المقالات

اليمين والفارق الضئيل بقلم علي بدوان

كما عودتنا الحياة الحزبية والسياسية الداخلية في الدولة العبرية بالمفاجآت، فقد جاءت نتائج الانتخابات التشريعية للكنيست التاسعة عشر والتي أجريت يوم الثاني والعشرين من يناير 2013، مخالفة بحدود معينة (ونقول بحدود معينة) لنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي تواترت في «إسرائيل». فقد سقط رهان الفوز الساحق لقوى اليمين وتحديداً لقائمة (الليكود ــ إسرائيل بيتنا) ففازت تلك القوى محققة نتائج أقل من المتوقع لها، وبفارق بسيط على أحزاب الوسط (يمين الوسط + يسار الوسط) ومعها أحزاب مايسمى باليسار الصهيوني.
فقد اظهرت النتائج النهائية للانتخابات، أن قائمة تحالف (الليكود ــــ اسرائيل بيتنا) حافظت على تقدمها في الكنيست، ولا تزال تمثل القوة الأولى، لكنها باتت أضعف حضوراً عما كانت عليه في الكنيست السابقة، بالرغم من أن الدعوة للانتخابات المُبكّرة تمت بمبادرة وإصرار من قبل التحالف إياه الذي قاد «إسرائيل» خلال السنوات الأربع الماضية، فخسر بذلك ماكان يصبو إليه من اكتساح لمقاعد الكنيست انطلاقاً من حسابات بنى عليها موقفه انطلاقاً من رؤيته لحال الظروف السياسية التي سادت خلال العام الأخير، والتي اعتقد من خلالها بأنه بات مسيطراً في تأثيره على الجو السياسي العام في «إسرائيل» لجهة الحضور في الوسط العام للمجتمع «الإسرائيلي».
ومع هذا، فإن المفاجآت التي وقعت في مسار عملية الاقتراع، ومع تقلبات نسبة التصويت والصعود الصاروخي لحزب (يوجد مستقبل) برئاسة يائير لبيد، لم تغير الوجهة العامة لنتائج الانتخابات، حيث نال معسكر اليمين غالبية (النصف زائد واحد)، والذي عاد بعدد أقل من المقاعد التي كان قد حاز عليها في الانتخابات الماضية، حيث حصل على (31) مقعداً في الدورة الانتخابية الأخيرة.
في المقابل، فقد حقق حزب (يوجد مستقبل) برئاسة يائير لبيد نتيجة صاعقة وغير متوقعة وهذه هي المفاجأة الحقيقية الكبرى والأساسية في مسار الانتخابات التشريعية «الإسرائيلية» للكنيست التاسعة عشر، عبر فوزه بالمكان الثاني من حيث عدد المقاعد، حيث نال تسعة عشر مقعداً، ليحل بذلك محل حزب العمل، وهو الحزب التاريخي المؤسس للدولة العبرية الذي تراجع الى المكان الثالث بحصوله على خمسة عشر مقعداً.
وعليه، إن الفوز المُتَميّز لحزب يائير لبيد، هي المفاجأة التي وجهت ضربة شديدة لمعاهد استطلاع الرأي في «إسرائيل»، مضافاً إليها تردي حزب العمل، وتراجع حزب كاديما (إلى الأمام) إلى درجة قاربت الاندثار بنيله مقعدين فقط بعد أن كان في الدورتين الانتخابيتين الماضيتين واحداً من الأحزاب الرئيسية في اللعبة السياسية في «إسرائيل».
لقد حصلت كتل اليمين بشقيه التوراتي والقومي العقائدي وأحزاب الحريديم على (61) مقعداً هي (31 مقعداً لقائمة الليكود/إسرائيل بيتنا + 11 مقعداً لحزب شاس الديني الشرقي/سفارديم + 12 مقعداً لحزب البيت اليهودي + سبعة مقاعد لحزب يهدوت هتوراه).
أما أحزاب (يمين الوسط + يسار الوسط + اليسار العمالي الصهيوني) فقد حصدت (42) مقعداً كانت كما يلي (ستة مقاعد لحزب الحركة برئاسة تسيبي ليفني، مقعدان لحزب كاديما + 15 مقعداً لحزب العمل + 19 مقعداً لحزب يوجد مستقبل برئاسة مائير لبيد).
بينما حصدت كتلة ميرتس اليسارية الصهيونية ومعها القوائم العربية على (17) مقعداً كانت وفق التالي (ستة مقاعد لحركة ميرتس + 11 مقعداً للقوائم العربية منها أربعة مقاعد للقائمة العربية الموحدة، وأربعة مقاعد للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وثلاثة مقاعد للتجمع الوطني الديمقراطي).
في هذا السياق، نشير إلى أن الانتخابات التشريعية «الإسرائيلية» الأخيرة، تميّزت بإقبال كبير من قبل الجمهور قياساً للدورات الانتخابية الخمسة الأخيرة :
فقد فاقت نسبة التصويت كل التوقعات أيضاً، وقد بلغت نحو (66.6%) من مجموع عدد الناخبين الذي يصل إلى نحو (5.6) مليون ناخب قاموا بتسجيل أسمائهم في الكشوف الانتخابية للمشاركة في هذه الانتخابات، وهي النسبة الأعلى منذ انتخابات عام 2003، فيما بلغت نسبة المشاركة حوالي (55.5%) وهي كذلك النسبة الأكبر منذ انتخابات عام 1999، والنسب إياها قريبة من نسبة المشاركة العربية لأبناء الداخل هذه المرة في الانتخابات.
كما تميّزت تلك الانتخابات بتراجع حجم الكتل الحزبية والاتئلافية بشكل عام، فأكبر كتلة يمثلها الآن (19 نائباً) من أصل (120) هم العدد الكلي لأعضاء الكنيست، وبالتالي لم يستطع أي من الأحزاب «الإسرائيلية» حصد (20%) من مقاعد الكنيست، فيما كانت الأحزاب الكبرى في العقود الماضية تحصد أكثر من (60%) من مقاعد الكنيست أيام الصعود الكبير لحزب العمل ومن بعده حزب الليكود، سليل حزب (حيروت) الصهيوني الموغل في يمينيته.
أما بالنسبة للحالة العربية الفلسطينية، فقد راوحت الأمور مكانها، بل وتراجع الوضع العام للعرب من خلال حصولهم على (11) مقعداً بإنخفاض واضح بمقعد واحد عن الدورة الماضية، وذلك نتيجة تشتت القوائم العربية، وعزوف نسبة لابأس بها عن المشاركة بالعملية الانتخابية، مضافاً إليها ذهاب بعض المصوتين العرب باتجاه صب أصواتهم لبعض الأحزاب المحسوبة على اليسار واليسار العمالي الصهيوني كحركة ميرتس وحزب العمل، وحتى حزب الليكود، وهو أمر مؤسف جداً بكل المقاييس.
وخلاصة القول، إن اختيار الجمهور «الإسرائيلي» لمعسكر اليمين حتى ولو بترجيح بسيط، يعكس تفضيلاً لمنطق وسياسة ونهج «الأرض على السلام» كما كان ومازال ينادي عتاة وصقور «إسرائيل» بمختلف إصطفافاتهم الحزبية، وبالتالي نستطيع التأكيد هذه المرة، وعلى ضوء الصورة إياها ووقائعها الملموسة بعد الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات التشريعية «الإسرائيلية»، بأنه ليس في «إسرائيل» الآن صانع قرار حقيقي، ولن يكون ذلك خلال السنوات الأربع القادمة، بل سنرى إدارة سياسية وأمنية وعسكرية تَتَشكّل من كتل حزبية ستبقى متنافسة حتى وإن استطاع نتانياهو أو غيره تشكيل ائتلاف حكومي حتى لوكان مع حزب يائير لبيد أو حزب العمل بمشاركة أحزاب اليمين بشقيه التوراتي والقومي العقائدي، لكنه سيبقى ائتلافاً معرضاً للاهتزاز والسقوط والتفكك في أي لحظة من اللحظات وأمام أي منعطف سياسي في حياة «إسرائيل» خلال السنوات الأربع القادمة. ومن الجائز هنا أن تفضيل حكومة بقيادة حزب الليكود من قبل التشكيلات الحزبية في الكنيست وعلى ضوء تحالفات لابد ستقع خلال المشاورات المتوقعة في الفترة التالية، سيعود بالأمور السياسية إلى المربع الأول بالنسبة لعملية التسوية في المنطقة، وهي العملية الغارقة في الأوحال منذ أكثر من عقد من الزمن على مختلف مساراتها التفاوضية، خصوصاً منها المسار التفاوضي مع الطرف الفلسطيني.

صحيفة الوطن القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى