المقالات

نحن والإنتخابات الإسرائيلية بقلم علي بدوان

بدأت الانتخابات التشريعية المُبكّرة للكنيست التاسعة عشرة في «إسرائيل» في موعدها المقرر يوم الثاني والعشرين من يناير 2013 الجاري، في مناخات «إسرائيلية» داخلية مُتوقعة يسودها مَدٌ يميني صارخ، وتعلوها أصوات تطرف وإنحياز لعموم الكتل الحزبية وجنوحها نحو برامج اليمين القومي العقائدي الصهيوني ممثلاً بحزبي (الليكود + إسرائيل بيتنا) واليمين التوراتي ممثلاً بالأحزاب الدينية وعلى رأسها حزب شاس الإشكنازي (اليهودي الغربي).
الانتخابات التشريعية في «إسرائيل» تجري هذه المرة وقد باتت الكتلة السكانية لمجموع من يحق لهم التصويت تقدر بنحو (5.656.705) مليون «إسرائيلي» (يُعرف أصحاب حق الاقتراع على أنهم إسرائيليون في سن الثامنة عشرة فما فوق) بزيادة ملحوظة عن الدورة الانتخابية السابقة، ومن بين تلك الكتلة إياها هناك نحو (22 %) من المواطنين العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين الذين بإمكانهم إيصال (20) نائباً على الأقل حال شاركوا جميعهم بالتصويت في العملية الانتخابية لصالح أحزاب وقوائم عربية موحدة وتجنبوا المقاطعة وتشتيت أصواتهم كما جرت العادة في جميع الدورات الانتخابية منذ العام 1949 الذي شهد الدورة الانتخابية الأولى للكنيست والتي شارك بها الجزء القليل من المواطنين العرب.
إذن، الانتخابات البرلمانية «الإسرائيلية» تجري هذه المرة في ظروف استثنائية، ناجمة بالأساس عن وجود حالة استثنائية في العالم العربي تحيط بالدولة العبرية الصهيونية في ظروف ولادة موجات مابات يسمى بالربيع العربي وتحولاته في عدد من البلدان العربية. كما هي ناجمة عن وجود درجة عالية من التحوّل في الخريطة الحزبية الداخلية في «إسرائيل» لصالح برنامج قوى اليمين واليمين المتطرف مع انحسار حضور وفعل وحظوظ أحزاب الوسط، وتراجع مايسمى بأحزاب «اليسار الصهيوني». ومع ذلك فإن من يعتقد ان مسألة تشكيل الحكومه القادمة في «إسرائيل» هي مسألة محسومة، عليه أن يعيد التفكير في ذلك، فالساحة السياسية «الإسرائيلية» عودتنا دوماً على المفاجآت والانقلابات في التحالفات السياسية بين عموم الأحزاب والكتل الانتخابية المتصارعة، حتى ولو كانت احتمالاتها (أي تلك الانقلابات أو التحولات) متدنية هذه المرة.
في هذا المسار، فإن حزب الليكود، الذي يُمثل عملياً تيار اليمين القومي العقائدي في «إسرائيل» واثق من نجاحه بالشكل الذي أشارت إليه نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي تواترت في الدولة العبرية ومعه حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يقوده المتطرف أفيغدور ليبرمان، لذلك أقدم بنيامين نتنياهو وأقطاب حزبه على طرح أفكار أولية تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية القادمة وتقديم رشوات مسبقة لعدد من مشاكسي ومتمردي الليكود وحزب «إسرائيل بيتنا».
فيما أشارت نتائج الاستطلاع المشار إليها أعلاه، أن الكتلة السياسية الثانية المتوقع صعودها من ناحيه عدد المقاعد المتوقع أن تحصل عليها بعد قائمة حزبي «الليكود ــــ بيتنا» تتمثل بأحزاب «المترددين» من أحزاب يمين الوسط كحزب كاديما (إلى الأمام) ومعه حتى حزب العمل وبعض أحزاب يسار الوسط الصهيونية.
وعليه، وفي حال قرر «المترددون» التحالف أو الإئتلاف مع أحزاب اليمين، فسوف تحظي القائمه الموحده لتحالف «الليكود ــ إسرائيل بيتنا» على رصيد جديد سيؤهلها لقيادة الدولة العبرية الصهيونية وتشكيل حكومة ائتلافية سيكون فيها اليمين واليمين التوراتي متصدراً موقع القرار السياسي والعسكري والأمني على جميع مستوياته.
نحن والانتخابات
إن مايهمنا في كل ماسبق، هو صوت الكتلة العربية التي يَحِقُ لها التصويت، ودور المواطنين العرب أبناء الوطن الأصليين في مسار تلك الانتخابات التشريعية في «إسرائيل» والتي تمثل واحدة من النوافذ الهامة والمتاحة والممكنة أمامهم لتطوير حضورهم وكفاحهم الوطني في مواجهة سياسات «الأسرلة» وتذويب الشخصية الوطنية والقومية للفلسطينيين داخل حدود فلسطين 1948 .
فقد كسر المواطنون العرب المعادلة «الصهيونية الإسرائيلية» التي سعت لأسرلتهم طوال العقود الماضية بعيد العام 1948، واستطاعوا أن يحدوا من سطوة القوانين الجائرة التي تناولتهم ومنها «قوانين المواطنة» التي استندت لمبادىء موغلة في عنصريتها والتي تعكس في حقيقتها البناء الأيديولوجي للدولة العبرية ومايسمى بإعلان الاستقلال وقانون العودة لعام 1950 والذي يخص اليهود وحدهم، حيث أن قانون العودة يسمح لكل يهودي بالهجرة والقدوم لفلسطين والحصول تلقائياً على المواطنة «الإسرائيلية» فور عودته، ولا تمنح هذه الميزة إلا لليهود.
لقد كَسَرَ المواطنون العرب من الذين بقوا داخل فلسطين بثباتهم وبقائهم معادلات كثيرة في «إسرائيل» ومايسمى بـ (قانون المواطنة) الذي ميّز في حق المشاركة السياسية للعرب وحق التصويت والترشيح لانتخابات الكنيست، من خلال اجتراحهم برامج كفاحية ووطنية ممكنة، ساعدتهم على إعادة إحياء كينونتهم الوطنية والقومية وحتى الإسلامية والمسيحية، وإعادة بلورة هويتهم في مواجهة مشاريع «الأسرلة» وتغييب الثقافة القومية العربية.
لكن، ومن الجانب النقدي، فإن أصوات العرب الانتخابية كانت على الدوام، عائمة، والقوائم العربية متناثرة، فيما كانت نسبة المقاطعة العربية عالية في بعض الدورات الانتخابية، وتشير المعطيات في هذا الصدد بأن نصف مليون صوت عربي قد لايصوتوا على الأرجح في هذا الدورة الانتخابية، لأنهم فقدوا الثقة بالمؤسسة التشريعية الأولى في الدولة العربية الصهيونية التي سعت دوماً لتهميش دورهم وتحويلهم إلى أبناء جارية داخل وطنهم التاريخي.
ومع ذلك، نقول إن المشاركة العربية ضرورية، من منطلق استثمار كل النوافذ المفتوحة في عملية الكفاح والصراع الجارية مع المشروع الصهيوني، فمشاريع «الأسرلة» تسقط وتتهاوى بتنمية الحضور العربي على كل المستويات داخل كيان الدولة العبرية، وعليه انتهت وأصبحت «الأسرلة» خارج سياق التاريخ بل وباتت في قاع التاريخ ولن تقوم لها قائمة بعد الآن، حيث لم تستطع الدولة العبرية الصهيونية طوال أكثر من (65) عاماً من تذويب الهوية الوطنية والقومية والإسلامية والمسيحية لعموم المواطنين العرب داخل «إسرائيل».
وانطلاقاً من المعطيات الواردة أعلاه، فإن الدور الملموس لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 في مسار العمل داخل الكنيست «الإسرائيلي» يُمَثِلُ واحدةً من جبهات الصراع مع الدولة العبرية ومع سياساتها في المنطقة وتجاه عموم الفلسطينيين في الداخل والشتات. كما يمثل منبراً ومنصة لإعلاء الصوت العربي في مواجهة كابوس التمييز العنصري والإهمال المتعمد للمناطق والتجمعات العربية الفلسطينية من قرى وبلدات وحتى داخل المدن المختلطة في «إسرائيل» بأحيائها العربية كما هو الحال في الأحياء العربية في مدينة عكا واللد والرملة على سبيل المثال، ومن أجل تنمية التعليم في الوسط العربي وحل مشاكل البطالة والفقر والعوز وغيرها.
صحيفة الوطن القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى