ثقافة

التيرشرش : فن مستورد من الفضاء – كتبت: بشرى امنة

قد تكون عقدة نقص في حياتي أنا الفتاة “الديمودية” التي أبقت جوالها على نغمة” يا عاشقة الورد “ولم يحالفها الحظ بخوض التطور الفني الملحوظ الذي كانت “التيرشرش” أهم نقطة تحوّل فيه.
لقد خجلت من نفسي كثيرا- صدقوني- عند طلب مني أحد أقربائي أغنية “دق الماني”عبر “البلوتوث” ولم تكن بحوذتي! قلت له: ما تواخذني أنا مش دق الماني أنا دقة قديمة !!
فتحسر عليّ كثيرا وأخذ يدعو لي بالشفاء من التشرذم العقلي الذي أعانيه!
إنّه حقاً لشيء مؤسف بأن يكون التقدّم التكنولوجي موازياً للتأخر الفني لماذا نحاول اختراع الأجهزة واستحداث التقنيات لحياة أفضل ولا نعمل على اختراع منطق للفن الهابط الذي يقودنا للأسوأ ؟
في زمن كانت به الكلمة سيّدة العظمة وكان اللحن يبلغ الروح قبل المسامع ضُرب “عبد الحليم حافظ” بالبندورة فماذا لو كان أحد فناني التيرشرش في ذلك الزمن؟ لا أظن أن القنابل كانت ستكفي؟!
أردت أولاً أن أكتب عن حقوق المرأة وعن حقوق الطفل وحقوق التلميذ لكنّي وجدت الحاجة ملحّة للكتابة عن حقوق الأذن التي باتت تسمع أشكالاً وألواناً مع العلم بأنّ الأشكال والألوان من اختصاص العين .
كنت من قبل اتفق مع أنّ الأغنية وسيلة جميلة للتعبير عن مشاعر الإنسان ,عن شوقه وهيامه وسهاده وعن وطنيّته أحيانا، لكن كيف أتقبّل أنّ المشكلة الزوجية تعرض عرضاً مفصلاً في الأغنية ,أولم تبادر الفنانة “باسكال مشعلاني” بالفكرة: عم بتهددني رح بتطلقني؟!!
هذا ويعبّر الرجل العصري أيضاً عن متطلباته فيمنع أنثاه من العمل متذرعاً بجذور أجداده: نحنا ما عنا بنات تتوظف بشهادتها! و يعارض التجميل لأنه يحذّر التقليد: تلات ارباع البنات صارت تشبه بعضها!
وكأنّ الأغنية باتت مرشداً اجتماعياً أو طبيباً نفسيًا!
والمشكلة لا تكمن في مقدّمي هذا الفن بل في متلقيه الذين يبهرون بكلّ جديد دون النظر إلى قيمته الفنية أو مستواه الأخلاقي أو حتّى إلى جوهره ومعناه وكأنّنا بتنا نسمع لغة فضائية!
هلا أخبرني أحدكم ما معنى التيرشرش؟
والطريف أن أصلها ضائع ولا أحد يعرف صاحبها الحقيقي والكلّ يسارع لتسجيلها خوفاً على بعدها الإنساني من الاندثار !!
لقد أصبحت الساحة الفنية اليوم أشبه بميدان التظاهر، الكلّ يريد أن يغنّي وإذا قلت لإحداهن لست بالموهبة الفذّة للغناء تقذفك بعبارة مقنعة “ما تقارني بفيروز قارنني بيللي عم بيغنو اليوم”. وهكذا توصّلنا إلى نتيجة مذهلة، إذ تفوّق عدد المغنيين على عدد المستمعين. نحن اليوم على عتبة الـ 2012 نتمنّى إضافة للسلام العالميّ وأن يعود الفنّ فنّاً بعد أن تحوّل أعواما إلى مهزلة . نحن الذين نصفّق لأي شيء دعونا اليوم نصفّق للفن فقط, إنّ النوعية هي التي تهمّنا لا الكمية فليكن عقلنا الرصين وحسّنا المرهف غربالنا المنصف!
فالذوق …الذوق الرفيع ليس حكراً على اللجان المختصة والنقّاد. نحن المستمعون ونحن الهدف ونحن الرأي الذي يؤلف الشأن العام.لا أنكر أنّنا في عصر الصورة لكنّ الأذن تعشق قبل العين أحيانا!!!
بشرى آمنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى