المقالات

تلك الرائحة العنصرية في بلاد الأرز! بقلم منى فياض

هناك رائحة غير نقية تعمّ بلاد الأرز… رائحة تزكم الانفاس، تسمّم الأجواء وتنشر فساداً متمادياً يتغلغل مستشرياً، يقلب المعايير ويُفلّت الغرائز ويطلق الجنون العظيم.
لعنة تصيب البلد الصغير وتغرقه في هذيانات اللاعقل المستحكمة باطراد من يوم ليوم ومن قطاع الى آخر، فتغشّي الأبصار وتجعل المجرم بطلاً والخائن شريفاً والمقاومة أداة قمع وحامية لمحتل بلده، والظلم عدلاً والحق باطلاً…
لعنة يبدو انها بدأت تلاحقنا منذ الانتصار الإلهي المشهود، ربما أن الله لم يقبل هذا اللعب معه وباسمه، لم يرضَ عن هذا المزاح الذي يجعل من مقتلة 1400 من ضحايا الحرب وجرح عشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف والذهاب بالوطن نحو انقسام وتشرذم لم يعرف لهما مثيلاً من قبل، انتصاراً إلهياً.
بلغ الابتذال حداً غير معهود في بلد الاشعاع والنور، وأحد مؤسسي شرعة حقوق الانسان ومن أوائل الموافقين على جميع الاتفاقات المستجدة المتعلقة بالموضوع والتي تُقرّ في مجلس الأمن.
ذهلت عندما وصلني بريد الكتروني في 12/10/9، من الفئة التي تزعم أن نضالها متمحور حول الدفاع عن حقوق المسيحيين ومحاربة الفساد عموماً وتطلب الشفافية وتفاخر بالمدنية والتحضّر، يقول أن ترشيح مي شدياق عن كسروان لن يمرّ لأنه مخالف للدستور، فبحسب الدستور هناك 5 نواب وليس 4 نواب ونصف!!
فلندقق قليلاً الى أي حد وصل الابتذال، وفي اللغة يقال المياه المبتذلة، وهي كناية عن مياه الصرف الصحي حرفياً. أن يعيّر معوق بإعاقته!! هذا ليس مجرد كلام مبتذل غاية الابتذال، إنه عنصري يُعاقب عليه القانون لأنه يخالف شرعة حقوق الإنسان الأساسية وجميع القوانين التي جهد المجتمع الدولي وتجهد منظمات وجمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة لتشريعها وتطبيقها، ومن هنا عدم استخدام تعبير “معوّقين” بل “ذوي الحاجات الخاصة” مهما كان نوعها.

تُعيّر ميّ انها تعرضت لبتر اطرافها في تفجير إرهابي موصوف!!
هذا يعني أن هذه الفئة توافق على هذه الأعمال الارهابية علناً وتدافع عنها. والغريب في الموضوع سكوت جمعيات ذوي الحاجات الخاصة بجميع أنواع الإعاقات عن هذه الإهانة التي لحقت بها وتضع عملها على هذا الصعيد موضع تساؤل؟ هل يقبلون أن يُعيّر معوّق بتماميته الإنسانية بسبب بتر قدم له أو يد؟ هل يصبح المعوّق العقلي غير كامل في إنسانيته بسبب إعاقته؟ هل يمنع من الاقتراع ومن الترشح من فقد يداً؟ وهذا الذي حصل هو تتويج لمسار من الانحدار ومن ازدواجية القيم ومن تردّيها وابتذالها؛ منذ أن اعتبر اغتيال شخصيات لبنانية تنتمي الى فريق سياسي منافس او معادٍ مناسبة لتوزيع الحلوى، ومنذ أن اعتبر الهجوم المسلح على بيروت في العام 2008 “يوماً مجيداً”، والانقلاب الحكومي بواسطة القمصان السود الذين أرعبوا النواب المنتخبين ممارسة ديموقراطية تتصف باللطف والكياسة.
ويلعب هنا الإعلام البروباغندي والصحافة الصفراء دوراً محورياً في حقن النفوس وتعميق الشروخ والتضليل المعلن. وآخرها تهديد الشخصيات الشيعية المستقلة.
وإذا كنت لا أتفق مع لقمان سليم في لقائه مع سياسي إسرائيلي، ولو أنني أجهل ظروف هذا اللقاء وأسبابه ومبرراته، لكن الرجل على الأقل لم يتجسس ولا نقل معلومات، لا عن مخازن سلاح ولا عن مخبأ الأمين العام لـ”حزب الله” ولا نقل صوراً أو خرائط ولا سرق مالاً حلالاً وهو لا يملك سوى رأيه المعلن جهاراً نهاراً يكتبه ويقوله في عز النهار. لذا فوجئت في المؤتمر الصحافي الذي عقده “تجمع لبنان المدني” تضامناً مع الشخصيات الشيعية المستقلة ضد الافتراء والتهديد الذي مارسته جريدة “الاخبار”، فوجئت بأسئلة استفزازية وجهتها صحافية من الجريدة نفسها حول لقاء سليم مع مستشار نتنياهو متسائلة ببراءة ما إذا كانت الولايات المتحدة حليفة إسرائيل!!
هل تجرؤ على طرح هذا السؤال عن فايز كرم المدان بالتجسس على السيد نصرالله؟! كم هو مناف للعقل أن تصبح الخيانة العظمى هي اللقاءات التي تمت بين باحثين أو ناشطين أو سياسيين أو كائن من كان مع ممثلين للسفارة الاميركية يتبادلون معهم نقاشات وأقوال وأخبار لا تخرج عما يعلنونه في مجالسهم أو يعبرون عنه – ربما بديبلوماسية أكبر – في مقالاتهم او مقابلاتهم التلفزيونية. وكم بلغت الازدواجية في القبول بأمثالهم من الخط نفسه؟
كيف يمكن وصف هذه الصحافة التي تتغاضى عن إطلاق سراح عميل وجاسوس معلن وصل الى قلب المقاومة وعصبها (هي ربما تكتب مقالاً لرفع العتب أمام جمهورها المذهول)؟ وفيما تظل تعتبر سمير جعجع عميلاً الى الأبد مهما قال او مارس، يكون إيلي حبيقة منفذ جرائم صبرا وشاتيلا مقاوماً يستحق الاستقبال من أمين عام “حزب الله” ويكافأ بمنصب وزير!!
في المقابل تتجند تلك الصحافة نفسها للتهديد والوعيد وترويج الكذب وتحوير الوقائع ونشر الاخبار المغرضة التي تحرّض على العنف العاري، فهو عملة حاضنيها، وتمارس القمع العلني والمبطن وتشوّه سمعة من يخالفها الرأي أمام السذج من قرائها، وذلك تحت شعار الوطنية والمقاومة وحرية الصحافة والدفاع عن محور الممانعة الذي لا يغمض له جفن في سهره على مصلحة القضية الفلسطينية وتحرير أراضيه المحتلة من العدو الاسرائيلي، ومواجهة كل مخططات اسرائيل وملاحقة عملائها وفضح الممارسات “الخيانية” التي ترفض ادعاءاته في محاربة الامبريالية وخاصة الاميركية. كما أن هدفه حماية أرواح مواطنيه وكراماتهم عبر قتلهم، وحماية اشقائه في العروبة من عسف العدو الاسرائيلي عبر اغتيالهم! فماذا فعل العدو نفسه أكثر مما يقوم به رجل الممانعة الأول ضد شعبه؟
وآخر بدع مقاومة إسرائيل اكتشاف الامتداد المذهبي “لقرى لبنانية” (يقصد هنا شيعية يعني تتبع لدولة “حزب الله” تحديداً) لكنها في الضفة السورية، في إعادة مملة لحكاية مزارع شبعا. ومن هنا يجد “حزب الله” أن من واجبه تجاه “إقطاعته المذهبية المستقلة” الدفاع عنها هناك!! في مواجهة الثوار السوريين الذين صدف أنهم سنّة ويريدون التخلص من “حاكم مستبد” صدف أنه علوي. فليلعن الله اميركا التي تثير النعرات المذهبية والشقاق بين الاخوة!!
آخر نكتة من الأرض المحتلة هي أن إسرائيل باتت تهدد سجناءها من الفلسطينيين عندما تريد إخافتهم بنقلهم الى السجون السورية!! أفليس القنطار نموذجاً عن نوع سجون العدو؟ لا يقلل ذلك بالطبع من جرمية اسرائيل وعنصريتها وانحيازها وتعدياتها، لكنه لا يعفي المدافعين عن الأسد من مواجهة الحقيقة المرّة السافرة أنهم يساندون قاتل شعبه الذي انتخبه بكل “ديموقراطية”!! إسرائيل مجرمة لكن ممارسات الأسد ونظامه فاقتها جرمية، الرئيس “المنتخب” لحماية شعبه وصون حقوقه وكرامته يفوق عنفه عنف دولة إسرائيل! تصوّروها تدكّ قلعة بعلبك؟ ماذا كنا سنفعل؟ ماذا كان سيفعل العالم؟
فهل لهذا من مغزى؟

استاذة جامعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى