الأخبار اللبنانية

قوى 14 آذار أحيت ذكرى استشهاد رفيق الحريري في البيال:

سعد الحريري: كل ما نريده هو العدالة والسيادة والاستقلال لا السلطة

المحكمة ستنزل القصاص فقط بالقتلة الذين استهدفوا قافلة من كبارنا

الجميل: أي مشاركة لا يجوز أن تكون على حساب الشهداء والعدالة والسيادة

إذا نجحت المساعي ننجو معا وإذا عاندوا سنكون معارضة زاحفة ومقاومة

جعجع: لن ندع انقلاب ذوي القمصان السود ينال من عزيمتنا

المحكمة إنجاز تاريخي وثمرة نضال في مواجهة الاغتيال والإخضاع

بيضون: لا يمكن بقاء لبنان بجيش تحت المحاسبة وآخر فوق المحاسبة

إذا رادت المقاومة الاستمرار كجيش مستقل عليها عدم التدخل في السياسة

أحيت قوى “14 آذار”، الذكرى السادسة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري وذكرى شهداء “ثورة الأرز”، باحتفال حاشد في قاعة “بيال”- وسط بيروت، حضره رؤساء ووزراء ونواب وفاعليات سياسية واجتماعية من قوى “14 آذار”.

وتصدرت القاعة شاشة عملاقة عرضت أفلاما وثائقية عن شهداء “ثورة الارز” ومقابلات مع ذوي الشهداء، كما رفعت جداريات تتضمن صورا حية لمسيرة 14 آذار منذ 14 آذار 2005.

بعد النشيد الوطني الذي ألقته الفنانة دانيا قسيس، ذكرت عريفة الحفل الاعلامية جيزيل خوري، أرملة الشهيد الصحافي سمير قصير “بالدم الذي سفك على أرضنا من الشمال الى الجنوب”، ودعت الى “مصالحة الشهداء جميعا منذ الحرب الاهلية وصولا الى شهداء الرابع عشر من آذار”.

وقالت: “نلتقي اليوم في الذكرى السادسة لبداية رحلة استشهاد رجال إنتفاضة الاستقلال. ونلتقي لنحتفي بالحرية التي حمل رايتها السياسيون، شباب واقلام تتجدد كل يوم في جميع انحاء العالم العربي. فالحرية أصبحت اليوم قضية العرب الاولى، وفي استقلاله واستعادته لحريته يستعيد لبنان أيضا دوره النهضوي ورسالته التنويرية في عالمه العربي”.

أضافت: “نلتقي اليوم في بيروت لنشهد للدم الذي سفك في أرضنا من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب وأعطى لبنان لونا مميزا. هذا الدم الذي رسم حدا فاصلا بين التحرير والحرية من جهة، وبين الاحتلال والهيمنة من جهة ثانية”.

وقال إن “الوقت قد حان لمصالحة شهداء لبنان جميعهم، من شهداء الحرب الاهلية الى شهداء الاجتياحات والاعتداءات الاسرائيلية، الى شهداء الاستقلال الثاني وانتفاضته. فإلى شهداء لبنان كل شهداء لبنان ننحني ونصلي اسلاميا ومسيحيا”.

بعدها، أدت الفنانة تانيا قسيس والفنان محمد الشعار الحضور ترنيمة “Islamo-Christian AVE”، امتزجت برفع الآذان وعبارة “الله اكبر”، تداخلت مع تلاوة مقاطع من الانجيل المقدس، في إشارة الى الوحدة المسيحية – الاسلامية.

بعد ذلك، ناشدت عريفة الحفل العدالة، ترافقها صور لبيروت وكلمات للشهيدة الحية مي شدياق، والشهداء: بيار الجميل، وجبران تويني، وانطوان غانم، وسمير قصير، ووليد عيدو. وفي لحظة عرض كلمة للرئيس الشهيد الحريري علا صوت السيدة فيروز عبر أغنية “انت القوي يا وطني”.

واستكملت خوري: “نادينا بالحقيقة لانها أم العدالة، وطالبنا بالمحكمة الدولية لأن هدفنا لم يكن يوما الثأر أو الانتقام. لم نرد العدالة لبلسمة جرح أهل الضحايا ومحبيهم ومؤيديهم فحسب، بل لردع المجرمين أيا كان هؤلاء عن التمادي في إجرامهم. العدالة هي نافذة الضوء نافذة المستقبل، ومستقبل بلاد حيث لا تكون القنبلة ردا على الفكرة”.

جعجع

الكلمة الأولى كانت لرئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي قال: “كنت أتساءل في نفسي كل الوقت قبل الإحتفال: ماذا عساي أقول لكم اليوم؟ ماذا عساي أقول لرفاق الدرب، هنا وفي كل مكان، للذين أخرجوا لبنان من سجنه الكبير وأخرجوني معهم بالفعل ذاته من سجني الصغير، للذين شكلوا علما ونورا ورمزا للحرية والانعتاق في الشرق والعالم،‏ للذين كانوا السباقين في ميدان الحركات الشعبية التي نراها اليوم، للذين تحدوا الحديد والنار والسلاح والقهر والقمع والسجون والاضطهاد والاستبداد، بصدورهم العارية وجباهم العالية؟”.

أضاف: “ماذا عساي أقول للذين سبقونا، مرة بعد مرة، بعد مرة، الى ساحات الحرية والثورة؟ ماذا عساي أقول للذين صدقوا معنا دائما أبدا، لكننا لم نكن على قدر طموحاتهم تقريبا دائما أبدا؟ ماذا عساي أقول لرمزي عيراني وعزيز صالح، لطوني عيسى ورياض أبي خطار وبيار اسحق، للزيادين، وللطفي زين الدين؟ وماذا عساي أقول لرفيق الحريري وباسل فليحان وجورج حاوي وسمير قصير وجبران التويني وبيار ‏الجمي، ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد وغيرهم عشرات وعشرات المواطنين الأبرياء، الأبرار، الذين سقطوا ضحية التفجيرات العشوائية المجرمة المتنقلة بين الشوارع والأحياء؟”

وتابع: “بعد تفكير جدي، صادق وعميق، قررت أن أقول لهم، ولكم، كما لجميع الرفاق، شهداء وأحياء، بأننا قصرنا بحقكم، فعلا قصرنا، ولم نوصلكم إلى شاطىء الأمان بعد. لقد اندفعنا منذ ست سنوات بكل نية طيبة وإرادة حسنة لتحقيق كل ما تصبون إليه. أصبنا مرات، لكننا لم نصب مرات ومرات. لم نصب عندما تسلمنا السلطة الشرعية من فوق، وسلمنا لهم، بممارسة كل السلطات غير الشرعية من تحت. لم نصب، عندما حاولنا قطع نصف الطريق، باتجاه الفريق الآخر، ولو بتضحيات كبيرة، ليتبين، بأن الفريق الآخر لا يعترف ولا يقبل بأي آخر. لم نصب أيضا، عندما اعتقدنا، بأن الإخوان في سوريا، قد أجروا مراجعة شاملة، لموقفهم من لبنان ‏الشعب والدولة، بعد كل الذي جرى وحصل، ليتبين، أنهم ما يزالون عند النقطة نفسها كما في 13 شباط 2005. نعم لقد أخطأنا وجل من لا يخطىء”.

وقال: “إذا كان قدر الشعوب أن تتعلم من تجاربها، فقدرنا نحن أن نتعلم من تجاربنا أيضا، وهذا ما نحن فاعلون. هذا وعد لكم، وعهد علينا. فاقلبوا صفحة، بعضها ناصع والبعض الآخر ضبابي، وتعالوا نفتح صفحة جديدة، لن يكون فيها إلا النصاعة إن شاء الله. لقد أساء أخصامنا فهمنا، واعتقدوا، أن إخراج ثورة الأرز، بقوة الترهيب، من مواقعها الحكومية ‏المشروعة، سيكون نهاية لها. لقد أساءوا فهمنا، واعتقدوا، أن استمالة البعض بالترهيب، ستفقد ثورة الأرز زخمها الشعبي والوطني. ‏لكنهم لم يتنبهوا، الى أن شعبا، قدم رفيق الحريري، وبيار الجميل وجبران تويني، وقبلهم بشير الجميل، والمفتي حسن خالد ورينيه معوض، بالإضافة الى قافلة شهداء لا تنتهي، شعب كهذا، لن يعرف اليأس ‏إليه طريقا، ولن يجد الإحباط الى نفسه سبيلا”.

وأكد: “لن ندع الانقلاب الأسود، الذي قام به ذوو القمصان السود وأفرز أكثرية وهمية سوداء، ينال من عزيمتنا. إن الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم وليس في سلاحهم. هكذا علمتنا تجارب العامين 2004 و 2005، وهكذا سنستمر”.‏

وسأل جعجع: “الآن ماذا؟ الآن، كما تلك اللحظات الحاسمة في آب – أيلول عام 2004، وكما تلك اللحظات المجيدة، في آذار ونيسان عام 2005، ثورة، مستمرة، حتى النصر. إذا كانت ممارسات سلطة الوصاية الأولى أدت الى ثورة أرز، فمجرد، بزوغ، ملامح، سلطة وصاية ثانية، سيؤدي، الى ثورات أرز لا نهاية لها، حتى اقتلاع المرض من أساسه هذه المرة. الآن وقد تحررنا من أعباء الحكم، بتنا نستطيع عيش قناعاتنا، ومبادئنا، بكل حرية، والسعي لترجمتها بكل ما أوتينا من قوة. الآن، وأكثر من أي وقت مضى لبنان أولا. الآن، وأكثر من أي وقت مضى، السعي لقيام دولة لبنانية فعلية، بسلطة واحدة، وسلاح واحد، من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي 1559، 1680، 1701 و 1757. الآن ترسيم حدود لبنان، بشكل واضح ونهائي. الآن المعتقلون والمفقودون في السجون السورية. الآن العدالة الإجتماعية، وكل ما نؤمن به، لتحسين وتطوير وتحديث حياة الناس. الآن، خصوصا الآن، حرب كاملة على الفساد، بعد أن عاد شياطين فساد المرحلة الماضية، يطلون برؤوسهم من جديد”.

أضاف: “يبقى أنه، وفي خضم كل ما يجري، ومهما كانت انشغالاتنا متشعبة وكثيرة، لن ننساك أبا بهاء، لن ننساك شيخ بشير، لن ننساكم جورج وسمير وجبران وبيار ووليد وأنطوان ووسام وكل الآخرين، لن ننسى كل لبناني، سقط، ضحية الإجرام الأعمى، وسنتمسك، بكل ما أوتينا من قوة، بالحق والعدالة، ‏عن طريق المحكمة الدولية بالذات، شاء من شاء، وأبى من أبى”.

وتابع: “إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إنجاز تاريخي لشعب ثورة الأرز، وثمرة نضال أكثر من ثلاثة عقود، ‏في مواجهة الاحتلال والقهر، والقتل والاغتيال والاخضاع، ولن نرضى عبثا بها، أو تهديدا لوجودها. إنها المرة الأولى، على مدى ذاكرتنا الجماعية، في لبنان والشرق، تقام محكمة على هذا المستوى، لإحقاق الحق وإرساء العدالة. فلا يضيعن أحد الوقت في محاولة تدميرها والتخلص منها”.

أضاف: رب قائل: “ولكن ما لنا وللمحكمة الدولية، وجمع السلاح وترسيم الحدود، وغيرها من الأمور، دعونا نعيش بسلام، ونتجنب سخطهم، وغضبهم، وسلاحهم”، وجوابي الفوري هو أننا لن نستطيع العيش لحظة بسلام وأمان، من دون دولة، فعلية، قوية، في لبنان، وهذه لن تقوم، من دون جمع السلاح، وترسيم الحدود، وإحقاق الحق والعدالة إن الصراع في لبنان ليس بين العيش بسلام أو العيش باضطراب، بل بين العيش بسلام حقيقي، عميق دائم كريم، ولو بعد حين، وبين العيش بسلام آني، وهمي، مغشوش، هش مستعار، مستباح في كل ‏لحظة، تبعا للظروف والأحوال. إن الصراع يدور حاليا بين لبنان الذي نريد ولبنان الذي يريدون. بين لبنان البابا يوحنا بولس الثاني، ولبنان السيد علي الخامنئي. بين لبنان البطريرك صفير والمفتي قباني والإمام محمد مهدي شمس الدين، ولبنان ولاية الفقيه. بين لبنان مروان حماده ومي شدياق، ولبنان جميل السيد ورستم غزالي. وطبعا ستكون الغلبة، في نهاية المطاف، للبنان مروان حماده ومي شدياق، للبنان البطريرك صفير والمفتي قباني والإمام محمد مهدي شمس الدين”.

وقال: “الرابع عشر من شباط 2005، لم يغير وجه لبنان فحسب بل غير اتجاه الأحداث فيه بشكل لا عودة عنه. هم يحاولون اليوم من جديد، ونحن سنتصدى لهم من جديد. الفارق هذه المرة، أننا تعلمنا من أخطائنا، ولن نقع في شراكهم من جديد”.

وختم جعجع: “شهداؤنا الأبرار، ناموا قريري العين، وكونوا مطمئنين بأننا لن نسمح لاحد بطمس حقيقة اغتيالكم ولا بإبطال مفاعيل استشهادكم. كونوا متأكدين بأن كل قطرة من دمائكم، ستزهر سيادة، ديموقراطية واستقلالا، حرية وثورة، تقدما وتطورا وعمرانا، ومسيرة نحو المستقبل لا تنتهي”.

بيضون

وبعد كلمة لعريفة الحفل تم عرض فيلم للرئيس الشهيد الحريري تحدث خلاله الرئيس سعد الحريري مستذكرا والده، ثم كان عرض آخر لمشاهد فيلم وثائقي لوالدة الشهيد النائب باسل فليحان، تبعنه كلمة عن الشهيد سمير قصير في شريط وثائقي للإعلامية جيزيل خوري.

بعد ذلك ألقى الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون كلمة سأل فيها: “ماذا فعل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليستحق كل هذا التحريض والعداوة والحملات؟”، مردفا ان “الكثير من اللبنانيين الشيعة يسألون لماذا هذا التدهور في العلاقات بين السنة والشيعة؟”، وقال إن “الرئيس سعد الحريري قبل التضحية لأجل لبنان ولكن الآخرين كانوا يريدون في الاساس الارتداد على مكتسبات “ثورة الأرز” وحركة “14 آذار”؟”.

واكد ان “المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليست مؤامرة”، ودعا الى “التعامل والانطلاق من أعمالها ووقائعها وليس من التصورات والتهيوءات”، مذكرا بأن “العدالة والحقيقة يجب أن توحدنا”. وقال: “على الرئيس الحريري تجاوز المرحلة والقضايا الشخصية والعمل على قيادة جماعية ل “14 آذار” تجعل منها حركة للمستقبل وثورة تغيير لبناء لبنان”.

اضاف: “ان الحريري يمثل جيل الشباب وقادر بنجاحاته على تجسيد أحلامهم وتوسيع مجالات انجازاتهم وخصوصا بناء الاقتصاد المتقدم ووضع سياسات محاربة الفقر والبطالة واعادة بناء الطبقة المتوسطة ركيزة الاستقرار والاصلاح والتطور”. وذكر بقول السيد محمد حسين فضل الله:احذروا عبادة الشخصية”، معتبرا ان “عبادة الأشخاص مدخل الى عسكرة الطائفة”.

وقال: “بينما تحتفل مصر وتونس وشبابها بسقوط نظام الجلادين والمتسلطين ونرى كيف ينتفض الشعب لحريته وكرامته ولضحايا وحشية وبربرية النظام الأمني نشعر اليوم أن التضامن مع خالد سعيد ومحمد بو عزيزي والظلم البشع الفادح الذي لحق بهما فجر الثورات الشبابية والشعبية وأعاد للشعوب العربية الشعور بالكرامة وبأهمية الحرية: ألم تكن هذه هي المشاعر نفسها التي أطلقت حركة 14 آذار 2005 الشعب اللبناني بأكمله شعر بأن كرامته تحت الأقدام وحريته تحت الترهيب فانطلق ليسقط النظام الأمني والوصاية على الشعب وشؤونه وقراراته”.

اضاف: “هذا هو الشهيد رفيق الحريري أطلق في حياته مشروع بناء الدولة ومشروع أعمار الوطن وأطلق في شهادته ثورة أستعادة الكرامة والحرية واستعادة لبنان الوطن الذي كان تحول ساحة مباحة لكل الأخطاء والشوائب حتى لا نقول لكل التجاوزات والانتهاكات”.

وتابع “بعد ست سنوات من هذه الشهادة وهذه الانتفاضة نرى مشهدا يطبق على صدور اللبنانيين، لبنان يعيش حالة من الترهيب في أمنه واستقراره ومعيشته كادت تصل به إلى الشلل والأنهيار”، مردفا “انهم يحاولون الايحاء أن هنالك انتقال سلس للسلطة، تداول دستوري وفقا للقواعد”.

اضاف: “أريد أن أذكر بالفقرة “ياء” من مقدمة الدستور: لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك. هذه الفقرة تم تفسيرها بكثير من الابتذال ولكن لنعد إلى الطائف، الاتفاق الذي انبثق عنه الدستور: هذه الفقرة وضعت خصيصا لأدانة الانقلاب. كان هنالك في بعبدا رئيس نصف حكومة أو نصف رئيس حكومة يهدد المجلس النيابي فجاءت الفقرة “ياء” من المقدمة لتقول لا شرعية للانقلاب وما حصل اليوم هو انقلاب وكل حكومة منبثقة عنه غير دستورية وغير ديموقراطية ونحن نقول بوضوح لرئيس الجمهورية المكلف الحفاظ على الدستور وعلى التوازن الوطني أنت المؤهل لمواجهة الانقلاب وبداية المواجهة وأسقاط مفاعيل الانقلاب من خلال رفض حكومة اللون الواحد والصوت الواحد ونقول لرئيس الحكومة المكلف: لا أحد يرضى لك بترؤس حكومة بتراء وظيفتها الأساسية تثبيت سلطة السلاح بوجه سلطة العدالة”.

وبعدما سأل: “لكن ما هدف الانقلاب؟”، أضاف: “ليس هدف الانقلاب البحث عن حل للأزمة المستمرة منذ ست سنوات كان هنالك أمل في حل من خلال حوار جدي صريح وطني مع رئيس الحكومة سعد الحريري ولكن هذا الخيار سقط وسيشرح الرئيس الحريري لماذا سقط ومن لم يلتزم بتعهداته للوصول إلى الحل”. ورأى “ان هدف الانقلاب أصبح انتقاما شخصيا من شخصية سياسية لم تقبل الاذعان ولم تقبل الاملاءات”.

وأردف: “سعد الحريري قبل التضحية لأجل لبنان ولكن الآخرين كانوا يريدون في الاساس الارتداد على مكتسبات ثورة الأرز وحركة 14 آذار. واصلوا التبجح ورفعوا منسوب الغرور: نريد اغلاق بيت الحريري وانهاء الحالة الحريرية”.

وسأل: “الرئيس الشهيد الذي فتح للبنان كل أبواب العالم وكل أبواب المستقبل من يجرؤ على إقفال باب بيته؟ والأهم لماذا تتفجر هذه الأحقاد؟ ماذا فعل الحريري ليستحق كل هذا التحريض والعداوة والحملات؟”.

وتابع: “أذكر عام 1996 العدوان الاسرائيلي ومجزرة قانا الحريري عمل على مستويين: الأول التأكيد أن الدولة هي المرجع هي التي تفاوض وتتوصل للاتفاقات وليس أي حزب أو تنظيم. كان حزب الله عقد ما يسمى تفاهمات تموز مع اسرائيل عام 1993 بعد العدوان الاسرائيلي لكن الحريري في العام 1996 أكد أن المقاومة هي ضمن مرجعية الدولة وأن الدولة تأخذ مسؤولياتها ونجح لأول مرة في خلق لجنة دولية لمراقبة تنفيذ التفاهمات وعدم التعرض للمدنيين واحترام شرعية المقاومة للاحتلال”.

اضاف: “هذه اللجنة مؤلفة من فرنسا والولايات المتحدة وسوريا بالإضافة إلى طرفي الصراع لبنان وإسرائيل. الدولة اللبنانية التي غيبوها عندما رفضوا نشر الجيش عام 1991 أعادها رفيق الحريري حاضرة لمسؤولياتها في المواجهة وفي حماية المقاومة ولكن أيضا في كونها مرجعية المقاومة وغيرها لا يتجاوزها أحد ولا وصاية لأحد عليها”.

واسترسل: “أما المستوى الثاني فأنه دفع جميع قطاعات المجتمع اللبناني وفئاته وطوائفه إلى التضامن مع الجنوب والمقاومة، ولنترك الحريري رجل الدولة ورجل الأعمار ورجل الاهتمام بكل التفاصيل وبالحوار مع كل فئات المجتمع والذي كرس الكثير من وقته للفقراء ولتحسين أحوالهم بعد أن ساهم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية خلال الأعوام 1985 – 1992 في تدهور أوضاع اللبنانيين إلى مستويات غير مسبوقة, ولنذهب إلى المشكلة الحالية: الكثير مثلي من اللبنانيين الشيعة يسألون لماذا هذا التدهور في العلاقات بين السنة والشيعة. كلنا ضد هذه الإدارة للعلاقات بين الفئتين وكلنا ضد الفشل الذي وصلت إليه القيادات. لا أحد يقبل هذا الواقع كلنا نتألم الشيعة قبل السنة عندما نرى انتشار الجيش اللبناني في شوارع العاصمة بيروت وكأن هذا الانتشار يرسم خطوط تماس بين الطائفتين”.

وشدد على ان “نقطة الانطلاق هي في فهم العيش المشترك: احترام العيش المشترك هي احترام كل فئة للمقدس عند الفئة الثانية قلنا منذ زمن أن المقاومة مقدسة عند طرف كما المحكمة والحقيقة والعدالة مقدسة عند الآخر لا يمكن الوصول إلى تفاهم وطني إذا فرضنا احترام مقدس الطرف الأول ورفض احترام الآخر ومقدسه”، مشيرا الى ان “المشكلة أن الحوار مقطوع منذ ست سنوات نشهد أزمة حوار ونشهد تعبئة وحشد وتحريض ومستوى أحقاد وكراهية لم نكن نتصور أن لبنان يصل إليه”.

وقال: “يعنيني كثيرا وأنا اللبناني الشيعي الجنوبي أن أقف في هذا المجال أمام تجربة الشيعية السياسية. هل تكرر الشيعية السياسية ممثلة اليوم بسلطة الأمر الواقع أخطاء من سبقها”، مضيفا ان “أول ما يمكن ملاحظته أن الشيعية السياسية بجناحيها وقعت في عبادة الشخصية، وذكر بتصور السيد فضل الله للحركات والأحزاب الإسلامية ووصيته للعالم الإسلامي “بأن لا يجعل من الاختلاف المذهبي وسيلة من وسائل أسقاط الأخوة الإسلامية وليكن الحوار وليس السلاح هو الأساس في حل هذه المشاكل”، وقوله “إن على الحركات الاسلامية أن تعيش معنى الحركة الاسلامية في كل مواقعها وأن لا تتجمد في مذهبياتها وأقليمياتها بل أن تعمل جاهدة من أجل الحركة الإسلامية الواحدة”، ليسأل: “أين التعبئة التي تعيشها الشيعية السياسية اليوم من وصايا فضل الله الذي عانى في حياته من التشكيك والحملات والظلامة حتى قال: “اللهم اهدي قومي فأنهم لا يعلمون”. “اللهم اغفر لقومي أنهم لا يعلمون”.

كذلك ذكر بتشديد الإمام المغيب موسى الصدر “على لبنان وطن نهائي لجميع بنيه أي رفض أعطاء أولوية للمشاريع الايديولوجية على مشروع بناء الدولة الوطنية وإنجاح العيش المشترك. ولكن الأهم أن موسى الصدر كان يريد إزالة الحرب من النفوس والعقول لذلك ركز في ميثاق حركة أمل وفي فقرتين من أصل سبعة على رفض وإدانة تصنيف المواطنين. كان يعرف أن تصنيف المواطنين هو مدخل للحرب الأهلية وإلى عزل كل فئة للأخرى. ولكن ماذا فعلت الشيعية السياسية منذ ست سنوات وهي تتهم الأخرين بالخيانة والتآمر أي تمارس أبشع أنواع التصنيف. لقد تعهدوا في الدوحة عدم تخوين الآخرين وفي كل يوم لا يجدون سوى التخوين والاتهام بالتآمر”.

وقال: “قبل تغييبه بأشهر أو أسابيع قال الأمام الصدر: أن مصلحة لبنان لا تتقدم عليها مصلحة أبدا” أليس في ذلك اعلاء لشعار لبنان أولا قبل ثلاثة عقود؟ ويقول أيضا: “أن قضية المقاومة تنجح بوجود لبنان وبقوته وسيادة وكرامة أبنائه”. أي عمليا المقاومة في خدمة السيادة وليس السيادة في خدمة المقاومة، ثم يقول أن علاقاتي مع المسؤولين السوريين وكل نشاطاتي السياسية هي في خدمة لبنان ولا يمكن أن تكون يوما على حساب كيانه وسيادته، هذا من دون أن نعود للامام شمس الدين الذي أوصى الشيعة في كل بلد عربي أو إسلامي بأن يبتعدوا عن المشاريع الخاصة وأن ينخرطوا في بناء دولهم الوطنية دون الاتجاه إلى الولاءات الخارجية”.

اضاف: “نعود من كل ذلك إلى المقاومة اليوم: الجميع يحترم انجازات المقاومة ويقدم كامل التقدير للتضحيات والشهادات ولكن لا يمكن استمرار المقاومة كجيش مستقل خارج كل الضوابط وكل معايير المحاسبة. لا يمكن بقاء لبنان بجيشين أو بسلاحين: جيش تحت المحاسبة هو الجيش اللبناني وجيش فوق المحاسبة هو المقاومة”.

وقال: “إذا ارادت المقاومة الاستمرار كجيش مستقل عليها التصرف كالجيش اللبناني أي عدم التدخل في السياسة”، مضيفا إن لدى الجيش “إجماع وطني لأنه لا يتدخل في السياسة أما المقاومة فلا يمكنها أن تكون سلاحا لفئة أو طائفة أو أن يكون لديها نواب ووزراء ومراكز قوى أو مشروعها الخاص الإقليمي وأن تحصل على إجماع وطني، وفي كل الحالات يجب وضع خطة مع جدول زمني لدمج المقاومة وسلاحها في الجيش اللبناني وفقا لما يقرره الحوار الوطني هذا إذا نجح رئيس الجمهورية في انقاذ هذا الحوار الوطني واعادته للحياة بعد أن بلغ الغرور والصلف بالبعض إلى حد العمل على عزل وتهميش الرئاسة الأولى”.

واردف: “علما أن الحوار مطلوب منه أن ينجح في تنفيذ التزامات لبنان في القرار1701 الذي يشكل حماية للجنوب ولكل لبنان بوجه أي عدوان اسرائيلي مرتقب. معروف أن فشل القرار 1701 سيؤدي إلى سحب القوة الدولية من الجنوب ووضع المنطقة بكاملها على حافة الحرب الشاملة. البعض يعتقد أن لبنان يمكن أن يتجاهل القرارات الدولية وأن القرارات الدولية هي مجرد مؤامرات على لبنان هذا الموقف هو مغامرة غير محسوبة وهي ضد مشاعر وتطلعات أهل الجنوب وتطلعات كل اللبنانيين. لا يمكن السماح لجر لبنان إلى الدمار مجددا والضمانة الأساسية هي تنفيذ القرار 1701 والتمسك بمهمة القوة الدولية وإنجاحها في منطقة جنوب الليطاني”.

ورأى ان “الشيعية السياسية فشلت في حل مشاكل الانخراط في مشروع بناء الدولة وضربت مبدأ الكفاءة وصارت المحسوبيات والولاءات الشخصية هي الأساس في الوصول لخدمات الدولة أما التنمية فتحولت تنفيعات وصفقات وبقي أهل الجنوب يهاجرون وأهل البقاع يغرقون في ضيق سبل العيش وتناست الشيعية السياسية الاصلاحات المنصوص عنها في وثيقة المجلس الشيعي عام 1977، وهي تخلت عن الطائف في معظم بنوده حتى موضوع تشكيل الهيئة الوطنية المنصوص عنها في المادة 95 من الدستور تحول مادة ابتزاز: اقبلوا الوصاية على الدولة فننسى موضوع الغاء الطائفية، ارفضوا الوصاية على الدولة فنطرح أمامكم موضوع تشكيل الهيئة الوطنية”.

اضاف: “ثم جاء عدوان تموز 2006: بدل العمل على توحيد الموقف الوطني وتأمين الإجماع بدأ العمل على الاحتكام للشارع والعنف والسلاح وصولا إلى 7 أيار 2008 بعد تعطيل البلد والمؤسسات والمجلس النيابي. ليس أن الشيعية السياسية فشلت في العمل تحت سقف المؤسسات فحسب بل تبنت مبدأ الضربة الاستباقية ولا تزال تلوح بها وسيطرت عليها ازدواجية المعايير كما أنها فشلت فشلا ذريعا في إدارة ملف التعويضات عن حرب تموز حتى أصبح لسان حال المواطنين من بنت جبيل إلى الضاحية والبقاع أننا ربحنا الحرب على اسرائيل لكننا انهزمنا في حرب التعويضات”.

وقال: “كل ذلك دعوى لخروج المقاومة من الشيعية السياسية فهي تجربة فاشلة وليست نموذجا لأي بناء فكيف لبناء الدولة أما المقاومة فتجربة ناصعة تحتاج للحماية والاجماع ضمن مرجعية الدولة، لقد جربت المقاومة من خلال ورقة التفاهم مع التيار الوطني الحر أن تحصل على تحالفات خارج الاجماع الوطني. ماذا كانت النتيجة؟ هذا التفاهم من عشرة نقاط عمره خمس سنوات الآن ولكن ما الذي تم تنفيذه من هذه النقاط: لا شيء على الإطلاق بالأخص البنود 7 و8 و9 و10 من هذه الورقة في العلاقة مع سورية والفلسطينيين وفي موضوع الاجماع حول المقاومة وإدانة الاغتيال السياسي”.

أضاف: “أصبحنا في صورة استعادة الشعار السابق على ثورة الأرز أو حركة 14 آذار: هناك تقسيم للمهمات أو العمل القرارات السياسية والأمنية والدفاعية شأن أقليمي أما القرارات الإدارية والاقتصادية فتبقى للداخل”، سائلا: “هل هذا هو هدف ورقة التفاهم؟”، وأردف ان “الكثير اليوم يفتخرون أن إدارة لبنان عادت للنفوذ الإقليمي وأن عودة هذا النفوذ ساهمت فيه ورقة التفاهم التي يسميها البعض تحالف الأقليات بينما هي في الحقيقة تحالف الشهيات المفتوحة على الاستيزار والمحاصصة وتقاسم الدولة بين العائلات السياسية”.

وتابع: “لذلك فإن الطائفة الشيعية بكل مؤسساتها مدعوة لإعادة النظر المسؤول في هذه الممارسات وتصحيحها والعودة إلى خط أئمة هذه الطائفة بدءا من خط الامام الصدر وبالأخص العودة إلى تقديم مشروع بناء الدولة الوطنية على المطامح والمصالح والمشاريع الاقليمية والعودة لمبدأ أن لبنان القوي بدولته يخدم سوريا ويساعدها بينما لبنان الساحة يمثل عبئا على سوريا وعلى موقفها”.

وسأل: “من هنا إلى أين؟”، وشدد على ان “لا شرعية لأي حكومة في ظل معادلة سيطرة السلاح على الحياة السياسية وفقط حكومة وحدة وطنية متوازنة أي تمثيل 8 آذار و 14 آذار فيها بنفس الثقل هو المنطلق وصولا لإيجاد حل للأزمة الحالية داخل المؤسسات”.

واعتبر انه “إذا انتقلت 14 آذار إلى المعارضة أم شاركت في الحكومة فنحن في حاجة إلى ثورة نيابية حقيقية، لا يجوز أن يستمر مجلس النواب مقفلا على هذه الحال يجتمع مرة في السنة أو مرتين. على النواب أن يفرضوا فتح هذا المجلس لجلسات يومية مستمرة فيها التشريع والمحاسبة والرقابة ولجان التحقيق”.

واردف: “كل مجالس النواب في العالم تعمل في السنة من 800 الى الف ساعة بينما في لبنان لا يعمل المجلس النيابي في جلساته العامة الا بين 5 و50 ساعة وهذا امر مدان ان تكون كلفة الجلسة النيابية 60 مليار ليرة لبنانية ونتيجته أن قوانين مثل قانون السير والايجارات بدء النقاش فيها عام 1996 ولم تنته حتى الآن وإذا احتاج الأمر لتعديلات في النظام الداخلي فعلى 14 آذار أنقاذ هذه المؤسسة الأم لكي يقوم حكم المؤسسات للبنان وليس الإدارة الخارجية”.

ودعا الى “استكمال اصلاحات الطائف والانتقال منها إلى تطوير هذا الاتفاق ومعالجة كل ثغراته وشوائبه خصوصا إخراج هذا الاتفاق من ذهنية وعقلية المحصصة وتقاسم المغانم”، مشيرا الى انه “على سبيل المثال لا الحصر ننظر إلى طريقة تشكيل الحكومة الطائف انطلق من مبدأ عدم جعل رئيس الحكومة المكلف مجرد باش كاتب عند رئيس الجمهورية ولكن مع التطبيق الميليشوي والمحاصصي للطائف نرى كما نرى اليوم أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف أصبحا الاثنين باش كاتب عند ثلاثة أو أربعة من أمراء الحرب والطوائف والمحاصصة وبدل أن تكون الحكومة مجمع كفاءات لإدارة الدولة تحولت مجمع محسوبيات وازلام وقرابات ومحاصصات ضد مصلحة المواطن والدولة، ويمكن أن نعطي عشرات الأمثلة على تخريب الطائف بعقلية المحاصصة, لكن أكبر تخريب أصاب القضاء الذي يحتاج إلى ثورة حقيقية من شبابه لضمان قيامه كسلطة مستقلة نزيهة”.

ودعا الشباب إلى “ما سماه الشهيد سمير قصير انتفاضة ضمن الانتفاضة. عودة 14 آذار إلى منطلقاتها الأساسية في اطلاق مشروع بناء الدولة الوطنية والمدنية”، آملا أن “ينطلق الشباب في عملية مناقشة حقيقية للتغيير المطلوب في لبنان بدءا من اليوم وحتى 14 آذار وأن يكون لدينا في 14 آذار القادم خطة التغيير لبقاء لبنان الدولة وليس لبنان حاملة الصواريخ”.

اضاف: “جربنا الصراع مع اسرائيل بكل أنواع والمنظمات والجبهات ولكن إسرائيل انتصرت علينا بالدولة بنت أحدث دولة وأرقى اقتصاد والمطلوب اليوم أن نواجه إسرائيل بالدولة والمقاومة تبقى وسيلة وليس غاية تقنية وليس استراتيجية والدليل أن سوريا تقول دائما أن السلام هو الخيار الاستراتيجي. إذا الدولة هي السلاح وهي مفتاح النجاح والمقاومة تبقى أداة أو جهد من بين أدوات وجهود ومساعي عدة تقرر الدولة متى وكيف يستعملها الشعب”.

وأكد ان “المحكمة الدولية ليست مؤامرة وليس كل ما يصدر عن مجلس الأمن مؤامرة ولا يمكن بناء العلاقات بين اللبنانيين ومع العالم والمجتمع الدولي انطلاقا من نظرية المؤامرة”، جازما بأن “نظرية المؤامرة هي انغلاق على الذات وتقوقع وهي سبب هزيمة العرب”. ورأى أنه “في التعامل مع المحكمة الدولية يجب الانطلاق من الأعمال والوقائع وليس من التصورات والتهيوءات. الرئيس السوري بشار الاسد يقول أن القرار الاتهامي يجب أن يكون مبنيا على وقائع واثباتات فلماذا نحن نطلب إدانة هذا القرار قبل صدوره وقبل النظر في الاثباتات والوقائع. العدالة والحقيقة يجب أن توحدنا. والجميع بما فيه تيار الحريري شدد على التضامن مع المقاومة إذا تعرضت لأي عدوان والأحرى بالمقاومة أن تتضامن مع العدالة وأن تتعامل مع الوقائع والاثباتات”.

واذ شدد على ان “الحريرية لم تفشل ولم تسقط وهي بعد الشهابية تبقى الطريق الأساسي للانقاذ ولبناء الدولة الحديثة والاقتصاد المتقدم”، لفت الى انه “سقطت الرهانات على انخراط أمراء الطوائف في مشروع الدولة”، مؤكدا ان “ليس الرئيس الشهيد من راكم الديون بل أن سياسات التوسع في الانفاق كانت تصدر في المجلس النيابي حيث المتحاصصون يوزعون الموازنة وكأنها مكافآت”.

وقال: “ترك الحريري الحكومة عام 1998 وجاءت حكومة جديدة وعهد جديد أطلق الوعود شمالا ويمينا بوقف الدين واتباع سياسات جديدة وماذا كانت النتيجة: كانت الديون عند بداية العهد 18 مليار دولار وصارت مع نهايته 43 مليار كذلك شارك التيار البرتقالي في حكومتين آخرها حكومة سعد الحريري بكل الشروط التي فرضت وبالثلث المعطل ورغم ذلك وافق هذا التيار على أكبر عجز في تاريخ موازنات الدولة. صوت وزراءه على موازنة فيها عجز يوازي أربع مليارات دولار ورغم ذلك لا يزالون يتحدثون ونسمع دعايتهم السياسية تصر على أن سياسة الديون هي الحريري. كنا نشهد بتجربتنا البسيطة كيف أنه عند محاولات الحريري تخفيض بعد الانفاق غير المجدي وتسكير بعض أبواب الهدر كيف تقوم وتهب عواصف الانتقاد والشتائم والاسفاف أنها تجربة مؤلمة ومرحلة مؤلمة والحريري كان يردد مع الشيخ العاملي البسيط: “خيري طالع عليهم وشرهم نازل علي”.

وطلب من “سعد الحريري قيادة جديدة قريبة من الشعب في كل فئاته المسيحي قبل المسلم والشيعي قبل الدرزي والدرزي قبل السني”، مشيرا الى ان “الرئيس الشهيد فتح بيته للجميع وحاور الجميع ومد يده للجميع وكان يأمل في الأشهر الأخيرة من حياته في اتفاق شامل مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله للسير بانقاذ لبنان، والحريري تعرض للاغتيال وسعد الحريري يتعرض للاغتيال السياسي ولكن المشروع يبقى أقوى من الجميع ولم يفت الوقت على أتفاق شامل لحل الأزمة وانقاذ البلد”.

وقال: “أننا نطلب من سعد الحريري تجاوز المرحلة والقضايا الشخصية والعمل على قيادة جماعية لـ 14 آذار تجعل منها حركة للمستقبل وثورة تغيير لبناء لبنان . سعد الحريري يمثل جيل الشباب وقادر بنجاحاته على تجسيد أحلامهم وتوسيع مجالات انجازاتهم وخصوصا بناء الاقتصاد المتقدم ووضع سياسات محاربة الفقر والبطالة واعادة بناء الطبقة المتوسطة ركيزة الاستقرار والاصلاح والتطور. ويبقى أن لبنان الحر المستقل السيد هو أمانة الشهداء أمانة رفيق الحريري بيد سعد الحريري ورفاقه في 14 آذار فلنكن جميعا على قدر هذه الأمانة من خلال الانخراط في حوار جدي وعميق مع الجميع خصوصا المقاومة ومن خلال العمل المؤسساتي والديموقراطي الفاعل ومن خلال مبدأ أن العقل قادر دائما على الانجاز أكثر من السلاح. العقل يربح المعارك السياسية حيث غالبا يفشل السلاح في ربحها”.

الجميل

وبعد عرض وثائقي مع صباح حاوي شقيقة الشهيد جورج حاوي التي تكلمت عن مزايا شقيقها، ثم وثائقي عن جبران تويني تكلمت فيه ابنته ميشال تويني، فوثائقي عن الشهيد بيار الجميل تخللته كلمة لزوجته باتريسيا، ألقى الرئيس الأعلى لحزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميل كلمة استهلها بالقول: “الرئيس رفيق الحريري استشهد في مثل هذا اليوم فداء عن اللبنانيين، وباستشهاده كانت بداية ثورة الأرز، ثورة شباب لبنان، ثورة جميع اللبنانيين على القهر والهيمنة والوصاية”.

أضاف: “ثورة الأرز نادت بالحرية والسيادة والاستقلال، وهي تناضل اليوم أيضا من أجل الحق والحقيقة والعدالة. نحن آباء الثورات، وأبناء المقاومة اللبنانية، نحن أهل الشهداء. في ضميرنا دماء من استشهدوا، وفي ذمة القتلة دماء من قتلوا. فيا رفيق ويا بيار ويا انطوان ويا سائر شهداء ثورة الأرز، لن ننساكم أبدا، إنكم في القلب والفكر والضمير. فباسم الشهداء، شهداء الحرية والكرامة والانسان، نرفض التنازلات. كفى تنازلات. فنحن أهل الثبات على المواثيق والعهود، لا أهل المساومات والتقلبات”.

وقال: “لا يملك أي مسؤول أو قيادي، أكان دينيا أم مدنيا أم عسكريا، أكان رسميا أم حزبيا، وكالة ليقايض أو ليساوم على إنجازات المقاومة اللبنانية وتضحياتها، ولا سيما إنجازات ثورة الأرز، ولا يملك أي مسؤول أو قيادي حق التصرف بتراث الشهداء ودمائهم. جاءت ثورة الأرز ولادة جديدة للبنان الكبير، وانبعاثا جديدا للاستقلال، وحياة جديدة للميثاق الوطني، وتطبيقا عمليا للبنان وطنا نهائيا، والتزاما ضميريا لبناء دولة قوية، حرة، عادلة، ديموقراطية، لا هيمنة فيها ولا غبن. ولا يعلو هامتها وصي أو محتل”.

وتابع: “أتيت أقول لكم بألا تخافوا الصعوبات والتحديات. فعلى مدى التاريخ مرت بنا ظروف أقسى وعانينا كما عانت كل حركة تحرير اعتمدت الديموقراطية نهجا ورفضت الاحتكام إلى السلاح للتغيير. ست سنوات كثيرة في عمرنا، ربما، لكنها قليلة في عمر الوطن. ونحن نبني وطنا. أتيت أقول لكم بان مسيرتنا، يا أخي سعد، ستصل نحو هدفها لأنها مسيرة الحق والثوابت التاريخية. وكل ما هو غير ذلك باطل، وزائف، وزائل. أتيت أقول لكم باننا الأكثرية الشعبية والنيابية والديموقراطية والشرعية والاستقلالية. الأكثرية هي التي تنبثق من إرادة الناس الحرة والقادة الأحرار، لا تلك التي تخرج من فوهات البنادق. من يجسد مشاعر الناس، ويثق بتأييد الشعب، لا يقوم بانقلاب. أتيت أقول لكم بان من ينقلب على الأكثرية، يجدر به أن يمثل أمام الشعب أولا، قبل أن يساهم في تزوير أكثرية مناقضة لثقة الناخبين. فتبييض أصوات الشعب ممنوع، كما تبييض الأموال. إن الأكثرية الجديدة أكثرية مبيضة، وتم تبييضها بالبزات السوداء. أن يخسر فريق ما السلطة، فليست نهاية العالم، لكن أن يخسر لبنان هويته ودوره ورسالته، فهذا ما لا نرضاه ولا يرضاه اللبنانيون”.

أضاف: “نحن ظاهريا أمام إسقاط حكومة، لكننا حقيقة أمام مشهد محاولة إسقاط لبنان. هل تسمحون بسقوط لبنان؟ سقوط هويته ودوره ورسالته؟ إن أمهل الشعب فلا يهمل، وإن أبصر الشهداء فلا يصبرون. إذا كانت الديموقراطية تملي تداول السلطة، فتداول السلطة لا يسمح بالخروج عن الثوابت الوطنية والمبادىء، وعن مشروع بناء الدولة ومسيرة السيادة والاستقلال. إن تداول السلطة الأخير ما كان ليحصل لولا سلاح “حزب الله”. لا يجوز ولا يحق لأي حزب أن يفرض مشيئته وعقيدته وثقافته وهويته وسلاحه وجهاده على سائر اللبنانيين، لا باسم العدد، ولا باسم القوة، ولا خصوصا بالإدعاء بحصرية الدفاع عن الوطن. فالدفاع عن الوطن هو واجب وطني شامل وجامع. ما عدا ذلك، لا الديموقراطية العددية تحلله ولا الديموقراطية التوافقية تسمح به. لا تقاليدنا وثقافتنا الوطنية تجيزه ولا شرعة حقوق الإنسان تقبل به، ولا حق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها يبيحه”.

وقال: “لا نعيش اليوم الديموقراطية التوافقية أو الديموقراطية الأكثرية، بل شريعة القوة. القوة في الشارع والقوة في المؤسسات والقوة في الحوار. هكذا لا نبني بلدا، هكذا نقسم بلدا. ننهي دولة. نسقط نظاما. هل تريدون أن نهدم ما بنيناه طوال 90 عاما من كيان ودولة؟ وما بنيناه طوال 68 عاما من استقلال وميثاق عيش مشترك؟ نحن مدعوون اليوم إلى إنقاذ الكيان والميثاق والدولة والنظام والاستقلال. لذلك، إن جوهر الصراع الآن ليس على المشاركة في الحكومة إنما التضامن لمقاومة مشروع إسقاط كل هذه المسلمات الوطنية والدستورية والاجتماعية والإنسانية التي شيدناها عبر الأجيال والعصور. وأي مشاركة لا يجوز أن تكون على حساب الشهداء، على حساب العدالة، على حساب سيادة الدولة على كل أراضيها”.

وتابع: “مشروعنا هو بناء دولة حرة، سيدة، تواكب الحداثة، تؤمن بثقافة الانفتاح والسلام ونشر الديموقراطية. أما المشروع الآخر، فهو فرض نظام اختبر الشعب اللبناني في الماضي الحديث نماذج قمعه واضطهاده وفساده وتبعيته، فانتفض بكل أطيافه وأسقطه. ولأن هذا النظام الذي لفظه الشعب يحاول أن يطل برأسه من جديد، ونظرا للظروف الداخلية والخارجية المصيرية، أعطينا للمعنيين بتأليف الحكومة فرصة العودة عن انقلابهم، والانخراط في مسار الديموقراطية الصحيحة، والتعاون لتشكيل حكومة إنقاذية للبنان، حكومة تتخطى حال الانقسام الوطني المتزايد، حكومة ترسي قواعد شراكة حقيقية، تحدد الخيارات الوطنية، وتحصن الكيان اللبناني بوجه المخاطر المحدقة والعواصف الآتية”.

وختم الجميل: “إذا نجحت المساعي ننجوا معا. أما إذا عاندوا وأخطأوا الحساب، ومضوا في انقلابهم الزاحف، فسيجدون في وجههم معارضة زاحفة، معارضة مفتوحة، معارضة مقاومة. لن نودع الديموقراطية في لبنان فيما هي تدخل الدول العربية الشقيقة. هذا وعد، هذا عقد، هذا عهد ثورة الأرز، للأرز، للشهداء، للشعب، وللبنان”.

الحريري

ثم عرض وثائقي تخللته كلمتان لنجلي عيدو زاهر ومازن، تلاه وثائقي آخر عن الشهيد انطوان غانم تخللته كلمة لابنته رانيا، ثم وثائقي عن الشهيد وسام عيد وكلمة لوالدته سهام التي تمنت ان “يكون ولدها اخر شهيد يسقط للوطن”.

وفي الختام، ألقى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري كلمة بدأها بالقول: “في مكتبي صورتان: صورة لوالدي رفيق الحريري الذي استشهد في 14 شباط 2005، وصورة للحشود في ساحة الحرية يوم 14 آذار 2005. رفيق الحريري استشهد في مثل هذا اليوم قبل 6 سنوات، لأنه قال لا. قال لا لتسليم لبنان وقرار لبنان ومصير لبنان. قال لا لتغيير حقيقة لبنان. قال لا للنظام الأمني، قال لا للتخلي عن دستور الطائف وعن المناصفة التامة. قال لا لتغيير لبنان العربي، الديموقراطي، الحر، السيد، المستقل. قال لا، فقتلوه، في 14 شباط 2005”.

تابع: “اللبنانيون واللبنانيات، قاموا بما لم يكن في الحسبان. نزلوا بمئات الآلاف، مسيحيين ومسملين ليقولوا، بدورهم، لا. لا للظلم، لا للقهر، لا للاغتيال، لا للقمع، لا لتغيير وجه لبنان، كما يريده اللبنانيون واللبنانيات، عربيا، ديموقراطيا، حرا، سيدا، مستقلا، بلدا للحريات العامة والخاصة، لحرية الرأي والتعبير، لحرية العمل السياسي، لحرية العبادة وحرية التجمع وحرية الحياة. قالوا لا للوصاية ولا للنظام الأمني ولا للخوف ولا للجريمة الإرهابية، فانتصروا، في 14 آذار 2005. لهذا السبب، أحتفظ بهاتين الصورتين. صورة والدي الرئيس الشهيد، وصورة حشود ساحة الحرية، وأتأمل فيهما كل يوم، وقبل كل قرار أساسي، وعند كل ساعة حرجة”.

وقال الحريري: “لقد دخلت إلى الحياة السياسية يوم استشهد والدي في 14 شباط، وانطلقت معكم ومع كل اللبنانيين واللبنانيات في الحياة الوطنية يوم 14 آذار 2005. هذه هي جذوري الحقيقية، وعن جذوري لن أتخلى. وعندما جاءوا وقالوا لي: إنزع هاتين الصورتين وتخلى عنهما لكي نسمح لك بالبقاء في رئاسة الحكومة، وتبقى فيها ما أردت، كان جوابي أن هذه هي جذوري، وعن جذوري لن أتخلى. كان جوابي أن رئاسة الحكومة ليست منة من أحد، بل هي تعبير صادق عن إرادة اللبنانيين واللبنانيات، كما أرادوها في صناديق الإقتراع. فزوروا إرادة الناخبين ما شئتم، واسرقوا من قرارهم الحر ما أردتم، لكني، أنا سعد رفيق الحريري، هذه هي جذوري، وعن جذوري، لن أتخلى. وها أنا اليوم أمامكم، ومعكم، أعود إلى الجذور، وما أحلى العودة إلى الجذور”.

اضاف: “منذ 14 شباط 2005، و14 آذار 2005، كل ما نريده هو الحقيقة، لا السلطة. هو العدالة، لا السلطة. هو الحرية، لا السلطة. هو القانون والدستور والعيش الواحد، لا السلطة. هو السيادة، لا السلطة. هو الاستقلال، لا السلطة. اللبنانيون واللبنانيات الذين احتشدوا في ساحة الحرية، ليسوا ملكا لأحد. لا لتيار المستقبل، ولا لحزب الكتائب، ولا للحزب التقدمي الإشتراكي، ولا للقوات اللبنانية ولا للتيار الوطني الحر ولا لأي حزب من الأحزاب. ودماء شهدائنا ليست ملكا لأحد. لا أولياء دم عندنا”.

تابع: “دماء رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم وفرانسوا الحاج ووسام عيد وعشرات العشرات الذين سقطوا معهم ليست ملكا لأحد. ودماء مروان حمادة ومي شدياق والياس المر وسمير شحادة ليست ملكا لهم. إنها أمانة لبنان الوطن ومسؤولية اللبنانيين الذين نزلوا بمئات الآلاف إلى ساحات الحرية بعد 14 شباط 2005، يطالبون بالحقيقة والعدالة”.

وقال الحريري: “هؤلاء اللبنانيون واللبنانيات، ونحن منهم، ما يزالون متمسكين بالحقيقة والعدالة وبالمحكمة الدولية. واسمحوا لي، هذه المحكمة، ليست أميركية ولا فرنسية، ولا إسرائيلية وهي لا تستهدف فريقا أو طائفة. هذه المحكمة تمثل في نظرنا، أعلى درجات العدالة الإنسانية. هذه المحكمة ستنزل القصاص بإذن الله فقط – أكرر: فقط – بالقتلة الإرهابيين الذين استهدفوا قافلة من كبارنا على رأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهذه المحكمة، وفق نظامها الأساسي، ستوجه التهمة إلى أفراد ولن تلقيها جزافا. عليها أن تستند إلى الأدلة والبراهين. وعندها، إذا أراد أحد أن يضع نفسه في خانة المتهمين، فهذا خياره، وهذا طريق يختاره بنفسه. أما نحن، فسندعم المحكمة وقرارها وحكمها، ولن نقول يوما أن التهمة موجهة إلى طائفة، أو حزب أو فئة”.

تابع: “أيها الأصدقاء، أعلم سلفا أن هناك من يريد أن يأخذ كلامي في اتجاه مواجهة مع طائفة كبرى وشقيقة من طوائف لبنان. نحن لم نكن ولن نكون في يوم من الأيام في معرض مواجهة مع الطائفة الشيعية، أو أي طائفة من طوائف لبنان. هذه هي مدرسة رفيق الحريري الوطنية والعربية والإسلامية. مدرسة تعلو فوق الطوائف وفوق الطائفية. الطائفة الشيعية اللبنانية العربية اهي مدماك أساسي في البناء اللبناني، وجميع اللبنانيين شركاؤها، في بناء الدولة، ومواجهة العدو الإسرائيلي. في هوية كل لبناني حقيقي، تجتمع كل الطوائف، وأي اتهام لطائفة، هو اتهام لكل اللبنانيين. فلا تستمعوا إلى من يقول لكم أن هذه المحكمة موجهة ضد الطائفة الشيعية، بل تبصروا بما يراد فعلا من هذا القول، وإلى أين يقودنا جميعا”.

اضاف: “كما تعرفون جميعا، قبل 14 شباط 2005، لم أكن في أي موقع سياسي. كنت واحدا من شباب لبنان، أحاول النجاح في عملي وفي عائلتي وأحاول كسب رضا الله ورضا الوالدين في حياتي. دخلت هذا المعترك فجأة ومن دون سابق إنذار، وفي بعض الأحيان أصبت، وفي أحيان أخرى أخطأت. لكنني أعتقد أنني أصبت منذ اللحظة الأولى عندما ناديت بالوحدة الوطنية، ترجمة لقناعتي الأولى التي أصبحت راسخة بعد 6 سنوات، بأن هذا البلد، لا يحكمه أحد بمفرده، لا شخص بمفرده ولا حزب بمفرده ولا طائفة بمفردها. وإذا افترض أي شخص أو حزب أو طائفة اليوم أنه بات بمقدوره أن يحكم بمفرده، فليتفضل، وليحاول، لكنه يعيش وهما كبيرا”.

تابع: “أما نحن، فمنذ اليوم الأول، مددنا اليد. مددنا اليد في ذروة قوتنا قبل انتخابات 2005، ومددنا اليد في ذروة انتصارنا بعد انتخابات 2009. حتى بعد الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق بيروت وكل لبنان في أيار 2008، مددنا اليد، وقد يكون خطأنا أننا في كل مرة مددناها بصدق. لأننا نعتقد أن هذا البلد الذي لا يحكمه أحد بمفرده، إنما هو تعبير عن شراكة، وهذه الشراكة يسهل بناؤها على الصدق. لكننا في كل مرة قوبلنا بالخديعة، لا بل أخذ صدق نيتنا على أنه نقطة ضعف، وعلامة خوف. وحتى عندما شكلنا حكومة الوحدة الوطنية بعد الانتخابات الأخيرة التي انتصرتم أنتم فيها، واعتقد شريكنا أنه سيكون شريكا من دون مسؤولية، تحملنا ما لا يحمل من تعطيل وإعاقة وتشويه للحقائق. قد يقول بعضكم أننا أخطأنا، لكننا والحمد لله، لم نستخدم يوما السلاح، ولم نتحمل مسؤولية نقطة دم واحدة، ولم ننسحب من حكومة ولم نعطل حوارا ولم نقفل برلمانا، ولم نزور إرادة شعبية”.

اضاف: “مشروعنا كان وما يزال وسيبقى، هو الدولة، هو الدستور، هو المؤسسات. هو الحفاظ على لبنان العروبة والسيادة والاستقلال والنظام الديمقراطي. لبنان الحريات الشخصية والسياسية والإعلامية والدينية والثقافية والاقتصادية. حتى عندما وافقنا في البيان الوزاري على معادلة الشعب والجيش والمقاومة، فلأننا نعتقد أن الدولة هي الحاضن للجميع والجيش مشكل من كل أطياف الشعب وفئاته، والمقاومة هي للدفاع عن الوطن في وجه إسرائيل. مقاومة في خدمة الجيش والشعب، وفي خدمة لبنان، وليس لبنان خاضعا بجيشه وشعبه ودستوره ودولته للسلاح، بحجة المقاومة. نعم، نحن لا نقبل السلاح ولا الخضوع للسلاح عندما يوجه إلى صدور اللبنانيين واللبنانيات، ويصبح وسيلة لابتزازهم في استقرارهم وأمنهم ليختاروا الباطل على الحق، أو عندما يصبح وسيلة ضغط على النواب ليقوموا بعكس ما كلفهم به الناخب ولينكثوا العهود التي قطعوها عندما ترشحوا للانتخابات”.

ورأى الحريري ان “السلاح الموجه إلى صدور اللبنانيين هو سلاح فتنة، والفتنة في لبنان لا تخدم إلا اسرائيل التي نقولها للمرة الألف أن لا عدو لنا غيرها، وأننا في مقدمة من يقاتلها في سبيل الدفاع عن سيادة لبنان، وتحرير أرضنا المحتلة في الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، تماما كما أننا كنا وسنبقى في مقدمة صفوف الداعمين لإخواننا الفلسطينيين ولقضيتهم التي هي قضيتنا المركزية ولحقهم بالعودة إلى دولتهم الفلسطينية العربية المستقلة الحرة، الديموقراطية، وعاصمتها القدس”.

وتابع: “دعوني أكون صريحا في هذه المسألة المحددة. لا يستطيع أحد أن يدفن رأسه في الرمال بزعم أن السلاح قضية غير موجودة، وممنوع على اللبنانيين أن يتحدثوا عنها. الحقيقة غير ذلك تماما، وتجربة السنوات الست الماضية كافية كي تثبت للجميع أن هذه المسألة هي مسألة خلافية من الدرجة الأولى بين اللبنانيين. هي على طاولة الحوار الوطني باعتبارها خلافا مبدئيا، لا يتصل بحق الشعب اللبناني في مواجهة العدوان الإسرائيلي كما حدث في تموز 2006، إنما يتصل بالاستخدام المتمادي لهذا السلاح في بت الخلافات السياسية وفي وضعه على طاولة الشراكة الوطنية أمام كل صغيرة وكبيرة. إنني أنوه، في هذا المجال، بتبني قوى 14 آذار لبيان الثوابت الوطنية الصادر عن إجتماع دار الإفتاء، خصوصا في ذكره الأطماع والتجاوزات والغلبة بالسلاح لإخضاع الآخرين. هذه المسألة ستبقى في سلم أولويات استقرارنا الوطني ولن نسلم أبدا لبقاء السلاح مسلطا على الحياة الوطنية في لبنان. وهذا أول الكلام ولن يكون آخره، معكم، ومع كل اللبنانيين”.

أضاف الحريري: “قيل الكثير عن علاقتي بسوريا، وعن زياراتي إلى سوريا. نعم، أنا ذهبت إلى سوريا بصفتي رئيسا لمجلس الوزراء وبصفتي إبن الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وكل ما أردته هو مصلحة لبنان العليا في العلاقات مع دولة عربية شقيقة هي الجار الأقرب لنا. مصلحة لبنان العليا التي تتوافق مع مصلحة سوريا في الاقتصاد والتجارة والأمن والاستقرار وحفظ سيادة كل من البلدين واستقلال كل من البلدين. لم أذهب إلى سوريا لطلب شخصي لنفسي ولا لأستعين بها على أبناء بلدي وعلى البقاء في السلطة. ذهبت في كل مرة مرفوع الرأس بحثا عن مصلحة لبنان أولا، التي تبدأ بحسن العلاقة مع الشقيق الأقرب، ومع كل العرب وكل العالم. لقد قصدت كل العالم من واشنطن إلى طهران من أجل مصلحة لبنان فكم بالأحرى أن أزور سوريا مرة ومرتين وخمس مرات من أجل مصلحة بلدي.

ولقد كانت سوريا، في تلك الفترة، جزءا من ما عرف بالسين سين، أي المبادرة التي قام بها مشكورا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لحفظ استقرار لبنان. ومنذ البداية وحتى اليوم ألزمت نفسي الصمت بشأن السين سين، لأن من يريدها أن تنجح، لا يسرب ولا يتكلم، بل يعمل. لكني اليوم، سأتكلم.

هذه المبادرة كانت قائمة على فكرة واحدة وأساسية: أننا وبكل صدق مستعدون للمشاركة في مؤتمر مصالحة وطنية لبنانية، يتصالح فيه كل اللبنانيين ويتسامح فيه كل اللبنانيين. مؤتمر يعقد في الرياض برعاية ملك المملكة العربية السعودية وبحضور رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الجمهورية العربية السورية وعدد من رؤساء العرب وقادتهم وبحضور الجامعة العربية، يؤدي إلى مصالحة شاملة، ومسامحة شاملة لكل الماضي، مصالحة الجميع من دون استثناء وتسامح الجميع من دون استثناء عن كل الماضي، من دون استثناء تصبح بعدها تداعيات القرار الإتهامي مسؤولية وطنية وعربية جامعة. نعم، هذا هو أساس السين سين، الذي كان في تفاصيله وفي جدوله الزمني إعلاء مصلحة الدولة وسيادتها على أراضيها وإزالة كل البؤر الأمنية المسلحة على الأراضي اللبنانية كافة.

نعم، هذا هو الاتفاق الذي فاوضنا عليه. أخطأنا؟ نعم، أخطأنا. فاوضنا بكل صدق وأمانة من أجل مصلحة لبنان، فإذا بنا، مرة جديدة نقابل بطلب الإستسلام، لا المصالحة من قبل من لا يريدون حوارا لأنهم يرون أنفسهم أكبر من لبنان، فكان جوابنا لهم أننا بكل بساطة، نحن من مدرسة “ما حدا أكبر من بلدو”.

لقد أنهوا السين سين تحديدا لأنهم لا يريدون هذه المصالحة الشاملة، وأنا أقول أمامكم: لا عودة إلى السين السين. وللذين لديهم إلتباس أو يحبون أن يكون لديهم إلتباس بأنني وقعت على إنهاء علاقة لبنان بالمحكمة أقول: أنا أملك قلمين قلم سمير قصير وقلم جبران تويني وأمامي عقدان عقد بيار أمين الجميل وعقد وليد عيدو، فبأي من القلمين أوقع وأيا من العقدين أمزق؟

هم اعتقدوا أننا سنتنازل عن كل شيء من أجل السلطة، ونحن نرى أن السلطة هي آخر ما يستحق أن نتنازل عن شيء من أجله. لا بل أننا مؤمنون إيمانا راسخا بتداول السلطة، وبالنظام الديمقراطي، وبالدستور. لهذا السبب قررنا الذهاب إلى الاستشارات رغم معرفتنا بالنتائج سلفا، ورغم تهديد اللبنانيين باستقرارهم ورغم تزوير إرادة الناخبين عبر دفع نواب من موقف إلى عكسه، بعدما وقفوا أمام ناخبيهم مرتين خلال 4 سنوات، في المهرجانات الانتخابية، متعهدين في كل مرة بالدفاع عن المحكمة الدولية وبرفض أي وصاية غير وصاية الشعب وحصلوا على أصواتهم على هذا الأساس. نحن لا نتمسك بالسلطة، ولا نتمسك بشيء سوى بنظامنا الديمقراطي وبدستورنا، فمبروك عليهم الأكثرية المخطوفة بترهيب السلاح ومبروك عليهم السلطة المسروقة من إرادة الناخبين”.

وتابع: “هنا، لا بد من كلمة حول الوسطية. الوسطية كما نفهمها نحن، هي الاعتدال في مواجهة التطرف، وسطية رفيق الحريري الذي علمنا أن المسيحي المعتدل أقرب إليه من المسلم المتطرف. الوسطية هي البحث عن تسويات بين حقيقتين من أجل مصلحة الوطن العليا، الوسطية هي في نظرنا قرار لا غياب القرار أو تسليمه. لكن، لا وسطية بين الجريمة والعدالة. ولا وسطية بين السيادة والوصاية. ولا وسطية بين عروبة لبنان وزجه في محور إقليمي لا علاقة له لا بالعروبة ولا بلبنان. والأهم الأهم، لا وسطية بين الصدق والخديعة، وبين العهد المقطوع والخيانة. وقبل أن أكمل الكلام، ولكي لا يعتقد أحد أن كلامي هو ردة فعل لخروجي من رئاسة الحكومة، فإنني أتوجه إلى من يعتقدون أنهم تمكنوا مني، بالغدر والكذب والخيانة وانعدام الوفاء، أتوجه من هؤلاء بالشكر العميق، لأنهم حرروني، وسمحوا لي أن أعود إليكم ومعكم أن أعود إلى جذوري، وأقول اليوم علنا ما أقوله ضمنا في كل يوم: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله. أنا قلت الحمد لله في 14 شباط 2005، فما أسهل أن أقولها ألف مرة اليوم في 14 شباط 2011”!

ختم الحريري: “نحن اليوم في المعارضة التي تستند إلى المبادئ الثلاثة التالية: أولا: إلتزام الدستور، ثانيا: الإلتزام بالمحكمة الخاصة بلبنان وثالثا: إلتزام حماية الحياة العامة والخاصة في لبنان، من غلبة السلاح. نحن عائدون إلى طريق الثوابت المبدئية السلمية الوطنية الأساسية التي رسمها الشعب اللبناني من كل الطوائف والمناطق والفئات في 14 آذار 2005، والتي لم يخرج عنها لحظة واحدة، حتى عندما شعر أن حسن نوايانا يدفعنا إلى مواقف وتسويات لمصلحة لبنان ولكنها خارج هذا الطريق. هذا هو الطريق نفسه الذي سار فيه الشعب المصري، شباب مصر وشاباتها ليستعيد الأمل ويستعيد كلمته وإرادته وقراره، فكان قراره الحرية والديمقراطية، فانتصر وانتصرت مصر عربية عربية عربية. نعم، نحن من بدأنا هذا الطريق، طريق الحرية. إلى هذا الطريق، طريق 14 آذار 2005 سنعود جميعا. سنسير فيه، معكم أنتم الذين أبقيتم رؤوسنا عالية، أنتم الذين ستبقى أصواتكم مسموعة، وأعلامكم اللبنانية مرفوعة، حتى ساحة الحرية، التي ستجمعنا جميعا مرة ثانية بإذن الله، في 14 آذار 2011، لنقول لا مرة جديدة. نحنا نازلين ب14 آذار لنقول لا، لا لتزوير إرادة الناخبين، لا لخيانة روح العيش المشترك، لا لتسليم القرار الوطني، لا للوصاية الداخلية المسلحة، لا لنقل لبنان على محور ما بدن ياه اللبنانيين، لا لتغيير نظام حياتنا، لا، حلمنا ما بيموت، لا للفساد، لا للسرقة، لا للخوف، لا للخوف، ولا وألف لا ومليون لا للقهر والظلم والجريمة. عشتم، عاش شهداء ثورة الأرز، وعاش لبنان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى