المقالات

نرقص لعجز اللغة – كتب:د. قصي الحسين

تعجز اللغة عن حمولتها. هذا رأي يقيني. لطالما وقف المرأ أمام مسألة، أو أمام مشكلة، أو أمام قضية، فيبادر لإبداء رأيه، فيتعثر لسانه، وتتعثر لغته، ويصير أمام هذا المشهد: “أعيا من باقل”. ولو كان سحبان وائل!.

خطباء وفصحاء وبلاغيون كثيرون، يذرب القول من لسانهم ذربا، تراهم يجمدون في البرهة المحرجة، فيجمد الكلام على لسانهم، ولا يعودون بقادرين على الإنبثاث ببنت شفة. تختنق الكلمات في حناجرهم، حتى لتكاد تقتلهم، ولا يستطيعون الكلام، لعجز اللغة عن الإنسياب، من الألسن المتجمدة، من شدة الهول!.

في برهة وزير الإعلام جورج قرداحي، جمد لسان القرداحي نفسه. تجمد فجأة. أصابه الجمود، أصيب لسانه بداء ، بفيروس، بعضة مفاجئة. قرض بها. قرط. وهو يدلي بتصريح، لم ينتبه لأي حساب فيه. فصار عاجزا عن الكلام. صارت جفونه تتراقص، لعجز اللغة.

القرداحي الذرب اللسان. القرداحي الذي بوأته ذرابة لسانه المنابر. بوأته المناصب. بوأته البرامج. بوأته صحبة المقدمين، بوأته إرتياد المجالس، “أسقط في يده” ذات تصريح . ذات قول. فصار من بعدها، “أعيا من باقل”.

جورج قرداحي الذي كان يطير محلقا بين بطتين إقليميتين، من الجوار الإقليمي، مسرورا بطيران لم يخلق له. قال فقط وهو في السماء: فقأ الله أعين الحسداء. فسقط تلك السقطة العجيبة. هوى من الذرى، وصار يرقص، لعجز اللغة.

تألق رجل الشاشات العربية كثيرا، حتى كثر غابطوه. حتى كثر حساده. كان ذرب اللسان، “حتى عده الجاحظ من طبقة حاضري الجواب”. كان لسانه لا يهدأ على أية شاشة إحتلها، تسلقها لا فرق. كان وهو يروج لإعلان، كأنه يسكن فيه. كانه يرتديه. كانه يأخذه معه إلى البيت. كأنه يدفعه دفعا، بكل مقدرة إلى بيوت الناس!.

كان جورج قرداحي، رجل الشاشات، ورجل الإعلانات ورجل البرامج، ورجل المواقف، ورجل المسامحات، يأمر الناس، المشاهدين، الصغار، الكبار، بلا أمر، أن يجلسوا إليه، أن يستمعوا إليه، أن يصغوا جيدا إليه. فيأتمرون لامره، حتى يتووقف عن ذرابة اللسان. وفجأة حلت عليه “لعنة باقل”: أصيب بداء الخرس. أصيب بداء العي. لا لشيء، إلا لأنه كما يقول المثل: “صمت دهرا، ونطق كفرا”.

رجل بقامة جورج قرداحي، ما أحوجه إلى “هذا التصريح الهمايوني!. كنا بغنى عنه”، يقول وليد جنبلاط. ما الذي دفعه إلى قول ما قاله. فلم يعرف عن جورج قرداحي، أن عينه طامحة إلى ظل تصريحه، لا في بلاد العرب. ولا في بلاد العجم. ولا حتى في لبنان وسوريا، ولا في بلاد اليمن.

أعجزت اللغة جورج قرداحي، في تصريحه عن حرب اليمن اليوم، كما أعجزت “أحمد سعيد” سابقا. وما عليه إلا أن يتعلم الرقص منه، بعدما عجزت اللغة. ولا ضير في ذلك.

تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي، أعجز اللبنانيين جميعا، في دول الخليج. أعجز “سليمان فرنجية” الذي رشحه عن تيار المردة لتبوء وزارة الإعلام. أعجز زملاءه الوزراء في حكومة حديثة الولادة. أعجز رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. أعجز رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأعجز أيضا وأيضا رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون.

وقف أمامنا يعلمنا الرقص، في “يوم عجز اللغة”. وقف يعلمنا الرقص، لعجز اللغة. جعلنا حقا نرقص مع أبنائنا في دول الخليج، ومع تجارنا ومزارعينا في لبنان. نتعلم الرقص لإختطاف اللغة من أفواهنا. لعجز اللغة في أفواهنا. وقديما قيل: “مقتل المرأ بين فكيه”.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى