المقالات

المطلوب خطوات استباقية لوأد الفتنة قبل وقوعها – كتب: عبدالله خالد

هناك شبه إجماع على أن أمرا ما يجري تحضيره في الغرف السوداء يهدف إلى إحداث فتنة في طرابلس تشكل منطلقا لتوسعها لتطال مناطق أخرى تعيد لبنان إلى مناخات حرب أهلية بحيث يصبح مجرد صندوق بريد لتبادل رسائل دموية للقوى المتصارعة بعد الإنقسام العمودي بين مشروعين يتوقف على انتصار أحدهما احداث تغيير كبير ينقل البلاد من حالة لأخرى.
والواقع أنه لم تعد هناك إمكانية- إذا انفجر الوضع الأمني- لمشاريع ذاتية صغيرة تطال هذا البلد أو ذاك بعد بروز المشروع الأمريكي-الصهيوني الهادف إلى تصفية قضية فلسطين وتثبيت الكيان الصهيوني وتعزيز الهمينة الأمريكية على المنطقة وثرواتها ومشروع مقاوم تجسد في محور يمتد من طهران إلى لبنان وفلسطين المحتلة مرورا ببغداد ودمشق يحظى بدعم من موسكو وبكين ويستقطب دعم كل قوى الحرية في العالم. وشكل تحرير الجنوب في 25 أيار 2000 وإفشال عدوان تموز 2006 مؤشرا على أن مرحلة جديدة قد بدأت مبشرة بأن عصر الهزائم قد بدأ يضمر وأن عصر الإنتصارات قد بدأ يؤكد حضوره. وهذا ما سرع الربيع العربي المشؤوم الذي توج بالحرب الكونية على سوريا بهدف تدميرها وتجزئتها وإنهاء دورها ووظيفتها وموقعها بإعتبارها القلب النابض للعروبة المقاومة.
لقد كشف “الربيع العربي” الأسود التواطؤ الذي حصل بين النظام العربي الرسمي والإرهاب التكفيري والإدارة الأمريكية بتسهيل من أردوغان الذي وضع أسس تفاهم بين “الإسلام السياسي” والإدارة الأمريكية يستند إلى رفع الفيتو عن وصول “الإسلاميين” إلى الحكم في الاقطارالعربية مقابل تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني وعدم معارضة مشاريعه التوسعية وصولا إلى تصفية قضية فلسطين. وكان المطلوب أن تستكمل حركة تغيير الأنظمة لتصل إلى العراق وسوريا وامتدادا لبنان. وبهذه الخلفية بدأ المشروع الأمريكي-الصهيوني يركز على طرابلس عبر البوابة التركية على أن تكون الواجهة خليجية.
لقد تم اختيار طرابلس لمجموعة عوامل تكاملت مع بعضها لتشكل منطلقا لطرح فكرة إمارة إسلامية تشكل قاعدة متقدمة للدولة التي تم الإعلان عنها في العراق وسوريا. والواقع أن طرابلس بما تتمتع به من موقع استراتيجي بإعتبارها -عبر المرفأ- صلة الوصل بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي بالإضافة إلى وجود المطار وقربها من الحدود السورية الذي يؤمن التواصل بين البقاع والقلمون ويجعل من طرابلس واسطة العقد بينها وهذا ما رشحها لأن تكون إمارة تؤمن التواصل مع العالم الخارجي بعيدا عن أعين السلطة في العراق وسوريا وامتدادا السلطة المركزية في لبنان.
إن ما يجري من أحداث فردية في أكثر من منطقة في طرابلس يهدف إلى إبقاء التوتر في الفيحاء وتكريس التفلت الأمني تمهيدا لبلورة سلطات بديلة يمكن تجميعها في الوقت الملائم لتقوم بالمطلوب منها في الوقت المناسب. ولم يعد سرا أن أكثر من طرف قد استكمل استعداداته التي تصب كلها في إطار التحضير للمستقبل الذي يخدم مخططات مشبوهة لا تخدم الوطن وتنعكس سلبا على مكوناته. وبدأ التركيز على إعادة إحياء تناقضات تستند إلى إحياء العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية في محاولة لإستعادة جولات العنف التي حولت طرابلس إلى صندوق بريد لإيصال رسائل محلية وعربية وإقليمية بإعتبارها الساحة الأضعف في المنطقة التي يمكن من خلالها استدراج العروض لبدء جولات عنف جديدة تعزز فرص إقامة سلطات بديلة تكرس الإنقسام والتشرذم من جديد. إن ما تشهده طرابلس اليوم من أحداث عنف متفرقة تصب في إطار تحضير الأجواء لجولة جديدة من الصدام لا مصلحة لمكوناتها المتنوعة فيها خصوصا بعد تكاثر الحديث عن وافدين جدد إليها يسعون لبدء مرحلة جديدة من الإقتتال الداخلي مع تركيز واضح على ضرورة إشراك المخيمات فيها. وإذا كان الوعي الفلسطيني ويقظة أبناء طرابلس قد أجهضت هذا المخطط- حتى الآن- إلا أن المطلوب من الجيش والقوى الأمنية القيام بخطوات استباقية لإجهاض هذا المخطط قبل حدوثه.
عبدالله خالد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى