارسات غير الأخلاقية على اختلاف أشكالها واعتبارها ميزة، بينما هي عار وجريمة. فالنزاهة والصدق في نظر البعض “جدبنة”، والفساد تدبير حال وشطارة”.

كذلك شرح عن العامل الاقتصادي والمالي: إن شهوة المال والجشع يحدوان بعدد من الناس إلى اللجوء إلى وسائل ملتوية للحصول على مكاسب معنوية ومادية وإلى ممارسة ممنوعات بديهية كالغش والخداع والإتجار بالممنوعات ، ناهيك عن التهرب الضريبي. والجدير بالذكر هنا أنه من آفات العوامل الفساد المالي والاقتصادي عقلية الربح الفردي السريع وغياب عقلية جماعية وخطط إقتصادية جامعة. ومن نافل القول أن الحاجة والبطالة والفقر والظروف الجغرافية والسياسية تؤثر بشكل فعال في انتشار الفساد ولجوء البعض إلى وسائل ملتوية للحصول على المال بغية ربح سريع أو سد قوت عائلة. ومن أهم عناصره جرائم الإعتداء على المال والأملاك العامة.

“العامل السياسي والإداري: يتأثر الفساد بعوامل سياسية كثقافة إستعمال المال للحصول على مناصب ومراكز عامة، واستعمال المناصب والنفوذ للوصول إلى مكاسب سلطوية والحفاظ عليها. والأمثلة كثيرة عن سياسيين ومسؤولين استقالوا أو عزلوا لأنهم أساوا إستعمال المال العام (دفع ثمن عشاء أو تذكرة سفر من البطاقة المهنية أو قبلوا بدلة كهدية الخ – تحدد قوانين بعض الدول قيمة الهدية التي يحق لموظف أو شخص عام تقبلها). ومن أهم معضلات الفساد ذهنية ممارسات بعض موظفي الدولة وإهمالهم لواجباتهم وسوء علاقتهم مع المواطنين. من هنا ضرورة تغيير العقلية السائدة لديهم على أنهم مرتزقة حكومة، وأن يتفهموا أنهم موظفون ليس في مصلحة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة بل في خدمة المواطنين الذين يدفعون لهم رواتبهم من خلال الرسوم والضرائب التي يدفعوها للدولة للقيام بواجب خدمة الشعب. وهم لا يملكون المركز الذي يشغلوه للتعاطي بشكل فوقي بل يتوجب عليهم إحترام المواطنين وصون حقوقهم. ومن مظاهر الفساد السياسي الإنبطاح والتذلل التي تأتي نتيجة لخضوع مواطنين للإقطاع الإجتماعي والسياسي الذي لا يأبه بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ونفسية التعالي والتنمر والتميّز وعقلية الفوضى وعدم إحترام الفكر الآخر، ورفض الأنظمة واللجوء إلى السلاح والعنترة والثأر، بالإضافة إلى العنصرية والتوتاليتارية وممارسة الإنتقاد والإعتراض التلقائي وإتخاذ مواقف سلبية تجاه كل فكرة أو عمل جديدين. ويعلمنا التاريخ أن الضغط والقمع والسلطة العشوائية تتسبب في فساد الحاكم والمحكوم. فقد نشأ تاريخيا في معظم الأنظمة القمعية من خلال رشوة المتسلط حفاظاً على الحياة والسلامة. يضاف إلى ما تقدم سلطة المال وجشع المهيمنين عليها كما يعبر عنه جوزيف ستيغليتز (مدير البنك الدولي سابقا وحامل جائزة نوبل في الإقتصاد).
العامل التشريعي والمؤسساتي: من المفيد لفت النظر هنا أن بعض التشريعات المبهمة (مثال الأوراق المطلوبة) والنقص في وضع مدونة سلوك في المؤسسات وعدم تحديد المهام والصلاحيات والهرميات التسلسلية فيها تشكل بؤرة خصبة للفساد. فهذا يؤدي إلى الفوضى والتسلط والاستنساب وسوء استعمال السلطة مما يسمح للسياسي أو الموظف أن يسيء إستعمال نفوذه وإستغلال الوظيفة للحصول على مكاسب غير أخلاقية على حساب المواطن وميزانية الدولة. يضاف إليه إنشاء مؤسسات غب الطلب وعلى قياس البعض، ومؤسسات يشمل عملها تخطيط وتمويل وتنفيذ المشاريع دون رقيب”.

والنفس أمارة بالسوء وعليه فإن الإنسان عرضة للتجربة والإغراء. فوجود ظروف شخصية نفسية وعوامل خارجية (إجتماعية أو مالية أو اقتصادية)، وغياب ردع داخلي وخارجي يدفعان المرء إلى الأنغماس في تجربة الفساد. وما أصح ما يدعو المسيحيون إليه في صلاتهم:”… ولا توقعنا في التجارب ولكن نجنا من الشرير، آمين”.

أضاف كبارة عن مكونات الفساد، مظاهره ومخاطره “إن الفسادة المستشري في وطننا وعدد من دول العالم أصبح بنيويا ومتأصلا في الذهنية العامة. ويصنف لبنان في مؤخرة الدول في قياس النزاهة واستتباب الفساد. وهذا ما دفع معظم الدول بما فيها لبنان إلى إنشاء هيآت تعنى بمحاربته. ومن المؤسف أن مفهوم النزاهة لا يجد له صدى لدى أكثرية الناس ولا يفهم من قبل الجمهور لأن قالبه العلمي الفكري والأخلاقي يحتاج إلى شروط غير متوفرة في المعطيات التربوية والذهنية التي تتحكم في مجتمعنا المعاصر. فإذا كان على المواطنين أن يحترموا قيمهم فذلك لن يحصل إلا حين يصبحون أحرارا فكريا في استنباط تصورهم وتطلعاتهم النزيهة والأخلاقية الخاصة. وما داموا خاضعين للتطرف الفكري والسلوك اللا عقلاني فإن غريزتهم تعميهم عن رؤية الحق والأخلاق. إن حرية المواطن ونزاهته تكمن في رفض كل أشكال الفساد اللا حضارية المتخلفة التي تشدنا إلى الوراء. وإذا كان الواقع قد قمص دور النزاهة فهذا لا يعني أنه لم يعد هناك قيم وأخلاق. إن بعض العقول الفاسدة التي تعمل لصالح الواقع المتردي الذي تنهل منه ماء فسادها هي التي تحول دون نشأة وتطور فكرة النزاهة الدفينة في أعماق الكثيرين من المؤمنين بكل مقدسات الإنسان الأخلاقية في الحياة. وهؤلاء محبطون ولا يجرؤون عن المجاهرة بها أو في اختيارها نهجا بسبب خشيتهم من رد فعل الجمهور الفاسد، كأني بهم يطبقون مبدأ الفيلسوف هوبز القائل بأنه من الواجب تفضيل الحاضر والدفاع عنه واعتباره خير ما يوجد. وهذا ما يتجلى في نتائج الانتخابات”.

” ومن المؤكد أن ثقافة الفساد مستشرية ومعشعشة ومتسللة في كافة نواحي الحياة الإجتماعية والسياسية. فعندما يربى الولد على ممارسة أهله وتبسيطهم لأفعال فاسدة يصبح الفساد عملا مألوفا وطبيعيا بالنسبة له ولا تدخل الأخلاق وممنوعاتها في مفهوم تربيته. والإنسن الورع الذي يرشي موظفا تسهيلا لمهمته، لايشعر بقيمة العمل أخلاقيا وما يتعارض ما يقوم به مع قيمه الدينية، لأن فعله أصبح من الأمور المسلم بها. وأصبحت الأولوية ضرورة تصريف الأمور وإتمام الحاجات الآنية على حساب مبادئ الأخلاق والتعاليم الدينية وتتفوق على القناعات الذاتية علما أن الراشي والمرتشي شريكان في الجرم. إن الخطر يكمن وراء تبسيط الفساد والقبول به عوضا عن التصدي له بكافة الأشكال. فالناس تتعايش مع طبقة ميسورة تأتت أموالها عن طريق تبييض أموال فاسدة، وهي تتملق لها وتتأقلم مع وجوها. إن تحرير الإنسان في هذا الوطن يفترض إبطال كل مظاهر الحرية الزائفة والفساد المستشري والترقي إلى مستوى المسؤولية الفردية الحرة بعيدا عن مظاهر الغنى الفارغة والاستغلال المعيشي والعصبية الغريزية. إن أولى مهمات أي حكم عتيد إصلاح وتحديث أجهزة الدولة وتقويم الإعوجاج واجتزاز آفة الفساد والتخطيط لاستقرار اجتماعي ورسم أفق وطن آمن ومستقر للجميع. وهذه المهمة لاتقع على عاتق السلطة فحسب بل هي عمل جماعي يتشارك فيه البيت والمدرسة والجامعة ودور العبادة. هي تربية لجيل نزيه”.

ختم كبارة بطرق التصدي للفساد “لا شك في أن معالجة الفساد يتطلب عدد كبير من المبادرات وبذل كثير من الجهد. وإنطلاقا من النواميس الأنسانية والدينية يظهر جليا أن معالجة هذه الآفة تحتاج إلى ثلاث مبادرات: التربية والتوعية أولا، الوقاية والدراية ثانيا، والمساءلة والعقاب أخيرًا”.

“التربية والتوعية: لا يهم من أين نبدأ حتى لا نقع في معضلة هرمية المسؤوليات. وقد أخذت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المبادرة إلى الطلب إلى بعض الجامعات بدءا من الجامعة اللبنانية في تأسيس نواد حول الشفافية والنزاهة كما طلبت أن تضم المناهج التعليمية دروسا في هذه الموضوع ناهيك عن القيام بندوات توجيهية. وقد تجاوبت وزارة التربية ومجلس البحوث لطلبها وهم بصدد التحضير لتعديل المناهج التعليمية. والهدف هنا إرساء النزاهة الفردية والجماعية، الخاصة والعامة، النزاهة المهنية، النزاهة المؤسساتية، النزاهة البيئية، النزاهة الخدماتية والنزاهة السياسية. يعني ذلك توعية الناس حول فساد ما يقدمون عليه وآثاره على العامة والوطن. بمعنى شامل إرساء مبدأ النزاهة. كما تقوم بتحضير حملة توعية باتجاه المنزل والعامة”.

” الوقاية والدراية والشفافية: يعني هذا الموضوع إتخاذ تدابير ومبادرات تحد من قدرة الفاسدين من الوصول إلى مآربهم. ومن أهم هذه المبادرات تخفيف الأعباء الإدارية التي يتعرض لها المواطن في الحصول على حقوقه وإتمام معاملاته. وقد وضعت بعض من هذه المبادرات موضع التنفيذ بحيث أصبح المواطن يتمم معاملاته بالبريد الألكتروني أو بواسطة البريد ولا يواجه الموظف الذي يتحكم به ولا يُخضع المواطن نفسه لإغراء الرشوة لتسهيل معاملاته أو مخالفة القوانين. كما أن عمومية نصوص بعض القوانين والمراسيم والقرارات وعدم دقتها وتعارضها قد تكون سببا من أسباب تمكن الإدارة من فرض شروط استنسابية وقبول رشوى لتجاوزها (مثال الأوراق المطلوبة). وقد شدد فولتير على أن تكون النصوص القانونية واضحة ودقيقة فامكانية التأويل تفتح الباب للفساد. وقد وضعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نموذجا لما يمكن إعتباره فحصا لدقة النص القانوني وشفافيته وعدم وجود عموميات مبهمة. وعليه ستسعى الهيئة إلى تحصين النصوص ضد الثغرات والتدقيق في نصوص مشاريع القوانين للتأكد من عدم وجود نصوص مبهمة أو مفخخة أو متناقضة أو فضفاضة تمنح السلطة والأدارة والموظفين صلاحيات استنسابية في التفسير والتطبيق. يضاف إليه التدقيق في عدم إحتوائها على نصوص تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان. وكما قال أرسطو إن القانون يُنص بحسن نية ولكنه يُفسر ويُطبق بسؤ نية. والعمل هنا طويل وشاق. ومن أهم المنجزات في هذه المضمار هو قانون الحق في الوصول إلى المعلومات الذي أسس مبدأ الشفافية وأتاح لكل مواطن الحق في الطلب إلى الإدارة أن تزوده بمعلومات تخص الشأن العام الإداري والمالي. فعوضا من الانتقاد والإتهام والحكم على الإدارة وعلى المسؤولين ما على المواطن إلا طلب المعلومات التي تهمه والإطلاع على حقيقة ما يحصل وتقديم الشكوى عند إكتشافه لمخالفة موصوفة وذلك بكل مسؤولية”.

“المساءلة ومنع الافلات من العقاب: الغرض منها تعزيز المساءلة. يغص لبنان بأجهزة رقابية متعددة تقوم بأعمالها على قدر كبير من المسؤولية: فمن مجلس الخدمة المدنية، إلى التفتيش المركزي، إلى ديوان المحاسبة، إلى التفتيش القضائي والعسكري، إلى النيابات العامة العادية والمالية، إلى هيئة التأديب العام، وصولا أخيرا إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وكما هو الحال في أي موضوع ليست العبرة في وجود نصوص تنظيمية أو عقابية أو مؤسسات رقابية، بل في مدى جدية القيمين عليها في ممارسة صلاحياتهم ومسؤولياتهم وعدم تعرضهم لضغوطات تعيق عملهم. ولا يخفى على بالنا جميعا أن الآفة الرئيسية في عقلية عدد كبير من اللبنانيين مواطنين كانوا أم مسؤولين هي تعشعش ذهنية الخدمة الخاصة وتبييض الوجه ومخالفة الأنظمة واللجوء إلى الواسطة أو الرشوة للحصول على مآربهم على الأصعدة كافة. فقياس أهمية النائب بنظر العامة تحسب بمدى تقديم خدمات خاصة (معظمها مخالف للقانون أو تجاوز له على حساب المصلحة العامة وحقوق الآخرين) وليس بمقدار أهميته التشريعية أو التخطيطية لمصلحة الوطن. وفي لبنان عدد من مجموعات الضغط تقوم كل منها حسب مصلحتها بوضع قواعد لعبة تؤمن مصالحها الفردية على حساب المصلحة الوطنية، وتفرضها تشريعيا أو إداريا حسب موقعها ونفوذها. وكما يقول المثل أن الإنسان العامل يسبق الأنسان العالم، فعليه يجب أن تأتي القوانين لتحول دون التجاوز والفساد. لذلك وعوض عن الانتقاد المجاني ما على المواطن إلا أن يحاسب وأن يتقدم بشكوى حين يتراءى له أي خلل أو فساد. فالمساءلة والعقاب شرطان رئيسيان لتقويم الإنسياب الأخلاقي والإعوجاج الإداري. ولا أتقدم بفكرة مميزة حين أؤكد على نزاهة القضاء واستقلالية أحكامه”.

“تطور المؤسسات المعنية في لبنان
وحصلت مبادرات مهمة وتقدم ملحوظ في ذهنية الدولة وفي تحسين أداءها وفي تطوير عمل المؤسسات والإدارات نذكر منها مجموعة من المبادرات والقوانين التي تصب في هذا الاتجاه الإصلاحي. فقد وافق لبنان عام 2008 على الإنتساب إلى الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد (لعام 2003) ودخلت حيز التنفيذ عام 2009. فأخذ وزير الشؤون الإدارية (محمد فنيش) المبادرة إلى تأليف أول لجنة لوضع خطة إصلاح الإدارة وتطبيق قواعد الإتفاقية في لبنان ومحاربة الفساد. وتعاقب عدد من الوزراء من بعده واستمروا في دعم هذه الخطة وتطويرها (نبيل دو فريج، عناية عزالدين، مي شدياق، دميانوس خطار ونجلا رياشي). والمشكلة هنا لاتكمن في النصوص بل في النفوس التي ترفض الرضوخ للقواعد الجديدة والإنصياع إلى القوانين واحترامها وتطبيقها. ولأسباب مختلفة بقيت معالم هذه المبادرات بعيدة عن نظر الجمهور واهتمامه. لا بل أن الفكر السائد لدى العامة من الشعب سلبي وناقد دون إعطاء كل ذي حق حقه، و يجب تغيير هذه الذهنية وتطوير الثقة بالدولة ومؤسساتها وعدم المساهمة في إفساد الخطة والقيمين على تنفيذها. وهنا تظهر مسؤولية القطاع الإعلامي الإنتقائي في التركيز على بعض السلبيات في هذه الوطن والتغاضي والتعتيم على كل عمل وإنجاز إيجابي بنّاء وبث التوعية. فنحن إذا بحاجة رئيسية لتغيير العقلية السائدة والذهنية السلبية من خلال التوعية والإرشاد والشفافية. أي ثقافة المواطنة. كما أنه ونتيجة لضغوط دولية (وبسبب الضغط الشعبي بعد حركة تشرين الأول 2019) ونتيجة لتحركات المجتمع المدني وجمعياته، قامت الحكومات المتعاقبة بإصدار عدد من القوانين المهمة التي من شأنها أن تساهم في نشر ثقافة النزاهة والمساءلة والعقاب وإرساء مبدأ الشفافية شرط أن يمارس المواطن حقه فيها من أهمها:
1) قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رقم 175 تاريخ 8/5/2020.
2) قانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28 تاريخ 10/02/2017 المعدل بموجب القانون 233 تاريخ 16/7/2021.
3) قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83 تاريخ 10/10/2018.
4) قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع رقم 189 تاريخ 16/10/2020 .
5) قانون دعم الشفافية في قطاع البترول رقم 84 تاريخ 10/10/2018.
6) قانون إستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد رقم 214 تاريخ 08/04/2021.
7) قانون الشراء العام رقم 244 تاريخ 19/7/2021 .
8) قانون تعليق العمل بأحكام قانون سرية المصارف رقم 200 تاريخ 29/12/2020.
9) القوانين ذات الصلة (قانون أصول المحاكمات وقانون العقوبات والقانون الإداري وقانون رقم 44 المتعلق بمحاربة تبييض الأموال).
10) الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
يضاف إلى ما تقدم البدء في إقرار الموازنات بدءا من العام 2017. رافق ذلك تبدلا في الجو العام، وأصبح بعض الجمهور والإعلام يتابعان العمل العام ويحاسبان كل حسب قدرته ومعلوماته، مع بعض التجني أو المبالغة بسبب الجهل بمعطيات الأمور، وقد ساهم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في دعم هذا المناخ وخلق شعور من الريبة لدى من تسوله نفسه القيام بعمل فاسد. ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في الذهنية العامة السائدة باعتبار القوانين جزئا من الديكور الوطني وعلى أقله أنها تخص الغير. وهذا بحد ذاته تفكير فاسد.
وإذا أردنا استعراض التقدم الحاصل على مختلف مستويات مكافحة الفساد والوقاية منه فأعدد المحصلات التالية وأحدد العلامات من عشرة حسب دراسة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد:
تشريعات مكافحة الفساد وتطبيقها: 5/10
مستوى النزاهة في الوظيفة العامة 2/10
منظومة الشراء العام 4/10
نظام قضائي أكثر نزاهة 3/10
أجهزة رقابية أكثر فعالية وتخصص 4/10
مشاركة المجتمع في ترسيخ ثقافة النزاهة 5/10

إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ودورها
في 8/5/2020 صدر القانون 175/2020 الذي نظم مبدأ محاربة الفساد وأنشأ لهذا الغرض الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وهي هيئة تتمتع بشخصية معنوية مستقلة وباستقلال إداري ومالي. وهي تتألف من ستة أعضاء تم إختيارهم إنتخاباً وإنتقاءً مهنياً بمعزل عن تدخل السلطة والإعتبارات المعروفة. وتتضمن قضاة وحقوقيين ومدققي حسابات وخبراء إداريين ومصرفيين وماليين. ويتمع أعضاؤها باستقلال وحصانة شخصية ولا يحق لهم أن يمارسوا أي عمل آخر. ويتميز عمل الهيئة بالشفافية التامة. وقد دأب أعضاؤها منذ اليوم الأول على تقديم تصريحا عن ذمتهم المالية، ووضع الأسس والأطر النظامية والمالية لعملها. كما شارك أعضاؤها بعدد من الندوات والمؤتمرات العربية والعالمية، وأنتسبت الهيئة إلى مجموعة من المنظمات العربية والدولية التي تعنى بالفساد. وقد أجرت مجموعة من اللقاءات والندوات مع المجتمع المدني وبعض الأجهزة الحكومية الوطنية والأجنبية. ولكن إنطلاقتها تعثرت بسبب الظروف المالية للبلد وإضراب الموظفين وتأخر بعض الأجهزة النظامية في بت أنظمتها الداخلية والمالية، وتأخر تحويل الأموال المعتمدة لها لدفع المصاريف التأسيسية والتعويضات وتعيين الجهاز الإداري وتجهيزها. وبالرغم من العقبات المرحلية فقد باشرت الهيئة في مهامها وكان من باكورة أعمالها إستلام تصاريح الذمة المالية والمصالح التي تقدم بها النواب المنتخبون والمنتهية ولايتهم بالإضافة إلى رئيس الجمهورية والموظفين المحالين إلى التقاعد من الفئة الثالثة فما فوق. كما باشرت في استلام طلبات المواطنين في موضوع حقهم في الوصول إلى المعلومات من الإدارات كافة. كما ورد إليها عدد من الشكاوى والملفات التي إنكب أعضاؤها على دراستها بكل دقة وسرية، بالرغم من غياب جهاز مختص يساعده في ذلك. ومن أعمالها أيضا وضع خطة عمل خمسية. كما قامت بتجميع القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد كافة ونشرها وتم الإعلان عنها في إحتفالية عامة لتكون بمتناول المختصين والجمهور. كما أصدرت تقريرا عن أعمال سنة 2022. وجدير بالتنويه هنا إن المشرع قد أوكل إلى الهيئة مهام متعددة أذكر منها التوعية والتوجيه، التحقيق والاستقصاء، الإتهام والإدعاء، ناهيك عن الإشراف على تنفيذ القوانين المذكورة أعلاه ومراقبة المسؤولين عن تطبيقها. بالإضافة إلى بعض الإتفاقيات والقوانين ذات الصلة (قانون أصول المحاكمات وقانون العقوبات والقانون الإداري وقانون محاربة تبييض الأموال).
وتستمد الهيئة بالإضافة إلى القوانين التي سبق وذكرتها سابقاَ من المواد 6 و 36 من الأتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، من بيان جاكرتا بشأن أجهزة مكلفحة الفساد، من التقرير المرجعي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول المعايير الدولية وتجارب هيئات مكافحة الفساد في المنظمة العربية 2012، من إعلان بغداد لمكافحة الفساد الصادر عن المؤتمر الوزاري السادس للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2018، ومن الأسترتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في لبنان 2020-2025.
ومن مهامها: تلقي كشوفات الفساد واستقصاء جرائم الفساد ودرسها وإحالتها إلى الجهات الرقابية والقضائية المختصة، رصد وضع الفساد وكلفته وأسبابه وجهود مكافحته والوقاية منه، إبداء الرأي عفواَ أو بناء للطلب في التشريعات والمراسيم والقارات والمشاريع الإستراتيجية المتعلقة بمكافحة الفساد، المساهمة في نشر ثقافة النزاهة، تلقي التصاريح عن الذمم المالية والمصالح والتدقيق فيها، إستلام الشكاوى المتعلقة بعدم تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، حماية كاشفي الفساد وتحفيزهم، دعم الشفافية في قطاع البترول، المساهمة في تطبيق قانون لإستعادة الأموال الناتجة عن الفساد، المساهمة في تطبيق قانون الشراء العام. ويجري العمل على إنشاء موقع إلكتروني بإسم الهيئة يتضمن كافة المعلومات والمراجع، وعلى ربطه ببعض المديريات الرئيسية كالعقارية ومصلحة تسجيل السيارات ودائرة الضريبة في وزارة المالية ليتسنى للهيئة متابعة ذمم مالية الأشخاص الخاضعين لمراقبتها والتحقق منها.
ويجب التنويه هنا أن الهيئة جديدة في موضوعها وخاصيتها، ومهامها جسام، ويحتاج تأسيسها إلى برهة من الزمن. ولا يمكن أن أغفل هنا أن ما تقوم به ما كان ليتم لولا الدعم التقني والعيني الذي تقدمه منظمات أممية بحيث مكنتها من ممارسة بعض من المهام الموكلة إليها.
وختم كبارة: “إنها ثورة الإنسان على واقعه، ثورة الأخلاق. وحان الأوان لنتعلم كيف نحيا بحرية ونزاهة وكرامة. وقال الله في كتابه الكريم: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

وفي نهاية الندوة قدم الفنان المبدع بلال الحلوة لوحة الكاريكاتور عن الفساد لنائب رئيس الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد د.فواز سالم كبّارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى