المقالات

اتحاد المغرب العربي بين الواقع والأمل – بقلم: د محمد علي الحلبي

تتعزز وجهات النظر،والرؤى،والدراسات عندما تستند لأقوال المسؤولين لأن نقلها عنهم يكون موثقاً،وشديد الدقة لدرجة الالتزام بحرفية نصوصها،وفي الأيام الأخيرة راحت الأحاديث تدور حول إنعاش- اتحاد المغرب العربي-  فمنذ ولادته وُضع في الحاضنة،وأهمل،وتُرك بلا رقابة،ولا عناية إلى أن جاءت ثورة الربيع العربي في تونس لتطالب بالاهتمام بالوليد المتروك ،وعلى لسان رئيسها المنصف المرزوقي وخلال تجواله على أقطار المغرب دعا أثناء لقائه بالملك المغربي وتباحثه معه من أجل إحياء الاتحاد مؤكدا على ضرورة وضعه على المسار الصحيح ولتحقيق ذلك عقد قمة خلال السنة الحالية،وإنشاء برلمان مغربي ،وفي كلمة له في الرباط أمام مجموعة من السياسيين ورجال الأعمال،ونشطاء حقوقيين قال:«نحن أمام مستقبل واعد لقد انخرطنا فيه»وفي الفترة ذاتها وجّه ملك المغرب محمد السادس رسالة تهنئة لقادة دول اتحاد المغرب بمناسبة الذكرى 23 لبدء الإعلان غنه  ضمّنها «إن الاندماج المغاربي تطلع شعبي عميق،وضرورة استراتيجية،وأمنية ملحّة،وحتمية اقتصادية يفرضها عصر التكتلات والعولمة»داعياً إلى إقلاع مغربي جاد ومنظم  ,  بينما علل ،عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الجزائري والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، وبكل بساطة التقاعس في أداء الالتزامات المترتبة على الأنظمة ففي حديثه لجريدة الشرق الأوسط يقول ً:«أضعنا وقتاً طويلا ًلبناء اتحاد المغرب العربي» فالوقت،وإن طال أمده لم يعد مهماً للقادة العرب بل أصبح مضيعة ليجول دون  تحقيق الأمل السامي والعالي المتجسد في التطلع العميق والأصيل للشعب العربي رغم إيمان الجميع شعباً وقيادات  بالأهمية الاستراتيجية،والأمنية،والاقتصادية لا للوحدة،بل للاتحاد…..وتعجز الكلمات عن وصف هذه الحالة المشينة  ،  ويحتار الإنسان العربي،وفي حيرته سؤال كبير:في أي مستوى يصنف هذا«الإهمال»البعيد عن كل القيم،والمبادئ،والأخلاقيات،والمسؤوليات السياسية؟!…..والجواب يأتي سريعاً،فالإرادات غير متوفرة،لا بل مرهونة وتابعة لكل الإرادات الدولية المؤثرة والمعادية للأمة العربية.

ولمعرفة عدد سنيّ الزمن المعطل والمهدر من قبل الأنظمة العربية  من أجل تحقيق أماني شعبها،وتطلعاته المحقة والملزمة بها في كل الوطن العربي،وتحديداً هنا في مجال الاتحاد،فالتاريخ يتحدث عن فكرته التي ظهرت قبل الاستقلال،وتبلورت في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية الذي عُقد في مدينة طنجة،وكان في28-30/4/1958ضمّ ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي،والحزب الدستوري التونسي،وجبهة التحرير الوطني الجزائرية،وبعد الاستقلال وفي عام1964شُكلت لجنة استشارية لتنشيط الروابط الاقتصادية بين أقطار المغرب،وتتالت الصيغ التنفيذية إلى أن أعلن عن قيامه في19/3/1989بمدينة مراكش من قبل خمس دول هي:
المغرب،الجزائر،تونس،ليبيا،وموريتانيا،وحُددت أهدافه ” بفتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع،والتنسيق الأمني،ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين،والعمل تدريجياً على تحقيق حرية تنقل الأشخاص،وانتقال الخدمات،والسلع،ورؤوس الأموال فيما بينها،وكل ذلك تحت عناوين كبيرة في تمتين أواصر الأخوّة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض،وتحقيق رفاهية مجتمعاتها إضافة إلى صيانة استقلال كل دولة في الميدان الاقتصادي،وتنمية التعليم على كافة مستوياته،وصيانة الهوية القومية العربية”
.

ولأجل ذلك أقيمت المؤسسات،واللجان المتعددة الأنماط لتحقيق الغايات المرجوة كان منها المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة المنشأ في10/3/1991 إضافة الى العديد من المؤسسات الرسمية   ,   والحقيقة الثابتة،والمؤكدة أن ثروات تنعم بها الأقطار الخمسة،فالجزائر تحتل المرتبة12عالمياً في إنتاج النفط،والمرتبة6في إنتاج الغاز الطبيعي،وتملك احتياطياً يقدر بــ25,000مليار متر مكعب،والتقديرات بحسب الدراسات الجديدة ترفع مدة هذا الاحتياطي من40سنة إلى200سنة،واكتشافات جديدة تترى وراء بعضها البعض تضاف إلى كل ذلك المحاصيل الزراعية،والمشاريع الصناعية،وقد اكتشف مؤخراً منجم للحديد من أكبر مناجم العالم،ويتوفر الفحم واليورانيوم ومناجم الذهب،أما المغرب فيملك70%من احتياطيات الفوسفات العالمي مضافةً إليها المحاصيل الزراعية،وليبيا تحتل المرتبة18عالمياً في إنتاج النفط،وتونس التي يعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى على النشاط السياحي وتصدير بعض من إنتاجها الزراعي-الزيتون والزيت-بينما موريتانيا بدأت بتصدير النفط مع تصدير الحديد المنتج.
إذاً،فالمغرب العربي وفي إطار وحداته السياسية التي أوجدها الاستعماران الفرنسي والإيطالي يتمتع بثروات جيدة حباه الله بها والمفروض استغلالها على المستويين القطري والإقليمي،لكن الواقع يؤكد ويثبت فشل الأنظمة لا في تحقيق الاتحاد وتطويره،وعلى أهميته،بل أيضاً فقد عجزت أيضا وعلى المستوى المحلي في رفع إمكانات بلادها،وتعزيز قدراتها الذاتية،ففي عام2007عُقدت ندوة دولية حول تجارب مكافحة الفقر في العالمين العربي والإسلامي في جامعة بليدة في الجزائر أكد فيها الباحثون على أن نسبة الفقر في بلدهم لا تقل عن40%بينما قدّر بعض الباحثين بأن أموال الزكاة لو جُمعت لبلغت5,3مليار دولار،ومن هنا يظهر بوضوح التفاوت الطبقي الشديد بين الأغنياء والفقراء،وأن مفهوم العدالة الاجتماعية غائب،ولا وجود له.
أما عن ليبيا فالشبكة العربية لحقوق الإنسان تنقل عن شكري غانم أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الحكومة) زمن حكم القذافي قوله:«إن مشكلة تدني الرواتب والأجور هو انعكاس للفساد الاقتصادي،والإداري،والرشاوى المنتشر في جميع مرافق الدولة الليبية»مشدداً على أن الفساد والرشاوى يعودان إلى عدم تطبيق القوانين،وعدم وجود رقابة حقيقية،وعدم وجود رادع أخلاقي،وبتوصل تقرير الشبكة إلى أن حوالي100ألف ليبي يضافون إلى القائمة الضامة لمن هم تحت خط الفقر ليصل عددهم إلى مليون ليبي،والتقرير الاقتصادي العربي الموحد يؤكد أن نسبة البطالة بلغت20,63%،والجماهيرية الليبية تأتي ثانياً بدول المغرب العربي من حيث ارتفاع معدلات البطالة،وتحتل موريتانيا المرتبة الأولى،وتونس الثالثة،ثم الجزائر بينما تحلّ المغرب بذيل القائمة،ويسترعي الانتباه هنا الثروات الليبية الهائلة منسوبة لعدد السكان القليل قياساً بمساحة البلد والتي هُدرت زمن النظام السابق في شتى أنحاء المعمورة بينما أوضاع أصحاب وأهل الثروة في تراجع مستمر ومقلق ، وفي تونس فنسبة الفقر وصلت في عام2011إلى24،7%وهناك حوالي700ألف عاطل عن العمل منهم170ألفا من خريجي التعليم العالي وفق إحصاء بوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة،والتي اعتمدت حدّ الفقر بدخل يومي يقدر ب2 دولار،وفي موريتانيا فالأرقام تُذهل الباحث،فنسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر تصل إلى46,7%وفي الريف ترتفع إلى59%مقابل28,9%في الوسط الحضري،وفي المغرب تبيّن رغم أن نسبة الفقر تصل إلى14,2% و أن الدراسات أكدت أن10%من الطبقة الغنية ينفقون مايعادل12مرة ما ينفقه10%من الطبقة الفقيرة،وظاهرة التسول وأطفال الشوارع منتشرتان في ربوع هذا البلد،كما أن معدل البطالة وصل إلى9,1%بعد إجراءات اقتصادية اتخذت مؤخراً لإحداث120ألف منصب،ومما يزيد الطين بلة،ويعزز فشل الأنظمة الشمولية التي انزاحت،والتي استمرت تدني مستويات التعليم في بلدانها،ففي المغرب سبعة ملايين امرأة تعاني من الأمية،وخطط وُضعت،وبرامج أعدت لتخفيض النسبة العامة للأمية إلى أقل من20%في نهاية2010،وفي الجزائر كشفت الجمعية الجزائرية لمحو الأمية«اقرأ»أن الأمية تدنت في عام2005إلى21,36%بينما وصلت في السنوات السابقة إلى31,9%وباقي الأقطار المغربية تشابه أوضاع الجزائر والمغرب وإن اختلفت النسب هبوطاً،أو ارتفاعاً،وأمام هذه المشاهد المزرية للسياستين المحلية والإقليمية نتطلع إلى المبادرة التونسية الجديدة لاغادة  الحيوية للاتحاد  يحدونا أمل كبير في نجاحها منطلقين من الإيمان بالله مرددين :
أعلل النفس بالآمال أرقبها    ما أضيق العيش لولا فسحة من الأمل
ورغم كل الصعوبات المحيطة بهذا التطلع،وهي عديدة هنا , لكن إمكانية تحقيقه موجودة  في حال توفر الإرادات القيادية الراغبة في تحقيقه،والابتعاد عن الإملاءات المعادية للتوحد القومي،بل وحتى لكل ما هو وطني وقطري،وتتركز الصعوبات القائمة في: “
1-    التنافس الاستراتيجي بين الجزائر والمغرب.
2-    النزاعات الداخلية والخارجية لهذه الدول.
3-    استمرار التسلح، والتأهب المتواصل لمكافحة التمرد المسلح مثل القاعدة “.
المرجع: موقع دراسات الجزيرة

في البند الأول يتبدى النزاع المستمر منذ أكثر من ربع قرن حول الصحراء المغربية رغم أنه يعرّي طبيعة النظامين اللذين يسعيان كما يدّعيان للاتحاد وصولا ًللتوحد،ففي إطار المصلحة القومية كان من الممكن إيجاد الحلول العملية لتأمين مصالح الجزائر في الوصول للمحيط الأطلسي وبالتالي فالجزء لا معنى له في مفهوم التكتل والتجميع  , والأوضاع الداخلية في بلدان المغرب غير مستقرة،فبعد نجاح ثورتي تونس وليبيا ظهرت في الأخيرة النزاعات القبلية،   ويحمل وزر ذلك النظام السابق الذي لم يطور البلد اقتصادياً لتحل روابط جديدة محل الروابط العشائرية هذه الحالة التي بدأ تشددها يزداد بعد الثورة فراحت النداءات تزداد مطالبة بفيدراليات جديدة ولن يستغرب إذا أعلن في القريب عن فيدرالية ” برقة ”  ،أما في الجزائر فما زالت مناهضات المعارضين مستمرة منذ24سنة مضت،وتحديداً منذ عام1988مطالبة بتغيير سياسي،وتحسين للظروف المعيشية الصعبة،والمشاكل الأساسية من بطالة وفقر،وهناك نوايا لإصلاح الأمور وإن بدت لبعض الباحثين أنها ترقيعية،ولامتصاص النقمة،والمغرب ليس أحسن حالا ًمن الجزائر،وفي موريتانيا وبعد الانقلاب العسكري الذي تمّ عام2005فالنظام الجديد مازال قائماً على التناقضات القبلية بين السكان السود والبيض،ويبدو انه متمسك وعلى المدى القريب على استبعاد الآراء الحرّة من قاموسه ،لكن ومقابل كل الصعوبات فهناك الإصرار الجماهيري الذي تتعمق جذوره من أجل بناء الاتحاد وصولا ًلإيجاد سوق مشتركة واحدة تنعش اقتصاديات البلاد،وتوسع من علاقاتها مع دول الجوار  سيما الاتحاد الأوروبي في تبادل تجاري،معرفي،وتقني يحقق المكاسب،ويوسع آفاقها كما ويسهم ولحد كبير في حل المشاكل الداخلية المشتركة لأقطاره خاصة في ليبيا،والتي يؤكد أبناؤها على إصرارهم على تثبيت مرامي وغايات ثورتهم وصولا ًلمجتمع ديمقراطي يلغي زيف إدعاءات النظام السابق في هذا المجال.

وهكذا،فإن انطلقنا من ا لمقولة التي تحدثت عن عمق التطلع الشعبي للاندماج،وأن ذلك ضرورة ملحّة،وحتمية اقتصادية،ومن الاعتراف بإضاعة الوقت وهدره،والذي تتحمله الأنظمة السابقة ما بقي منها،وما رحل يعزز كل ذلك الأمل لدينا بإنعاش هذا الوليد،ونقله إلى مراحل العناية به،ففي ذلك مصلحة لا للشعوب وحدها وإنما للأنظمة الحالية،ويعزز بقاءها ودورها،كما وأنها ستلقى كل التأييد والمحبة من الشعب العربي بكامله ومن ثواره،فقد يكون النجاح التدريجي عاملاً لإنعاش الوحدات الإقليمية التي قامت نهايات القرن الماضي للاقتداء بهذا النهج الثوري وصولاً للوحدة العربية الشاملة أمل الجميع ومعقد رجائهم،وذروة تطلعاتهم.

محمد علي الحلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى