إجتماعيات

ورشة تفكير ونقاش:” التنوّع والتعدّديّة: إثراء للمواطنة أم مصدر للأزمات؟” إعداد: د. مصطفى الحلوة

في إطار توسعة التعاون مع جمعيات بحثية، ذات رصانة علمية ولها حضورها على المستوى العربي، نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنيّة” ورشة تفكير ونقاش مع ” الجمعية العربية لعلم الاجتماع”، بعنوان:” التنوّع والتعدّديّة إثراء للمواطنة أم مصدر للأزمات؟”، وذلك في القاعة 1188 للمحاضرات-جبيل، على مدى يَومَي 6 و7 تموز 2022.

  • في الجلسة الافتتاحية، التي مهّد لها وأدارها د.مصطفى الحلوة، كانت كلمة لرئيس “مركز تموز” د.أدونيس العكره، ركّز فيها على أهمية الموضوع المطروح للبحث، إذْ يُشكّل أحد أبرز إهتمامات “المركز”، الذي مافتىء يدعو إلى قيام دولة المواطن، دولة الحقوق والمؤسسات. واضاف د.العكره أنّ ما ينبغي التوقّف عنده، في هذه الورشة وسائر وُرش عملنا، هو غلبة الحضور الطالبي الجامعي الآتي من مختلف المناطق اللبنانية، مما يؤول إلى تعرّفهم على بعضهم البعض ومشاركتهم في قضايا هي من صميم واقعهم المعيش. كما كانت كلمة لأمين عام “الجمعية العربية لعلم الاجتماع” د.محمد نعيم فرحات-الآتي من فلسطين- نوّه فيها بأهميّة التعاون مع”مركز تموز”، الذي يُشكّل إحدى المنارات الفكرية، في لبنان وعربيًّا.وقد استعرض د. فرحات الأهداف التي تسعى “الجمعية”إلى تحقيقها، منذ العام 1985، تاريخ تأسيسها على يد المفكر السوسيولوجي التونسي د.الطاهر لبيب، مع مجموعة من علماء الاجتماع العرب والعلوم الإنسانية. وقد عبّر عن شكره لمؤسسة Hanns Seidel الألمانية، لدعمها هذه الورشة، من منطلق التوجّهات والأهداف المشتركة بينها وبين الهيئتين الداعيتين إليها.وأعقب ذلك كلمة لمنسقة أعمال الورشة، والمسؤولة عن المشاريع في “الجمعية” د.دوللي الصرّاف، توقّفت فيها عند الأسباب الموجبة لعقد الورشة، مع الإضاءة على عناوين الجلسات وأوراق العمل التي سيتمُّ تطارحها، مما وفّر إحاطةً عامة بموضوع هذه الورشة.
  • أعقبت الجلسةَ الافتتاحية ستُّ جلسات عمل، تضمّنت عشر مداخلات، قدّمها تباعًا: د.الطاهر لبيب، د.عاطف عطيّة، د.مها كيّال، د.جيلالي المستاري، د.سعيد المصري، العميد د.كميل حبيب، د غالب بن شيخ، د.علي الموسوي، العميد د يوسف كفروني، د.الياس الحلبي. وقد أدار هذه الجلسات : د.محمد نعيم فرحات، العميدة د.مارلين حيدر، د.دوللي الصرّاف، د.خليل خيرالله، د.كلود مرجي، د.هويدا الترك.
    ولقد قاربت الجلسات العناوين الآتية: بداهة التنوّع والاعتبارات التي تجعل منه إثراء للمواطنة أم أزمة/ أزمة العلاقة بين الهويّات الفرعية والهويّة العامة: ضائقة تقوقع الهويّات/ تأثير الرواسب الثقافية على التنوّع وتحقيق الاندماج الاجتماعي الإيجابي/ نماذج تحليلية من بيئات مختلفة في كيفية التعامل مع التنوّع/ التنوّع وعلاقته بالتنمية: استثمار قوة موضوعية أم تبديدها؟/ شروط تحقيق المواطنة في مجتمع متعدّد.
    شارك في الورشة، حضورًا، عددٌ وافٍ من طلبة الجامعة اللبنانية، أتوا من الجنوب وجبل لبنان(الشوف)، ومن بعلبك-الهرمل، ومن طرابلس وعكار، في عِدادهم من يُتابعون دراساتهم العليا. وقد كان تفاعلٌ حيويٌّ فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين المحاضرين من جهة أُخرى. وفي نهاية أعمال الورشة، تمّ توزيع شهادات حضور ومشاركة على الطلبة. وعن البيان الختامي، فقد تضمّن المحاور الآتية:
    أوّلًا: في تحديد المفاهيم والدلالات
    كون المفاهيم تُشاكلُ زمنَها، أي ذات سِمة صيرورية، ووضعًا لمفاهيم التنوّع والتعدّديّة، وما يتفرّع منها، في نصابها الصحيح، فإنّنا نورد الآتي:
  • من خلال مواكبة الأدبيات المعاصرة، التي تتناول مفهوم التعدّد، نرى تباينًا واضحًا في الاتجاهات النظرية للمفهوم، ومن ثمَّ تعدّدًا في التعريف. علمًا أنّ التعدّد الاجتماعي ظاهرة ، لازمت المجتمع البشري، منذ أن عرفت البشرية ظواهر التبادل السلعي والمُلكية الخاصة والدولة.
    *التعدّد إقرارٌ، بل تسليمٌ بوجود عالم متنوّع ومختلف. وقد غدا إحدى ثوابت آليات الحياة المعاصرة.
  • تُعبّر الاختلافات والتنوّعات عن ذواتهما في الهويّات الثقافية والمعتقدات الدينية، والتجمّعات الاتنية، والأنظمة السياسية، والبرامج الاقتصادية، بما يجعل التعدّد حقيقة واقعية: حاضرًا، ومستقبلًا، كما كانت ماضيًا.
  • يذهب John Rex إلى أنّ نموذج المجتمع التعدّدي، يمكن التعرّف عليه، وفق التمييز بين المجال الخاص والمجال العلم
  • لغويًّا، التعدّد يعني عدم الواحديّة أو التفرّد. أمّا اصطلاحًا، فيذهب معجم المصطلحات الاجتماعية إلى أنّ التعدّد يعني:” تعدّد أشكال الروح الاجتماعية، في نطاق كل جماعة، وتعدّد الجماعات داخل المجتمع، وتعدّد الجماعات نفسها”
  • الموسوعة البريطانية ترى إلى التعدّد أنّه” الاستقلالية التي تحظى بها جماعات معيّنة، في إطار المجتمع، مثل الكنيسة والنقابات المهنية والاتحادات العمالية والأقليات العرقية”
  • قاموس المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يذهب إلى أنّ التعدّد هو” تنظيم حياة المجتمع، وفق قواعد عامة مشتركة، تحترم وجود التنوّع والاختلاف في اتجاهات السُكّان، وفي المجتمعات ذات الأُطُر الواسعة، وخاصة المجتمعات الحديثة، حيث تختلط الاتجاهات الأيديولوجية والفلسفية والدينية”
  • يرى بعض الباحثين في التعدّد، كمفهوم، أنّه يُرادف التنوّع والاختلاف. أمّا، كمصطلح، فيذهب بعضٌ آخر، إلى أنّه يمثّل النظام السياسي، الذي له خلفية فلسفية، ترتبط بإدراك دور الدولة وطبيعة المواطنة، بل وطبيعة الإنسان.
  • التمييز بين المفهوم والمصطلح، بما يعود للتعدّد، هو تمييز من شأنه أن ينفح الحياة العامة بدينامية، بحيث يُفصل ما بين التنوّع، كأصل طبيعي وفكري في الحياة لا بُدّ منه، وبين النظام أو الآليّة، التي يجب أن تُدير هذا التنوّع.
  • المجتمع التعدّدي يتكوّن من جماعات ثقافية مُغلقة، تشتمل كل واحدة منها على هُويّة خاصة، وحيث لا تلتقي تلك الجماعات إلّا في السوق ولأغراض إقتصادية وغير شخصية.
  • وجود الاختلافات الثقافية، بنظر البعض، ليس كافيًا للقول بوجود التعدّديّة. بل يجب أن تشتمل الخلافات بين الجماعات على اختلافات في المؤسسات التعليمية، والدينية، والاقتصادية والسياسية. وأكثر من ذلك ، ينبغي أن تؤدّي الاختلافات إلى حدوث تعارض بين الجماعات، وبين بعضها البعض، على نحو يمنع وحدة المحتمع، إلّا من خلال القسر والإكراه
  • يمكن التمييز بين نموذجين من المجتمعات التعدّديّة: نموذج الصراع ونموذج التوازن. نموذج الصراع عبارة عن هيكل هشّ من الجماعات غير المستقرّة، يضمّ مزيجًا من الجماعات التي تعيش داخل جماعة سياسية واحدة، تتمسّك كلّ منها بثقافتها ولغتها ودينها وأفكارها. ويقوم التنافس المحض، في هذا النموذج، من دون ضوابط، وليس من إيمان بالمشاركة أو بالمساواة. ويكون ضبط للصراع، بواسطة الجماعة المهيمنة. أمّا نموذج التوازن، فهو هيكل قويّ من الجماعات المستقرّة والمستقلّة والوسيطة بين الفرد والدولة، مع وجود تجانس ثقافي، على صعيد القيم والمعتقدات السياسية.
  • مصطلح الأقليّات ورد في” إعلان حقوق الأقلّيات”، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة(القرار 135/47،تاريخ 18/12/1992).كما ورد هذا المصطلح في” إعلان حقوق الشعوب الأصلية” الصادر عن الجهة نفسها( 13/9/2007)
  • يتحصّل من هذين الاعلانين الأمميين: دعوة الدول إلى حماية الأقليّات، حال وُجدت لديها، وإلى تمكينها من حقّ التمتّع بثقافتها، وممارسة دينها الخاص، واستخدام لغتها الخاصة بحريّة. إضافة إلى توفير مشاركة الأقليات في الحياة الثقافية والمدنيّة والاجتماعية والاقتصادية، وإلى إنشاء الرابطات الخاصّة بها، والحفاظ على استمرارها.
    ثانيًا- في تشخيص المسألة وفي الرؤى
  • قضية التنوّع والتعدّديّة هي من القضايا الضاربة عمقًا في مسار المجتمعات الانسانية، ومن الديناميات الفاعلة ،إيجابًا وسلبًا، في بنية هذه المجتمعات. بل هي حالة متأصّلة، تخترق كل الأمكنة والأزمنة.
  • التنوّع والاختلاف، في الجنس والثقافة والعرق واللون والمعتقد والمكانة والمقدّرات والقُدُرات، هما من خصائص الحياة الانسانية، إذْ لا مجتمع إنسانيًّا يخلو من تنوّع، في مكوّناته، وتعدّديّة واختلافات. علمًا أنّ التنوّع مُعطى، له وجود في الحياة النباتية والحيوانية. كما لحظته الأديان، التي دعت إلى التعارف بين البشر، الذي يؤشّر على الاعتراف بالآخر المختلف. وإلى ذلك، فإنّ التنوّع معطى فلسفي ايضًا، فالفرد متنوّع، بمعنى أنّه متعدّد الابعاد.
  • استكمالًا لما سبق، ففي القرآن الكريم، نقرأ:” يا أيّها الناس، إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”(الحُجُرات/13). وفي المسيحية، ثمة الاعتراف، وهو بمنزلة اعتراف بالآخر، إذْ يكون المعترف أمام آخر، يُفضي إليه بما لديه.
  • ليست العبرة في التنوّع والتعدّد، بل في النظرة إليهما، وفي القدرة على إدارتهما، بوعي وطنيّ الأُفق، لا سيّما أن لا إمكانيّة لإلغائهما، إذْ هما من شأن البشرية ومن علاماتها الفارقة.
  • في التجربة الانسانية، يُشكّل التنوّع والاختلاف مصدرًا لامكانيتين: إمّا أن يكونا عنصر قوة وتعاون وثراء وتكامل للمجتمع، وإمّا أن يُشكّلا مصدرًا لإنتاج التوتّرات، وتخليق الأزمات، وعدم التوافق الاجتماعي والمجتمعي.
  • المجتمعات المعاصرة والمتوتّرة والمأزومة أساءت فهم التعدّد والاختلاف، فاحالتهما من عنصر إثراء للمجتمع إلى عامل للتوتّرات والخلافات المفضية أحيانًا إلى إحترابات دمويّة.
  • المجموعات التعصبيّة، المتفلّتة من عقالها،عبر الهويّات الفرعيّة والانتماءات الجهويّة الضيّقة، تتحوّل، حال تجذُّرها، إلى هويّات قاتلة، تحمل في أحشاىها بذور حرب أهلية، تجنح إلى فرض شروطها على الجماعة الوطنية
  • بات من المسلّم به اليوم أنّ التمتّع بحقوق المواطنة، في أي دولة، وبمعزل عن درجة التجانس في البنية المجتمعية، أصبح أمرًا مستحيلًا، ما لم يتمّ تمكين فئات المجتمع قاطبةً، في التعبير عن نفسها وعن مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية.
  • إنّ قيام الدولة في الغرب إرتبط بظاهرتين أساسيّتين: فصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية ( أي إقامة نظام علماني)، وبروز تيارات فكرية وسياسية، طالبت بحق كل شعب في إقامة دولته المستقلّة.
  • لا تزال الممارسات العنصرية قائمة، وكذلك التمييز بين الشعوب، من قِبل الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان. وهذا ما يشير الى ازدواجية القيم والنظرة والمعايير، التي تنهل من أطروحة “المركزية الأوروبية” الاستعلائية.
  • حقوق المواطنة ليست حقوقًا فردية فقط، تتطلّب ضمان مساواة جميع المواطنين أمام القانون، من دون تمييز. بل تنطوي أيضًا على حقوق جَمعيّة، تحُول دون احتكار النخبة الحاكمة للثروة والسلطة، حتى لو كانت ممثّلةً لأغلبية المواطنين.
  • لمعضلة التنوّع والتعدّد جذورها العميقة في المنطقة العربية(الإسلامية). فقد كانت إنطلاقتها، غداة الفتوحات الاسلامية، حيث انضوت إلى الدين الجديد أُمم وشعوبٌ، تنتمي إلى أعراق وقوميّات وثقافات متعدّدة. وقد كان للاسلام، في عزّ قوته، أن يستوعبها ويؤطّرها تحت راية هذا الدين، ويكبح عصبياتها الخاصة. ولكن الوضع انقلب إلى ضدّه عندما ضعُف الاسلام وتقهقرت الخلافة، على الصعيد السياسي.
  • إن المعاناة، التي يعيشها العالم العربي راهنًا، في ظلّ حال من التشظّي خطيرة، وصراع هويّاتي مُستعر، تعود، بقدر كبير، إلى عجز العرب عن بناء دولة المواطنة.
  • إذْ حصلت الدول العربية، المُنتدَبة أو المُستعمَرة، على استقلالها، فقد قامت لديها دولٌ مُصطنعة، مُفرّغة من مضامينها. بل هي بالأحرى هياكل دول. وهذا عائدٌ إلى أنّ العرب لم يعيشوا التجربة، التي عاشتها الدول الغربية. فهذه الاخيرة، لم تتوصّل إلى إقامة الدولة الوطنية إلّا بعد مخاض عسير، استمر لبضع مئات من السنين، وإثر حروب دامية بين المكونّات الدينية المتعارضة.
  • إنّ إخفاق مشروع الدولة الحديثة، في المجتمعات العربية، يُعزى إلى أنّ تشكُّل هذه الدولة شهد، منذ بداياته، انحباسًا معرفيًّا في حدود “النموذج المثالي”، المستمدّ من المدوّنة التاريخية الفقهيّة. كما يُعزى لاحتكار الدول العربية الوليدة إلى منطق سلطوي إستبدادي. وكان جرّاء ذلك أن هُمّشت الدولة، في التنظير الاسلامي لمصلحة الأمة. ومن تجلّيات هذا التنظير، عدم الاهتمام بأطروحة المواطنة والمؤسسات وفصل السلطات وتداول السلطة والحريّات
  • كان للاستعمار الغربي دورٌ في تعطيل المسار الديمقراطي الطبيعي للمنطقة العربية، إذْ خلّف في الدول، التي حصلت على استقلالها، تعقيدات، تصعبُ فكفكتها، مما حال دون قيام الدولة المدنية الحديثة، بكل مرتكزاتها ومحمولاتها. كما كانت معوّقات أجهضت مختلف مشروعات التنمية.
  • مفهوم المواطنة، لدى العرب، ليس مُثقلًا بنفس القيم، لدى المجتمعات الغربية( الدمقراطيات الغربية)، التي جازت مراحل من الصراع مُرّة، ودفعت ضريبة كبيرة للعبور إلى دولة المواطنة.
  • في هذا المجال، لا يمكن أن نضرب صفحًا عن العامل الاسرائيلي، إذْ تُشكّل إسرائيل، بحكم كونها دولةً عنصريّة، بؤرة لتوتّرات دائمة، ونشر سمومها العنصرية، في أرجاء العالمين، العربي والاسلامي، مُستجرّة ردود أفعال مماثلة، من لدن التنظيمات الإسلامية المتطرّفة.
  • إن فشل المشروع العربي الحداثي، بصِيَغه المختلفة، ساهم في صعود “المشروع” الديني، سواء بطبعته التقليدية( الإخوانية) أم بطبعته المتطرّفة. علمًا أنّ ما يجمع الطبعتين هو إقصاء الآخر، وعدم الاعتراف بالتنوّع والتعدّديّة، ومحاولة إملاء الإرادة. وقد حاولت الجماعات الدينية توظيف الدين، بطريقة أيديولوجية مغلقة، لا تتقبّل الآخر المغاير.
  • السلفيّون والعديد من الحركات الاسلامية، لاسيما الجهاديّة، لا يعترفون بمفهوم المواطنة. فهم، حسبما يذهبون، هم مسلمون ومسلمون فقط، بعيدون عن التصنيفات “الطارئة”، كالمواطنة والقوميّة والعرق،الخ.. وهم يستدعون التاريخ ويقرأونه، بصورة ايديولوجية، وصولًا إلى صياغة الحاضر والمستقبل، عبر نهج انتقائي، يتّسم بنزعة إقصائيّة هروبيّة، تُجانب مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة.
  • أظهرت ثقافة الحداثة ضعفًا ظاهرًا، لدى العرب، بعدم تغلغلها في المفاصل الاجتماعية المختلفة، إذْ بقيت محصورة عند بعض النُخب، في حين أنّ جذور الثقافة التقليدية والموروث الديني كانت تحفر عميقًا في باطن المجتمع.
    *إنّ مطلب الديمقراطية لم يكن مطلبًا اجتماعيًا، لدى العرب والمسلمين، حتى أنّ الثورات والانتفاضات، التي شهدها العصر العباسي، كثورة الزنج مثلًا، لم تستطع أن تُحوّل المطلب الدمقراطي إلى مطلب للطبقات الاجتماعية، كي تسير به قُدُمًا.
  • إذْ جنح النظام العربي إلى التأبُّد في السلطة، عبر واجهات متعدّدة، أبرزها التوريث، فقد كان توظيفٌ من قِبل الدولة وأجهزتها للمكوّنات الدينيّة والمذهبيّة والأتنيّة، مع إخضاعها للعبة توازن القوى، داخل السلطة، وبما يخدم مصالح هذه السلطة. وكان جرّاء ذلك تحويل الأقليّات إلى كيانات هويّاتيّة مغلقة.
  • في عصر الانحطاط والاستعمار، لم يبحث العربي عن الآخر، ولكن طفق يبحث عن ذاته، وهو يتحدّث عن الآخر. فالعربي يذهب إلى الآخَر ليعرف ما عنده، لا لتعرّف حقيقته. من هنا فإنّ موقفه أشبه ما يكون بموقف تاريخي ماضوي. علمًا أنّ الآخر، عند العرب والمسلمين، هو الغرب. وقد كانت معرفة الغرب مشوبة بمفارقة، يمكن أن نُطلق عليها: عداء الاعجاب !
  • أواخر القرن التاسع عشر ومطالع العشرين، واجهت النهضة العربية تحدّيات الحداثة والتخلّف، وكان السؤال المحوري:” لماذا تقدّم الغرب وتخلّف العرب/ المسلمون؟!”، في حين أنّ العالم العربي يُواجه اليوم تحدّيات الهويّة، بل يعيش الزمن الهويّاتي، في مشهديّاته المقلقة: طائفيًّا، ومذهبيًّا، وعرقيًّا، وقوميًّا، وإتنيًّا.

ثالثًا: تجربتان عربيتان( وتجربة فرنسية) حول كيفيّة التعامل مع التنوّع.

  • تحت هذا العنوان، سنقارب تجربتين من داخل العالم العربي( لبنان والجزائر)، إضافة إلى تجربة من خارجه(تجربة فرنسا مع الجاليات العربية والإسلامية) حول قضية التنوّع. وعلى رغم أنّ لكل من هذه التجارب الثلاث خصوصياتها، فهي تتقاطع، في كثير من النقاط، كما سيتبدّى من خلال استعراضها.
    أ – في التجربة اللبنانية:
  • لعلّ لبنان من أكثر بلاد الشرق تعدّدًا، على المستوى الديني، إذْ ثمّة 18 طائفة دينيّة معترف بها، لها تمثيلها في البرلمان والوظائف العامة. والطيف الطوائفي اللبناني، يضمّ أقليّات كبرى وأقليّات صغرى. وهناك طائفة اللاطائفيين، غير معترف بها، ولم تحظ سوى بامتياز صُوري، يتمثّل بشطب الدين عن سجل الأحوال الشخصية، مع بقاء مفاعيل الانتماء إلى الطائفة.
  • حالة لبنان، مع التنوّع والتعدّد، ذات ثراء، فيما لو نُظر إلى التنوع، من منظور بنّاء. فهذا البلد يُشكّل مخبرًا سوسيولوجيًّا استثنائيًّا، لا سيما أنّ له تاريخًا عريقًا مع الابداع( الفنون، الموسيقى، الآداب، المستشفى، الجامعة، الحرية..). وهذا ما يجعله بلدًا “حُرّقراطيًّا”( حكم الحريّة)، كما يدعوه عالم الاجتماع الطاهر لبيب.
  • يعتمد لبنان نظامًا سياسيًّا، يرتكز إلى ما يُطلق عليه” الدمقراطية التوافقية”، وهي صيغة معتمدة في العديد من بلاد العالم التعدّديّة. بيد أنّ التوافقية اللبنانية استحالت توافقية طوائفيّة تحاصصيّة، مترعة بالفساد والإفساد.
    ويُرى إلى البلد على أنّه غنيمة، للممسكين بمقاليد الأمور. وهذا ما أوصل البلاد إلى الواقع الراهن الكارثي، بحيث بتنا أمام “دولة فاشلة”، وفق التوصيف القانوني. ولقيام الدولة الحقّة مع لبنان مسلسل من الإخفاقات، حتى بتنا سابقًا أمام الدولة المؤجّلة، وراهنًا أمام الدولة الآيلة إلى التفتّت.
  • النظام الطوائفي المتخلّف في لبنان غير قابل للإصلاح. علمًا أنّ المشكلة ليست في الطوائف، ولكن في النظام ، الذي يتوسّل أربابُها الطوائفَ والمذاهب، ويسخّرونها وأتباعها، في خدمة أجنداتهم النفعية الخاصة، القائمة على التحاصص، كما أسلفنا.
  • لبنان بلد متعدّد، حتى العظم، في الواقع الاجتماعي المعيش وفي الممارسة. فيه فروع لا تُشكّل عامًّا، إذٔ ثمة 18 مكوّنًا طائفيًّا/ مذهبيًّا، كلٌّ منها واحد، ولئن جمعها “پازل”، ففي صيغة-فوضى.
  • من مساوىء الطائفية التوافقية- الوجه الحقيقي لدينا للدمقراطية التوافقية- التي يقوم عليها النظام السياسي، والتي تكرّست عبر “وثيقة الوفاق الوطني اللبناني”(1989): غياب شعور وطني جامع، ينهَدُ إلى التغيير/تغييب مسألتَي الهويّة والانتماء/ الدولة ليست أولويّة في حياة الفرد، بل الطائفة ووكيلها أو القيّم عليها، أسياسيًّا كان أو مرجعيّة دينية..
  • هذا الواقع البائس أفضى إلى جعل الطوائف/المذاهب دويلات داخل الدولة، تعمل جاهدةً على تقليص مساحة الدولة. وقد كان تعزيز لعُرى التحالف بين الكوتا الطائفية وبين الفساد..ناهيك عن ضياع الهويّة الوطنية الجامعة وترسيخ القبلية الطائفية.
  • إن الذاكرة الجمعيّة لكل طائفة في لبنان ما زالت تتسبّب في عودة الجماعات الاجتماعية، بعد كل تحوّل تتعرّض له، إلى جُزُرها المغلقة، كي تحمي طاقتها وتتكيّف مع قُدراتها، الأمر الذي يُفسّر بعمق الفكر الطوائفي في التكوين اللبناني.
    ب- في التجربة الجزائرية/ قضية غرداية أنموذجًا
    *غرداية بلدة، تقع على بعد 600 كلم، جنوب غرب الجزاىر، وهي المدخل إلى الصحراء الجزائرية الكبرى. غدت في السنوات الأخيرة بؤرة لمواجهات دمويّة بين جماعتين عرقيّتين ومذهبيّتين: مجموعة من السُكّان المنتمين إلى قبيلة الشعانبة(من العرب، وعلى المذهب المالكي)، ومجموعة منتمية إلى بني ميزاب( من الأمازيغ، وعلى المذهب الإباضي). وقد أسفرت إحدى محطات الصراع، منذ سبع سنوات، عن 25 قتيلًا ومئات الجرحى، وتهديم بيوت، ومهجّرين إلى مناطق أُخرى. علمًا أنّ هاتين المجموعتين تعيشان، منذ مئات السنين، بوئام وسلام.
  • ثمة تفسيرات متباينة لهذه الأحداث الدمويّة. فالبعض يعزوها إلى صراع ديني(مالكي/إباضي)، مشفوعٍ بصراع عرقي(عربي/أمازيغي).في حين يرى آخرون أن للصراع أسبابًا إجتماعية واقتصادية. فالأمازيغ يأخذون على النظام الجزائري محاباته للعرب، وذلك بإسناد الوظائف العامة العليا إليهم، وخصِّهم بالصفقات، ناهيك عن عدم العدالة، في توزيع الأراضي. علمًا أن جماعة الأمازيغ في غرداية يمارسون التجارة، ويعيشون في بحبوحة، مما يُثير حفيظة العرب، إذْ يحمّلون تلك الجماعة مسؤولية فقرهم. وهناك رأي يرى أن ثمّة مؤامرة خارجية، بأدوات محلية، تستهدف النظام، وأن هناك ربيعًا أمازيغيًّا، على غرار، ما سُمّي الربيع العربي.
  • بمعزل عن هذه التفسيرات جميعها، يُسجّل فشلٌ للنظام الجزائري في تسيير إدارة التنوّع بين المكوّنين العرقيين. علمًا، وبحسب المفكر الجزائري جيلالي المستاري، فإنّ هاتين المجموعتين لا تعرفان بعضهما بعضًا، من الناحية الثقافية، ولا الدينية، ولا الثقافية، مما يسِمُ ثنائية الخطاب الجزائري بخطاب” جهل المتجاورين”.
  • إنّ حلّ هذه المعضلة في غرداية، وسواها من مناطق الجزائر، مدخله فهم مشكلات الشباب، من مختلف المجموعات، لا سيما التهميش والبطالة، وذلك في إطار استراتيجية عامة، تكفل تحقيق السلم الاجتماعي، بما يُعيد التلاحم بين مكوّنات الاجتماع الجزائري.
  • الحلّ لن يكون أمنيًّا، فقد سبق أن تمّ توقيع “ميثاق الشرف والسلم”، بين أهالي غرداية، فلم يُجدِ نفعًا، إذٔ تتجدّد الأحداث الأمنية، بين الفينة والأخرى.
    ج- التجربة الفرنسية مع الجاليات العربية والإسلامية
  • في فرنسا، وفق المفكّر الجزائري/الفرنسي غالب بن شيخ(رئيس مؤسسة إسلام فرنسا/ورئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام)، تَرِدُ كلمة”إسلام”، في الوسائط الإعلامية، بشكل سلبي. ويُضيف بأن الحقبة الاستعمارية الفرنسية لم تُصَفَّ بعد. فبعض الأوساط الفرنسية لا زالت تتكلّم على الحرب، وليس على عملية استرجاع الأرض. فرئيس السنّ، في الجمعية الوطنيّة، يُعبّر عن حنينه إلى الجزائر، باكيًا.
  • بالمقابل، وبازاء التهميش اللاحق بالجاليات الاسلامية، ثمة تصرّفات اسلامويّة، تأتي كردة فعل، قد تكون ذات خطورة أشد، ذلك أنّ التطرّف يُغذّي تطرّفًا مقابلًا.
  • فشلت الدولة الفرنسية، حتى اليوم، في التعامل مع التنوّع العرقي والديني، لاعتمادها الحلّ الأمني.
  • إن المعالجة تقتضي مقاربة، متعدّدة القراءات والمستويات: قراءة تاريخية واجتماعية وسياسية ونفسانية وتيولوجية، إلى مقاربة ثقافية.
  • يرى غالب بن شيخ أن الخروج من المأزق، يمر بأربع مراحل/تدابير: وضع حدّ للأعمال الإرهابية والتنسيق بين المصالح الاستخبارية والمصالح الأمنية/ على المسؤولين المسلمين(مرجعيّات دينية، وأئمة مساجد، وسواهم) اعتماد خطاب ديني معتدل ومؤنسن، ويتماشى مع الحداثة/ وضع استراتيجية تربوية وثقافية، تستلهم القيم الجمالية، من آداب وفنون وموسيقى/ إحتضان الجمهورية أبناءها، من دون تمييز بين عرق وعرق، ودين وآخر. وعلى أن تُطعم وتُغذّي، وتحمي كل ابنائها.
  • وإلى ذلك، لا بُدّ من إطلاق الحريّات العامة، من حرّية التعبير والمعتقد الديني، إلى إعادة النظر في اللاهوت الاسلامي، أي الدراسات الاسلامية، وتطوير الخطاب الروحي الإنساني في مواجهة الفكر الجهادي، وعدم إسباغ القداسة على العنف، وفصل الدين عن الدولة.
  • ضرورة وقف بعض الإجراءات، التي تتّخذها السلطات الفرنسية، من مثل سحب الجنسية الفرنسية، إذْ أنّ هذا التدبير القاسي لا يُحقّق النتائج المرجوّة، بل يزيد الأمور تعقيدًا.
  • تحميل التوظيف الاسلامي وفشل المدرسة العلمانية المسؤولية ، في تعزيز البنية الحاضنة للتطرّف الاسلامي في فرنسا..هذا ما يخلص إليه غالب بن شيخ.
    رابعًا-في المقترحات والتوصيات
    1- في مقاربة ظاهرة التنوّع والتعدّد، ثمّة حاجة إلى مقاربة دينامية ،متحرّرة من التنميط والأحكام المُسبقة، عمادُها التحليل العلمي الاكاديمي، للمساءلة فيها موضعٌ أثير. ولا بُدّ من إعارة السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية ما تستحق من اهتمام.
    2- في هذا المجال، من المفيد انتهاج سبيل “السوسيولوجيا الفهميّة”، التي يتبنّاها “ماكس فيبر”، والتي تذهب إلى تأويل الأنشطة الاجتماعية، عبر فهم أسباب اشتغالها ونتائجها.
    3- توسيد السوسيولوجيا موقع الصدارة، في مقاربة ظاهرة التنوّع والتعدّد -كما أية ظاهرة مجتمعيّة- من دون التقليل من أهميّة العامل الأيديولوجي في إنتاجها. إشارة إلى أن المتطرّفين ليسوا كائنات أيديولوجية صِرفة، وليست الظاهرة العنفية ثقافوية خالصة، أو منتجًا ايديولوجيًّا محضًا.
    4- بإزاء ظاهرة مركّبة- وظاهرة التنوّع والتعدّد والاختلاف هي كذلك- ينبغي اللجوء إلى مقاربات متعدّدة، في عِدادها المقاربة السوسيوبوليتيكية، والمقاربة السوسيولوجية، والمدخل الانتروبولوجي، والمقاربة التربوية، والمقاربة التنموية.
    5- لتفكيك منطق التعصّب والتطرّف الهويّاتي، لا بدّ من تحليل معمّق لديناميّة الجماعة والآخر، وعمليات الاستثمار في الكراهية. وهذا يقتضي تفكيك العقلية الدوغمائيّة، القائمة على وهم امتلاك الحقيقة المطلقة.
    6- ينبغي الذهاب بعيدًا في استجلاء ظاهرة التنوّع والاختلاف، فيكون حفرٌ وتفكيك، ولا يكون اقتصارٌ على سرديات توصيفيّة استعراضيّة.
    7- ينبغي تعزيز المواطنة الحاضنة للتنوّع الثقافي، عبر تبنّي استراتيجية، تُفضي إلى ثقافة مشتركة، تُسهم في تقوية الأواصر بين أفراد من خلفيات ثقافية مختلفة، وتنمية إحساس مشترك بالانتماء المواطني.
    8- لا بديل من إعادة الاعتبار إلى مرجعيّة الدولة، بجعلها فوق المرجعيات الدينية والطائفية والاتنية والسياسية والحزبية والعشائرية، وسوى ذلك من انتماءات فرعية
    9- إنّ الخطاب الديني المتمذهب لا يمكن مواجهته بخطاب متمذهب مقابل له. إنّ ذلك يُشكّل عامل تغذية شرطية للخطابين كليهما.
    10- المطلوب تحرير الدين من الدولة وإسناده إلى المجتمع. وبصيغة أخرى، يجب عدم تسييس الدين وتديين السياسة.
    11- للوصول إلى دولة عصريّة دستوريّة، ثمة أُسس ينبغي التزامها: أولها الحريّة، وثانيها المساواة، وثالثها العدالة الاجتماعية، ورابعها المشاركة. هذه الأسس جميعها، تصبّ في المواطنة، التي تُشكّل جوهر الهويّة الجامعة، مع احترام الهويّات الفرعية والخصوصيّة الثقافيّة.
    12- تحوّل المنطقة العربية، باطراد، إلى ساحة صراع هويّاتي متمذهب ومفتوح، يستدعي إعادة بناء الذات وتأصيلها لمواجهة العصر، بأدوات وآليات جديدة، وبما يتلاءم ومعطيات ما أنتجه الفكر الانساني، من صِيَغ تحفظ كرامة الانسان وهويته.
    13- يجب التوقّف مليًّا عند متلازمة الفساد والاستبداد، كمنتج موضوعي للتطرّف والعنف الهويّاتي.
    14- لا شفاء من الخطاب الجماعاتي، عبورًا إلى خيار المواطنة، إلّا عبر ركائز ثلاث: المعرفة والتعارف والاعتراف. وهذه “الوصفة” تبدو ناجعة لقضية غرداية الجزائرية.
    15- ينبغي التعامل مع الثقافات الفرعية بايجابية، وصولًا إلى الاعتراف بها، شريطة أن لا يكون ذلك على حساب الوحدة الوطنية
    16- إن تحقيق دولة المواطنة، بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، يُشكّل خطوة متقدّمة، نحو بناء دولة أكثر عدالة وأكثر إنسانية وأكثر منعة
    17- إنّ وحدة المجتمع وانسجامه، في البلاد العربية التعدّديّة، تكمن في الاتفاق على ثقافة مشتركة، تشمل مجموع القيم العامة والمُثُل، والممارسات الثقافية، والمعتقدات الدينية، والأعراف للجماعات المختلفة. ولن يكون ذلك إلّا عبر حوار تفاعلي.
    18- إذا كانت الطبيعة قد أوجدت قوانين، ترعى التنوّع البيولوجي، بما يحفظ بقاءه، فإنّ على الانسان- وهو إبن الطبيعة- أن يحذو حذوها، فيُحسن إدارة التنوّع والاختلاف، بما يوفّر أمن المجتمعات البشرية وسلامتها.
    19- يحب تبنّي مبدأ الحوار الفكري المتواصل، والعمل على تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية والثقافية، وتقديم فرص متساوية للتعليم والوظائف للجماعات كافة، والعمل على تحقيق المشاركة لكل الأفراد والجماعات.
    20- يجب التحوّط، لدى استخدام مصطلح الأقليّة والأكثرية، بخصوص الجماعات الثقافية، كون هذا المصطلح يستبطن عدم المساواة والهيمنة من جهة، والاستتباع والرضوخ من جهة أخرى. علمًا أن هذا المصطلح يصلح لتوصيف القوى والتجمعات السياسية والكتل البرلمانية، ولا يصلح لتوصيف التنوع الثقافي أو المجموعات الثقافية.
    21- إذا كان الفضاء العربي المجتمعي من أكثر الفضاءات تنوّعًا وتعدّدًا، واقلّها تعدّدية، بالمفهوم الإيجابي للتعدديّة، فمن الأهمية بمكان، تحويل التعدّد والتنوّع إلى تعدّدية ذات غنى.
    22- من الضروري قيام نهضة فكرية عامة، تحرّر العقول من سيطرة الأوهام والخرافات والتقاليد البالية والسلطات الموروثة، وتشجع على إرساء ثقافة الانفتاح، وتُنشىء المؤسسات والأُطر، التي تساعد على كسر الحواجز وإزالتها بين الجماعات.
    23- إنّ ثقافة التنوّع تتطلّب تربية منفتحة على قبول الآخر، في كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي المدرسة، وفي الإعلام بشكل خاص، وفي قوانين الدولة، التي تُساوي بين الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى