المقالات

الكرة على العشب – د. قصي الحسين

لا بد من أخذ الأمور على محمل الجد. هل تستطيع إسرائيل تأمين شفط الغاز والنفط في الحقول المتنازع عليها مع لبنان. هل المقاومة الإسلامية، تستطيع تحمل وطأة الحرب التي ستحشر فيها. هل يستطيع لبنان الرسمي، أن يخرج بموقف موحد من ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي. وكذلك الأمر، من ترسيم الحدود مع “الشقيق السوري”.

الكرة على العشب، هذة الأيام في لبنان وفي جواره الجيوبوليتيكي. والأسئلة الملحة أيضا هي:
أين تقف مصالح الأميركيين. وأين تكمن مصالح الفرنسيين. وأين تكمن مصالح الروس. وأين تكمن مصالح الإيرانيين. وأين تكمن مصالح الصين. وكيف ستنجلي بعد ذلك الأمور، مع الطوائفية اللبنانية، ومع الزعامتية اللبنانية، ومع أهل المقاومة الإسلامية.

الكرة على العشب هذة الأيام في لبنان.
ولكن أين اللاعبون. لا يكفي تمرير إنتخاب مجلس نيابي جديد، حتى ندعي القول إن لبنان بخير. لا يكفي تطعيم المجلس النيابي، بهذة “الثلة” من الشبيبة الجديدة و”المستجدة”، والتي لم تثبت جديتها بعد، ولو في “إمتحانات” إنتخابات هيئة المجلس. فأين الدعوة للإستشارات النيابية والتكليف الجديد، بعد إنتهاء ولاية الحكومة. بعد حصر نشاطها، وحصر مهامها، في تصريف الأعمال.

لا يبدو أن هناك، من المرشحين لرئاسة الحكومة، من يقبل “لعبة المقايضة”، مع رئيس الجمهورية لأسباب كثيرة:
١- قرب إنتهاء ولايته.
٢- ثقل الشروط المسبقة التي يطالب بها، الرئيس المكلف.
٣- تعويم الشخصيات المقربة، والتي تشملهم العقوبات الدولية.
٤- قصر ولاية الحكومة الموعودة، وكثرة الأثقال التي سترهق أكتافها.
شرذمة المواقف الدولية، من تسمية رئيس الحكومة. ومن تشكيل الحكومة. ومن إنتخاب رئيس للجمهورية، بعد “المايحدث” في العالم، هنا وهناك وهنالك، على حد سواء.

الكرة على العشب.
ولكن أين اللاعبون. الفريق اللبناني غير جاهز بعد. ولا هو يتحضر للتجهيز. ولا هو قادر على الجهوزية، ولا هو يستطيع التحضر للجهوزية، أقله في الأشهر المتبقية من عمر العهد. وكذلك في ظل هذا الكم الهائل، من النكد السياسي. أو الكيد السياسي، لا فرق. فما بالكم مما هو يتخبط فيه، من تأمين الرغيف. ومن تأمين الطاقة والوقود. ومن لجم الدولار المصرفي. ومن تهديد اللبنانيين جميعا، بالجوع والتجويع. ونزع الغطاء الدولي عن سقوفهم. وعودة الحرب والفلتان الأمني إلى ربوعهم الخاوية، والمتضورة من وقع حملات التهويل بالجوع والتجويع والتخوييف.

هذة الأمور وحدها، كافية، حتى لا نرى رئيسا مكلفا. وحتى لا نرى حكومة جديدة. وحتى لا نرى رئيسا جديدا.
ولكن السؤال الملح:
هل تنتظر معنا إسرائيل. هل تنتظرنا حتى تنتهي مشاكلنا. وحتى تسوى أمورنا الداخلية. وحتى نبلغ حدود الجهوزية للتفاوض معها على الترسيم، بالأصالة أو بالنيابة. وكيف يتقي اللبنانيون عنف حملات التخوين، وهم على أبواب تجديد للسلطات عندهم، على مستوى جميع السقوف.

هل المناخ الإقليمي، جاهز لمساعدة لبنان، على تخطي جميع هذة المعوقات التي تعيقه، في بلوغ السلطة والسيادة والقرار. وكذلك في بلوغه وحدة القرار.
هل المناخ الدولي، جاهز للتوحد على حل العقد في الملف اللبناني عموما، وفي ملف الترسيم خصوصا، وفكفكتها، من أمام مشروعية بناء الدولة. ومن أمام مشروعية إتخاذ القرار.

الكرة على العشب.
ولكن التجربة مؤلمة حقا، مع الجهات الدولية. ومع المحاور الدولية. ومع المناورات الدولية. لم تأت الكهرباء التي وعدنا بها الأميركيون. ومعهم الفرنسيون. ومعهم المصريون. ومعهم الأردنيون. هذة “المسطرة الصغيرة”، من المصلحة الصغيرة، صالحة للقياس على الطموحات اللبنانية الكبيرة. والتي دونها مئات المليارات. والتي دونها الحروب . والتي دونها كل هذا التحشيد والتخريب في البلاد.

فلا غاز ولا نفط إذا. ولا ما يحزنون. وكذلك لا تكليف ولا حكومة. وحتى لا رئيس، ربما.ولا ما يحزنون. وقد ذاق اللبنانيون ذلك، منذ زمن ليس ببعيد عن قلوبهم. وهم لم ينسوا ذلك بعد. وهم لم ينسوا مع ذلك العهد.

الكرة على العشب في لبنان، هذة الأيام.
وحده العدو الإسرائيلي جاهز. وقد أتى بالسفينة اليونانية إلى حقل كاريش. وقد أتى أيضا، بعرض العضلات. وبالمناورات. وبالإستعراضات العسكرية، من كل الأشكال والألوان. وهو يزداد جهوزية كل يوم. على الأرض. وفي الجو. وفي المياه اللبنانية أو في المياه الإقليمية والدولية، لا فرق.
وحده الفريق الإسرائيلي اليوم على أرض الملعب. ووحدها الكرة أمامه على العشب. فهل يقدم. هل يجرؤ؟. وأي فريق، سيشاطره الكرة. سيشاطره اللعب. تلك هي المسألة.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى