المقالات

النضال الوطني والاجتماعي ومعضلة فبركة الثورات العربيه!! – بقلم: د.شكري الهزَّيل

من الواضح ان العالم العربي يعيش زحمة خانقه من الافكار والشعارات بما يتعلق بالاحداث الجاريه والذي اطلق عليها تسمية ” الربيع العربي” الذي لم يثمر حتى الان بما تمنته الشعوب العربيه منذ زمن بعيد وهو اسقاط الانظمه الحاكمه واستبدالها بانظمه ديموقراطيه تلبي طلبات وطموحات هذه الشعوب وعليه ترتب  القول بانه في فلسفة الفلسفات وفلسفة الثورات فلابد ان تكون هنالك انجازات ملموسه ومردود ما في اعقاب كل حراك شعبي وكل ثوره شعبيه وعلى راس هذه الانجازات احداث التغيير المطلوب في اتجاه ان يلمس الشعب او يلحظ ان عجلة التغيير تسير نحو الافضل من محطه الى محطه ومن مرحله الى مرحله دون حرق مراحل هذا التطور وعندما نتحدث عن  جني ثمار التطور فلابد لنا من تفسير منطق المنطق ولربما الاعتماد جزئيا على فلسفة هيغل وقانون نفي النفي ومثال التطور الطبيعي للشجره في موسم الربيع حيث تنفي الازهار كون ان الاوراق المرحله الاخيره وبهذا تتقدم العمليه خطوة  اخرى نحو الثمر ونحو  الامكانيات القسوى لعطاء الشجره, ومن ثم تاتي المرحله الاخيره حيث ينفي الثمر الزهر ليُكَون النتيجه النهائيه.. الثمر او ثمرة هذا العمل او ذاك, لكن الثمر لا يمكن ان يحقق وجوده وجودته ان لم تسبقه الدرجات والمراحل السابقه كلها من زراعه ورعايه ونمو الجذر والورق والزهر والسؤال المطروح:هل مرت ثورات الربيع العربي بمراحل طبيعيه حتى تُثمر ثمار تتذوقها الشعوب او تتلمس وجودها؟؟
الاجابه على السؤال اعلاه تتطلب التأكيد اولا على ان  الحراك الجماهيري العربي لم يأتي من فراغ لابل انه مبرر ويستند الى تجربه مره ومريره مع انظمه عربيه طاغيه ولذلك ولهذا السبب كانت هنالك اسباب  كثيره ووجيهه لحراك الشعوب وانتفاضتها ضد الطغاه  بهدف اسقاطهم وفرض التغيير المنشود, لكن المشكله لا تكمن في اندفاع الجماهير ومصداقية مشاعرها وعدالة مطالبها المشروعه  لابل ان المشكله تكمن في غياب البرنامج الثوري واستراتيجية  تقود الثورات درجه درجه ومرحله مرحله حتى بلوغ مرحلة الثمر وقطافه واللتي تعني اسقاط النظام الحاكم وإحلال نظام جديد يختاره وينتخبه الشعب الثائر الذي قدم التضحيات من اجل بلوغ اهدافه وتحقيق مطالبه .. الحديث يدور عن برامج ومراحل واهداف وقياده وطنيه تقود الثورات وهذا للا سف لم يحدث منذ انطلاق الحراك الشعبي العربي وحتى يومنا هذا التي تعم فيه الفوضى العارمه جميع البلدان العربيه التي جرت او تجري فيها انتفاضه او حراك شعبي ضد الانظمه الحاكمه والذي جرى هو تضليل إعلامي وسياسي لمجرى الاحداث حتى تأخذ مجرى اخر وتصل الى نتائج اخرى تقطف ثمارها العَّجر ونتائجها المهجَّنه القوى الرجعيه والحركات والاحزاب الانتهازيه في العالم العربي لابل هنالك صراع ايديولوجي وسياسي بين الحركات والقوى اللتي تحارب الانظمه كماهو الحال  في سوريا التي  تحولت فيها الثوره الشعبيه الى معارضات مسلحه وغير متناسقه ومتطابقه في الفكر والهدف وهذا الامر لا يكشف عن التخبط والفوضى فحسب لابل يكشف عن قصور كبير في الاداء تتسم به هذه الحركات من حيث عجزها وعدم قدرتها على الوحده والهدف الواحد مما يسهل على النظام محاربتها من جهه وتعريتها سياسيا وجماهيريا من جهه ثانيه وبالتالي غياب التبصر في قضية اعادة تقييم وتقويم  اداء “ثوره” تائهه بين طيات تناقضات ايديولوجيه ومسلكيات ميدانيه لا تساعد في فرض التغيير ولا اسقاط النظام..ماجرى ويجري هو محاولة اسقاط النظام  والدوله وزرع الخراب والدمار والاهداف ما زالت غامضه وضبابيه ولم يتحق منها اي شئء في العالم العربي سوى اسقاط بعض الانظمه او اسقاط اخرى في المستقبل..!
من هنا لا بد من التعامل العلمي والواقعي لحل مشكله قائمه وفك طلاميس خلل ومعضله قائمه وحاصله في مسار ما يسمى بالثورات والحل المرحلي المطلوب  لتصحيح المسار الثوري هو الاخذ بالحسبان كل المعطيات السياسيه والايديولوجيه والفكريه والوطنيه لكل الحركات الموجوده على الارض وتحليل اهدافها وقياس قوة تأثيرها في حركة التحرر من النظام وفرض التغيير في هذا البلد العربي او ذاك ومن ثم رؤية وجهة هذه الحركات واهدافها, بمعنى  اهمية تحديد مدى انسجام هذه المعارضات مع المطالب الجماهيريه  ليس في مرحلة اسقاط النظام فقط لابل بعد هذه المرحله وشكل النظام والدوله من الناحيه السياسيه والايديولوجيه والجغرافيه ايضا..بكلمات بسيط ومبسطه: ظهور ووجود الميليشيات والايديولوجيات المختلفه في الثورات العربيه صعَّب مهمة بناء الدوله الديموقراطيه حتى بعد  سقوط النظام وهذا ما جرى في ليبيا مثلا ويجري في المعركه الجاريه في سوريه وهذا مايضع ايضا في الواجهه قضية التزام الميليشيات المختلفه بالقضايا الوطنيه ومطالب هذا الشعب العربي او ذاك لابل ايضا طرح سؤال مهم وهو: هل ستلتزم هذه الميليشيات بحقوق المجتمع والشعب ككل بكل مركباته واطيافه وطوائفه واديانه في مرحلة ما بعد اسقاط النظام وبناء دولة العداله الاجتماعيه والانسانيه؟..دولة المواطن؟؟؟
من الملاحظ ان هنالك صراع حامي الوطيس يدور حول توجيه الحراك العربي والسيطره عليه وتوظيفه لصالح هذا الطرف او ذاك سواء على المستوى المحلي  حيث مكان الحدث او  على المستوى الاقليمي  والاعلام وخاصة الاعلام الفضائي العربي اللذي يلعب دورا كبيرا في توجيه وتضليل الثورات العربيه وجعلها تتماشى مع توجهات الرجعيه العربيه والامبرياليه الغربيه, لكن اللافت للنظر ضمن اللعبه السياسيه هو ظهور تيارات وميليشيات كثيره في ساحات القتال  حيث يلاحظ ان  التكتيك الامبريالي الغربي والرجعي العميل يبني استراتيجيته على مساهمة بعض التيارات[كجبهة النصره في سوريا] في محاربة النظام وفي نفس الوقت الرهان على مقتل اكبر عدد ممكن من مقاتلي هذه التيارات في مرحلة اسقاط النظام ومن ثم الاخذ بالحسبان القضاء على هذه التيارات بعد سقوط النظام بحجة بناء الدوله الوطنيه الديموقراطيه  وكون مقاتلي هذه الميليشيات غرباء وليست  من ابناء البلد وبالتالي لاحظوا معنا مثلا ان سوريا اصبحت مصيده لاصطياد وقتل مقاتلي التنظيمات الاسلاميه ولاحظوا كيف ان الامبرياليه الامريكيه تتمنى ان تضرب عصفوين بحجر واحد وهما قتل  المقاتلين المحسوبين على تنظيم القاعده من جهه واسقاط النظام السوري وتدمير الجيش والدوله السوريه من جهه ثانيه وهذا ما هو جاري الان.. لاحظوا معنا ايضا  ان مطالب الشعب السوري باسقاط النظام و انشاء نظام ديموقراطي نُحَّت جانبا والجاري هو ان سوريا صارت ساحة حرب وتصفية حسابات طائفيه و محليه واقليميه وعالميه والحديث هنا عن ان الجاري في سوريا هو ثوره حديث فارغ وغير واقعي يحاول تمريره بعض المفبركين العاملين في فضائيات السلاطين.. الجاري في سوريا هو حرب شبه طائفيه وتصفية حسابات مركبه ومعقده بين النظام ومعارضيه وبين امريكا ومناوئيها في العالم العربي والاسلامي؟!
هنالك ايضا  اشكاليه واضحة المعالم في العالم العربي وتتجلى في عداء الشعوب العربيه للطغاه والامبرياليه الغربيه والصهيونيه والقوى الضالعه في اغتصاب الاوطان والحقوق الوطنيه العربيه, لكن الجاري من احداث في العالم العربي هو محاولة تكييف الشعوب مع حاله تبعيه قادمه اسوأ من سابقتها من خلال محاولة خلق انظمه عربيه رجعيه وليست ايجاد انظمه عربيه وطنيه وديموقراطيه كبديله لانظمة الدكتاتوريه الحاكمه..هنالك محاوله فبركه وتزييف للوجدان العربي والحقيقه هي ان نضالات الشعوب العربيه اخذت دوما صبغة النضال الوطني التحرري وكذلك النضال الاجتماعي و قد تداخل دوما النضال الوطني والاجتماعي وكانا دوما هدف رئيسي من اهداف النضالات العربيه عبر التاريخ, بمعنى التحرر الوطني والاجتماعي من سلطة الحاكم الخائن والدكتاتور وتبعيته للغرب وفي نفس الوقت المطالبه بالحقوق والعداله الاجتماعيه والسؤال المطروح هنا: هل اللذي جرى  ويجري في الدول العربيه مرحلة تحرر من الطغاه والتبعيه ام مرحلة صياغة وتكييف حركات وانظمه تحمل شعارات دون فحوى ودون برنامج وطني واجتماعي؟؟..الجواب يشير الى الاحتمال الثاني.؟.!!
من المفروض ان تفرض المعركه التحرريه من الانظمه الدكتاتوريه وحدة صف جميع القوى والتيارات الوطنيه في اتجاه اسقاط النظام وتحرير الوطن من هذا النظام ومشتقاته وحلفاءه ومن المفروض ان يشكل اسقاط النظام وطرح البديل جوهر العلاقه المرحليه والاستراتيجيه بين اطراف المعارضه التحرريه وهذا ما لا نلحظه في مجرى الثورات العربيه المهلهله والمفبركه.. لا يوجد حتى اليوم تمايز حقيقي مثلا بين النظام السوري والمعارضه التابعه لقطَّر وتنسق مع امريكا والغرب ناهيك عن غياب الشعب عن مجرى الاحداث وهو [اي الشعب] الذي من المفروض ان يكون حاضنة الثوره وهذا ما يعني غياب التلاحم والتلازم بين النضال الشعبي الوطني والنضال الاجتماعي  في اطار معركة التحرر من النظام والتبعيه في ان واحد..هل هذه معركة  تحرر ان تستبدل نظام حكم بشار الاسد بنظام حكم على شاكلة النظام القطري والسعودي؟ ..هذه ثوره مفبركه وليست ثوره وطنيه واجتماعيه!… اليس من المعيب ان يحن الشعب الليبي لزمن القذافي جراء ماهو جاري له في ظل حكم الميليشيات والفوضى العارمه الجاريه في ليبيا… الم يقنع مفبركي فضائية الجزيره الناس كون اللذي جرى في ليبيا ثوره؟!.. الثوره لها مقوماتها ودون اي شك كان القذافي دكتاتور  مثله مثل امير قطر وملك السعوديه, واللذي جرى كان ثوره مفبركه قاتل فيها الشعب الليبي بكل صدق من اجل التغيير, لكن الشعب الليبي اراد شئ والامبرياليه والرجعيه العربيه ارادت شئ اخر..ارادت الحاصل اليوم في ليبيا ويحصل في سوريا..فوضى وخراب!!
ما يجري في العالم العربي هو معضله حقيقيه تتجلى في فبركة الثورات وتضليل الشعوب التواقه للحريه والانعتاق من الدكتاتوريه والتبعيه وشعار فضائيات العار العربي “اما مع النظام او مع الثوره” شعار كاذب  يهدف الى استغلال مشاعر كراهية الشعوب العربيه للانظمه الحاكمه في عملية اسقاط نظام واستبداله بنظام اكثر تبعيه وانبطاح وبالتالي ماهو جاري غياب المقاييس الوطنيه عن مجرى الاحداث في العالم العربي و سيستغرق الامر وقتا طويلا الى حين حضور الغائب الحاضر من هذه المقاييس الوطنيه.. في  الوقت الراهن يوجد فبركة ثورات ولا يوجد ثورات عربيه حقيقيه تتجلى في لحمة النضال الوطني والاجتماعي ووحدة الاهداف.. النضال الوطني والاجتماعي ومعضلة فبركة الثورات العربيه وقتل وجرح وتشريد الملايين من العرب من اوطانهم والمؤسف  تخريب وهدم  الاوطان العربيه على يد الطغاه من حكام وعلى يد المعارضه العدميه المُسيَّره من الخارج.. كارثه مزركشه بثوره مفبركه..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى