المقالات

كارلوس في محاكمته: يحاكم السياسة الفرنسية – بقلم: هاني سليمان – باريس

يهاتفني الثائر العالمي ” كارلوس” من سجنه في باريس مرتين في الشهر. من خلال المكالمة يحاول أن ” يعقد ” اجتماعاً على الهاتف ليعرف ما يدور على الساحتين اللبنانية والعربية. لكن مؤخراً وقبل شهر تحديداً، تكثفت اتصالاته بصورة شبه يومية لدعوتي الى تمثيله كمحام لبناني وعربي في المحاكمة، بتهم نسبت اليه من فرنسا بالرغم من مرور 27 عاماً عليها.
ليس لي ان أرفض، لا بل علي ان استجيب بحماسة، لما لكارلوس من جاذبية قاتلة، ناهيك عن واجبي المهني والقومي حيال مناضل اممي قال امام القضاة .
خلال دخولنا قاعة المحاكمة أدركت سبب إلحاحه عليّ  بالحضور. بالاضافة إليّ كمحام عربي، ثلاثة محامين فرنسيين، وثلاثة اتراك، ومحام ألماني وآخر سويسري. كارلوس يريد ان يعطي لحضورنا بعداً رمزياً يتجاوز مسألة النجاح في الدفاع القانوني، وهو قصداً، وبهدف كشف نوايا المحكمة لم ينفِ ولم يؤكد هذه التهم الموجهة إليه، معتبراً ان سجل القضية ” فارغ بالكامل ” ولا موجب للإدانة .
بالفعل كان الملف فارغاً. فكارلوس لم يكن في باريس حين تفجير قطار الرئيس جاك شيراك الذي كان سنة 1983 عمدة لمدينة باريس، وكذلك حين جرى تفجير جريدة الوطن العربي في أحد الشوارع الرئيسية لمدينة باريس.
لا شهود، لا قرائن، لا اعترافات ولا أدلة.
كان الملف مبنياً على تقرير وضعته مديرية المخابرات الأردنية، وسلمته الى السفير الفرنسي في الأردن سنة 2001، بدليل انه بعد اعتقال كارلوس وخطفه من السودان الى فرنسا سنة 1994 وحتى سنة 2001 لم يتحرك الملف مطلقاً، وبمجرد استلام التقرير الأمني الأردني وضع على نار حامية.
ثمانية محامين أعطاهم كارلوس الدور الكامل في الدفاع عنه، لدرجة أنه يمكن القول إن صاحبنا كان يدير المحاكمة نيابة عن المحكمة الأصلية. كان يعرّف عن كل محام، وعن دوره السياسي وعن تاريخه في مقاومة السياسة الامبريالية لفرنسا في الوطن العربي.
من مجريات المحاكمة تبين أن الحكم سيكون سياسياً بامتياز.
رجل يُخطف بالتنسيق مع المخابرات الأميركية بصورة غير شرعية، يؤتى به ليحاكم “شرعياً” أمام المحاكم الفرنسية يا للمفارقة ؟!
أخذ عليه محامو الضحايا أنه لا يتأسف على الضحايا، فيجيب: بالتأكيد أنا لا أتأسف، بل أنا أحزن على الضحايا لأني شهيد حيّ منذ أربعين سنة من أجل فلسطين. أنا أحزن على كل ضحايا الارهاب وخاصة ارهاب الدولة الذي مارسته وتمارسه فرنسا.
لقد أعطي المحامون جميعاً حقوقهم بالكلام والمرافعة لساعتين أو أكثر، لكن المرافعة المطولة والتي دامت ست ساعات، كانت للمحامي العالمي ايليش راميريز سانيسش المعروف بكارلوس، الذي  بدأ مطالعته بالعربية قائلاً:
أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمداً رسول اله ، يا أيها  الناس لا تقولوا أنا  ضد الله، بل قولوا أن الله معنا تنتصروا.
يكمل كارلوس مرافعته بسرد تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخيتها، ليؤكد أن الغرب الاستعماري هو من صَنعَ هذه المحنة، مديناً الحكومات الغربية باستمرار دعمها والاستجابة للحركة الصهيونية، لدرجة محاولة إلغاء الهوية الفلسطينية لشعب يعيش في فلسطين منذ الآف السنين.
يستل من محفظته الضخمة وصية معمر القذافي، فيقرأها ويجهش بالبكاء على الضحايا في ليبيا جراء القصف الهمجي الفرنسي، ليقول متساءلاً أهذه هي الحضارة الفرنسية التي تحاول أن ترث الاستعمار الايطالي لليبيا، متوعداً بأن عمر المختار لم يمت، مؤكداًُ أن ما يحاك لسوريا اليوم ليس بعيداً عن المخطط المتدرج لكل دولة عربية على التوالي.
لم تغب عن بال كارلوس كلمة فلسطين كل ثلاث أو خمس دقائق من مرافعته الطويلة.

حين كان يستطرد، كنت ألفته الى وجوب تجنب بعض التفاصيل، ليجيبني بأنها فرصة للتوجه الى الرأي العام.
جاء النطق بالحكم بقضية كارلوس، في نفس الوقت الذي كانت محكمة فرنسية تنطق حكمها ضد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، كان قصر العدل خلية نحل للصحافيين ووسائل الاعلام، حاولنا خلالها التوجه للرأي العام والقول أن حكم الادانة على كارلوس بالمؤبد هو قرار سياسي مكتوب منذ ما يقارب العقدين من الزمن، لأن بصمة المنظمات اليهودية الصهيونية كانت بادية للعيان.
جاك شيراك خطف الأضواء بسنتي حبس مع وقف التنفيذ، وكارلوس تقاسم الأضواء مع شيراك بحكم مؤبد نافذ لا يجوز انقاصه عن 18 سنة.
الرئيس الفنزويلي ” هوغو شافيز ” المهتم شخصياً بقضية كارلوس خطب في مظاهرة مؤيدة له في العاصمة الفنزويلية كاركاس مؤخراً، مؤكداً أن كارلوس مناضل  أممي تعتز به فنزويلا.
الشيء بالشيء يذكر، نأمل من المسؤولين اللبنانيين الجدية والإهتمام بقضية السجين اللبناني المناضل جورج ابراهيم عبد الله الذي انتهت مدة حكمه في باريس، وتصر الحكومة الفرنسية على إبقائه رهينة لديها… لصالح من؟  الجميع يعرف….
بــاريس
المحامي هاني سليمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى