المقالات

اشتداد الخلاف الصيني الأميركي وعودٌ على بدأ في تايوان! \ كتبت: عبير بسّام \ المصدر موقع ساحة التحرير

يبدو أن أمريكا تحاول دك اسفين للخلاف ما بين الصين وروسيا عبر قضية المسيرات الصينية التي استخدمها الجيش الأوكراني ضد الجيش الروسي في الآونة الأخيرة. لم تكتف الولايات المتحدة بتوريد المسيرات الصينية لأوكرانيا بل قامت بتزويد بها للصهاينة أيضاً لضرب غزة. لم يرق للأميركيين والغرب وقوف كلا البلدين بقوة مع القضية الفلسطينية وضد الحرب في غزة، بل امتد ذلك إلى لقاء فشل في تقريب وجهات النظر خلال اللقاء ما بين الرئيس الصيني تشي جين بينغ والرئيس الأميركي في الشهر الماضي لم تعجب نتائجه بايدن، وعوضاً عن الإحتفال بإنجاز هام مع الصين عاد إلى بلاده بخفي حنين. ولذا فقد أعاد بايدن توصيف بينغ بالديكتاتور وأنه صورة عن النظام الشيوعي. وإن كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على عمق الخلاف الكبير ما بين الصين والولايات المتحدة، وأن بايدن يرغب، إن استطاع، تسديد لكمات متلاحقة للصين.
القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة والصين، يمكن تصنيفها على أنها صراع اقتصادي وجيوسياسي يتعلق بالأمن القومي لكلا البلدين. عدم التوافق ناتج عن محاولات الولايات المتحدة المستمر باستيلاد المزيد من القضايا الخلافية وتصعيد التحديات مع الصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. حيث كانت الولايات المتحدة تظن أنها الدولة الوحيدة التي تمتلك القدرة على السيطرة على منطقة المحيط الهادئ بالذات، بمساندة حليفتيها بريطانيا وفرنسا، وخاصة في جزر أمريكا الجنوبية وعلى طول الساحل الأفريقي. لكن الأحداث الأخيرة وخروج الفرنسيين وبشكل تصاعدي من إفريقيا أنذر بالخطر وبدأت الولايات المتحدة بعدها بتحسس راسها.
صحيح أن مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا لم تمس حتى اليوم بشكل مباشر في أفريقيا، حيث لعبت هاتان الدولتان دوراً هاماً من خلال الإرساليات الدينية والمؤسسات المدنية في دعم بعضٍ الفقراء والمحتاجين عبر المعونات ودعم المدارس وإرسال الشباب لإكمال تحصيلهم العلمي العالي في الغرب، ودعم المحظوظين منهم عبر المؤسسات الدولية غير الحكومية، أو مؤسسات الأمم المتحدة، اللواتي أنشئن شبكة من العلاقات المتماسكة ما بينهن وما بين بعض الأفارقة، أو كما يسمونهم “السكان المحليين”. فجميع الناس بالنسبة للمستعمر هم “سكان محليون” وليسوا بمواطنين في بلادهم المستعمرة إما بالقوة العسكرية أو من خلال القوة الناعمة، أي المؤسسات غير الحكومية ومؤسسات الأمم المتحدة، التي ترعى مشاريع تتعلق بحياة الناس بشكل مباشر. ولكن علاقة الدعم بين فقراء الأفارقة والبريطاني، المشرف المباشر في أفريقيا، بدأت بالتفكك منذ العام 2019 بسبب تراجع الإقتصاد العالمي، وابتدأ الميل اليوم نحو تطوير الإستثمارات فيها، وقياس مدى نجاح ذلك يحتاج إلى التدقيق، فوجود استثمارات لهاتين الدولتين هو أيضاً في خطر داهم مع تقدم الصين وروسيا في مجال الإستثمارات في القارة السوداء.
إن ما يحدث في إفريقيا سينعكس بشكل مباشر على المصالح الإقتصادية الأميركية، فالتنافس سيكون على أشده، خاصة وأن أمريكا التي تستند قوتهاالإقتصادية اليوم إلى قدرتها في استمرار قوة الدولار كعملة للتداول العالمي، أبلغتها الصين أنها ستوقف التعامل بالدولار الأمريكي خلال الخمس سنوات القادمة. وهذا يعني أن الصين باتت قادرة على الإستغناء عن هذه العملة، مما سيتسبب بخسائر كبيرة في الإقتصاد الأميركي. والجدير ذكره أن فترة الخمس سنوات المعطاة لأمريكا هدفها تجنب وقوع الأخيرة في انهيار اقتصادي محتم ستنعكس آثاره عالمياً وقد يؤدي إلى كساد عالمي. كساد كبير قد يشبه كساد عشرينات القرن الماضي، أو كساد العام 2009، الذي انهارت خلاله سوق العقارات.
بالعودة إلى قضية المسيرات الصينية، والتي تحاول الولايات المتحدة من خلالها حفر شرخ عميق في قضايا أساسية إنسانية: تتعلق بفلسطين، ودولية: تتعلق بالعلاقة مع روسيا. إرسال الطائرات لإستخدامها لأهداف عسكرية لم يكن ضمن ضوابط عقود تصديرها، ولكن الولايات تجاوزت ذلك في أوكرانيا و”اسرائيل”. هذا مع العلم، وبحسب رويترز، فإن الولايات اوقفت استيراد المسيرات الصينية بموجب قرار للكونغرس الأميركي منذ العام 2019. وهي معدات قديمة ويبدو أن من أهم أسباب توريدها لأوكرانيا إضافة للتخلص منها، إختبار تقنياتها ضد روسيا. وهذا ما دفع بوزارة التجارة الصينية منذ أول أيلول/سينتمبر العام الماضي، إلى التصريح حول وضع الضوابط المتعلقة بتصدير الطائرات بدون طيار [المسيرات] والليزر ومعدات الإتصال وأنظمة مكافحة المسيرات، بهدف “حماية الأمن القومي”. وكانت اتهمت الوزارة في نيسان/ ابريل الماضي وسائل الإعلام الأميركية والغربية بنشر افتراءات حول تصدير الصين المسيرات إلى أوكرانيا لإستخدامها في الحرب الروسية- الأميركية.
اليوم تعود قضية تايوان لتطفو على السطح، خاصة بعد أن أعلنت يوم الأحد وزارة الخارجية الصينية فرض عقوبات على خمس شركات عسكرية أمريكية قامت بتزويد تايوان بالأسلحة. ولم يعد سراً قراءة الأهداف الأميركية بإشعال حرب أهلية في الصين تكون تايوان قوامها ويقوم بعد ذلك الناتو بقيادة الولايات المتحدة بمساندة تايوان لإعلان استقلالها، ومن يدري فقد تكون تلك الفاتحة من أجل تحقيق أمور ثلاث، أولها إشغال العملاق الصيني بحرب داخلية يتسنى للولايات المتحدة من خلالها فرض السيطرة التامة على المحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي بحر الصين الجنوبي. ثانياً، استقلال تايوان سيؤدي حتماً إلى فتح شهية استقلالات أخرى داخل الصين وبالتالي تمزيق الصين التي تتأتى قوتها من وحدة أراضيها وشعبها، أي بإختصار سايكس بيكو صيني. وثالثاً، إن لم تكن الولايات المتحدة قادرة على تفكيك الصين، فبالإمكان إنشاء دولة موالية للولايات المتحدة، تماماً كما حدث في الفيلبين، تهدد الأمن القومي الصيني، ودون الحاجة لتدخل الناتو.
ترى الصين أنه من خلال بيع تايوان اسلحة بتسليح تايوان أن أمريكا انتهكت مبدأ “الصين الواحدة” و”البيانات الصينية الأمريكية الثلاثة”. وأن فرض الولايات المتحدة عقوبات من جانب واحد ضد شركات وأفراد صينيين، “… يلحق ضرراً خطيراً بسيادة الصين ومصالحها الأمنية ويقوض بشكل خطير السلام والإستقرار في مضيق تايوان، وينتهك بشكل صارخ حقوق ومصالح الشركات الصينية والأفراد”. وهذا يعيدنا للكلام عن المحاولات الأميركية من أجل السيطرة على الممرات البحرية وتهديد المصالح التجارية العالمية والصينية بالتحديد. وبحسب نوفوستي فقد سمت الصين خمس شركات سلاح أميركية جمدت أصولها ومنعت التعامل معها، مما سيتسبب بخسارة اقتصادية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، واعتبر بنك غولدمان ساكس أن هذا سيعرض اقتصاد تايوان للخطر، كلام مبتذل، لأن منع شركات أميركية من العمل في تايوان وتجميد أصولها سيضر اولاً بالمصالح الإقتصادية الأمريكية.
الخلافات الصينية مع الأميركيين حول تايوان تعتبر من أخطرها على الصين، والتي يبدو أن الأميركيين قد عادوا إلى العمل على تأجيجها بعد تصريحات زيلنسكي، التي اتهمت الغرب بتضليله في الحرب مع روسيا، فانتصار روسيا القادم لا محالة وبشكل نهائي في الحرب التي أشعلها الغرب، سيقوض أحلام بايدن بالقضاء على العملاق الروسي الصاعد، وهو بالتأكيد يحاول لعب نفس اللعبة الخبيثة مع تايوان. المشكلة أن من يدير تايوان هم بغباء فلوديمير زيلنسكي وعنجهيته ولم يتعلموا أن مصالحهم مرتبطة بالجغرافيا المحيطة بهم. كما أن الأميركيين لم يستطيعوا عبر ما فعلوه حلحلة التحالف الروسي- الصيني ولم يستطيعوا حتى شق شرخ فيه. والأمر الأخير، هو الموقف الصيني من الحرب الدائرة على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فالصين بعد أن رفضت إرسال سفن تجارية عبر البحر الأحمر لتمويل الصهاينة وإرسال عمال صينيين بطلب صهيوني والإنضمام إلى الحلف البحري والوقوف ضد فلسطين ووقفت ضد المجازر الصهيونية في غزة، رفضت الأحد مرة أخرى طلباً أميركياً بإرسال سفن تجارية صينية إلى الصهاينة، خاصة وأن أمريكا تعتبر أن أمن وجود دولة “اسرائيل” مرتبط بشكل مباشر بأمنها القومي، والصين باتت تهدده عبر المقاطعة التجارية.
بعد مجزرة كرمان، أعلنت الصين عن دعم إيران ودعم أمنها الإقليمي وترابط أمن البلدين، وقامت بإرسال تعازيها وقالت في بيانها أنها تعتبر إيران حليف لها. لن يكون هذا آخر نتائج التحالفات في الشرق خاصة وأن المحور الصاعد بأكمله يعلم تمام العلم من وراء هذه التفجيرات، وإيران تدعم علناً المقاومات العربية والتي تقوم بقتال الصهاينة في فلسطين وتقصف الأميركيين في سوريا والعراق. لن يقف الأمر عند حد المقاطعات لقد بات كل عملاق يعتبر أن الآخر خطر على أمنه القومي، ولكن مع فرق بسيط، أحدهم يسير نحو الهاوية جاراً معه حلفائه في الغرب، وآخر صاعد مع حلفائه في الشرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى