الأخبار اللبنانية

هل يفي القاضي بيطار بوعده الثابت لردّ الاستنسابية والتسييس عن التحقيق العدلي أم يجرّه بنفسه إلى أتون السياسة الذي يقضي على نزاهته؟

حتى اللحظة ــ وبكل أسف ــ لم يحصل ذلك، رغم قطع المحقق العدلي القاضي طارق بيطار في ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢١ وعداً (آخر) ثابتاً لمحامي متحدون بالأمر أثناء محاولات رده السابقة، بعد أن ثمّن بكل امتنان دفاعهم المستميت عن التحقيق العدلي: “سوف أصدر القرار بطلبات البت بالشكوى المباشرة في اليوم الأول لدى عودتي إلى العمل”، ما أعطى هؤلاء المحامين الزخم والأمل المنشود بإبعاد شبهة التسييس عن الملف رغم الأحداث التي عصفت بالبلد بسببه، وما زرع في أنفسهم بارقة أمل على إثر “الوعد القاطع” إلى موكلهم الذي فقد والدته في الانفجار زياد ريشا انطلاقاً من مسؤوليتهم تجاه دم والدته واتجاه دماء جميع الضحايا وكل اللبنانيين.

انقضى اليوم الأول والثاني والثالت… والعاشر وحتى الساعة لم يفِ بيطار بوعده رغم مراجعات المحامين له الحثيثة والمتتالية، والتي خلّفت في نفوسهم شعوراً بالإحباط والخيبة وبمرارة ما انفكوا يعانون منها في علاقاتهم التي تكونت مع قضاة آخرين بمعرض متابعة ملفات فساد حساسة، كون ما بدر عن هؤلاء القضاة قد خالف أبسط قواعد حق التقاضي وتأمين هذا الحق (المقدس) شرعاً ودستوراً وقانوناً، فكيف إذا صدرت هكذا مخالفات عن محقق عدلي في جريمة من هذا النوع؟! ترى كيف كان شعورهم عندما “عايرهم” قضاة ومحامون وآخرون “بسبب استبسالكم وباللحم الحي بوجه الجميع في حماية التحقيق العدلي ودون أي اعتبار سياسي على الإطلاق بينما ما زال يعتبركم بيطار رقماً زائداً عندما يرفض إطلاعكم على ما هو حق لكم كفريق مدعٍ من مجريات التحقيق التي تصلكم للأسف عبر الأعلام ويهمل إبلاغكم إجراءات جوهرية ولا يجيب على طلباتكم القانونية المتكررة والجد مشروعة والتي تقتضي أجوبة من أي قاضٍ يحترم يمينه ومهنيته”؟

أمام هذه الحقيقة المرّة، اختار محامو متحدون الانكفاء، مكسوري الخاطر، وللمرة الأولى عن التقدم بأجوبة على طلبات تخلية سبيل الموقوفين البارحة وعن إعداد الأجوبة على طلبي رد بيطار اللذين تبلغاها اليوم في ٢٣ كانون الأول ٢٠٢١، بعد أن كان مكتبهم يدخل في حالة استنفار كامل كخلية نحل للإدلاء بدفاعهم عن التحقيق العدلي بوجه أي مريد له شراً، فكيف إذا دأب المحقق العدلي على ما لا يصح وضعه إلا في خانة مخالفة الأصول الجوهرية في تطبيق القانون والتي دائماً ما تقود بالحد الأدنى إلى التظلم أمام هيئة التفتيش القضائي، بعدما وجد هؤلاء المحامون أنفسهم بين مطرقة التمسك بالحقيقة والعدالة وسندان التسييس الذي يبدو أنه يأتي هذه المرة من أهل البيت عينهم وإن كان ناتجاً عن ضغوطات وردات فعل مهولة لا تصلح كعذر في هكذا ملف مهما كان حجمها؟ نعم، هذه المرة اختار محامو متحدون البحث الجدي في إمكانية الانسحاب من التحقيق العدلي إن لم يبادر القاضي بيطار على وجه السرعة إلى تصحيح الخلل القانوني ورفع شبهة تسييس الملف وفق أجندات باتت واضحة، كون رصيدهم في الاستقلالية والمصداقية والجرأة لا يسمح لهم بأن يرتضوا بتحويلهم إلى شاهد زور في أي ملف يتابعونه.

وعليه لا يمكن إلا الوقوف بحيرة أمام ما يتعرض له ملف بحجم ملف التحقيق العدلي في انفجار المرفأ من أهل السياسة وسلوك المحقق العدلي القاضي بيطار في الضفة المقابلة، حتى خلص الأمر إلى إقحام التحقيق في خبز اللبنانيين اليومي ومآلات حكومتهم وتطور وضع الساحات الداخلية، في حين يساهم سكوت القاضي بيطار السلبي، لجهة عدم البتّ بدعوى ريشا المباشرة المقدمة وفق الأصول والتي تتيح استدعاء كل السياسيين والأمنيين والقضاة الذين عاصروا الانفجار للاستماع لهم دون الأخذ بأية دوافع خفية، في الدفع باتجاه التساؤل عن مكمن الاصطفافات السياسية التي يراعيها بيطار.

المقاربة الآن لا بد أن تكون واضحة لناحية الاتجاه الذي سيسلكه المحقق العدلي لضمان استقلالية التحقيق. ولدى محامي متحدون العديد من الأسباب التي تبرّر ترقب عمل القاضي بيطار والقرارات التي سيتخذها ليبنى على الشيء مقتضاه.

من هنا فالكل متورط في سردية تعطيل ملف التحقيق، والسيناريو نفسه يمارس في ملف المودعين بوجه الفساد المصرفي والملف الحكوميّ وبطاقة الدعم وغيره، وبين دعاوى الارتياب المشروع بحيادية المحقق العدلي وطلبات ردّه وإضراب القضاء وسلوك بيطار نفسه لا يبدو أن هذا الملف سيصل، في حال استمرار هذه الحال، إلى أية خواتيم مقبولة.

وللتذكير، فقد سعى تحالف متحدون، ومنذ أن لملمَ اللبنانيون صدمتهم بهول ما حدث في ٤ آب ٢٠٢٠، إلى المطالبة بوضع سياق واضح يتوخى الشفافية والحيادية والمصداقية والمساواة أمام القانون في ملف التحقيق العدلي، وذلك لضمان عدم إدخال هذا الملف الذي يعني كل مواطن في ظلمات الانقسامات اللبنانية على اختلافها من طائفية وسياسية وخارجية، كما ووصول المتضررين وذوي الضحايا إلى الحقيقة والعدالة. وهو لأجل ذلك كان قد أكد في شكوييه المباشرتين في آب ٢٠٢٠ وشباط ٢٠٢١ على ضرورة التحقيق مع ٢٨ شخصية من سياسيين وعسكريين وأمنيين وقضاة تبعاً للمسؤوليات القانونية المترتبة على المناصب التي يشغلونها، فلا يكفي قانوناً استدعاء ١٨ منهم للتحقيق بعد إهمال الدعاوى المباشرة في وقت يكون قبول هذه الدعاوى واستدعاء الباقين كفيلاً بإنهاء الجدل الحاصل حول حيادية التحقيق، فالسياق الطويل ذو الصلة الذي انتهجه محامو متحدون يُلخص بالمحطات التالية:

  • التقدّم بشكوى مباشرة ضد ٢٨ مشتبه به مع اتخاذ صفة الإدعاء الشخصي بحقهم، مع طلب انضمام إلى الدعوى العامة: ٢٦ آب ٢٠٢٠.
  • التقدّم بمذكرة سماع شهود وطلب إيعاز لمن يلزم تزويد التحقيق “بداتا الاتصالات” ذات الصلة عن السنين الماضية واتخاذ القرار برفع السرّية المصرفية عن كل المدّعى عليهم: ١٥ أيلول ٢٠٢٠.
  • تقدّم المدّعي المحامي رامي علّيق بمذكرة بمعرض تكرار طلبه قبول الشكوى المباشرة يؤكد فيها على إلزامية التحقيق وشموله الرؤساء والوزراء والقضاة بحال ثبوت ارتكابهم لجرائم الإهمال والتقصير في واجبتهم الوظيفية، إضافة إلى تمكينه الاطلاع على إجراءات التحقيق وفق القانون بصفته فريقاً مدعياً منضماً إلى التحقيق: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٠.
  • التقدّم بطلب استماع إلى قائد الجيش الأسبق جان قهوجي بصفته مدّعى عليه وليس بصفته كشاهد، بمعرض تكرار طلب قبول الشكوى المباشرة: ١٠ كانون الاول ٢٠٢١.
  • تقدّم محامي متحدون بشكوى مباشرة ثانية ضد الـ ٢٨ مشتبه به بالوكالة عن المدّعي زياد مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي، مع طلب انضمام إلى الدعوى العامة: ١٠ شباط ٢٠٢١.
  • التقدّم بطلب البتّ بكافة الطلبات المذكورة أعلاه، بمعرض تكرار طلب قبول الشكوى المباشرة: ٢٢ شباط ٢٠٢١.
  • التقدّم بمذكرة لأخذ ممارسات الضابطة العدلية ذات الصلة بتأخر قرار البت بالشكوى المباشرة بعين الاعتبار، حرصاً على التحقيق ومنعاً للتسييس: ٣ آب ٢٠٢١.
  • التقدّم بمذكرة البت بالشكوى المباشرة المقدمة من المدّعي زياد ريشا، بمعرض تكرار الطلب: ١١ آب ٢٠٢١.
  • التقدّم بطلب استدعاء مدّعى عليهم كانوا على علم بوجود النيترات تبعاً لمسؤولياتهم بمعرض تكرار طلب البتّ بالشكوى المباشرة المقدمة من المدّعي ريشا: ١٥ أيلول ٢٠٢١.

هذه المراجعات والطلبات تبين بوضوح الطريق الطويل التي سلكها محامو متحدون في خضّم دفاعهم المستميت عن العدالة للضحايا وذويهم وحرصهم على موضوعية التحقيق العدلي واستقلالية القضاء، كما تؤكد على موقفهم الدائم الداعم للقضاء واستقلاليته، بحيث بات مطلوباً وبإلحاح من القاضي بيطار اتخاذ موقف من كل ما يجري يبدأ بالردّ على طلبات البت بالشكوى المباشرة أمامه، فيما لو أراد تفويت فرصة زجّ التحقيق العدلي في بازارات السياسة حيث “نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً”، وإلا فإنه يكون قد زجّ نفسه عمداً في أجندات السياسة التي تحرف التحقيق عن مساره المفترض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى