المجتمع المدني

القدس تناديكم

تحت هذا العنوان كان احتفال المسابقة الثالثة بين حفظة كتاب الله  تعالى وهي الوقفية عن روح الحاجة أسماء عبد العزيز السحمراني والتي تقام سنوياً في مسجد الدورة عكار، بإشراف وتنسيق إمام المسجد الشيخ علي السحمراني.
حضر الإحتفال مئات المواطنين غصّت بهم قاعة المسجد من الدورة وعكار العتيقة وعيات والقرى العكارية الأخرى وقد تقدم الحضور المتروبوليت باسيليوس منصور مطران عكار وتوابعها والنائب السابق وجيه البعريني والعلماء: الشيخ الدكتور محمد الحسن والشيخ علي السحمراني والشيخ فواز الحولي والشيخ أحمد خدوج والشيخ محمد اسكندر والشيخ مازن عبد الله والشيخ حسن حسن والشيخ عبد الرزاق محمد الزعبي. وكاهن بينو والدورة الأب يوحنا الشاعر ورئيس بلدية الدورة الحاج خالد حسن السحمراني ونائب رئيس البلدية عبد الله المسيح وعدد من أعضاء المجلس ومختار الدورة صالح السحمراني وأمين صندوق كنيسة السيدة في الدورة حسن الزيبق وحشد من التربويين ومدراء المدارس والثانويات وعدد من اعضاء نقابات المهن الحرّة.
وتجدر الإشارة إلى أن المسابقة قد شارك فيها هذا العام 70 متبارياً من مختلف نواحي عكار.
قدّم للإحتفال الأستاذ محمود عادل السحمراني مرحباً بالحضور ومذكّراً بقضية القدس التي هي العنوان الصحيح لكل نضالٍ في الأمة العربية وكانت الكلمة الأولى لرئيس بلدية الدورة الحاج خالد حسن السحمراني الذي رحّب بالحضور مؤكداً على سعادته بهذا النشاط السنوي الذي يتوجه إلى الأجيال التي هي المستقبل الواعد وقد نوّه بهذه الوقفية التي تمّ تخصيصها لمن يحفظون كتاب الله وطالب أهل الخير بأن يقوموا بمثل هذه النشاطات التي تشكل الحصانة لأبنائنا الشباب الذين تستهدفهم المؤامرات التي تريد دفعهم إلى المفاسد. وقال ما أجمل أن يعيش الإنسان وقد ارتبط بذكر الله لأنه في ذلك سعادة للإنسان والسعادة تتم من خلال أمرين هما: تلاوة كلام الله تعالى والدعوة لما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ رسول الرحمة.
ثم كانت كلمة العلماء في لجنة التحكيم وقد ألقاها الدكتور الشيخ محمد الحسن الذي بدأ كلمته منوهاً بالاحتفال الذي هو جمع مبارك نكرّم فيه حفظة كتاب الله وقد بيّن في كلمته بأننا لا نستطيع ان نحقق السعادة ولا الكرامة والشرف ولا العزّة في لبنان أو غيره إلى إذا سارت مناهج حياتنا وفق ما جاء في كتاب الله تعالى، هذا الكتاب الموحى الذي يشكل الروح المحركة للأمة وللمجتمع وكما أنه لا جسد بلا روح كذلك لا حياة للأمة دون كتاب الله والرسالة الخالدة، وإذا تخلى بعضهم عمّا وجّه إليه القرآن الكريم فإنهم يكونون أبعد الناس عن هذا الدين الحنيف السمح.
بعدها كانت الكلمة للمتروبوليت باسيليوس منصور مطران عكار وتوابعها وقد جاء في كلمته التنويه بالوقفية عن روح الحاجة اسماء السحمراني والتي هي في مكانها لجهة تحصين الجيل بالكلمة الإلهية وبالمعاني العميقة والإرتباط بين الفكر والقلب لأن الفكرة عندما تكون عميقةً تحرك القلب وفي هذا يتحصن الجيل ونعدّ الأجيال القادمة كي تكون أجيالاً مؤمنةً تحمل الكلمة الإلهية في هذه الأمة العربية أرض الرسالات وأهل هذه الأمة هم الأقدر على فهم الوحي ونقله دعوةّ إلى البشرية جمعاء وهذا واجب العلماء المسلمين والكهنة المسيحيين.
ثم انتقل المطران منصور إلى التأكيد على أن الإسلام هو دين الرحمة والمسيحية دين المحبة وهما وجهان لعملة واحدة، فالرحمة فيها محبة والمحبة فيها رحمةٌ والله تعالى هو المحبة والله هو الرحمن الرحيم.
وبشأن عنوان الاحتفال: “القدس تناديكم”، قال المطران منصور: إن خلاص القدس وتطهيرها وتحرير فلسطين لا يكون إلا بالأمة العربية التي يتحد أهلها ويتكاتفون موحدي الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف السامي كما أن مشاكل الأمة العربية لا تحل إلا بالوحدة وبالإيمان العميق وأدعو الحفظة لكلمة الله وهم اخوة أفاضل لأنهم حفظوا كي يوصلوا إل مسامع الناس كلام الله تعالى وهذا الكلام يكون له فعله في القلوب وفي العقول وهم بذلك يتقدمون على معمّرين أهملوا هذا الجانب، وهؤلاء الحفظة للكلمة الإلهية في التجويد والترتيل القرآني الإسلامي أو في التراتيل والترانيم المسيحية وبما أعطاهم الله، عليهم أن ينفروا باتجاه القدس وأن يعملوا لقدسٍ محررة ليعلوا فيها كلمة الله ويطهروها من الصهاينة الغاصبين الأنجاس.
كلمتي الأخيرة للحفظة من أجيالنا ولكل المرتلين والمرنمين بأن يتسلحوا بالنور الإلهي الذي ينير القلب وبالكلمة الإلهية التي تحرك العقل وتحدد مسار الإنسان وحياته وإن كل مؤمنٍ إنما يستمد الأفكار العميقة والأنوار من مشكاة واحدة وعند هذا يكون من الجميع قولٌ واحدٌ أساسه المحبة والتآخي والرحمة ومثل هؤلاء يقاومون وينبذون كل فكرٍ شرير.
القدس تنادي الجميع ليتوحدوا ويناضلوا من أجلها وليبعدوا عن صفوفهم كل ما يفرق ويولد النزاعات التي تجعل الساحة لمؤامرات الأعداء وأهل الشر والفتة.
الكلمة الاخيرة كانت للأستاذ الدكتور أسعد السحمراني مسؤول الشؤون الديني في المؤتمر الشعبي اللبنالي وقد جاء فيها:
أيها السادة
واقعنا يحتاج من هذه الكلمة أن تتوقف عند ثلاث موضوعات هي: العصبية، والمساجد، والقدس.
1- العصبية: إن الله تعالى الخالق جعل الكون في كل الكائنات والأجناس والأنواع قائماً على قاعدة التنوع، وقد شمل ذلك البشر الذين تناسلوا من آدم وحوّاء. فالبشر أنواع في الخِلقة، والخُلق، والذكاء، والفهم، والثقافة، والإعتقاد، والميول، والمقاصد، والاهتمامات، وهذا التنوع لن يكون في يوم ما أو في مكان ما حالة أُحادية لأن الحقيقة الكونية التي شاء الله تعالى هي: “ولو شاء ربّك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.”.
والتعامل مع التنوع أساسه في النص القرآني: “لتعارفوا”. فالصدام والخصام وإنكار الآخر أو محاولة تنميطه وفق ما نحن عليه إنما هو شأن يناقض المشيئة الإلهية التي أكدت على قاعدة التعارف لا التصادم، والتعارف في المنحى الإيجابي هو الأساس في الفهم الإسلامي والتصادم وهو نقيض التعارف إنما تولّده مناهج تقوم على العصبية والفئوية، والإسلام نهى عن كل أشكال العصبيات سواء أكانت عرقية أم طائفية أم مذهبية أم تحت أي عنوان كانت، وفي الحديث النبوي الشريف: “ليس منّا من دعا لعصبية، أو قاتل لعصبية.”
ولنعلم جميعاً أن التعصب حضن دافئ للجهل، وعدو للعلم، وهو أساس للسفه والحمق ونقيض للحكمة والرشاد، وهو غذاء للفتنة التي تفضي إلى سفك الدماء، وهتك الحرمات، واستباحة الكرامات والقيم.
وإذا كنا اليوم في هذا اللقاء على مائدة القرآن الكريم الذي جاء في نصوصه البلاغ التعريفي بالبعثة النبوية: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.” فهل يريد أهل العصبيات الرديئة مراجعة ما هم عليه ليكونوا رحماء وراحمون؟!
2- المساجد: قال تعالى: “وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً” وفي تفسير القرطبي للآية: (المراد البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة) و”أن المساجد لله؛ أي بُنيت لذكر الله وطاعته.
وقوله تعالى: “فلا تدعوا مع الله أحداً”؛ هذا توبيخ للأقوام الذين يكون في كلامهم ودعائهم مع الله غيره في المساجد.
وفي تفسير القرطبي كذلك: أفردوا المساجد لذكر الله، ولا تتخذوها هُزُواً، ومتجراً، ومجلساً، ولا طرفاً، ولا تجعلوا فيها لغير الله نصيباً.
إن المساجد بيوت الله وهو الجامعة للمؤمنين بكل مشاربهم، وإذا أرادت المرجعيات لها أن تبقى في رسالتها فالواجب أن أن لا يكون فيها من القول أو التصرف ما يؤذي أحداً من المصلين.
لقد أخرج الإمامان أحمد بن حنبل في سنده ومسلم في الصحيح الحديث النبوي الشريف: “من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنو آدم.”
وقد جاء عند ابن عبد البرّ في التمهيد: شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبدالملك بن هاشم رحمه الله تعالى، قد أفتى في رجلٍ شكاه جيرانه واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه. ويكمل ابن عبدالبرّ فيقول: وقد ذاكرته أمره يوماً، وطالبته بالدليل فيما أفتى فيه، فاستدلّ بحديث البصل والثوم، وقال: (هو عندي أكثر أذى من آكل الثوم وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد).
أيها السادة الأفاضل:
أمام هذه الحقيقة نطالب المرجعيات الدينية في كلّ المواقع المسؤولة بالسهر على المساجد كي يبقى لها دورها وأن لا يكون في أرجائها ما يجلب الأذى وإذا كان للخطباء أو سواهم آراء ومواقف وهم مسؤولون عنها فلهم ما هم عليه وليستخدموا له منابرهم الخاصة أمام المساجد ومجالس العزاء فنأمل منه أن لا يستغلوها للعصبيات والآراء الخاصة فهذا تعسّفٌ في استخدام حقّ الخطاب لا تجيزه الآية الكريمة: “وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً”.
3- القدس: أرض الطهر والنبوات وحاضن المقدسات تتعرض لأوسع عملية تهويد من قبل العدو الصهيوني الغاصب، حيث بناء الوحدات السكنية على أراض مغتصبة من الأوقاف الإسلامية أو المسيحية أو من المقدسيين، وإغراق القدس بالمحتلين كي تحصل فيها أغلبية ساحقة من الصهاينة العنصريين، وقد بلغت هذه الوحدات أكثر من 70 ألف مسكن للمحتلين منذ العام 1967 تاريخ احتلال المدينة، وبنوا فيها 70 كنيساً للعبادة، ويحفرون وينقبون لتشويه تراث المدينة العمراني، ومنه العمائر الدينية من مساجد وكنائس وزوايا وأديرة ومدارس ومكتبات ومقابر وغير ذلك، ومعلوم عندكم جميعاً أنهم قد جعلوا تحت المسجد الأقصى لجهة حائط البراق كنيساً تحت ذريعة أن الأقصى فوق الأرض للمسلمين وتحت الأرض لهم.
والقدس لها موقع مسيحي حيث يقوم على أرضها كنيسة القيامة مقصد الحج وعشرات الكنائس والأديرة والمؤسسات وفي جوارها أرض المولد بيت لحم وأرض النشأة الناصرة للمسيح عليه السلام. والقدس لها موقع إسلامي فهي أرض النبوات وقد بارك الله تعالى حولها وهي مكان الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين يضاف إلى ذلك عشرات المساجد والمؤسسات وفي الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه أبو داود وابن حاجة في السنن: {عن ميمونة بنت سعد، قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ قال عليه الصلاة والسلام: أرض المحشر والمنشر، إيتوه فصلوا فيه، غلإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره.
قلت: أرأيت إن لم تستطع أن أصل إليه؟
قال: فتهدي له زيتاً يسرج فيه. فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه}.
القدس تناديكم أيها المؤمنين من مسلمين ومسيحيين لتطهروها وتحرروها، ولتعيدوا لها شخصيتها الميثاقية بين المسلمين والمسيحيين.
فقد كان الميثاق يوم استلم الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيحها من البطريرك  صفرينوس، واسم الميثاق: العهدة العمرية. وفي النص: “وأن لا يقيم معهم أحد من يهود في إيلياء القدس”.
القدس تناديكم لتخبركم بأنها في قلب فلسطين هي القضية وبأن واجبكم أن تأتلفوا وتتحدوا مبعدين عن صفوفكم العصبية والفتنة، ففلسطين والقدس تناديان: أيها العرب: حرّروني من قيود الاحتلال الصهيوني وعندها تنتصرون على مؤمرات الإستعمار، وتدخلون عصراً جديداً من الأمن والأمان والحرية والعدل والتقدم والازدهار.
فيا قومي الأعزّاء لا تضيّعوا طاقاتكم في الاقتتال بينكم فهو جريمة، ووظفوا كل جهد لمقاتلة الأعداء فذلك شرف وسبيل عزّة وكرامة.
أيها الأفاضل:
تصحيح مسار الصراع والاتجاه إلى الأهداف السامية في صناعة الحرية والتحرر والعدل والتقدم يحتاج إلى ركيزتين رئيستين هما:
1- وحدة وطنية راسخة في إطار وحدة عربية حضارية جامعة بعيداً من العصبيات والنظرات الفئوية الضيقة.
2- جيش قوي يصدّ العدو ويحرر البلاد والعباد ويحقق الأمن والأمان. وإننا إذ نحيي جيشنا اللبناني ندعو الجميع وفي كل المواقع بتوفير العدة والعدد والمستلزمات له وأن يكف أصحاب الأهواء عن استهداف الجيوش والقوى الأمنية وقوى المقاومة التي ترد كيد العدو وتشد أزر أهل الأمة على درب الانتصار والكرامة
أحبائي: هذا هو درس صاحبة المناسبة المرحومة الوالدة أسماء عبدالعزيز السحمراني التي ناضلت بكل عزيمة في نصرة قضايا الأمة من خلال المؤتمر الشعبي اللبناني ومؤسساته حتى الرمق الأخير، وهذه وصيتها للمحبين:
كونوا وطنيين عروبيين ولا تكونوا طائفيين أو مذهبيين كونوا عارفين حكماء ولا تكونوا جهلة متعصبين. كونوا مقاومين ولا تكونوا جبناء متخاذلين.
وفي الختام تم توزيع الجوائز النقدية من الوقفية عل الحفظة السبعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى