المقالات

رمضان نفحات الخير بقلم مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار

رمضان نفحات الخير
بقلم مفتي طرابلس والشمال
الشيخ الدكتور “مالك الشعار”
درج الناس في عاداتهم أن يستعدوا لاستقبال ضيوفهم واذا أدرك الناس أن رمضان شهر الله وشهر الخير والبركة وشهر القرآن الكريم يعني أن استعدادهم واستقبالهم هذا الشهر ينبغي أن يتألق ويتميز عن منطلق ضيف من الشهور. رمضان هذا الشهر المبارك الكريم يكفي ما ورد في فضله من قول النبي (ص) “لو علمت أمتي ما في رمضان لتمنت أن يكون الدهر كله” رمضان ملىء ليله ونهاره بالخير والمغفرة والعتق من النار فهو شهر كان سلفنا الصالح يستعد لاستقباله قبل مقدمه بستة أشهر فاذا بلغوا رمضان وصاموا وسألوا ربهم أن يتقبل منهم رمضان والصيام ستة أشهر أخرى فلقد كان سلفنا الصالح يعيش عبق هذا الشهر وفضله وخيره الدهر كله والسنة كلها.
ورمضان شهر يدل أسمه على مضمونه فهو في اللغة مشتق من الرمض وهو شدة الحر ولعل القاسم المشترك بين أصله اللغوي وبين فضله الديني أن حرارة الايمان فيه من شأنها أن تحرق الذنوب وأن تخرج الانسان من ذنوبه كيوم ولدته أمه. لذلك كان مما جاء على لسان النبي (ص) وهو يستقبل رمضان في آخر شعبان أنه خطب الصحابة الكرام فقال : “أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك” ثم بين النبي منازل عظمة هذا الشهر ومعارج بركاته وخيره وفضله فقال فيه (فيه ليلة خير من ألف شهر) ثم قال شهر جعل صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعاً واتبع ذلك بقوله (من تقرب فيه بخصلة من الخير كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.).
إذا هو شهر عظيم ويكفيه من الخير والعظمة أن فيه ليلة ثواب قائمها وثواب صائمها يعدل ثواب عابد لمدة ألف شهر وهذا يعني أن من عاش ثمانين عاماً يعبد ربه صباح مساء يفوقه ويتقدم عليه ذاك الذي قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً وهو في حالة من الرجاء والخوف والحب والقرب بين يدي الله عز وجل.
ورمضان كما جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام, أن ثوابه أو ثواب العمل الصالح فيه مضاعف, فكل من يفعل في رمضان خيراً, أو أدى مطلق شعيرة له من الثواب كمن أدى فريضة في غير هذا الشهر الكريم. فثواب النافلة في رمضان كثواب الفريضة في غيره, أما ثواب الفريضة فيه, فيعدل ثواب سبعين فريضة فيما سواه.
وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
إذا كيف ينبغي أن يستقبل الناس هذا الشهر, إذا كان أول هذا الشهر الكريم رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار؟ حري بهؤلاء الناس المسلمين أن يحسنوا استقبال هذا الشهر الكريم بالاستعداد اليه, بالتخلي عن الذنوب والسيئات والتحلي بالفضائل والمكرمات حتى إذا ما أهلّ هلال رمضان, كانوا في كامل الجهوزية والاستعداد , لاغتنام كل لحظة من لحظات ليله ونهاره.
رمضان فيه من نفحات الخير ما يجعل المجتمع في حالة من السكون وحالة من الامن والامان والاطمئنان, لان هذا الشهر الكريم إذا هلّ هلاله فتحت أبواب الجنان وأغلقت ابواب النيران وصفدت الشياطين.
ولا يخفى كيف يعيش مجتمع مضمون الامن عندما يتوقف الشياطين ويصفدون وينقطع أثرهم في حياة الناس والبشر والامم والجماعات.
أما ذاك الاثر الذي تسكن فيه النفوس, فيمسك الناس فيه ألسنتهم, فلا صخب ولا غضب حتى لو أن أحداً سابه أو شاتمه فلا يسعه إلا أن يقول :إني صائم إني صائم”.
إذاً عبق الشهر ورحماته وتجلياته وفضائله تجعل من الانسان أقرب الى السكينة والامن من مطلق حالة تعتريه في حياته, فكأن الانسان في رمضان غيره من أيام السنة . فهو طاهر اللسان, ومستقيم السلوك, ومترفع عن الدنايا والرزايا, يغض بصره ويهذب جوارحه وينفتح قلبه على كتاب الله عز وجل, فلا يقول إلا خيراً ولا يغش باطلاً ولا زوراً, ولا يفكر الا في أمر يزيده رضواناً وايماناً واطمئناناً.
أما ذلك الجانب الايجابي فهو الذي يشعر الناس فيه باندفاع لاخراج زكاة أموالهم والتنافس في اخراج زكاة أموالهم وصدقاتهم وربما لا نجده عند البشر في غير رمضان. يهون على الانسان أن ينفق وأن يقدم وليس ذلك فحسب, وانما يشعر بانه رغم كل الذي قدمه فهو مقصر أمام واجب الدين عليه وحق اخوانه عليه.
فالزكاة والصدقات والبر والخير الذي يتبارى فيه الناس في هذا الشهر المبارك ويشعرون فيه بعون الله عز وجل, حيث تحبب الفضيلة والعبادة الى النفس, بل ينتفع الناس جميعاً بهذا التنافس العظيم في المبرات والصدقات والزكوات, فيشعر عامة الناس بذلك التراحم وذلك الاخاء وتنشأ بين الاغنياء والفقراء صلة ود وتراحم وحب وتعاطف من شأنها أن تجعل المجتمع أكثر تماسكاً وأكثر تراحماً وأكثر أمناً وسكينة. وإن ما ورد في حديث النبي (ص) انه ينادي مناد “ايا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر”. وما ورد أن من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتقاً لرقبته من النار, فقالوا يا رسول الله ليس كل ما يجد ما يفطر صائماً عليه, فقال النبي (ص): “يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن.”
رمضان أقبل مرحباً بقدومه, طوبى لمن فيه يفوز ويرغب, رمضان شهر القرآن وشهر الغفران, شهر الرحمات, شهر الخيرات والبركات.
لو علمت هذه الامة ما في هذا الشهر الكريم من خير لتمنت أن يكون الدهر كله. ولا يسعني الا أن أختم بما جاء عن النبي (ص) حيث قال: “أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطه نبي قبلي: أما واحدة فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله تعالى إليهم. ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً, وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك, وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة, وأما الرابعة: فإن الله تعالى يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي, أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا الى داري وكرامتي, وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعاً ” ورمضان كما جاء: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً, غفر له ما تقدم من ذنبه.”
رمضان ورد فيه من الخير أعظم من كل ما يرد على الاذهان أو يتسع له زمان أو كلام أو مقام. فرمضان يكفي أنه شهر الله وشهر الآلاء (أي الخير) وشهر النصر وشهر التمكين وشهر العطاء وشهر الفرج.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى