فلسطين

قوة الالتزام و(خُذ الكتابَ بقوة) \ بكر أبوبكر

إن للأفراد قواهم الداخلية (العقلية والنفسية والروحية) ما يجب استثمارها بالشخص كحافز ودافع أساس مقابل القوة الخارجية. وفي التنظيم السياسي أو المؤسسة نجد القوة الشرعية في التنظيم وهي سلطة الشخص (القائد أو المسؤول في موقعه) بسبب الموقع/المركز/المنصب النسبي ، ونجد قوة المرجعية والنموذج والقدوة وثالثًا تبرز قوة الخبرة

ومن أشكال قوة الخبرة تلك المهارات الصلبة (التخصص)، والمهارات الناعمة (إدارية ذاتية عقلية…) المتوجب الإطلالة عليها وتعلمها وتنميتها في ذات ومسار عمل كل فرد داخل التنظيم السياسي. والى الأشكال الثلاثة للقوة في المنظمة نجد أيضًا

القوة المعنوية مقابل المادية/المكافأة: قد نجد في التنظيم السياسي أيضًا قوة المكافأة: وهي إما مادية أو معنوية، والقوة المعنوية هي الأكثر تحقيقًا للهدف من تلك المادية لأنه كثيرًا ما يتم استخدام القوة المادية (موقع، منصب، أموال، توظيفات، خدمات…) بشكل يُبعد التنظيم السياسي عن حقيقة واجباته، أما القوة المعنوية فتجدها بكرم الثناء والشكر والذِكر والثقة والإشادة والاحترام والمحبة للآخرين.

قوة القانون/النظام: قوة النظام الداخلي في التنظيم السياسي مرتبطة بالحقوق والواجبات والمسؤوليات والصلاحيات المنصوص عليها. ويعتبر الخروج عنها وعن الصلاحيات أوبنود النظام والقانون وقرارات القيادة، سببًا يجعل من العقاب (أو القوة القسرية) بدرجاته قابلًا للاستخدام، وهنا من المتوجب الحذر الشديد حين استخدام مثل هذه القوة لأن البتر في التنظيم السياسي له من العواقب الكثير، لذا يرجح دراسة الايجابيات والمزايا مقابل السلبيات والعواقب حين اتخاذ قرار ما بالحد الأعلى من العقوبة مثل الفصل او الفصل مع التشهير.

وهنا وفي داخل التنظيم السياسي فإن كل شخص من الأشخاص يستخدم عوامل مختلفة للتأثير بالآخرين وبالتالي للتأثير في القرار، وقد يكون للشخص نفوذ (قدراته وسمعته والنظرة له) أي سلطة معنوية ما مؤثرة، وقد يكون له صلاحية مرتبطة بالقانون أو النظام، وربما يستعين بغير ذلك.

قوة الالتزام: إن الالتزام بالتنظيم الثوري والسياسي يعني الانغماس والانخراط والتكرس للقضية الأساسية -وفي حالتنا الفلسطينية فالقضية الأساس تحرير فلسطين- ويعني شغل النفس والوقت والجهد الأقصى لتحقيق الأهداف، ويعني الإيمان بالتضحية والنصر. ويعني الالتزام أيضًا الحفاظ على ديمومة الفعل تحقيقًا لأهداف التنظيم.

ينشأ الولاء والانضباط مقرونًا بالالتزام، فالانضباط يكون للوائح والقوانين، والولاء ذو الطابع العاطفي مرتبط بالانخراط والانتماء للمنظمة وللأهداف وقد يرتبط أحيانًا بأشخاص.

إن الالتزام يأتي هنا معنى ذو 3 أبعاد: بُعد نفسي عاطفي، وبعد تفاعلي، وبعد مصلحي.

ففي البعد العاطفي يقتضي الالتزام الإيمان الصلب بالفكر والأهداف والنظام/القانون، ويقتضي البُعد التفاعلي داخل التنظيم أن يجد الشخص ذاته عبر المناخ التنظيمي والقيادي المشجع وقدرته على التعبير عن آرائه برحابه ومشاركته بالقرار، ومن خلال المناخ الإيجابي الحافز للعطاء. أما البعد الثالث للالتزام وهو البعد المصلحي فهو يبرز حين تقترن مصلحة الشخص بمصلحة التنظيم (المجموع) فيصبح الخروج من التنظيم أو على التنظيم (المجموع) صعبًا ومرفوضًا ضمن تقدير الفرد للمصالح والمكاسب التي يحققها له وللقضية، مقابل المخاسر.

وقد نجد أيضًا في التنظيم السياسي قوة المعلومات، قوة مالك المعلومة أو قوة القادر على التحليل الصحيح والرؤية والبصيرة، وقدرته على معالجة المعلومة في جهة، وخاصة حاليًا في ظل الدفق الفضائي الهائل للمعلومات عبر الفضائيات والشابكة (انترنت) الذي يفترض بالشخص القوي قدرة جبارة على التنخيل والفلترة ثم المعالجة والتحليل في ظل امتلاك المنهج والرؤية.

إضافة الى قوة العلاقات، ومن يبني هذه العلاقات يستطيع أن يتقدم الى المراكز أو المواقع العليا لامتلاكه قوة الاتصالات وبناء العلاقات مع الأعضاء، وخاصة الأعضاء النافذين او مفاتيح العلاقات، تلك التي يستخدمها في الانتخابات والمؤتمرات الداخلية أو الخارجية.

إن قوة الشخص داخل المجتمع وداخل التنظيم أساسية لأنها تشكل الكامن فيه، ما يمده بطاقة البناء والنهوض والاستمرار، ويحثه ويحرضّه ويحفّزه على العمل، فمن لم يمتلك القوة الداخلية ستجده مستسلما تابعًا خانعًا، ومن امتلكها سترى في طلعته عنوان الإصرار والصمود والمثابرة والاستمرار.

يقول الله تعالى (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) وحسب التفسيرات المختلفة أي خذه بجدية، أو بحرص واجتهاد بمعنى أن القوة هنا حسب الآية الكريمة عنت أهمية الجد والحرص والاجتهاد وهي بالفعل من عوامل القوة الذاتية والصلابة في مواجهة المِحن الذاتية والخارجية.

والله سبحانه وتعالى هنا يطالب يحيى عليه السلام -ومن ورائه الناس وخاصة ذوي العزم- أن يتخذ الكتاب بحرص على مضمونه الإيماني الصلب، وبإرادة واقتدار ولا يتراخى بل يتحدى، وبشيء من التفكر يطالبه أيضًا بأن يكون ذو عزيمة وعمق وصلابة تدفعه لصنع المنهج الرسالي والخط والهدف.

الشخص أو العضو القوي في المجتمع أو التنظيم السياسي قد نراه بالتالي:

المؤمن: بالفكرة والعقيدة والهدف

المحب والمتفائل: ما يدفعه للتلاقي والتحاب والتجاور والحوار مع الآخرين

العامل الجاد، المعطاء، المحسن بالحديث والسلوك: وهو الشخص الذي يدعم كلامه بالعمل، بل يجعل العمل سابقًا ما يؤيده به كلامه لاحقًا والتزامه، وهو الجاد غير العابث.

المتفهم: الشخص المتفهم شخص رحب لأنه جعل من قوته النفسية في صالح قوته العقلية، فلا ينبذ الآخرين المختلفين بل يتفهم الاختلاف وقد يصر على رأيه ويحاجج به لكنه لا ينبذ صاحبه بل يحترم اختلافه في إطار فكر الرحابة والاتساع والمرونة.

الصامد الثابت المرابط: وأبرز نموذج لهذا الشخص القوي ليس تعصبًا وإنما حقيق هو العربي الفلسطيني اليوم الثابت على أرضه الفاقد للقوة العسكرية الموازية مقابل القوة الداهمة الصهيونية لكنه المُفعم بالايمان والتفاؤل والعمل لتحقيق انتصاره، وبتفهم الاخ للاخ ثم المنزرع بأرضه كالجبال لا تهزه الرياح.

مالك الرؤية والشجاعة والمقدام: وفي هذه الصفات إظهار للقوة الذاتية ، وتستطيع الشخصية الشجاعة ضمن صفات أخرى أن تؤثر وتجذب وتتحول الى قدوة.

الثقة بالنفس، وعكسها على الآخرين: أيضًا قوة ولها من المقومات الكثيرة من المصداقية والمسلكية والشفافية والتراكمية.

إن القوة بأنواعها المختلفة عامل هام يجب دراسته ويجب أن يتم مراكمته داخل التنظيم السياسي، وفي المجتمع، وللفرد فيه ضمن عقلية الفريق أو المجموع تحقيقًا لغاية كبرى تكون هي مرجعية الالتزام وهي المقياس والمدد. إن القوة المادية والنفسية والروحية من عوامل النصر بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى