إقتصاد وأعمال

البيان الختامي ” تحوُّل لبنان من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج خيار التنمية المستدامة/ محافظة عكار أنموذجًا للدراسة” إعداد د. مصطفى الحلوة

نظَّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنيّة، بالتعاون مع “مركز عكار للدراسات والتنمية المستدامة”، ورشة تفكير ونقاش، على مدى يومَي 10 و11 آذار 2023، بعنوان:” تحوّل لبنان من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج خيار التنمية المستدامة/ محافظة عكار أُنموذجًا للدراسة”، وذلك في قاعة محاضرات فندق غراسياس، إيلات (عكار).
أُستُهِلَّت الورشة بجلسة إفتتاحية، أدارتها الأستاذة أمل صانع، وكانت كلمة لرئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، أكّد فيها على استمرار الشراكة مع “مركز عكار”، من منطلق وحدة التوجّهات الفكريّة والأهداف. كما كانت كلمة لمندوب مؤسسة “هانس زايدل الألمانية” في لبنان الأستاذ طوني غريّب، أشار فيها إلى أنّ عكار من أكثر مناطق لبنان حرمانًا، وهذا ما يدفعنا إلى تبنِّي أية ورشة تنموية تُقام فيها. أعقبَ ذلك كلمة منسق الورشة ورئيس “مركز عكار” د. مصطفى الحلوة، توقّف فيها عند خلفيّات عقد هذه الورشة، وما تتضمّن من مداخلات وأوراق عمل، مُشدِّدًا على أنّ انتقال لبنان إلى الاقتصاد المنتج يضعُهُ على سُكَّة التعافي من أزماتِهِ.
تضمَّنت الورشة ستّ جلسات، وجاءت الجلسة الأولى بعنوان: “قراءة نقديّة مقارنة بين الاقتصاد الريعي والاقتصاد المنتج” ، قدّمها عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية (الجامعة اللبنانية) البروفسور كميل حبيب. أما الجلسة الثانية، عنوانها:”الاقتصاد اللبناني الريعي وكيفيّة تحوّله إلى اقتصاد منتج”، فقد تضمَّنت مداخلتين، أولاهما للدكتور ناجي كعدي، والثانية للدكتورة حميدة العجل.
وعن الجلسة الثالثة، عنوانها :” العلاقة الجدلية بين التنمية المستدامة وبناء مجتمع المعرفة”، فقد كانت مداخلتان، الأولى للأستاذ ربيع بعلبكي، والثانية للأستاذة نورا المرعبي. الجلسة الرابعة، جاءت بعنوان:” السُبُل الآيلة إلى تعزيز الاقتصاد المنتج في عكار”، داخَلَ فيها كل من د. عايدة الخطيب ود. كلود مرجي. وعن الجلسة الخامسة، فقد تمّت مقاربة “دور اللامركزية الإدارية في تحقيق الانتقال إلى الاقتصاد المنتج”، وكانت ثلاث مداخلات، الأولى للدكتور خليل خير الله، والثانية للخريجة الجامعية د. فدى هوشر، والثالثة لطالب الماجستير في الحقوق الأستاذ سليم حلوة.
ختام الجلسات، عنوانها:” المنعكسات الإيجابية لدور طرابلس، عاصمة اقتصادية للبنان، على عملية التنمية المستدامة في عكار”.
الجلسات الست أدارها كل من:” د. مصطفى الحلوة، د. آسيا السحمراني، د. رولى بردقان، د. جليل شكور، د. غنوة عبد الله، أ. أمل صانع.
كان حضورٌ طاغٍ، في أعمال الورشة، للطلبة الجامعيين. وقد شكَّلت مداخلتا الخريجة الجامعية د. هوشر والطالب الجامعي سليم حلوة علامة فارقة، بل سابقة، يُؤمَّلُ تكرارها، بهدف تأهيل الخرّيجين والطلبة الجامعيين وتدريبهم على التداخل في مختلف الفعاليات البحثية. وفي ختام أعمال الورشة، التي اتّسمت بحوار تفاعلي، تمَّ الخلوص إلى رؤى وتوصيات، أُدرجت تحت المحاور الآتية:
أولاً- الاقتصاد الريعي والاقتصاد المنتج واقتصاد المعرفة/ في تحديد المفاهيم
• الريع مفهوم مُتعدِّد الجوانب، وقد تطوّر عبر الزمن، لكنه بقي محافظًا على جوهره، بما هو الدخل غير الناتج عن العمل. وقد ارتبط بالملكية العقارية. ففي المفهوم البدائي للريع، أنه الدخل الذي يحصل عليه مالك الأرض، نتيجة وضع ملكيَّتِهِ بتصرف الآخرين، مقابل عائد معيّن، أعينيًّا كان أم نقديًّا.
• أوّل من استخدم هذا المصطلح، باعتباره شكلاً من أشكالِ المردود المالي، هو آدم سميث، في كتابه “ثروة الأمم”. لكن أول من استعمله كنمط اقتصادي هو كارل ماركس، في كتابه “رأس المال” حيث ورد: ” في الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية، أما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية، فتسيطرُ علاقات الإنتاج”.
• إشارة إلى أن في كل اقتصاد، بمعزلٍ عن نوعِهِ، تُوجد عناصر ريعية، تختلف في كثافتها من بلدٍ لآخر.
• أنواع الريع: الريع العقاري (ما تدرّه العقارات من عوائد مالية)/ الريع الاحتكاري (أي ما تدرّه المنافسة من عائدات مالية بين التجار والشركات في مجال واحد)/ الريع الوظيفي (رواتب موظفي الدولة أو القطاع العام)/ الريع المنجمي (الثروات الطبيعية)/ ريع المضاربات على اختلافها/ ريع الامتيازات (المنح والهبات).
• اقتصاد الريع يعتمد، بشكل أساسي، على مصدرٍ واحدٍ للدخل، غالبًا ما يكون هذا المصدر مرتبطًا بالطبيعة، ولا يحتاج إلى آليات إنتاج مُعقّدة (النفط، الغاز، المعادن، كمواد خام الخ..).
• الاقتصاد الريعي، يتمثّل بحصر النشاط الاقتصادي، في ميادين وقطاعات، تدرُّ أرباحًا كبيرة، من دون أن يكون لصاحب الريع أي نشاط إنتاجي وإبداعي يُذكر.
• من أبرز الانعكاسات السلبية للاقتصاد الريعي: ضعف الإنتاج، نتيجة عدم اهتمام الدولة بتطوير المهارات وتحسين القُدرات المحلية/ تحوُّل المجتمع إلى النمط الاستهلاكي والاعتماد على الاستيراد/ ارتفاع معدّلات البطالة/ تمركّز الثروة الريعية بين أيدي السلطة وزبانيتها، من المتحاصصين، وعدم العدالة في توزيع الثروة.
• استكمالاً، لهذا النوع من الاقتصاد آثار سلبية، على مستويات ثلاثة: فعلى المستوى الفردي، يُعزِّز إتّكالية الأفراد على الدولة ويقتل روح المبادرة الفردية/ وعلى المستوى المجتمعي، تغدو العلاقات الاجتماعية مغلقة، بل هي مُغلقةٌ بطبيعتها/ تعميق الهوّة بين الطبقات الاجتماعية، وذلك بحصر الثروة بيد فئة ضيقة، وتزيد نسبة الفقر لدى شرائح واسعة/ وعلى مستوى الدولة، فهو يكرِّس التبعية للخارج، كونها تعتمد على الاستيراد، وأزمة أوكرانيا راهنًا هي خير دليل. وهذا ما يُفضي إلى رهن الاقتصاد للمتغيرات الخارجية/ وإلى ذلك فإن الدول، التي تعتمد الريع، لا سيما المعونات والمنح، تخضع للإملاءات والشروط الخارجية (تبعية اقتصادية تؤول إلى تبعية سياسية).
• إذْ يُعزِّز الاقتصاد الريعي تبعية المجتمع للدولة، فهو يُقلِّل إتاحة الفرص والإمكانيات للتحوّل الديمقراطي. وبالمقابل فإن الاقتصاد المنتج يُشكِّل أحد المداخل الملائمة إلى الحياة الديمقراطية الحقيقية.
• غدا الريع ثقافة عامة مُتأصِلة في النفوس. وقد تبدّى ذلك مؤخّرًا، في “لعبة صيرفة”، التي أقحم فيها المصرف المركزي المواطنين، محوّلاً إيّاهم إلى مقامرين، يتسكّعون على أبواب المصارف.
• الاقتصاد المنتج يرتكز على القطاعات المنتجة، لا سيما في الزراعة والصناعة. وهذا النمط من الاقتصاد يستخدم آليات إنتاج، تُتيح له تكوين كتلته الاقتصادية المالية، ولا يعتمد، بشكل أساسي، على المصادر الطبيعية، أو على منظومة خدمات غير ثابتة.
• الاقتصاد المنتج يخلق دينامية مُتجدِّدة، ويُحرِّر الاقتصاد من وضعه الرتيب. وهو اقتصاد إنتاجي تحويلي، يُفضي إلى تنمية حقيقية ومُستدامة، بإعارتِهِ اهتمامًا كبيرًا للقطاعين الزراعي والصناعي، كما للصناعات التحويلية، القائمة على الزراعة والإنتاج الحيواني.
• من أبرز إيجابيات الاقتصاد المنتج: تأمين فرص عمل للشرائح الشبابية والحدّ من هجرتها/ يُساعد على الحدّ من العجز في الخزينة العامة/ السيطرة على الدين العام/ تلبية حاجة المستهلك ورغباته، من خلال تناسُب تسعيرة المُنتَج مع جودته.
• وإلى ذلك، فإن الاقتصاد المنتج يعتمد على عوائد استثمارية ثابتة، ويُسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة، وتحويلها من دولة مستهلكة إلى دولة مُنتجة.
• تحويلات المهاجرين إلى بلادهم الأم تُعدُّ ريعًا ناجمًا عن القيمة المضافة، ولكنها لا تولِّدُ دولة ريعية، كون هذه التحويلات لا تعود إلى الدولة، بل إلى المهاجرين أنفسهم وإلى عائلاتهم المُقيمة.
• التطوّرات، بل القفزات الهائلة، في مجالات تكنولوجيا المعلومات، التي يسيرُ عصرنا على إيقاعها، دفعت بعض الدول إلى إجراء تعديلات جذرية بنيويّة على اقتصاداتها، فعزَّزت من دور الاقتصاد الرقمي/ اقتصاد المعرفة، الذي بات له موقع الصدارة.
• اقتصاد الغد، الذي تلوحُ بشائره بقوة، سوف يُبنى على التواصل فائق السرعة (Hyper connectivity) ومراكز المعلومات (Data Centers)، الذي يستوعب قوى عاملة ماهرة جدًّا، تُنتجها الجامعات ومراكز الأبحاث.
ثانيًا- في طبيعة الاقتصاد اللبناني ومساره منذ الاستقلال حتى اليوم.. وفي الرؤى
• من الخطأ الاعتقاد بأنّ الأزمة الاقتصادية، التي يُعانيها لبنان راهنًا، هي وليدة أسباب آنيّة ومرحليّة. بل إن النهج الاقتصادي الريعي هو في عِداد العوامل، التي أوصلت البلاد إلى الأزمة المصيرية الوجودية، التي تعصف بها. وهذا النمط الريعي اعتمدهُ لبنان، في معظم مراحل تاريخه الحديث، منذ قيام جمهورية الاستقلال حتى اليوم.
• لجهة طبيعة الاقتصاد اللبناني، التي رسا عليها، كانت الغلبة للآراء الاقتصادية التي نادت بضرورة تخصُّص لبنان في الخدمات التجارية والمصرفية، معوِّلين على لعبه دور المركز الإقليمي الوسيط بين الاقتصادات الغربية المتطوّرة والمحيط العربي.
• في لبنان، مصدر الريع، يكمن في السياسات المالية والنقدية الخاطئة، التي أُتِّبعت على مدى عقود، والتي تحوّل لبنان بموجبها إلى بلد مرتهن للخارج، نتيجة الديون وتراكم خدمات الدين، فضلاً عن ضعف الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية.
• قبل الحرب الأهلية (1975- 1976)، كان الاقتصاد اللبناني يتميَّز بالعديد من الصناعات الريعية، التي تُساهم في دعم الاقتصاد، مثل السياحة والمصارف والتجارة الدولية، عن طريق المرفأ.
• كان لبنان، في تلك الفترة، يُعتبر مركزًا للأعمال والتجارة في المنطقة، إذ يستقطب العديد من الأعمال التجارية والاستثمارات الأجنبية.
• كانت الحركات النقدية وتحويلات المغتربين، من بين أهم المصادر، التي يعتمد عليها الاقتصاد اللبناني. وقد كانت السياحة تُسهم، بشكل كبير، في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
• كانت المصارف اللبنانية من أكثر المصارف تقدّمًا في المنطقة، وكانت تجذب العديد من الودائع العربية، بحكم توافر خدمات مصرفية متطوّرة من جهة، ومن جهة أخرى كانت السريّة المصرفية تُشكِّل صمام أمان لهذه الودائع.
• يكاد يُجمع الخبراء على اعتبار النموذج الاقتصادي، الذي كان سائدًا في لبنان، منذ الاستقلال حتى أواخر العام 2019 (حراك 17 تشرين أول 2019) قد تهاوى موضوعيًّا، ولم يعُدْ في الإمكان إعادة استنساخِهِ. وعليه، فإن الدور، الذي رُسم للبنان، في الحقبة الماضية، كنقطة التقاء بين الشرق والغرب، أو كبلد خدمات نوعية، لم يعُدْ قائمًا اليوم.
• قبل الحرب الأهلية (1975- 1976)، كان القطاع الصناعي اللبناني يُساهم بحوالي 15% من الناتج القومي، فتراجع إلى 7% في السنوات الأخيرة. ولكن، في ظل الأزمة الحالية راح هذا القطاع يلتقط بعضًا من أنفاسِهِ، ويسدّ حيِّزًا مهمًّا من الاستهلاك المحلي، وبما يكبح من جماح الاستيراد بالعملة الصعبة.
• الناتج المحلي بين العام 2018 والعام 2022 هبط بنسبة انحدارية، من 55 مليار دولار إلى 15 مليار. بالمقابل، منذ بدء الأزمة ارتفع الاتكال على اقتصاد Cash Money من 30% من الناتج إلى 200% في العام الحالي. إشارة إلى أن هذا النوع من الاقتصادات يُفسح في المجال، أمام عمليات تبييض الأموال والتهرّب الضريبي وزيادة نسبة الفساد.
• يُشكِّل القطاع الزراعي في لبنان ثالث أهمّ القطاعات الاقتصادية، بنسبة 4% من الاقتصاد اللبناني، إذْ بلغت قيمة الإنتاج الزراعي 2 مليار دولار. في حين بلغت قيمة استيراد المنتجات الغذائية 3،5 مليار دولار في العام 2018، مما يُشكِّل أكثر من 80% من حاجاتنا الغذائية. ويُمثّل هذا القطاع 6% من العمالة الوطنية. وقد تصل هذه النسبة ، في بعض المناطق الزراعية، إلى 25%.
• كان للحرب الأهلية أثرٌ كبير في مسار لبنان الاقتصادي. فخلال تلك الحرب، راح الاقتصاد ينحو باتجاه النظام الريعي، إذْ ازدادت أهمية النقد الأجنبي والتجارة السوداء، وتعدَّدت أشكال الفساد، والتجارب الاقتصادية العشوائية، في كل المجالات.
• تضرّرت المنشآت الاقتصادية، إبّان الحرب، بشكل كبير، وتضرّرت الصناعات، التي تعتمد على المواد الخام المستوردة، مما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتدهور القوة الشرائية للمواطنين.
• عاد الاستقرار النسبي إلى لبنان، في العام 1990 (اتفاق الطائف). وقد بدأ الاقتصاد اللبناني يتعافى، وعادت الشركات الأجنبية إلى لبنان للاستثمار. وكان لحكومات تلك المرحلة أن تنحو بالاقتصاد إلى اقتصاد مزدهر ومتنوّع.
• مشروع إعادة الإعمار (سوليدير)، قام على استثمارات ضخمة، في البنى التحتيّة، لجذب تدفّق الاستثمارات الخارجية المباشرة. ولم يتمّ التوجّه نحو القطاعات المنتجة، من مثل الزراعة، بسبب كلفة الإنتاج المرتفعة.
• كان للسياسات المالية والنقدية دورٌ في تجذير الاقتصاد الريعي، وأبرز مظاهرها الفوائد المصرفية المرتفعة على الثروات. كما كان للفوائد المرتفعة أيضًا على سندات الخزينة دور في سحب السيولة من التداول، في العملية الاقتصادية، والاكتفاء بالمردود الربوي على هذه السندات.
• تأسيسًا على ما تقدّم، راح الاقتصاد اللبناني يتحوّل، بشكل حاسم، إلى اقتصاد ريعي، يعتمد، بشكل كبير، على الخارج (التمويل والمساعدات الدولية وتحويلات المغتربين). وفي الوقت الراهن، تأثّر هذا الاقتصاد بالأزمات السياسية والاجتماعية والأمنية، التي تواجه البلاد، منذ أربع سنوات. ناهيك عن تأثّره بالعوامل الخارجية، من سياسية واقتصادية. وهذا ما أدّى إلى تراجع النمو، بشكل مُريع، وتفاقم البطالة، وتعاظم موجات الهجرة ، وتدنّي مستوى المعيشة.
• استكمالاً ، فإن الإنهيار التاريخي للعملة اللبنانية، لا يُشبه أي مشهد في أي بلدٍ من العالم، إذْ يُواجه اللبنانيون أزمة اقتصادية هي الأسوأ، منذ العام 1850، وفقًا للبنك الدولي. ومن تجليّات هذه الأزمة، بحسب تقارير الأسكوا الأخيرة، أن 40% من الشعب اللبناني يعيشون في فقر مُدقع، فيما تؤكد تقارير اليونسيف أن 30% من أطفال لبنان ينامون جياعًا.
• من منطلق العلاقة الجدلية بين الاقتصاد الريعي العشوائي والفساد، فإنه خلال العقود الثلاثة الماضية، قُدِّر حجم الأموال المنهوبة والمهدورة على مشاريع وهمية بأكثر من 300 مليار دولار.
ثالثًا- في المداخل المفضية إلى اقتصاد منتج والعبور إلى التنمية المستدامة/ مقترحات وتوصيات
أ- السبيل إلى اقتصاد منتج/ في الفُرص المتاحة والمعوّقات:
1- القيام بإصلاحات هيكليَّة لتحديث الإدارة ومكافحة الفساد، وتحديث التشريعات، وإصلاحات قطاعية، لتحقيق الفائدة القُصوى من الاستثمارات التي يقوم بها القطاع الخاص، ووضع استراتيجية لتطوير القطاعات الإنتاجية وزيادة حجم الصادرات.
2- إعادة تأهيل البنى التحتية الضرورية لتنمية القطاعات الإنتاجية، كقطاع الطاقة والاتصالات والنقل، لتعزيز تجارة الترانزيت (ربط العريضة الحدودية بالناقورة، وبيروت عبر دمشق، بواسطة سكة الحديد).
3- الانتقال إلى الاقتصاد المنتج، يجب أن يُواكبه تحوُّل موازٍ في البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية، مع تكريس روح الشفافية والتنافسية في المجتمع.
4- اعتماد إجراءات شراكة عملية بين القطاعين العام والخاص، والتركيز على تطوير القوى البشرية، فهي أداة التنمية ووسيلتها وغايتها.
5- استلهام ما خلصت إليه “خطة ماكينزي” (تموز 2018)، المندرجة تحت عنوان:” الخطة الاقتصادية للنهوض”، التي دعت إلى تنمية وتطوير ستة قطاعات أساسية، هي :الصناعة، الزراعة، السياحة، القطاع المالي، اقتصاد المعرفة وقطاع الانتشار (الاغتراب). والملفت، في هذه الخطة، إشارتُها إلى أهمية التحوّل نحو الاقتصاد الرقمي، عالي الإنتاجية، والرائد في مجال الابتكار.
6- التحوّل الاقتصادي يقتضي القيام بالخطوات الآتية: إصلاح النظام المالي والمصرفي وتنظيمهما/ وقف هدر المال العام والتهرّب الضريبي/ تفعيل دور الرقابة والمحاسبة/ استقلالية القضاء ومحاربة الفساد/ الإصلاح السياسي مدخلٌ أساسي في التحوّل إلى اقتصاد مُنتج.
7- تسهيلاً للاستثمار، لا بدّ للقطاع المصرفي من تمويل المشروعات الصناعية، أي وضع القطاع المصرفي في خدمة الاقتصاد الوطني، وليس العكس.
8- إعادة تأهيل القطاع الزراعي، من خلال وقف التمدّد العمراني، وإعطاء الأولوية للزراعات ذات القيمة المضافة(الجوزيات- الفستق الحلبي، الكستناء الخ..)، وزراعة الأشجار الاستوائية (الأفوكادو والكيوي..).
9- تصحيح اختلالات الهيكل القطاعي للناتج المحلي، عن طريق تفعيل دور قطاع الصناعة التحويلية وقطاع الزراعة.
10- إنشاء مصرف للزراعة تكون الدولة المساهم الأكبر فيه، مع مشاركة القطاع الخاص. إضافة إلى مصرف مختص للصناعات التحويلية، بما يمكّن المزارعين والصناعيين الإفادة من قروض، بفائدة دُنيا، وعلى مدى طويل.
11- دعم مشروعات صغيرة ومتوسطة، في الريف برؤوس أموال محدودة، ليست بحاجة إلى مهارات خاصة، مع الإفادة من العمالة التقليدية، وتطوير أدائها.
12- تقديم تسهيلات مالية، تشمل جميع أنواع الحوافز المالية، لدعم قطاع الصناعة، وإعطاء الأفضلية، في مشتريات الإدارات الحكومية، لمنتجات الصناعة الوطنية.
13- منح إعفاءات ضريبة مناسبة للمصانع الناشئة والصغيرة، لتخفيف كلفة الإنتاج الصناعي، وزيادة القدرة التنافسية للسلع التي تُنتجها هذه المصانع.
14- دعم الصادرات، بما لا يتعارض مع الاتفاقات التجارية، التي يرتبط بها لبنان، وتأمين الأسواق الخارجية والإفادة من الإعفاءات التي تُقدِّمها هذه الاتفاقيات، والمشاركة في المعارض الدولية، ترويجًا للمنتج اللبناني في العالم.
15- تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات الإدارية والبيروقراطية والقانونية، ليُصار إلى تشجيع الاستثمار في القطاع الصناعي.
بما يخصّ محافظة عكار، فإلى كل ما تقدّم، يجب اعتماد الخطوات الآتية، عبورًا إلى اقتصاد عكاري منتج:
16- وضع أسس لبرنامج “العودة إلى الأرياف”، للاهتمام بالأرض وتأمين المعيشة اليومية بكرامة، عبر مشروعات صغيرة “الاقتصاد الريفي المنزلي”/ (بيت المونة).
17- جلب الاستثمارات لمتمولّين عكاريين مُنتشرين في أصقاع العالم.
18- تفعيل دور التعاونيات الزراعية، وإنشاء اتحاد لها، وتوفير الدعم الحكومي.
19- التدريب المهني المتخصّص للشباب والعاملين في مجال الزراعة.
20- إدارة وصيانة الغابات الطبيعية، واستحداث غابات جديدة، وتشجير الأراضي الحرجية المهملة، بزرع الخرنوب والسماق والصعتر.
21- فتح ممرات لتسهيل وصول سيارات الإطفاء إلى الأحراج، عند اندلاع الحرائق “الموسمية”.
22- خلق منصّات تسويق الكترونية خاصة بالمنتوجات العكارية، مع جعل عبارة “صُنع في عكار” مرجعًا صناعيًّا وماركة مُسجّلة، مع التقيُّد بالمواصفات، لجهة نوع المُنتج ونظافته، وفق التصنيف العالمي، مع التوضيب والتغليف.
23- وعي العكاريين أهمية السياحة، بكل أشكالها، كإحدى قاطرات بناء الاقتصاد وانتعاشه، إذْ تقوم بإنعاش حوالي 55 قطاعًا وصناعة، ناهيك عن توفيرها فرص عمل عديدة، مما يخفض من معدّلات البطالة.
24- إدراك أهمية السياحة للشرائح الشبابية، إذْ حيثما يحلّ السائح، فهو محتاج إلى خدمات ، من شأنها توفير فرص عمل.
25- تفعيل السياحة في عكار، عبر التركيز على المقوّمات الطبيعية، والمقوِّمات الأثرية والمعالم الدينية. مع إبراز دور التراث العكاري، في دعم الاقتصاد العكاري، من عادات وتقاليد وفولكلور ورقص شعبي ومأكولات ، وصناعات حرفية.
26- في إطار السياحة البيئية، يجب تعزيز دور نموذجين ناجحين جدًّا في عكار، هما :” مجلس البيئة في القبيات”، و”جمعية درب عكار”، التي أنشأت متحفًا لأكبر مجموعة حشرات في لبنان، إضافة إلى حماية أنواع كثيرة من النباتات ، نادرة الوجود.
27- ضرورة إقامة ورش عمل حول أهمية البيئة والسياحة البيئية المستدامة في عكار، بما يزيد الوعي بالبيئة، لإدخالها كرقمٍ وازن في المعادلة الاقتصادية للمنطقة.
ب- اقتصاد المعرفة كرافد أساسي للاقتصاد المنتج
28- إلى الاقتصاد المنتج، لا بد من الولوج إلى اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي، كخيار استراتيجي. فهذا النمط من الاقتصاد، يُشكِّل فيه إنتاج المعرفة، توزيعًا واستخدامًا، المحرِّك الرئيس لعملية النمو المستدام وخلق الثروة وتوفير فرص التوظيف، في المجالات كافة.
29- يجب تعزيز المهارات المتخصِّصة، بشكل مستمر وعلى مدى الحياة، وهي تندرج تحت أربع: مهارات لغوية/ مهارات عامة/ مهارات رقمية/ مهارات حياتية.
30- الإفادة من البيانات الضخمة، كغذاء لاقتصاد المعرفة، ومن الاقتصاد الرقمي كعصبٍ لاقتصاد المعرفة، ومن اقتصاد الابتكار كركيزة للاقتصاد المنتج.
31- سلوك الطريق إلى المعرفة، الذي يتضمن العدالة الرقمية/ النضج الرقمي/ التربية على الابتكار للجميع/ التحوّل من الإبداع الفردي إلى الإبداع المجتمعي والمؤسَّسي/ اقتصاد المعرفة ودوره في النهوض بالمجتمعات.
32- الحاجة إلى محو الأميّة الرقمية المجتمعيّة، وتعزيز الوعي والإرشاد المهني، وتوثيق التكافل الاجتماعي، ووعي أهمية العصامية والابتكار في تعزيز اقتصاد المعرفة.
33- الاستثمار في القطاع المعرفي الرقمي، بحيث تغدو الموارد البشرية مؤهَّلة، وذات مهارة عالية، ولتصبح المعرفة العلمية والتكنولوجية العامل الأساسي للإنتاج.
34- بهدف تكريس الاقتصاد المعرفي/ الرقمي، يجب توفير البنى التحتيّة اللازمة للإنترنت السريع، والألياف البصرية، مع إرساء الأسس العائدة لقواعد الحوكمة الإلكترونية.
35- كون التعليم من ميزات لبنان التفاضلية، ينبغي الاستثمار في “المدن الذكيّة”، التي تسعى إلى توفير بيئة رقميّة صديقة للبيئة، ومحفّزة للتعلّم والإبداع.
36- الإفراج عن ملف الجامعة اللبنانية في عكار، وذلك بوضع المراسيم، التي أصدرتها الحكومة، حول إنشاء بعض الكليات والفروع، موضع التنفيذ العملي، ذلك أن الصروح الجامعية تُسهم في توفير المناخات الملائمة لاقتصاد المعرفة.
ج- اللامركزية الإدارية كمحفِّز على تحقيق الإنماء المناطقي التنافسي:
37- في سبيل تكريس التنمية المناطقية، يجب تحقيق أحد البنود الإصلاحية، التي نص عليها “اتفاق الطائف” للعام 1989، حيث جاء، في باب الإصلاحات، وتحت عنوان “اللامركزية الإدارية، البند 4″:” اعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة، على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون)، عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء، يرأسه القائمقام، تأمينًا للمشاركة المحلية”.
38- في هذا المجال ينبغي وضع مشروع قانون اللامركزية الإدارية للعام 2014، موضع التنفيذ العملي (معروف بمشروع الوزير زياد بارود). فهذا المشروع يكفل تحقيق الديمقراطية المحلية، على الوجه الأكمل.
39- من الأهمية بمكان إطلاق اللامركزية الإدارية الموسّعة، إذْ أن عدم المبادرة إلى ذلك يُخفي رهانًا سياسيًّا، يزيد من مأزق المركزية المفرطة، ويجعل الصراع على الإمساك بقرار المركز واحدًا من أدوات التوتر السياسي القائم في لبنان راهنًا.
40- إن إطلاق اللامركزية الإدارية الموسَّعة، يُمثِّل وسيلة لتحقيق التنمية والتوسُّع في اعتماد الديمقراطية، على المستوى المحلي. وهذا يندرج في إطار التنمية السياسية، التي هي وجه من وجوه التنمية المستدامة.
41- ما يُعزِّز من اعتماد خيار اللامركزية الإدارية الموسّعة أن للمناطق اللبنانية حاجات تختلف، من منطقة إلى أخرى، وأبناء هذه المناطق هم أدرى بحاجاتهم، وأقدر على حلّ مشاكلهم من الموظفين الذين تُُعيِّنهم الحكومة المركزية. علمًا أن التمييز بين الشؤون المحلية والشؤون الوطنية هو من المرتكزات الأساسية لنظام اللامركزية الإدارية.
42- يجب المحاذرة من جنوح أي اتجاه لامركزي إداري نحو اللامركزية السياسية، لا سيما بعد أن شهد لبنان، في العقود الأخيرة (إبّان حرب السنتين 1975- 1976) ما أُطلق عليه “الإدارات المدنية”، أو مناطق الأمر الواقع، والتي كادت تقود البلاد إلى التقسيم أو “الفدرلة”.
د- طرابلس كعاصمة اقتصادية للبنان، ودورها في عملية التنمية المستدامة في عكار
43- ينبغي أخذ هذه المبادرة بعين النظر والاهتمام، كون المشروع الذي تتضمّنه، لا يُقتصر جغرافيًا على العاصمة الثانية (طرابلس)، بل يمتدّ من أعالي بلاد البترون حتى أقاصي عكار، أو ما يُعرف بـ” طرابلس الكبرى”.
44- أهمية هذه المبادرة أنها ذات بُعد وطني لبناني وعربي ودولي، فقد تمّ استعراضها مع المرجعيات السياسيّة والاقتصادية المحلية، والعربية والدولية، لا سيما الصين، التي بات لها حضورٌ اقتصادي واسع، على صعيد المنطقة.
45- هذه المبادرة تشمل ، بما يخصّ محافظة عكار، على سبيل المثال لا الحصر: إعادة تأهيل مطار القليعات (مطار الشهيد رينيه معوض) وتوسيعه، ليكون المنفذ الجوي على العالم. إضافة إلى إعادة تأهيل الواجهة البحرية العكارية” (طولها 30 كلم)، وإقامة مرفأ عليها، بمواصفات دولية. وإلى ذلك إعادة تشغيل سُكة الحديد، انطلاقًا من طرابلس حتى الحدود الشمالية السورية.
إشارة إلى أن هذه المبادرة، حال تنفيذها، توفِّر آلاف فرص العمل للشرائح الشبابية في عكار، وتُسهم في تفعيل دورتها الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى