إجتماعيات

ورشة تفكير ونقاش : “لماذا لا تُحسنُ الشعوب اختيار حُكّامها؟”
إعداد : د. مصطفى الحلوة

على مدى يَومَي 10 و 11 شباط 2023 ، نظَّمَ “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية ” ، بالتعاون مع مؤسَّسة Hanns Seidel الألمانية ، ورشة تفكير ونقاش ، في القاعة 1188 للمحاضرات ، جبيل ، بعنوان :”لماذا لا تُحسن الشعوب اختيار حُكّامها ؟ ” .
إِستُهلّت الجلسة الافتتاحية ، التي مهّد لها وأدارها د. مصطفى الحلوة، بدقيقة صمت لروح ضحايا الزلزال المدمِّر في تركيا وسوريا . ثم كانت كلمة مدير ” مركز تموز ” د. أدونيس العكره ، تلتها كلمة مندوب مؤسسة “هانس زايدل” في لبنان السيد طوني غريِّب ، وكلمة منسّق أعمال الورشة د. حنّا الحاج ، أضاءَ فيها على الأسباب الموجبة لعقدها ، كما أبعادها والانتظارات . وقد أعقب الجلسة الافتتاحية ستُّ جلسات عمل ، تضمّنت مداخلَ لا بديلَ منها لحُسن اختيار الشعوب حُكّامها ، وقد جاءت تحت العناوين الآتية : التربية وُجهة إلزامية ضامنة لبنان الإنسان – المواطن / القضاء والسياسة : أهم مرتكزات بنية الدولة وازدهارها / توازن الأفراد والجماعات : مدخل إلى التضامن والعيش الواحد / الاقتصاد والقانون : مسارات بنيوية في حُسن اختيار الشعوب لحكّامها / بين الأسرة والعائلة والدولة : مسارات بناء الوطن / أثر الدين في السياسة وفي صناعة الواقع المجتمعي .
وقد كانت عشرُ مداخلات / محاضرات ، قدّمها على التوالي : الرئيس الأسبق للمركز التربوي للبحوث والإنماء البروفسور مُنير أبو عسلي / الرئيس القاضي نبيل صاري / د. جورج حرب / د. سوزان منعم/ د. ليندا الشرتوني الزحم / الوزير السابق الأستاذ منصور بطيش / د. بيارو خويري / مديرة الفرع الخامس لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية د. هويدا الترك / د. حنّا الحاج / النائب د. أدغار طرابلسي . وقد ترأس الجلسات الست كلّ من: د. بلانش أبي عسّاف / د. خليل خير الله / د. حسّان العكره /د. كريستيان خوري/ أ. أمل صانع / د. كلود مرجي .
إشارة إلى أن المداخلة الثانية ، للجلسة الخامسة ، وعنوانها : “العداء بين المواطن والدولة : تحدّيات التنمية والتفاوت الاجتماعي ” ، اعتمدت نمطًا جديدًا، هَدَفَ إلى استثارة الفكر النقدي ، فكان حوارٌ تفاعلي بين د. حنّا الحاج وبين الطلبة الجامعيين المشاركين في الورشة . فقد تمّ استنطاق صُوَرٍ ، تُجسِّد عدة أطروحات : من التفاوت الاجتماعي، إلى الصراع الطبقي ، إلى المواطنة وموضوعات أخرى .
في ختام أعمال الورشة ، كان الخُلوص إلى البيان الختامي ، الذي تضمَّنَ المحاور والنقاط الآتية .

أولاً – في الأسئلة /الهواجس التي تُضيءُ على الإشكاليات المطروحة:

  • في مُقاربة إشكالية البحث ، وما يتفرّغ منها من إشكاليات ، ينبغي التساؤل : أين العطب ؟ أهو في المسؤولين والحكّام ، الذين يتركون البلد وأهله ومُستقبله عُرضةً للإنهيار ، من دون أن يُقلقهم ضمير ولا يردعهم وازع ؟ أم أن مكنَ العطب في الناس المهزومين الخانعين ؟
  • هل “الناس على دين ملوكهم ” ، كما يذهب ابن خلدون؟ وهل صحيحٌ أن “لكل شعب ما يستحقُّهُ من حُكّام ” ؟ وهل صحيحٌ أيضًا ، وفق الحديث النبوي الشريف : ” كما تكونون يُولّى عليكم ” ؟
  • ما هو دور العقل وأثره والمصلحة والرويَّة في اختيار الناس مسؤوليهم ؟ وبما يخصّ اللبنانيين ، كيف يختارون حُكّامهم ؟ هل يُعملون المنطق والعقل ، أم تطغى لديهم العصبيّات على اختلافها ، كما المصلحة المادية والمعنوية ؟
  • هل أشّرت الانتخابات النيابية الأخيرة (15 أيار 2022 ) على أن اللبنانيين حاسبوا منظومة الفساد والإفساد ، التي قهرتهم وجوّعتهم وشرّدت أبناءهم في أرجاء المعمورة ، وأخذت البلاد إلى الانهيار ؟
  • هل تعرف الشعوب حقوقها ، لا سيما لجهة السلطة الممنوحة لهم بالمساءلة والمحاسبة ؟ وهل يعرفون استطرادًا المسؤولية الملقاة على عاتقهم في اختيار من سيولّونه إدارة شؤونهم وشؤون الأجيال الآتية ؟
  • كيف يختار الناس / المقترعون ممثّليهم ، وعلى أيّ أساس ؟ هل يختارون على أساس البرامج ، التي تطال يوميّاتهم وعيشهم بكرامة ؟
  • هل تُحسنُ الشعوب دائمًا اختيار ممثليها ، حتى في دول الغرب الأكثر ديمقراطية ؟ وتمثيلاً لا حصرًا :هل كان الاقتراع للحزب النازي وحلفائه في تموز 1932 لصالح الشعب الألماني ، أم أنه جلبَ المآسي والويلات لألمانيا ولأوروبا وللإنسانية ، عبر الحرب العالمية الثانية المدمِّرة ؟
  • ما هو مستوى الديمقراطية في لبنان ، حيث تلهث غالبيةُ أحزابِهِ وراء المال ، بمعزل عن مصدره ، حتى لو كان مُتأتِّيًا عن طريق الفساد والسُبُل غير المشروعة ؟
  • قانون الانتخابات النيابية ، المعمول به في لبنان راهنًا ، هل حسَّن في نوعيَّة الاختيار ، فازداد عدد النواب المشرّعين والاقتصاديين ، أم تكاثر عددُ التبعيّين ورجال المصالح والمال، من جهة أخرى ؟ وهل يُعزِّز هذا القانون الفرز الطائفي ؟
  • كيف لنا ، نحن اللبنانيين ، أن نُعيدَ الرهان على التربية ، بعد أن سقطت تجربتنا الرائدة ، التي أطلقت في العام 1998 ، في جميع مدارس لبنان ، ولم تصِلْ إلى خواتيمها المرجوّة لعدم احتضانها من قِبل الحكومات المتعاقبة ؟
  • كيف نجحت الطغمة الحاكمة من الاستمرار في مواقعها ، رُغم افتضاح أمرها أمام اللبنانيين ودول العالم ، وانكشاف فسادها العميم ؟
    ثانيًا – في الحقائق الثوابت وفي الرؤى
  • إن اختيار المسؤولين ، عبر الانتخابات الدوريّة ، في الأنظمة الديمقراطية ، هو المدخل لتكوين السلطة وتداولها .

– إذا كانت السياسة هي الدافع الأول وراء كل عملية انتخاب وناظمًا أساسيًّا للعلاقات المجتمعية ، فإنه لا يمكن فصلها ، بدهاليزها ، عن الاقتصاد والاجتماع .

  • ” في السياسة كلُّ خطأ جريمة ” (En politique,toute faute est un crime)” بحسب المفكر الفرنسي ” Eugène chatelaine ” .
  • عنصران أساسيان هما بُوصلة الفرد لاختيار المسؤولين : الوعي والحريّة .
  • إن حكم الشعب من الشعب هو نسبي ، بما يخصُّ موضوع الانتخابات ، إذْ غالبًا ما تُؤشِّر نتائجها على تفاوت في درجات الوعي والالتزام السياسي والأخلاقي عند الناس ، أفرادًا وجماعات .
  • أهم مبادئ الديمقراطيات الحديثة ، والتي بها تحرّرت الشعوب ونالت حقوقها ، هي حرية التعبير وحرية الضمير وحق اختيار الحُكام .
  • لعل أهمّ تعريف للديمقراطية ، هو الذي أطلقه أبراهام لينكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية ، إذْ رأى أنّ ” الديمقراطية هي حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، ومن أجل الشعب ” .
  • إن الواقع الديمقراطي المأزوم والمرّ شكَّل سببًا رئيسًا بوضع المواطن اللبناني في مواجهة دولته ، وارتفاع منسوب العدائية تجاهها .
  • في الدول الديمقراطية يتأثّر خيار الناس بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئيّة للأحزاب والقوى السياسية ، وبما يُحقِّق تأمين العيش الكريم والرفاه لسائر أبناء المجتمع .
  • في لبنان لا تُوجد أحزاب تملك رؤيا وطنيّة واضحة ، وتطرح برامج مُتكاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية، وسُلَّم القيم . وإنْ صدفَ وُوجدت بعضُ برامج ، فهي على الورق ولا تتمّ ترجمتها عملانيًّا .
  • الأحزاب في لبنان ، أحزاب الطوائف والأحزاب العلمانية على حدّ سواء ، لم تستطع يومًا ممارسة الديمقراطية ، حتى في داخلها، بدءًا بتداول السلطة . هكذا كانت مُزاوجة بين الديمقراطية والزعامة الحزبية وما يُسمى بيوتات سياسية موروثة .
  • استكمالاً ، غدا نموذج الديمقراطية اللبنانية أشبه ما يكون بـِ “لويا جيركا” لبنانية ، مُتستِّرة باسم “الديمقراطية التوافقية “، التي ازداد تحت رايتها التعطيل في مسار السلطة والتحاصص، مما أحال الدولة إلى ” دولة غنائمية” .
  • تعمد معظم الأحزاب اللبنانية إلى مختلف أنواع التمويل ، عبر أصحاب مصالح كبرى (أوليغارشيات) ، أو بواسطة مرشحين ميسورين ، وإما عن طريق دول أجنبية ، لها أطماع مُتنوّعة في البلد . ومن سُخرية القدر أن بعض هذه الأحزاب تُفاخر جهرًا بأن معظم تمويلها هو خارجي . ويترتب على ما سبق أن الواهب ماليًا يغدو الآمر الناهي “Celui qui donne ordonne ” .
  • خيارات الناخبين تخضع لجُملة عوامل : نسبة وعيهم وتحرّرهم / نزوة المال ، حيث تُشكل الانتخابات النيابية ، لدى البعض ، “موسمًا” ينتظرونه كل أربع سنوات / روح التبعيّة ، لدى بعض الناخبين المفتونين بالزعيم ، إذْ يُفيدون منه ويستقوون به / تحكُّم العصبيات بخيارات مجموعات واسعة من الناخبين بذرائع عائلية ومناطقية ومذهبية طائفية .
  • غالبًا ما يُشير القانون الانتخابي إلى نيّة السلطة المبيّتة بإيصال نوع مُحدَّد من المرشحين ، عبر عيوب ونواقص تعتري هذا القانون ، تؤدّي إلى تزوير إرادة الناخبين ، عبر إيصال مرشحين ، لا يتمتعون بالمواصفات المطلوبة لإدارة البلاد.
  • قانون الانتخابات الحالي ، إلى كونِهِ يفرز لبنان إلى وحدات طائفية صغرى ، فإن هندستهُ صبَّت في مصلحة النافذين والمتموِّلين . فالتقسيم الجغرافي للدوائر غير مبني على قاعدة علمية واضحة ومنطقية ، وإنما على أساس طائفي ، يلحظ فقط التوزّع الديمغرافي المذهبي للبنانيين على المناطق .
  • إلزام قانون الانتخابات النيابية المواطنين بأن يقترعوا ، بموجب الصوت التفضيلي ، لكامل اللائحة ، مع يقينهم بأن بعض المرشحين على اللائحة نفسها غير مؤهلين لتمثيل الشعب وقيادة البلاد .
  • في الانتخابات النيابية ، تتمّ إثارة النعرات الدينية ، وحتى الذكورية ، فينتج عن ذلك وأد التفكير العقلاني ، وبما يُفضي لوصول مُتعصّبين أو مستغلِّي عصبيّات إلى الحكم بدلاً من حُكّام ، رجالٍ ونساء كفوئين ومُنتجين وغيورين على المصلحة العامة .
  • الزبائنيّة تدفع فئة من الناخبين للوقوف وراء الزعيم الاقطاعي، لاعتقادهم أنه يحميها ويؤمّن لها مصالحها الخاصة. وهذا الأمر ينسحب على العشائر ، التي ينصاع أبناؤها إلى الاقتراع كتلة واحدة للمرشح الذي يختاره هذا الزعيم.
  • تحت ضغط الظروف المعيشية المتدهورة ، تُؤدِّي الرشوة إلى تشويه حرية التصويت ،لجهة التأثير على إرادة الناخب ، وذلك بحملِهِ على التصويت لمرشح معين أو الامتناع عن التصويت .
  • المادة (62) من قانون الانتخابات النيابية تتضمّن التفافًا على حظر الرشاوى الانتخابية . بل إن الفقرة الثانية من هذه المادة تُشرِّع “الرشوة المقنّعة ” .
  • يلعب الإعلام دورًا تحريضيًّا رخيصًا ، لا سيما في “موسم” الانتخابات النيابية ، فينغمس بعض الإعلاميين في هذا النوع من الإعلام ، ويروّجون لأحد المرشحين أو يتهجّمون على آخر بشراسة ، استدرارًا للمال .
  • في ظل العولمة وانتشار تكنولوجيا التواصل ، ثمة ما يُدعى استراتيجية الإلهاء ، حيث يتمّ تحويل الرأي العام عن المشاكل الهامة، ويغدو الشعب منشغلاً بما هو مُبتذل ، وليس لديه وقتٌ للتفكير السليم .
  • إذا كان التعليم يُشكِّل أحد المداخل الأساسية للتغيير ، فإنّ إضعافه يغدو إحدى الاستراتيجيات للسيطرة على عقول الناس. وهذا ما نشهده وما شهدناه في لبنان . في حين أن هذا البلد كان قد لُقِّب بجامعة المنطقة العربية ومستشفاها ومصرفها، إضافة إلى مُلتقى المثقفين وموئل المضطهدين في بعض البلاد العربية .
  • استكمالاً ، فإن إضعاف التعليم هو أكثر العوامل فعاليةً لنشر الجهل والتطرّف . في هذا الصدد ، يقول أحد حكماء الصين القدامى : “إنْ أردتم القضاء على أيّ من البلدان ، لا حاجة للحروب الدموية الطويلة . يكفي أن تعملوا على تقويض نظامه التربوي (..) فيصبح لُقمة سائغة لكل الطامعين فيه ” .
  • تجربة البرامج التربوية التي أطلقت في العام 1996 ، تحت شعار “وبالتربية نبني” ، تمّ إجهاضها على يدي النظام الطائفي التحاصصي والزبائني ، أي الحكم الذي يقف حجر عثرة أمام كل المبادرات الآيلة إلى جمع اللبنانيين ، على قاعدة أهداف وطنية مدنيّة موحّدة .
  • مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية ، التي أصبحت إلزامية لكل المتعلمين ، لم تُدرَّس في جميع المدارس . وإلى ذلك ، فإنّ النشاطات الميدانية العائدة لهذه المادة ، لم تُطبَّق . علمًا أنه أريد منها تحويل المفاهيم إلى ممارسة فعلية وتنمية المهارات الحياتية ، التي تُعزِّز المواطنة الصالحة .
  • إنَّ كتاب “الثقافة الدينية ” الموحّد ، الذي كان من المفروض أن يحلّ مكان التعليم الديني الإلزامي ، لم يَرَ النور . وقد كان مخطّطًا إسنادُ تدريسه إلى معلمين مدنيين مُعدِّين خصّيصًا لذلك. وكان الهدف التقارب بين الأديان والطوائف، وتسليط الضوء على القيم المشتركة .
  • إن التغيير الحقيقي في لبنان لا يمكن أن يحصل فقط من خلال تعديل الدستور ، أو إقرار قانون انتخابي جديد ، ولن يتمّ بين ليلة وضُحاها نظرًا للتركيبة الطائفية ، التي تعيش على رئة مهترئةً ، اسمُها الصيغة ، أي صيغة الحكم التحاصصي والزبائني والمرتهن للخارج .
  • الفساد لم يعُدْ مُقتصرًا على أجهزة الدولة والحُكّام ، بل تغلغل في نسيج المجتمع اللبناني ، وغدا ثقافةً قائمة بذاتها ، لها أسُسُها وآليات اشتغالها .
  • إن السياسيين والإقطاعيين والأحزاب الطائفية ، وسائر مكوِّنات منظومة الفساد والإفساد ، سيتصدّون لأي استراتيجية وطنية ، تهدف إلى تغيير جذري ، في ثقافة المجتمع .
  • إن تغيير الأنظمة والحُكّام لم يعُدْ شأنًا داخليًا صِرفًا . وقد بيّنت بعضُ الوقائع في لبنان أن للخارج يدًا في إجهاض الكثير من تجارب التغيير ، التي خاضها اللبنانيون ، على مدى العقود الماضية . ففي زمن العولمة وسقوط الحدود واختفاء السيادة، بمفهومها “الوستفالي” (نسبة إلى معاهدة وستفاليا 1648) لن تترك مهمة اختيار الأنظمة للشعوب . أضف أن الشركات العابرة للحدود ، أصبح لها دورٌ وازن في إدارة العالم .
  • إن المسؤولية الكبرى لكل الكوارث التي لحقت بلبنان ، منذ العهد الاستقلالي ، تقع على كاهل نظام الحكم الطائفي ، من دون أن نتجاهل التحدّيات الهائلة ، التي واجهت البلاد ، في الداخل والخارج .
  • كون الأُسرة مؤسّسة اجتماعية ، تضطلع بدور تثقيفي للأبناء ، لا سيما على الصعيد السياسي ، فإن احتدام التصدُّع الأسري يُؤثِّر سلبًا في اختلال القيم الاجتماعية . فالأسرة لها دورٌ في تشكيل اتجاهات الأفراد وإكسابهم قيمًا أساسية ، يحملونها معهم مدى الحياة (تشكيل الأب والأم لثقافة الأبناء ) .
  • للدين دور أساسي في صناعة الإنسان وصناعة الدول . فالإسلام دين ودولة . كما أن المسيحية دين ودُنيا ، تُسهمُ في صناعة المملكة الأرضية .
  • الخطاب المسيحي ، الذي تمّ استخدامُهُ في السياسة ، ليس بالضرورة أن يكون خطاب السيد المسيح .
  • كون الدين لاعبًا أساسيًّا في تاريخ المجتمعات ، طَبَعَ حضاراتٍ ودولاً ، وقد كان تواطؤٌ بين السياسي والديني ، بل كان تسييسٌ للدين وتديين للسياسة .

ثالثًا – في المقترحات والتوصيات
1- وضع قانون انتخابات نيابية عصري ، يرتكز على مبدأ المواطنة ، ويُشكِّل قطيعةً مع مشاريع الهيمنة ، ويسير باتجاه الدولة الحديثة ، بكل مندرجاتها . وفي حال تفعيل “الطائف”، يجب إلغاء القيد الطائفي ، وتشكيل مجلس الشيوخ ، واعتماد النسبية ، ولبنان دائرة انتخابية واحدة ، أو اعتماد الدوائر الموسّعة .
2- إعطاء التثقيف السياسي ، لدى الأحزاب والتيارات السياسية، مضمونًا فكريًّا ، في السياسة والاقتصاد والاجتماع وسُلَّم القِيم . إِضافةً إلى تغذية الحسّ النقدي عند الناس ، عبر توسيع إطار الحوارات والنقاشات ، وصولاً إلى خطاب عقلاني علمي ، يُرسي التنافس الانتخابي ، استنادًا إلى قيم حضارية .
3- إقرار قانون ، يضع أُسُس نظام مُتكامل لتمويل الأحزاب في لبنان ، يرتكز على حجم التمثيل ، ويكون على غرار ما هو معمولٌ به في فرنسا ، على سبيل المثال . أي تحريم أي مصدر تمويل ، خارج إطار القانون ، وتجريم أي حزب مخالف.
4- وضع قانون وطني جديد للأحزاب السياسية ، يتماشى مع عملية التحرّر التدريجي من الطائفية .
5- تطبيق اللامركزية الإدارية الموسَّعة ، وإقرار قانون نسبي للانتخابات البلدية ، يُعزِّز الديمقراطية ومقوِّمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية ، ويحدّ من تركُّز معظم الموارد في قبضة الحكم المركزي .
6- بإزاء الواقع الأليم ، الذي يعيشه لبنان ، ينبغي العمل ، على المدى الطويل، لخلق “الإرادة العامة ” ، عبر تثقيف الشعب حول هذه المسألة ، وبما يُفضي إلى احترام القانون واستئصال الفساد وإعادة بناء الدولة واسترجاع الوطن .
7- خلق ثقافة جديدة للمجتمع ، لا سيما لدى الشرائح الشبابية ، مبنيّة على قيم أخلاقية ووطنية ، تُؤسِّس للتغيير المنشود . وفي هذا المجال ، يقول رئيس بعثة IRFED الأب “لوبريه”، منذ أكثر من ستين عامًا : “إذا لم يحصل تحوُّل في ذهنية النخبة الشابة ، وإذا لم يحدث في لبنان ثورة فكرية وخُلُقية، يكونُ الإنماء واهيًا ، ولن يستطيع لبنان أداء دوره في الداخل، كعامل تماسُك ، ولا في الخارج ، كمركز حضاري عالمي ” .
8- لا بد من إعداد أجيال ، جيلاً بعد جيل ، مُتحرِّرين من مختلف العادات والتقاليد البالية والشائنة في المجتمع (الفساد، الرشوة ، التعصُّب ، الارتهان للخارج .. ) ، وتدريبهم على ممارسة حقهم الانتخابي ، بما يُوفِّر الانتقال إلى دولة الحق والقانون والعدالة والحُكم الصالح .
9- التركيز على دور القطاع التربوي والتعليمي ، فتكون تربية النشء على الحرية والحسّ النقدي ، وأهمية الانخراط في الشأن العام ، ومع مبدأ المساءلة والمحاسبة .
10- يجب وضع إستراتيجية وطنية للتربية على الحكم الصالح ، قوامُها ثلاثة أعمدة : التربية على المواطنية ، التربية على اعتبار الكفاءة معيارًا وحيدًا للنجاح والترقّي ، والتربية على المساءلة والمحاسبة . وعلى أن تشمل هذه الإستراتيجية جميع المتعلمين ، في مراحل التعليم ما قبل الجامعي .
11- كي تُصبح التربية على الحكم الصالح قضية المجتمع اللبناني برَّمتِهِ ، يجب إنشاء “هيئة وطنية” من المجتمع المدني ، على غرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ” ، تكون بمنزلة القوة الرافعة ، لمؤازرة وزارة التربية والتعليم في هذه المهمة الصعبة . وعلى أن يكون لهذه الهيئة فروع في المحافظات كافة .
12- العمل على استنهاض الاقتصاد ، ووضعه على خارطة النمو المُستدام ، والمتوازن : قطاعيًّا ومناطقيًّا ، وبما يُقلّص هُوَّة اللامساواة في المجتمع ، ويرفع من مستوى التحرُّر وتراجُع نسبة التبعيّة .
13- تحرير المرأة اقتصاديًّا ، إلى أبعد الحدود ، من خلال المساواة التامة في فرص العمل وظروفه وشروطه . كذلك يجب تحفيزها للانخراط في الأنشطة السياسية بشكل أكثر فعاليةً ، ليس فقط في الترشُّح إلى الانتخابات النيابية ، بل أيضًا في المبادرة والمشاركة في طرح الحلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية .
14- الإفراج عن مشروع قانون السلطة القضائية “النائم” في أدراج المجلس النيابي ، وتحديدًا المشروع المقدّم من الرئيس الراحل حسين الحسيني والرئيس الراحل عمر كرامي والرئيس سليم الحصّ والوزير السابق بطرس حرب .
15- تعزيز دور التفتيش القضائي مع استدامة رقابتِهِ على الجسم القضائي / قيام نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس بنشر الأحكام الصادرة عن المحاكم والتعليق عليها ، لا سيما لجهة عدم التزام بعضها تطبيق النصوص القانونية وقوانين الشفافية والمساواة / حصر صلاحية المحكمة العسكرية الدائمة بمحاكمة العسكريين فقط / إصدار المراسيم التطبيقية لأي قانون خلال مهلة شهرين من صدوره ، تحت طائلة المسؤولية .
16- يجب إطلاق مسارات عملية للتكوين على المواطنية ، ترتكز أسُسها على “أكاديمية” الإنسان للتلاقي والحوار ” ، التي اقترحها وأطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2019 .
17- للوصول إلى التغيير المنشود ، يجب المباشرة في تحويل الأزمات إلى فرص ، عبر بناء اقتصاد منتج ، وقضاء مستقل ونزيه ، ومنع التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية.
18- الفصل بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية ، بما يُفضي، نهاية المطاف ، إلى علمنة الدولة . علمًا أن العلمنة لا تعني الإلحاد ، كما يُروِّج البعض عن جهل أو عن سوء نيَّة .
19- عدم استخدام الدين لاضطهاد المجموعات الدينية الأخرى ، والإقلاع عن “معزوفة” الأقليات . كما ينبغي عدم تديين السياسة وتسييس الدين .
20- ليس مطلوبًا من المؤسسة الدينية أن تُعِدَّ سياسيين ، بل أن تخرِّج قادة صالحين ، يعملون على إصلاح المجتمع ، وتعزيز اللُحمة بين مكوِّناتِهِ الدينية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى