المجتمع المدني

موقع أثري هام يُكتشف في مدينة الميناء ويتم جرفه بموافقة المديرية العامّة للآثار! بيان صادر عن الحملة المدنيّة لإنقاذ آثار وتراث طرابلس

رصدت “الحملة المدنيّة لإنقاذ آثار وتراث طرابلس” اكتشاف آثار ربما تعود للحقبتين الرومانيّة والبيزنطيّة من بينها تاج عمود حجري أو أكثر، و10 أعمدة دائرية غرانيتية يعود تاريخ نحتها للحقبة الفينيقية ذات أحجام وأطوال مختلفة إثنين منها يتجاوز طولها 3.5 أمتار، عُثر عليها أثناء حفر أساسات البناء الجديد لمدرسة سيّدة النجاة الأنطونيّة الدوليّة في الميناء في موقع تتجاوز مساحته 350 م2.
وتستغرب “الحملة” تسرّع المديرية العامة للآثار بإعطاء الإذن بجرف الموقع ومتابعة أعمال الحفر وصبّ الأساسات الباطونية فيه، وإعطاء بلدية الميناء ترخيصاً بذلك، حيث  تمّت إزالة الأعمدة المكتشفة من مكانها على وجه السرعة من دون تكليف لجنة أخصائيّين من آثاريين ومؤرّخين للكشف على الموقع والتنقيب فيه بشكل علمي لتحديد هويته وتاريخه وأهميته، واكتفت برأي مسؤولة الآثار في الشمال التي كلّفت موظفاً من قلعة طرابلس غير متخصّص في الآثار بالإشراف على أعمال سحب تلك الأعمدة بالحبال من الموقع بواسطة الأليات الضخمة وليس بالأساليب العلمية ممّا تسبّب بخدشها وجرح بعضها والعبث بالموقع الأثري، وتمّ إغلاق الشوارع المؤدية إلى الموقع لعدة أيام لإتمام ذلك، ووُضعت الأعمدة على الرصيف الداخلي للمدرسة ولا يزال التاج الحجري مائلاً في موقع الإنشاءات! كما رصدت الحملة ظهور أجزاء من قناطر مبنية وأعمدة لا تزال مدفونة في الجوانب المحيطة لحفرة الإنشاءات بالإضافة إلى عدد كبير من الحجارة القديمة، وقد تكون هنالك تفاصيل أخرى حصلت في الموقع أو اختفى أثرها تماماً حيث يمنع الدخول إليه أو التصوير فيه.
وتستهجن “الحملة” كما وأبناء الميناء وطرابلس الغيورين على تاريخ مدينتهم الغابر تعاطي المديرية العامة للآثار باستخفافٍ مع هذا الإكتشاف التاريخي الهام في الميناء وعدم إعطاءه الأهمية اللازمة وكأنه لا يحق لمدينتيّ طرابلس والميناء الكشف عن تاريخها الغابر الفينيقي والروماني والبيزنطي على غرار باقي مدن الساحل اللبناني التي تتغنى كل يوم بمكتشفاتها الجديدة كما في صور وصيدا وبيروت وجبيل وتحظى باهتمام البعثات الآثارية المحلية والأجنبية للتنقيب فيها وبناء المتاحف الخاصة في كل منها، وقد أثبتت المصادر التاريخيّة أن مدينة الميناء، وهي في الأساس طرابلس القديمة، قُلبت رأساً على عقب بسبب الزلازل التي ضربتها بخاصة في العصر البيزنطي وجعلت مبانيها ومعابدها وكاتدرائياتها البارزة في نقوش النقود المضروبة في طرابلس خلال الحقبتين الرومانية والبيزنطية تنهار وتطمر تحت أديمها.
لذا تهنئ “الحملة” إدارة المدرسة على هذا الإكتشاف الهام الذي سيُكسب المدينة في حال عدم طمسه قيمة أثرية مضافة، ذو هوية فينيقيّة ورومانيّة وبيزنطيّة، إضافة إلى معالمها الأثريّة المعروفة من الحقبات الصليبيّة والمملوكيّة والعثمانيّة والتي من بينها كنيسة سيّدة النجاة التي تتبعها المدرسة، موضحةً أنها بالطبع تسعد بتوسيع حرم المدرسة ومتمسّكة ببقائها في موقعها كونها تشكل جزءأً من نسيج طرابلس والميناء المتنوع والمتكامل، إلاّ أنها تطالب بالكشف على هذا الموقع ودراسته بشكل علمي دقيق من قِبل لجان آثارية وتاريخية متخصصة, دون التسرّع  في البناء فوقه.
وتعتبر “الحملة” أنه سيترتب على هذا الإكتشاف الهام انعكاسات إيجابية على الصرح التعليمي الجديد بدايةّ وعلى المدينة ككل، حيث ستغدو المدرسة معلماً سياحياً بارزاً, وسيكتسب طلابها قيمةً تعليمية إضافية من خلال تمكّنهم من معايشة تاريخ لبنان الفينيقي والروماني والبيزنطي الذي نتغنى به جميعاً في كتب التاريخ بفضل وجود تلك الآثار تحت مدرستهم الجديدة، والتي يمكن أن تُبنى بشكل معلّق فوق الموقع دون طمسه، والأمثلة كثيرة على هكذا حلول إنشائية في العالم وآخرها في مدينة بيروت.
من هنا، تناشد “الحملة المدنيّة لإنقاذ آثار وتراث طرابلس” غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ومدير المدرسة الأب شكري الخوري، المعروف عنه حبّه للآثار وشغفه بالتاريخ، بالحفاظ على هذا الكشف الأثري الهام،  كما تناشد وزير الثقافة بضرورة إعادة النظر بقرار المديرية العامة للآثار والمطالبة بوقف أعمال الصبّ والبناء الجارية بوتيرة سريعة حالياً، وذلك إفساحاً للمجال لتشكيل لجنة من الآثاريين والمؤرّخين والباحثين المتخصّصين من المدينة ومن الوزارة تقوم بالبحث والتنقيب في الموقع ووضع خطة للكشف عنه بالكامل وكتابة تاريخه وحفظه.
وتشير الحملة أنه وخلال ثمانينيّات القرن المنصرم عثر عددٌ من متعهدي البناء في الميناء وعلى مقربة من الموقع الحالي على مواقع أثرية مشابهة واستخرجوا منها عدداً من الأعمدة المعروضة حالياً في ساحة مار الياس المحاذية للمدرسة، إلاّ أن ذلك كان يحصل في زمن الحرب، فهل يُعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يستمر التعاطي مع اكتشافٍ أثري هام من هذا النوع كما كان يحصل وقتها، هذا مع تسجيل اكتشاف آخر وقع منذ أيام أيضاً في مشروع مختلف قريب من الموقع نفسه تم جرفه بإذن من البلدية أيضاً؟! وتتساءل الحملة إن لم نقم كمثقفين وتربويين ورجال دين بالكشف عن تاريخ بلدنا ومدننا والحفاظ عليها وضمان بقائها ماثلةً للأجيال القادمة فمن عساه يفعل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى