الأخبار اللبنانية

معوّض في ذكرى اغتيال والده: لن نقبل قطعاً لا بدوحة 2 ولا بطائف 2

رأى رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوض أن “هناك من يريد وضعنا اليوم أمام معادلة: المحكمة أو الاستقرار”، فسأل: “هل تغييب العدالة ينتج استقراراً؟ تلك هي تجارب الماضي الأليم وماضي الحرب واستهدافاتها باغتيال رموزٍ لنا من كمال جنبلاط الى بشير الجميل الى رشيد كرامي وسواهم من الشهداء، اغتيالٌ وتجهيلٌ للفاعل وطمسٌ للحقيقة، فمزيد من الفوضى ومزيد من الانقسامات والاحقاد والفتن، فمزيد من الجرائم”.

معوض، وفي كلمة ألقاها في الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد الرئيس رينه معوض في قصر المؤتمرات ـ ضبيه، قال: “أخال الجبل يحاكينا اليوم بعد ثلاثة وثلاثين عاماً: ليتَكُم وبالحقيقة يومها وفرّتم على أبنائي كلَّ تلك الدماء والدموع، وأتت تجربة رينه معوض رئيس الطائف ورئيس المصالحة وإعادة بناء الدولة، فكانت اغتيالاً وتجهيلاً للفاعل وطمسًا للحقيقة، فضربًا للميثاق وانقلابًا على الوفاق وتأسيسًا للوصاية ثم نفيًا واعتقالاً وتنكيلاً وارتداداً على النظام واستباحةً للحريات، فمزيدًا من الجرائم والاغتيالات، انه التاريخ”، مؤكداً أن “تغييب العدالة لا يؤسس قطعاً لا لاستقرارٍ ولا لحرية ولا لنظام تعددي ولا لجمهورية ولا حتى لوطن”.

وأوضح معوّض قائلاً “تمسّكنا بالمحكمة الدولية، ليس فقط تمسكاً بحق قافلة شهدائنا علينا من كمال جنبلاط الى شهداء الاستقلال الثاني، بل هو تمسك بلبنان، لبنان الانسان، لبنان الحرية، لبنان الشراكة والتعددية، لبنان الصيغة والميثاق، لبنان الانفتاح والاعتدال، لبنان التطور والحداثة، لبنان العربي والجمهورية الديمقراطية الوحيدة في هذا الشرق، من هنا إنّ اصرار البعض على إلغاء المحكمة أو تجويفها ليس ابداً حرصاً على الاستقرار بل إمعانٌ في ضرب الاستقرار وفي تغيير وجه لبنان، وإن إصرار البعض على اتهام المحكمة بالتسييس واتهامها بالتصهين والأمركة هو ليس حرصاً على كشف الحقيقة بل استباقًا للعدالة وتعمية للحقيقة، فلو كان الحِرصُ فعلاً على كشف الحقيقة، فلماذا محاربة مبدأ المحكمة الدولية قبل اعلان أحكامها وحتى قبل قيامها؟”، مذكّراً بـ”محاولات الحؤول دون قيام تحقيق دولي منذ 8 آذار وما بعده والانسحاب من الحكومة وما تلاه من تعطيل للمؤسسات الدستورية عرقلةً لقيام المحكمة وإقرار نظامها، من دون أن ننسى الفصول المتتالية من تخوين مستمر لكل من يدعمون المحكمة، إلى اختلاق تهمٍ حول التحقيق والتعدّي على المحققين، إلى افتعال ملف شهود الزور وصولاً الى الاعلان عن عدم الاعتراف بالمحكمة ومقاطعتها”.

وشدّد معوض على أنه “سلوك مريب ومرفوض يشكل تطاولاً على ارواح الشهداء وتحدياً لارادة اللبنانيين الذين ملأوا الساحات مطالبين بالحقيقة ويشكل حتى تنكراً للمقررات التي اتخذت بالاجماع على طاولة الحوار وفي الدوحة وفي البيانات الوزارية التي شاركوا هم في وضعها”. وأضاف: “اذا كان الخوف فعلاً من التسييس والاستهداف فلننتظر القرار الاتهامي، واذا كان هذا القرار غير مبني على وقائع وقرائن جدية، سنكون اول الرافضين له”، مؤكداً بالقول: “نحن دعاةُ عدالة وحقيقة ولسنا طلابَ انتقام ولن نقبل أن يزجّ أي فريق لبناني أو حتى غير لبناني تجنّياً وزوراً حتى ولو كنّا على خلاف سياسي معه، أما اذا كان المطلوب تعطيل المحكمة لطمس الحقيقة ومنع العدالة، فنقول: هذه هي الفتنة بعينها، فالفتنة لا تكون بتحقيق العدالة بل بتغطية المجرمين، ونحن بالحق والعدالة متمسكون ولن نرضخ لا لتهديد ولا لوعيد”.

وتابع معوض بالقول: “نحتفل اليوم بالذكرى الحادية والعشرين لاغتيال رئيس استشهد في سبيل استعادة السيادة والاستقلال، في سبيل اعادة بناء دولة الميثاق والشراكة عبر الوفاق الحقيقي بين اللبنانيين، في سبيل تحقيق وطن ينعم بثقافة الحياة والسلام”، مذكّراً بكلام قاله رينه معوض الرئيس في خطاب القسم حين قال: “ان الوطن بحاجة الينا، فلنضع حداً نهائياً للعنف وللاقتتال، وليكف الجميع عن الاحتكام الى السلاح، ولنعد الى الكلمة السواء، فمن حق شعبنا أن يستعيد فرح الحياة، ومن حق اطفالنا أن يولَدوا في اجواء الأمن والحرية والسلام، وأن نعيش كلنا في هناء وصفاء”.

وفي هذا السياق، أكّد معوض أن “الاستقرار والوفاق لا يستقيمان الاّ بأصول وشروط الدولة الديمقراطية التعددية الحامية للحريات وليس بشروط فئة او حزب ولا قطعاً بشروط السلاح، فاذا كان تحرير الأرض ومقاومة العدو موضع اجماع بين اللبنانيين، الا ان المقاومة كما ادارة الصراع مع اسرائيل هما من مسؤولية الدولة وحدها، ومن غير المقبول أن يتفرد بالقرار أي حزب أو أي فئة على حساب سيادة الدولة، ومن غير المقبول أن تكون المقاومة على حساب الاستقرار والدستور والصيغة والنظام الديمقراطي”، مشدداً على أن “الاستقرار والوفاق لا يستقيمان الاّ بالحفاظ على الصيغة والشراكة بين اللبنانيين أي بالحفاظ على اتفاق الطائف، الاتفاق الذي كلّف اللبنانيين مئة وخمسين الف قتيل وما يزيد على ذلك من الجرحى والمعوقين والمفقودين بالاضافة الى الدمار والهجرة والتهجير، والتذكير ليس لمجرد الذكرى بل للتحذير من محاولات الخروج على الطائف وطرح المثالثة وغيرها من الصيغ التي لن تؤدي الاّ الى الفتنة”. وأضاف جازمًا: “ليكن واضحاً، اذا ارتضينا بتفاهم ظرفي في الدوحة تحت وطأة السلاح وبمساعٍ قطرية مشكورة، فإننا لن نقبل قطعاً لا بدوحة 2 ولا بطائف 2 ولا بأي مسّ بالصيغة تحت ضغط فريق يحاول الاستقواء على الآخرين بالسلاح. صحيحٌ ان الدساتير ليست منزلة وهي قابلة للتطوير، لكن التطوير كي يبقى تطويراً وليس انقلاباً او الغاءً للآخر، يجب أن ينبع من قناعة حرّة ومشتركة بين كل المكوّنات وليس ان يكون نتاجاً لموازين قوى ظرفية وقاهرة، في ظلها لا معنى للشراكة ولا استقامة للوطن”.

وفي الاطار نفسه، شدّد معوض على أن “الاستقرار والوفاق لا يستقيمان الاّ برفض زجّ لبنان في لعبة المحاور والاصطفافات أو جرّه الى معارك لا حول ولا طاقة له على تحملها”، داعياً الى “رفض لبنان الساحة، الذي هو مشروعُ فتنة دائمة بل مشروع دمار وهجرة وتهجير”، وإلى “بناء لبنان الوطن والدولة الريادي في الدفاع عن هويته العربية وقضاياها المحقة، والملتزم بالشرعية الدولية كما نص عليه دستورنا، والمتمسك بعلاقاته الندية والمتوازنة مع كل الدول الشقيقة والصديقة، فهذا اللبنان هو مشروع حياة وتفاعل وحوار وسلام”.

وتابع معوض: “هذه قناعتنا وثوابتنا، بنينا عليها قرارَنا الشجاع بطيِّ صفحة الماضي مع سوريا والتأسيس لصفحة جديدة من الاحترام المتبادل والعلاقات الندية والمستدامة التي تحكمها المصالح المشتركة بين البلدين، نعم بنينا عليها قرارنا بدعم جهود فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وبدعم مبادرة دولة رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري وكلها من اجل مصالحة جدية صادقة ومستقبل واعد، ونحن مقتنعون بأن لبنان ليس جزيرة معزولة ولا انعزالية”، مستدركاً: “لكن هل بات الغيرُ مقتنعاً بأن لبنان ليس محافظة ولا قطراً ولا إقليماً ولا ورقة ابتزاز ومساومة، بل دولة سيّدة حرة مستقلة؟”، ورأى أن “التجربة حتى اليوم مخيّبة ومحبطة، إذ من الاستقبالات غير الرسمية والتصريحات العلنية لبعض المسؤولين السوريين وتردداتها في الداخل، الى مذكرات التوقيف القضائية السياسية، الى التلكؤ في ترسيم الحدود، الى انعدام أي مقاربة جدية لملف المعتقلين والمفقودين، الى استمرار وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بالرغم من الاجماع اللبناني على نزعه، الى تدفق السلاح عبر الحدود خلافاً للقرار 1701، كل ذلك يعود بنا بالذاكرة الى زمن الوصاية ويؤشر الى الامعان في محاولة استعمال لبنان ورقةً لعقد صفقات شَهدنا احد فصولها في العراق، وكل ذلك، ويا للأسف، برضىً ومشاركةٍ من بعض الداخل”.

ورأى معوض أن “المعركة في لبنان هي معركة نظام وكيان بالنسبة الى كل السياديين، انها كذلك معركة بقاء ووجود خصوصاً بالنسبة الى المسيحيين، ولنا في العراق المثل والعبرة”، متوجّهاً الى المسيحيين بالقول “وجودنا في لبنان وفي هذا الشرق العربي ليس طارئاً او صدفةً، نحن ابناءُ هذه الأرض وفيها متجذرون، نحن ابناء الحرية قاومنا الاضطهاد وكلَّ محاولات الالغاء تشبثاً بها، وبقينا، نحن دعاةُ تفاعلٍ وتواصلٍ وحوار، هذا هو تراثنا، وجودنا مرتبط بهذا النضال بل بهذه الثوابت والقيم التاريخية، وجودنا مرتبط بالدفاع عن الثوابت التاريخية الكيانية والميثاقية التي تجسدها الكنيسة، فلنتبنَّ هذه الثوابت ولنتوحّد حول بكركي بدلاً من التنكر لدورها والادعاء الفارغ بالوقوف أمامَها أو وراءها”، مؤكداً أنه “لا دور للمسيحيين في لبنان وفي الشرق بالانعزال والانكفاء بل بالتفاعل مع الشريك الداخلي والمحيط العربي والاسلامي، فنظرية الحياد في الصراع القائم في لبنان والمنطقة تحت شعار أنه صراع سني – شيعي لا علاقة للمسيحيين به، هي نظرية مضللة وباطلة”.

وأضاف معوض: “إن بقاؤنا على الحياد يعني ان نعمل على كلمة سواء، أما ان يكون الصراع كما هو الحال بين الاعتدال والتطرف، فخيارنا هو الاعتدال في مواجهة التطرف، مسيحياً كان ام اسلامياً، سنياً كان ام شيعياً ام الاثنين معاً، فالتطرف يحمي التطرف، وخير دليل دعم الاديولوجيات السياسية والدينية بعضُها للبعض الآخر، من فلسطين الى لبنان الى العراق الى ايران الى غيرها من الدول والساحات”، وكرر القول إن “التطرف يحمي التطرف، بل يغذي أيضاً تطرفًا آخر أخطر وأسوأ هو التطرف الاسرائيلي، الذي يقتات من مثيله في الطرف الآخر ليبني شرعية وجوده ومشاريعه داخلياً ودولياً، فالتطرفان يتقاطعان في تعطيل كل المبادرات العربية للوصول الى سلام عادل وشامل، فيبقيان المنطقة في دوامة العنف والفوضى ومشاريع الحروب الدائمة، وهذا ما يشكل خطراً وجودياً على المسيحيين”.

وشدّد معوض على أن “الوضع المسيحي لن يكون بخير الا عندما يكون الاعتدال الاسلامي، السني والشيعي، بخير، وأيّ تخلّ او تقصير من قبلنا في الشراكة مع الاعتدال الاسلامي يضع الوجود المسيحي في خطر فينطبق عليه القول:” اكلت يوم أكل الثور الابيض””، مضيفًا: “إننا في لبنان لن نكون على الحياد في معركة الحفاظ على الكيان والسيادة، في الحفاظ على الصيغة والنظام التعددي الديمقراطي، في الحفاظ على الدولة والشرعية، في الحفاظ على الجمهورية ومؤسساتها وعلى الحريات والعدالة، وهذه هي هويتنا وضمانتنا وليس أي تفاهم ظرفي مصلحي يشكّل في الواقع غطاءاً بل خضوعاً لمنطق السلاح غير الشرعي ولمنطق الدويلة والتطرف والاستقواء، ولمنطق تقويض الدولة للإنقلاب على الجمهورية، فهذه هي الذميّة بعينها التي لم تحمِ ولن تحمي المسيحيين بل تؤسس للخطر على لبنان الهويّة والكيان والوجود، وبالتالي من هنا نعتبر ان اي اعتداء على اي مواطن لبناني الى اي منطقة او طائفة انتمى هو تعدٍّ على النظام واعتداء مرفوض كلنا معنيون بالتصدي له حفاظاً على الجمهورية”.

وختم معوض بالقول: “لا وطن، ولا دولة، ولا كيان، دون وحدة الشعب، ولا وحدة دون وفاق، ولا وفاق دون مصالحة، ولا مصالحة دون تسامح وتضحية، ولا شيء من كل هذا دون ايمان ومحبة”، مشيراً الى أن هذا الكلام للرئيس رينه معوض عشية استشهاده، قائلاً: “ما اشبه اليوم بالأمس، فبعد واحد وعشرين عاماً، وفي هذه الظروف بالذات، لنتعظ من هذه الوصية ولنختصر المسافات حفاظاً على الجمهورية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى