قصص وعبر

القرارات الكبرى في الحياة -عزام حدبا

ما هي القرارات الكبرى في الحياة؟ سينصرف ذهننا بشكل اوتوماتيكي الى القرارات المصيرية: الاختصاص الجامعي، الوظيفة، اختيار الشريك، الانتماء السياسي والديني.. لكني لا اتحدث عن هذه القرارات ها هنا بل أتحدث عن قرارات فكرية محضة يجب أن نتخذها كي نميز بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف في حياتنا.. عن اكتشاف معنى ضائع لحياتنا لا يعني سوانا.. فنحن كما نعرف نتأرجح دوما بين الملل والألم.. بمجرد أن نتخلص من المحن نقع في الروتين ولا نخرج في العادة من دائرة الملل الا بحدث ضخم يهز كياننا.. أول ما نلاحظه اذن في هذه الدائرة المميتة هي أنك لا تتحكم فيما يجري لك.. فأغلب الأحداث التي تجري معك لها علاقة بظروفك وظروف محيطك وظروف البلد أكثر مما لها علاقة بخياراتك وقراراتك.. حريتك الوحيدة هي في التفكير وفي كيفية قراءة الامور.. من هنا عليك أن تركز على هذه الناحية.. لنفترض انك تريد أن تكون سعيدا في حياتك ولا أعني بهذه العبارة السعادة المطلقة فتلك ممتنعة في هذه الدنيا.. لكن اعني بها هذه الفسحة المتواضعة من الشعور الايجابي في يومك والتي تمنحك الامل بمتابعة الحياة بدلا من تمني انتهائها أو اللامبالاة حيالها.. إن قررت مثلا أن تصنف شعور الحنين للوطن او للطفولة كشعور ايجابي فأنت على الطريق الصحيح.. أن قررت أن تصنف شعور الشوق لعزيز فارقته على انه شعور ايجابي فأنت على الطريق الصحيح.. أن حاولت تدريب نفسك أن تجد لذة في تذكر أحداث سبق أن عشتها أو تخيل أحداث لم تعشها بعد بدلا من أن تجد فيها الغصة والحسرة فأنت على الطريق الصحيح.. السعادة اذن تكمن في القدرة على التحكم بالشيء الوحيد الذي تضمن التحكم به: أفكارك.. خيالك.. ذكرياتك.. تصنيفك لمشاعرك.. إن نجحت في القيام بهذه الخطوة الجبارة ستعيش أجمل حياة ممكنة.. هذا ما تستطيع أن نطلق عليه مصطلح “عالمنا الخاص” الذي سيسعى الكثيرون من حولك لتحطيمه في طريقهم لتحطيمك أنت.. القوة تكمن إذن في عدم التأثر بما يقوله هؤلاء لك والانصات بدلا من ذلك لحسك الداخلي الذي لن يكذب عليك.. لا أحد يريد سعادتك أكثر من ذاتك الداخلية.. فهي المستفيد الأول من سعادتك وهي المتضرر الأول نفسيا وجسديا في حال غيابها.
قد تقولون أن الكلام سهل والتطبيق صعب..، نعم أعترف بذلك.. صعب وليس مستحيلا.. ودليلي على ذلك تفاوت من حولنا في النجاح الجزئي في هذا المجال.. نعم لا أحد وصل الى قدرة التحكم المطلقة بأفكاره ومشاعره ولا أحد استطاع أن يبني عالمه الخاص بشكل محكم يغنيه عن الواقع.. لكن هذا ليس مطلوبا في الاصل.. ليس مطلوبا منك الانفصال عن الواقع بشكل تام والتسكع كل الوقت في عالمك الخاص.. بل مطلوب منك أن تجهز هذا العالم الخاص كي يكون ملجأ أمينا حينما تهب العاصفة.. حينما تغلق كل الأبواب في وجهك.. وينشغل كل انسان بمداواة جروحه بنفسه .. انها ليست دعوة للعزلة بل دعوة لاستمداد الطاقة من معين داخلي متحضر لدعمك في كل وقت بدلا من تسولها من مصادر خارجية ستخذلك وتخيب أملك دون أن تكون ملامة، بل الملام هو انت حينما اتخذت منها طوق نجاة وحبل خلاص وهي ما صنعت لذاك.

منقول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى