إجتماعيات

في حضرة الشهادة في سبيل الله ..

اكتب هذه المعلومات القرآنية … محمد أسوم

■■ اختلف أهل اللغة في اشتقاق كلمة شهيد على وزن فعيل ..
هل هي من الشهادة بمعنى الحضور والعلم والإعلام
أو هي من المشاهدة بمعنى الرؤية …..

  • فإن كانت من الشهادة بمعنى الحضور والعلم والإعلام
    فقد تكون على وزن فعيل بمعنى مفعول أي مشهود له من الله وملائكته بالصدق والإيمان …
    أو تكون على وزن فعيل بمعنى فاعل أي شاهد على الناس بدمائه
    لأن الله تعالى يقول : (ولتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )…
  • وإن كانت من المشاهدة بمعنى الرؤية
    فأيضا
    قد تكون على وزن فعيل بمعنى مفعول أي أن الملائكة تشاهد صدقه وايمانه وبذله لنفسه في سبيل الله
    أو تكون على وزن فعيل بمعنى فاعل أي أنه حين يموت يشاهد ملكوت الله أو يشاهد مكانته وتكريمه ….

■■ والشهادة اصطفاء ….
فهي إكرام من الله عز وجل …
فالله تعالى يصطفي من عباده المؤمنين الصادقين ليكونوا شهداء إكراما لهم وجزاء لهم على صدقهم وإخلاصهم
قال تعالى : (( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ))

■■ ولأن الشهادة اصطفاء وإكرام فهي فوز وانتصار …
فالشهادة انتصار فردي …والنصر انتصار جماعي …
ولذلك أطلق الله عليهما صفة الحُسْنَيَيْنِ
((قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ..ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ..فتربصوا إنا معكم متربصون ))

((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ..ومن أوفى بعهده من الله …فاستبشروا ببيعكم الذي باعيتم به وذلك هو الفوز العظيم ))

■■ ولأن الشهادة فوز وانتصار فإن الله تعالى جعلهم أحياء
ونهى عن وصفهم بالأموات ..
((ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات …بل أحياء ولكن لا تشعرون ))

■■ وجعل الله الشهداء أحياء لسببين :

الأول : أنهم يتميزون عن كل الموتى في حياة البرزخ بأنهم يرزقون من الجنة …ويفرحون جدا بما أتاهم الله …
بينما كل الموتى ينتظرون يوم القيامة ليعرفوا مصيرهم وينالوا ثوابهم أو عقابهم
((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون …فرحين بما آتاهم الله من فضله …))

الثاني : أن دماءهم حياة للأمة ووقود لها …فكلما استشهد شهيد تمنى الكثيرون أن يكونوا على دربه لينالوا ما ناله من فضل …
لذلك هم يستبشرون بشهادة من سيلحق بهم من المؤمنين
ويعلمون من سينال هذه المكرمة من رب العالمين
((ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون …يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ))

■■ وهناك شهيد يقاتل في سبيل الله فيُقتل …
وهناك شهيد يموت في سبيل الله دون أن يقاتل …
كالذين يتم اغتيالهم ..او اعتقالهم فيموتون في السجن …أو الحكم عليهم بالإعدام ..او يموتون في طريق الهجرة..

وغالبا هؤلاء يكونون من أصحاب الرأي والتأثير أو يكونون من الداعمين للجهاد ماليا أو إعلاميا او عسكريا أو سياسيا أو فكريا ..
فهؤلاء شهداء عند الله أيضا
((ومن يقاتل في سبيل الله فيغلب أو يُقتل فسوف نؤتيه أجرا عظيما ))
((ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ))

(( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ))

■■ والشهداء في حياة البرزخ يصلون الى الرزق الحسن بالهداية …بمعنى أن الله يهديهم الى مواقع الرزق ومواقع الخيرات في الجنة دون أن ترافقهم الملائكة في ذهابهم وإيابهم ودخولهم وخروجهم …فهم أحرار في حركتهم وانتقالاتهم
الطريق لهم مفتوح ….والإشارات لهم واضحة ….وبالهم مستقر ومطمئن
(والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم …سيهديهم ويصلح بالهم … ويدخلهم الجنة عرفها لهم ))

■■ ويوم القيامة يتميز الشهداء بميزات أهمها :

  • النور الذي يخرج منهم …
    (( والشهداء عند ربهم …لهم أجرهم ونورهم ))
  • رائحة المسك التي تفوح منهم :
    فقد روى البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا، إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ”

■■ وأفضل مرتبة في الشهادة ينالها الصادعون بالحق في وجه الظلمة …
فجهادهم أفضل الجهاد …وشهيدهم سيد الشهداء
لأن الذي يقول كلمة الحق في زمن الخوف من السلطان إنما يقولها مواجها نظاما جائرا …وموقظا شعبا خاضعا ..دون أن يخاف لومة لائم
فمثله كمثل ابراهيم عليه السلام حين هدم الأصنام …وحين وقف أمام النمرود …
وكمثل موسى عليه السلام حين وقف أمام فرعون
وقد قال الله تعالى :
((الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ))
وقال أيضا :
((فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ))

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر )) رواه أبو داوود

وقال أيضا : ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله ))رواه الحاكم – وصححه –

■■ المرتية الثانية : الشهداء الأبرار …
وهم الذين جمعوا بين الهجرة والإخراج من الديار والتعرض للإيذاء والتعذيب والقتال والقتل في سبيل الله …

وقد تتداخل مع المرتبة الأولى …

((فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من الله والله عنده حسن الثواب ))
ثم يقول
((لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها…نزلا من عند الله …وما عند الله خير للأبرار ))

■■ والمرتبة الثالثة هي مرتبة الذين يجمعون فقط بين الهجرة والقتل او الموت في سبيل الله
(( والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وان الله لهو خير الرازقين ))
وما يميزهم عمن قبلهم أنهم لم يعذبوا او يؤذوا في سبيل الله …ولم يقفوا أمام سلطان جائر فيقتلهم
وما يميزهم عمن بعدهم أن الله وصف رزقهم بالرزق الحسن …
بينما في الحديث عن شهداء المراتب التالية لم يضف هذا الوصف

■■ ثم تأتي المراتب الأخرى
الذين قاتلوا وقتلوا في سبيل الله
الذين قتلوا مظلومين
الذين ماتوا غرقا أو هدما
الذين قتلوا دفاعا عن انفسهم أموالهم وأعراضهم
الذين قتلوا مبطونين او بالطاعون ..
وهذه المراتب كلها ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم

روى مسلم أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((«مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، قَالَ: «إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ»، قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ”))

وروى أحمد: ((“مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ))

■■ والشهيد لا يشعر بسكرات الموت …بل شهادته كقرصة صغيرة …
روى أحمد أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ”

وبسبب ما يراه من الكرامة يتمنى الشهيد ان يعود فيقتل عشر مرات….

روى الشيخان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ».

ويكفي أن الله تعالى قال عنهم ((ألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون ))

وهناك أحاديث كثيرة في الصحاح عن فضل الشهداء وثوابهم ..

اللهم تقبل شهداءنا الأبرار
وارزقنا شهادة في سبيلك
نلقى بها وجهك الكريم
ترضى بها عنا …وتحيي بها أمتنا من خلفنا

                 #التاج_المنير_من_جواهر_التفسير (٦)

             محمد أسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى