إجتماعيات

الطلاق مرض أجتماعي

بقلم: الدكتورة فايزة الحسيني

أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية البنات جامعة عين شمس

الطلاق مرض اجتماعي خطير لأنه يعني تحطيم الأسرة والروابط الأساسية للمجتمع،والملاحظ اليوم أن المشكلات الاجتماعية والأسرية كلها أصبح مآلها إلى أبغض الحلال، فتقلّصت مساحة الصلح والتراحم، واتسعت رقعة الفراق والطلاق ،فلم يعد من المعيب أنْ تطلب المرأة الطلاق من زوجها حتى لو لم تمر إلاَّ أشهر معدودة على زواجهما . فالعادات والتقاليد التي كانت تحاسب المرأة على الطلاق وتعدّها السبب الرئيس فيه هي نفسها التي تسمح لها اليوم بطلبه وفي سن مبكرة. وبات الطلاق المبكر شائعاً في مصر في السنوات الأخيرة حتى وصل إلى أعلى مستوياته بحسب الإحصاءات الأخيرة للمحاكم .
فما أسهل الطلاق في وقتنا هذا، وليس بأدل على ذلك من أنْ نرى شباباً من الذكور والإناث مطلقين، لأنَّه لم يكد يمر على زواجهم أشهر معدودة..
فما أسباب الطلاق عموماً والطلاق المبكر خصوصاً؟
أري من أهم الاسباب :
1) سوء الاختيار: تبدلت أسس اختيار الشريك في هذا الوقت وأصبحت أسس هشه جداً تعتمد على الشكل الخارجي في رأي الرجل ، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة التي تستعجل الاختيار لمجرد الفراغ العاطفي، ، ولمجرد الخروج من منزل الأهل بسبب الرقابة المستمرة، أو لمجرد الحصول على المال،أو الهروب من من لقب عانس ، فإنَّ مثل هذه المرأة سوف تقوم بطلب الطلاق بعد أشهر عندما تكتشف أنَّ السعادة والمودة والرحمة في الحياة الزوجية لا يمكن أنْ تتوفر بالمال والمشاعر المؤقتة.
فعلى كِلا الجنسين أنْ يتخيروا الأفضل فالأفضل بالتقصي عن كل ما يمكن التقصي عنه من أخلاق ونسب وسلوك… وغيره.
2) سوء التنشئة الاجتماعية: من الإشكاليات التي نلاحظها في الأزواج المطلقين في السنة الأولى من الزواج طريقة التنشئة التي عاشوها في بيوتهم، حيث إنَّ كثيرٌ منهم يملك صفة اللامبالاة والإهمال والاتكالية، وعدم تقديس الحياة الزوجية، ونجد أنَّ كثيرٌ من الشباب يربى على قيم خاطئة تضخم من دوره بوصفه رجل، وتبرر له الخطأ، وفي المقابل تقلل من قيمة المرأة، وتضعها في هامش الحياة. ومن أمثلة ذلك الدلال الزائد للبنت قبل الزواج، وعدم تعويدها على تحمل مسؤولية الزوج والاسرة
3) ضعف دور الأسرة في التوجيه والمتابعة: ويبدو ذلك جلياً في الأشهر أو السنوات الأولى من الزواج، فبعد أنْ كان نموذج الأسرة السائدة هو الأسرة الممتدة التي يأتي التوجيه فيها من مصادر عدة للزوجين الجديدين- أصبح الواقع الذي يفرض نفسه اليوم هو ظهور أسرة النواة الصغيرة المكونة من الزوجين حديثي العهد بالمشكلات الأسرية والحياة الزوجية، ما يجعل حكمهما على الأحداث وعلاجهما للمشكلات وحسمهما للخلافات سريعاً، بحيث يصبح أفضل وأسرع وأسهل حل قول الزوجة للزوج: (طلقني)، أو قول الزوج: (أنت طالق)، دون الاكتراث لما يترتب على هذا الأمر من عواقب ومشكلات لا على الزوجين فحسب؛ بلْ حتى على ذويهما وأسرهما.
4) الأمية الأسرية : بمعني ضعف تأهيل الشاب والشابة إلى مرحلة الزواج وهذا الضعف تعود أسبابه إلى عدم إدراك الطرفين أو أحدهما بمرحلة الزواج وأهميتها وطبيعة المرحلة الزوجية فإنَّ حالة الزواج في السنوات الأولى تكون معرضة للفشل بنسبة كبيرة لأدنى ولأتفه الأسباب، ويعود ذلك لقلة خبرة الزوجين أو أحدهما بهذه المرحلة وعدم قدرة فهم الزوجين أو أحدهما أنَّ مرحلة الزواج تختلف عمَّا قبلها اختلافاً كلياً .
5) التقدم بالعمر(العنوسة) عند الطرفين أو أحدهما وحتى لا يفوتهما قطار الزواج وعلى طريقة المثل المصري (ظل راجل ولا ظل حيطة) فإنَّهما يستغلا أوّل فرصة سانحة للزواج دون دراسة ومعرفة دقيقة وحقيقة لبعضهما ولمشاعرهما، وما إنْ ينتهي عسل الأيام الأولى حتى تتكشف للطرفين أموراً وطباع قد لا تتوافق مع شخصية الآخر، وربما يصبح الاستمرار ضرباً من الاستحالة .
6) عمل المرأة واستقلالها اقتصادياً: يعدّ عمل المرأة من أسباب تصاعد الخلافات الزوجية، وذلك حين تعطي بعض الزوجات لعملهن الاهتمام الأكبر على حساب علاقتهن بأزواجهن وأبنائهن، وهذا أمرُ يستدعي في مرات كثيرة أنْ يلجأ الزوج لطلب الطلاق؛ وكذلك تحصل خلافات كثيرة حول المال الذي تحصل عليه الزوجة هل تصرفه على بيتها أمْ على نفسها أمْ تعطي منه لأبيها… الخ. .
7) الوضع الاقتصادي المتردي للزوج مما يتعذر معه على الزوج تحقيق متطلبات زوجته من حيث الإنفاق من مأكل وملبس ومشرب وطلب الاستقلال بالسكن وبقية احتياجات الزوجة الأخرى لاسيما إذا كانت الزوجة لا تقدر ظرف زوجها الاقتصادي، وفي الاتجاه الآخر قد يؤدي تحسن الوضع المادي للزوج إلى مشكلات أخرى تتعلق بالميزانية والتبذير وربما إقدام الزوج على الزواج بزوجة ثانية ويهمل الزوجة الأولى وكل ذلك يمكن أنْ يكون أسباباً للطلاق.
8)- العنف ضد الزوجة والزواج المبكر للفتاة: من أهم أسباب الطلاق ويدعو الزوجة إلى طلب الطلاق حتى وإنْ تنازلت عن حقوقها، ومثل هذا الأمر كثيراً ما يحصل بعد الزواج المبكر الذي يجري عن طريق الضغط والإكراه من قبل الأهل والأقارب.
9) التطور ااتكنولوجي مثل: دخول الانترنت والهاتف النقال وأدي الاستخدام غير الصحيح لهذه التقنيات والافتقار الى قيم المواطنة الرقمية الى تأثير سلبي على واقع الحياة الأسرية .
10) التغيير النسبي في نظرة المجتمع في الوقت الراهن إلى المطلقين والمطلقات وحصولهم على فرص زواج أفضل من سابقه، وهذا بدوره يشجع المطلقين والمطلقات الذين يعانون مشكلات مع شركائهم التفكير بالطلاق والزواج مرة أخرى.
واعتقد ان الطلاق له تبعات ضخمة على الأسرة وكثيراً ما يكون الأطفال أكثر المتضررين منه، وفي الواقع إنَّ أثر انفصال والديهم صعب وقاس جداً عليهم مهما بلغ عمر الطفل ، وكشفت نتائج بعض الابحاث أن هؤلاء الاطفال أكثر عرضة للمشكلات السلوكية، وأكثر عرضة للأمراض النفسية، وصعوبة في التحصيل الأكاديمي، وكثير من الصعوبات الاجتماعية، وأقل فهما للذات من الأطفال من أسر مترابطة.
كذلك فإنَّ الطلاق يترك آثاراً سلبية على المطلقة من النواحي النفسية والاجتماعية لاسيما إذا كانت غير متعلمة ولا تستطيع الاعتماد على نفسها من الناحية الاقتصادية.
وليس من شك أنَّ الآثار المدمرة للطلاق لا تقتصر فقط على الأطفال والمرأة، وإنَّما تشمل الرجل أيضاً، حيث يعاني هو الآخر منه، فقد كشفت أحدث الدراسات النقاب عن تزايد نسبة الرجال المطلقين الذين يعانون أمراضاً جسدية ومشكلات نفسية بعد الطلاق، مقارنة بحالاتهم قبل وقوعه. وتمتد آثار الطلاق المدمرة إلى المجتمع ، فالطلاق يسبب اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع إلى ترسيخها في أذهان أفراده وسلوكياتهم مثل: الترابط ، والتعاون، والتسامح، قبول الاخر ……..وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في تماسك المجتمع واستقراره.
وللتقليل من حالات الطلاق ومواجهة هذه المشكلة الخطيرة أقترح:
1) إعداد مقرر دراسي يتم تدريسه في المرحلة الثانوية للطلاب والطالبات عن ( اسس الحياة الاسرية ) لتنمية الوعي بأهمية تكوين الأسرة منذ اختيار شريك الحياة والخطوبة وانتهاءً بالواجبات والحقوق الزوجية واستراتيجيات التعامل مع المشكلات الاسرية بشكل صحيح .
2) نشر الوعي الاسري والتحذير من مخاطر الطلاق على المجتمع؛ وبيان الحكمة من وراء رخصة الطلاق ، إصدار قانون لرفع سنّ الزواج ومنع زواج القاصرات.
3) توفير فرص العمل ، وتقديم المساعدات لتخفيف الاعباء عن الاسرة .
4) إنشاء مكاتب صحية للكشف على الراغبين في الزواج قبل عقده وبذلك تختفي حالات الطلاق بسبب الأمراض والعقم وغيرها .
5) إقامة وحدات للإرشاد الأسري في مراكز الأحياء التي تعنى بالشؤون الأسرية، يعمل بها اختصاصيون أكفاء، ويكون من أهم واجباتها دراسة المشكلات الزوجية، وحالات الرغبة في الطلاق قبل وقوعها وقبل وصولها إلى المحاكم.
6) تشكيل مؤسسة خاصة للبحث الاجتماعي في نطاق كل محكمة من محاكم الأحوال الشخصية ، تبحث في قضايا الطلاق التي ترفع الي القضاء ، وتقدم تقرير للقاضي خلال مدة زمنية محددة قبل إصدار الحكم وقد تنجح في الاصلاح بين الزوجين .
أ.د. فايزة أحمد الحسيني مجاهد
أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية البنات جامعة عين شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى