الأخبار اللبنانية

حفل عشاء تكريمي على شرف الرئيس السنيورة في الميناء

أكدّ رئيس كتلة “المستقبل” النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أنّ “الحملات المُغْرِضة والممتزجة بالإهانات الشخصية التي تعرضْنا ونتعرُض لها أشخاصاً وجماعةً وتياراً ومساراً، لا يصحُّ الإصغاءُ إليها، أو الثوران على أساسٍ منها، وهي تدفعُنا لترديد قوله تعالى: “وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرض هَوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”. آملاً أن “تكون القمة العربية المقبلة مناسبةً لإجتراح السُبُل لوقف الهجمة الصهيونية على القدس وفلسطين وسائر ديار العرب المحتلة في لبنان وسوريا”، مناشداً من طرابلس “الإخوة الفلسطينيين أولاً والملوك والرؤساء العرب ثانياً الاتفاق على الحد الأدنى في مواجهة الصَلَف الإسرائيلي”. ورحّب “بالتقارب السعودي السوري” “مشجعاً خطوات التقارب التي يقوم بها لبنان مع الشقيقة سوريا والتي انطلق فيها دولة الرئيس سعد الحريري”.
كلام الرئيس السنيورة جاء في حفل عشاء تكريمي أقامه عضو كتلة “المستقبل” النائب سمير الجسر وعقيلته السيدة سلام، على شرف الرئيس السنيورة وعقيلته السيدة هدى في مطعم “الشاطىء الفضي” في الميناء، في حضور الرئيس سعد الحريري ممثلاً بالوزير جان أوغاسبيان، والرئيس نجيب ميقاتي والرئيس فريد مكاري والوزير محمد الصفدي، ومفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار والنواب محمد كبارة واحمد فتفت وروبير فاضل وبدر ونوس وسامر سعادة وأحمد كرامي وهاشم علم الدين وخالد ضاهر ومعين مرعبي وخالد زهرمان وهادي حبيش وخضر حبيب ونضال طعمة وقاسم عبد العزيز، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي والوزراء السابقون محمد شطح وخالد قباني وليلي الصلح وعمر مسقاوي، والنائب الأسبق مصطفى علوش ورئيس مجلس الإنماء والإعمار المهندس نبيل الجسر ومسؤول دائرة طرابلس في “تيار المستقبل” ناصر عدرة ورئيس بلدية طرابلس المهندس رشيد جمالي ورئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين والعقيد بسام الأيوبي ورئيس جمعية “إنماء طرابلس والميناء” انطوان حبيب، وحشد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الجسر
وألقى النائب الجسر كلمةً استهلها بالقول:”يُسعدنا، أنا وزوجتي، أن نلتقي بكم في هذه الأمسية الطيبة، لنتشارك معاً في تكريم دولة الرئيس فؤاد السنيورة، رجل الدولة ورجل المواقف، رجل العطاء بلا حدود، الرجل الذي يجمع بين الحسّ القومي والحسّ الوطني بشكل لافت من دون أن يرى في ذلك، وعن حق، تناقضاً على الإطلاق، الرجل الذي يزاوج بين الحداثة والأصالة بشكل مميز من دون أن يخرج إطلاقاً عن طاعة الرحمن”.
وتابع:”أول ما عرفتُه كان بالسمع في أوائل الثمانينات، كنت حينها في زيارة الصديقين طه ميقاتي ود.الرئيس نجيب ميقاتي، يومها أحْدَثَ العهد والحكومة تغييراً غير مبرر في هيئة الرقابة على المصارف طاولت د. الرئيس الذي كان يشغل رئاسة الهيئة. فرأيت وسمعت من الغضب لهذا الحدث، والحماس للرجل ومزاياه واستقامته، ما أثار فضولي في التعرف على المزيد من مزاياه من الصديقين طه ونجيب. بعدها تعرّفت عليه في زيارات متقطعة، سواء في الوزارة أو في مكتبه في السادات. كانت معظمها تتم ليلاً، وليس بعد انتهاء عمله، لأن دولة الرئيس السنيورة كان دائماً لديه ما ينجزه حتى بعد استقبالاته الليلية المتأخرة”.
وأضاف:”كانت معرفتي الحقيقية والوطيدة به، من خلال الحكومتين اللتين ترافقنا فيها برئاسة دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كانت الحكومة الأولى في تشرين الثاني من العام 2000، بعد الانتصار الانتخابي الهائل الذي أحرزه الرئيس الشهيد في بيروت، بعد سنتّي الظلم والتجنّي اللتين طاولتا كل أصدقاء ورفاق وفريق رفيق الحريري، لمجرد محاولات الضغط على الرجل رحمه الله. كان عند كل زيارة يقوم بها الرئيس الشهيد إلى الخارج نسأل أنفسنا من سيكون التالي على قائمة الاتهامات والتجنّي، طبعاً كان د. الرئيس فؤاد السنيورة دائماً في رأس القائمة، من دون أن ينال ذلك من صبره ومن عزيمته، ومن صلابته وإيمانه بالله عزّ وجلّ”.
وأردف:”في تلك الحكومة الأولى عرفت عن قرب د. الرئيس فؤاد السنيورة، عرفت الرجل الأقرب إلى عقل وقلب الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبيت سرّه، عرفت الرجل الذي واكب بجدّ مسيرة الإنماء والأعمار، عرفت الرجل الذي ساهم في سياسة تثبيت سعر الصرف لليرة اللبنانية، والمهندس الأول لمؤتمر باريس واحد وباريس اثنين، الذين كان يرجى منهما إصلاحات مالية واقتصادية كبيرة لو أنه ترك الأمرُ لتنفيذهما. وعرفت عن قرب حارس الخزينة الذي كان يقف بوجه كل إنفاق غير مجدي، تستحله الكتل السياسية في أول النهار، حتى إذا قضت أمرها تلعن وضع الخزينة في آخره. كان في جلسات مجلس الوزراء حاضراً دائماً، ومعترضاً دائماً على كل إنفاق غير مجدّي، ولا أذكر إن كانت قد مرّت جلسة واحدة لم يسجل فيها مثل هكذا اعتراض. لكن ما اذكره على وجه التأكيد انه الرجل الذي إن فاته كشف شيء سلبي من جدول أعمال مجلس الوزراء، الذي كان يدرسه بدقة، كان يعود في الجلسة التالية طالباً إعادة النظر بالأمر حتى إذا لم يستجاب لملاحظاته يعود فيسجل اعتراضه، طبعاً في بعض الأحيان كانت تعقب بعض الاعتراضات ضحكات من قبل أصحاب المعالي، ضحكات كانت تدور بين التعجب والتقدير لوزير المال الذي لم يكن يترك شاردة ولا واردة، لكن وا أسفاه قلما ما كانت تقابل بايجابية. ضحكات كان يقابلها وزير المال بجدية ورصانة ومسؤولية مردداً عبارته الشهيرة: “اضحكوا.. اضحكوا.. بكره بس تطلع الصرخة بآخر النهار تتذكروا معنى هذا الكلام”.
وقال:”لا أخفيك يا دولة الرئيس بأني كنت أتابع كل كلمة، وكل ملاحظة، وكل اعتراض تقوم به، وبإعجاب كبير، وكنت اسأل نفسي دائماً عن شعور أولئك الناس الذين كانوا يشاركوننا الجلوس على طاولة مجلس الوزراء، من الذين كادوا لك بالأمس في التفريط بالمال العام، كنت اسأل نفسي عن شعورهم بعدما لحظوا منك الحرص الشديد على المال العام، هل تغمض جفونُهم، أم أن قلوبهم هي كالحجارة أو أشدّ قسوة”.
وأضاف:”حين استَفْقَدَ الله سبحانه وتعالى د. الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كُنتَ على حزنك وصدمتك بفقدان رئيسك وصديقك وحبيبك، رابط الجأش على عادتك. تعرف كيف تلملم الأحزان وتجمع الشمل وتؤسس لإستمرار مسيرة الشهيد الرئيس وكنتَ السند الأول لعائلته، لكل عائلته”.
وأشار:”حينما أُوكلت إليك رئاسةُ الحكومة بعد انتخابات 2005 تصرفت بالحكمة المنشودة وبالصلابة المطلوبة. وكانت أول زيارة لك للخارج لسوريا، التي كنت ولا تزال تجد فيها عمقاً استراتيجياً ومجالاً حيوياً وجاراً أوحد. تصرفت بحكمة متعالياً على كل الأحزان والشجون، وإن كانت زيارتك لم تلاق تجاوباً في حينه. إلا أنها كانت من ضمن توجهك القومي من دون أن تفرط في وطنيتك التي تعتز بها في إطار العلاقات المتساوية . كانت تجربتك في الحكم من أصعب التجارب، وكانت تجربة حرب تموز امتحاناً لقدراتك، فقد أرسيت تضامناً حكومياً وشعبياً في وجه العدوان، وحاولت باتصالاتك الدولية أن تنقذ ما يمكن إنقاذه، وأسست مع الحكومة مجتمعة للقرار /1701/ الذي حال دون الاحتلال والتمادي في العداون، واستَحَقيت عن حق لقب رئيس حكومة المقاومة السياسية، هذا اللقب الذي لم يستطيعوا سحبه، بالرغم من كل المحاولات، لأنه علق في أذهان الناس وفي ضمير الناس. ولقد وظفت كل الاحترام الدولي والعربي لك، الناتج عن ممارسة الحكم من خلال الوزارة ورئاستها، ومن خلال حركتك خلال حرب تموز لإزالة آثار العدوان بشقه الإعماري والإنساني والاجتماعي، بظروف صعبة ومهل استثنائية، سيحكم لها التاريخ لا محالة”.
وتابع:”حين تأزم الوضع السياسي وحوصرت السراي الحكومي بقيت صامداً أنت ووزراؤك، وأعطيت المثل في الثبات والمبدئية والعنفوان، مؤمناً بربك ووطنك وشعبك، وإن كان ليس هنا المجال لأن أخوض في أحوال الحصار وأسبابه وآثاره، أستطيع باختصار أن أقول وعن إيمان مطلق،إن صمودك يا د.الرئيس أنقذ الجمهورية، وأنه حين اغرورقت عيناك دمعاً حزناً على وطن كنت تراه يكاد يحتضر. لم يرقْ ذلك لمن قَسَتْ قلوبهم الذين نسَوا قول رسول الله في مواقف الحزن: “إن العينَ لتدمع وإن القلبَ ليخشع”.
وأضاف الجسر:”اسمح لي يا دولة الرئيس أن افشي حديثاً دار بيني وبينك. يوم كانت الاغتيالات تتناول أبطال ثورة الأرز بهدف إسقاط الحكومة والحكم والجمهورية. يومها قصدتك في السراي الحكومي لأبثك هاجساً ترددت كثيراً في قوله لك، وهو انه تهيأ لي انه طالما أن القصد إسقاط الحكومة وإدخال البلد في الفوضى. فانه من المفترض أن يكون اسمك على راس قائمة الاغتيالات، لأن ذلك يحقق القصد بأقصى سرعة. لا أعلم يا دولة الرئيس أن كنت تذكر ما أجبتني به، ولكني لا يمكن أن أنساه، لقد قلت لي يا دولة الرئيس: “شو يعني.. اخذين الاحتياطات اللازمة.. لكن تعى لقلك بالنهاية أنا مش أغلى من رفيق الحريري”.
وأكد : نحن في طرابلس، نحترم الرجال ونقدّر لأصحاب الفضل. ونحن نعلم بأنك في كل سنوات الحكم المأزومة لم تنس طرابلس لا بالعام ولا بالخاص. وان كانت ظروف البلاد لم تساعد على إنجاز كل ما سعيت إليه فيكفي انك سعيت. نحن نعلم ما سعيته مع القطريين والكويتيين من أجل إعادة بناء مصفاة طرابلس، ونحن نعلم المفاوضات التي أنجزت تقريباً مع الجانب الصيني من أجل تشغيل معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس. هذين المشروعين الذين أطاحت بهما آثار حرب تموز، ونحن نشهد لمتابعة إنجازات المدارس التي أقرت في ظل حكومة الرئيس الحريري والتي كان لي شرف العمل من أجلها. ونحن نعلم أثر المراسيم التطبيقية التي أتممت في حكومتك الأخيرة لإطلاق مشروع المنطقة الاقتصادية الحرّة، والتي أرفقتها بالاستحصال من المساعدات الأمريكية على هبة بقيمة مليون دولار من أجل تحضير الدراسات اللازمة لإطلاق المشروع. نحن نعلم الكثير مما أنت أجدر على تعداده وتحديد أرقامه، نحن نعلم بأنك كنت تضع طرابلس في قلب المكرمات التي كانت تقدمها كل من المملكة العربية السعودية أو الكويت أو حتى أصدقائك الخاصين من قطريين وغيرهم.من أجل هذا كله نقول لك يا دولة الرئيس، إن طرابلس لا تنساك، ولا تنسى مواقفك، ولا تنسى قبل كل شيء أنك كنت رائداً في محاولة إرساء قواعد ومعايير لإدارة شؤون الحكم، هي بنظري وحدها التي يمكن أن تنقذ البلد في يوم ما”.
وختم الجسر:”اسمح لي أن أوجه في الختام تحية عطرة لحرمك المصون السيدة هدى التي وقفت إلى جانبك في مشوارك الطويل والتي لم تتركك حتى في أيام الحصار، والتي انتظرتك دائماً ولا تزال تنتظر في الليالي الطوال التي كنت ولا تزال تعمل فيها من أجل لبنان.نحن إذ نشارك وهذا الجمع في تكريمك فإنما نحي سنة الشكر لله لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله. إننا نشكرك على ما أعطيت، نشكرك على مواقفك الجريئة، نشكرك على وفائك للرئيس الشهيد رفيق الحريري وحفظك لمشروعه ومسيرته، نشكرك على دعمك المتواصل وبدون حساب لدولة الرئيس سعد الحريري”.
السنيورة
ثم ألقى الرئيس السنيورة كلمةً استهلها بالقول:”أيا ريحَ الشمال أَثَرْتِ شَوقي          رعاكِ اللهُ يا ريحَ الشمالِ
أُسَرُّ دائماً بالحضور إلى طرابلس، وأعتبرُ ذلك حقاً وواجباً. وقد أراد صديقي معالي الأستاذ سمير الجسر أن يذكُرَني ويذكِّرَني بما لم أنْسَهُ أبداً وهو تأكيد الترابط والتواصل بيني وبين هذه المدينة العريقة، وهذه النخبة من الناس الأَفاضل والكرام الذين يرعَونَ الوُدَّ، ويأْبَون الضَيمَ، ويحفظون أمانةَ مدينتِهِمْ ودينِهم وعروبتِهم، ووطنِهم وشرفِهِمْ، وينظرون بعيون الأَمَلِ والعَمَلِ إلى الحاضر والمستقبل”.
وقال:”لقد كانت السنواتُ القليلةُ الماضيةُ صعبةً على طرابلس وعلى الشمال، وعلى لبنان عموماً. لكننا صبرْنا وصمدْنا جميعاً وعملنا بجُهدٍ وحققنا إنجازات على أكثر من صعيد وطني وسياسي وأخلاقي وأمني واقتصادي، وتوصلنا إلى الموقف الذي نحن فيه اليوم. وقد حُفظت مدينتنا، وحُفظ الشمال، ونجحنا في صيانة عيشنا المشترك ومصلحة أهلنا. فبعد كُلِّ حسابٍ، يظلُّ المُهمُّ أن يبقى الوطنُ واحداً، وأن يبقى مجتمعُنا واحداً متماسكاً ومتضامناً، وأن تسودَ قِيَمُ المُواطنة بالداخل، والتضامُن العربي في المحيط الذي نشأْنا على الانتماءِ إليه، ونُريدُهُ أن يبقى عزيزاً وقوياً وحراً ومُعافىً، مثلما عمل وناضل من أجله آباؤنا وأجدادُنا. ونحن نعلمُ جميعاً أنّ مقاييس الانتصار والهزيمة إنما تَسْري فيما بيننا وبين الأعداء، أي فيما بيننا وبين الذين يحتلُّون الأرض اللبنانية والعربية، ويريدون الاستيلاءَ والهيمنة. أمّا في الشأنين اللبناني الداخلي والعربي، فالأَمْرُ مختلفٌ عن ذلك، ويتناولُ التنافُس الإيجابي والبناء من أجل تحقيق القضايا الكبرى والمسائل التي تُهمُّ كُلَّ اللبنانيين وكلَّ العرب”.
وتابع:”لا أظنُّ أنّ منطقةً أُخرى من لبنان مرت باختباراتٍ لهويتها وانتمائِها وتراثها، أَقسى مما مرت به طرابُلُس، ومرَّ به الشمال الحبيب. إنّ المطلوبَ اليومَ وقد خُضنا هذه التجاربَ كُلَّها الاستعلاء، على الجِراح، والنظرِ إلى كلّ الأُمورِ بمنظار الإيمان والأمل والاستعصاء على الاستقطاب والاستخذاء. ولدى طرابُلُس والشمال، بل وكُلِّ لبنان، تجاربُ ودروسٌ، تسمحُ بل وتفرِضُ أن لا تتكررَ الأخطاءُ من جانبنا، وأن لا تتكرر التحدياتُ التي واجهتنا، بحيث تأخذ الأُمورُ في كبيرِها وصغيرِها حجمَها الطبيعي، بدون إفراطٍ ولا تفريط”.
وأضاف:”أُريدُ أن أُصارحَكُمُ القولَ إننا جميعاً بعد هذه التجارب، أصبحْنا أكثر ثقةً برؤيتنا، وأكثر تضامُناً فيما بيننا، وأكثر هدوءًا في تأمُّل المشهد من حولِنا. لا يصحُّ إلاّ الصحيح. الصحيح الوطني، والصحيح القومي، والصحيح الإسلامي. فنحن اليومَ، ورغم أحداث السنوات الماضية، أو بسببها: أكثر توحُّداً، وأكثر قُرباً من جوارِنا الداخلي، وجوارِنا العربي، وأكثر إيماناً بضرورة الدولة، وبديمقراطية النظام، وأكثر حِرْصاً وتمسُّكاً باتفاق الطائف وبالدستور، وأكثرَ ثقةً في تناوُل كُلِّ الأُمور، سواءٌ ما تعلَّقَ منها بالعمل الداخلي، أو ما تعلَّقَ منها بالتضامُن العربي، أو ما تعلّق بالتنمية والتصحيح والنقد والاعتدال في الدين، والحرص على صَون اجتماعِنا الإنساني، وتجربتِنا الوطنية والتاريخية في العيش المشترك، واجتراح وسائلَ وأساليبَ جديدة من أجل المزيد من العمل الذاتي للتطوير، ورعايةِ شأنِنا المديني، وشأنِنا العامّ. نعم، لقد نجحْنا في الاختبار في شتّى هذه المسائل وحققنا خطوات متقدمة في مسائل عديدة. ولكن ما يزالُ أمامنا عملٌ كبيرٌ وكثيرٌ، يتعلّقُ بالقدرة على المتابعة، والقدرة على النقد والتصحيح، والقدرة قبل ذلك وبعده على البقاء موحَّدين كلبنانيين، مسيحيين ومسلمين، يحدونا الحرصُ على أمتنا، وعلى مُدُننا وأريافِنا التي تحتاج إلى الإنماء والتطوير، وعلى وطنِنا ودولتِنا، وعلى عيشِنا المشترك، وانتمائنا العربي الكبير”.
وأشار:”هذه هي القضايا الكبرى الوطنية والقومية التي لا نتنازلُ عنها، ولا نقبل فيها أو عليها مساومةً أو تنازُلاً. أمّا الحملات المُغْرِضة والممتزجة بالإهانات الشخصية والتي تعرضْنا ونتعرُض لها أشخاصاً وجماعةً وتياراً ومساراً، فلا يصحُّ الإصغاءُ إليها، أو الثوران على أساسٍ منها. ولو كان في الكلام الذي يقالُ لنا وعنّا أثرٌ من حقيقةٍ أو تنبيهٌ لخطأ لالتفتْنا إليه بكل شجاعة وإقدام وصحَّحناه وجل من لا يخطئ. لكنها جميعاً تُرَّهات وتخرُّصات لن تصرِفَنا عن مبادئنا وقناعاتنا، ولن تُخيفَنا فنحن أقوياء، بإيماننا وعروبتنا ولبنانيتنا وبالقيم السامية التي نتمسك بها، وهي تدفعُنا لترديد قوله تعالى: “وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرض هَوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”.
وقال:”أود أن أصارحكم وانتم أهلُ درايةٍ وعلمٍ ومعرفة، أننا في الوطن العربي لسنا في الحال التي نرغبُها. فكل ما عملْنا من اجله في فلسطين على مدى العقود الماضية لم يوصل إلى نتيجة إذ ما تزال الأرض والمقدسات محتلة، والعدو الإسرائيلي ماض في طغيانه وممارساته لانتزاع ومحو معالم الهوية العربية من الأراضي الفلسطينية. ولقد ووجهت كل المحاولات من أجل تحقيق التسوية المشرِّفة بالتنصل والرفض والاستهتار من قبل العدو، وكذلك من قبل بعض مناصريه في العالم الغربي الذي يتفرج على انتهاك ابسط حقوق الإنسان في فلسطين من دون أي محاولةٍ جديةٍ لوقْف هذا العدوان المتمادي الذي يحرك التوتر والقلق والتطرف ليس في المنطقة فحسب بل في أرجاء العالم نتيجة هذا الإحساس العربي والإسلامي بالمهانة والاستهداف”.
واضاف:”إنّ المُمارسات الإسرائيلية في المدة الأخيرة توضح من دون شك أن هذا العدو ماض في مخططه لتهويد الأرض ومحاولة نزع هويتها من دون رادع، بل إن الملامح الاعتراضية التي ظهرت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تبين أنها على الأرجح ليست أكثر من مظهر لعجز متماد أو تقاطع في المصالح. رغم أننا مازلنا نعتقد أن منطلقات الرئيس الأمريكي الجديد تجاه المنطقة والقضية الفلسطينية مختلفة بعض الشيء عن غيره، لكن من دون قدرةٍ عملية حتى الآن على التقدم باتجاه السلام العادل. إزاء هذا الواقع الأليم والمرير فان كل أملنا أن يكون التعويض على الخسارات والخيبات التي نواجهها في المزيد من التضامن العربي والتقارب العربي والتفاهم العربي وكلنا أمل أن تكون القمة العربية المقبلة مناسبةً لجَسْر التباعد وتقريب القلوب وتفتح العقول، واجتراح السُبُل لوقف الهجمة الصهيونية على القدس وفلسطين وسائر ديار العرب المحتلة في لبنان وسوريا ولجمع طاقات العرب السياسية والاقتصادية لكي يكون لهم حقاً موقع مؤثر وفاعل يحفظ لهم مصالحهم وكرامتهم ويعزز مجالات تقدمهم”.
وأكد:”إني من هنا من طرابلس العروبة والنضال، طرابلس عبد الحميد ورشيد كرامي، طرابلس الشيخ محمد الجسر،  أناشد الإخوة الفلسطينيين أولاً والملوك والرؤساء العرب ثانياً الاتفاق على الحد الأدنى في مواجهة الصَلَف الإسرائيلي. فالموقفُ العربيُّ الموحَّد وحده يخفِّفُ من الخسائر ويقطع الطريق على تفاقم التراجع والمزايدات وتيارات التطرف. وإذا كان من سبب لتصاعد العدوان الإسرائيلي فهو إحساس إسرائيل انه ما من رادع لها وما من كابح لجموحها. وفي هذا فإننا في لبنان أول المستفيدين من أي تقارب عربي وتعاون اخوي. وفي هذا المجال فإننا نرحب بالتقارب السعودي السوري كما أننا نشجع، بل نحض على خطوات التقارب التي يقوم بها لبنان مع الشقيقة سوريا والتي انطلق فيها دولة الرئيس سعد الحريري. ونحن ندرك أنّ سياق التاريخ والجغرافيا والانتماء القومي والمصالح المشتركة وحسن العيش والجوار وقواعد التعامل من دولة إلى دولة وتوخي الحكمة في شتى المسائل هي العوامل الداعمة لتعزيز أواصر الأخوة ومستلزمات التعاون البناء على أساس استقلال البلدين والاحترام المتبادل بين الدولتين والشعبين الشقيقين”.
وتابع:”في سياق الحديث عن الشؤون الداخلية فإننا نُعطي أهميةً كبرى لمرحلة الاستقرار التي نمر فيها والتي تتيح لنا التفكر والتأمل والتدبُّر قبل الإقبال على التصرف فقد فاتنا الكثير رغم ما حققناه ونحن بحاجة للهدوء والروية للانصراف إلى المعالجة والتطوير والتحسين والتلاؤم مع عالم العصر وعصر العالم. نحن أيها الإخوة رغم كل محاولات البعض الدفع باتجاه التوتير  والتأزيم، فإننا لا نعير هذه المحاولات أي اهتمام أو اكتراث، فثوابتنا معروفة وأهدافنا موصوفة ومعلنة وهي الحفاظ على استقلال وحرية وسيادة وقوة لبنان وتطور مؤسساته وصلابة وحدته ومصداقية نظامه الديمقراطي”.
وأضاف:”لقد كانت طرابلس دائماً في العقل والقلب والعَين. وقد بدأَ الرئيس الشهيد رفيق الحريري فيها مسيرةً غنيةً من أجل التنمية والتطوير، وسِرنا جميعاً على خُطاه بعد استشهاده رحمه الله. لقد عملنا خلال السنوات الماضية على تحريك عجلة النشاط الاقتصادي وتعزيز الجهود لبناء العديد من البنى التحتية المادية والاقتصادية في طرابلس والشمال وتحريك عدد من المشاريع الإنمائية في المجالات كافة ولاسيما في مشاريع الطرق والأوتوسترادات والمياه والصرف الصحي والمدارس والجامعة اللبنانية والسدود والأسواق حيث بلغت قيمة تلك المشاريع التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الماضية وبدأت مسيرة التنفيذ فيها وهي الممولة من هبات أو قروض ميسرة ما يزيد عن 435 مليون دولار أميركي. إلى جانب ذلك فقد تم إقرار مشروع المنطقة الاقتصادية الحرة وجامعة الشرق ومشاريع ومعاهد التدريب والتأهيل المسرع والتي تصب كلّها في عملية إقدار وتنمية مدينة طرابلس ومنطقة الشمال. لكنّ هذه المسيرة يجب أن تستمر وستستمر بإذن الله وبهمة دولة الرئيس سعد الحريري وهمة ومتابعة الحاضرين ودعمهم، بحيث نشعر نحن وتشعر المدينةُ ويشعُرُ ناسُها بالإنماء المتوازن، وبأنّ حقوقَهم الأساسية والتنموية تجري مُراعاتُها ومتابعتُها والسير في إنجازِها”.
وأردف:”ما أتيتُ في هذه العشية من أجل مناسبةٍ رسميةٍ أو شعبية. بل أتيتُ باعتباري واحداً منكم، لكي أرعى الوُدَّ الذي أنتم أَهْلُه، ولكي أعملَ معكم وإلى جانبكم من أجل الوحدة والعروبة الحقة والمنفتحة والتصحيح والإصلاح- وقبل ذلك وبعده: لكي نظلَّ جميعاً في الخطّ الواحد، والمسيرة الواحدة، والغاية الواحدة، غاية التضامُن الوطني والودّ والنهوض اللبناني في كل المناطق وكل الاتجاهات”.
وختم:” شكراً لطرابلس وأهلها، شكراً يقترنُ فيه اللسانُ بالقلب والعقل، وشكراً للذين أَتَوا في هذه العشية من أجل الترحيب بي. وشكراً للأخ الأستاذ سمير الجسر الذي فكّر في جَمْعنا من أجل التسامُر والتشاوُر وتجديد الإيمان بالقيم الواحدة، والمُثل المشتركة، والعزيمة القوية، عزيمة الانتصار لكلِّ ما هو خيِّرٌ وجميلٌ في لبنان وديار العرب”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى