المقالات

هل تتراجع أميركا في دعم إسرائيل كما فعلت مع أوكرانيا؟

كتبت: إيمان درنيقة الكمالي*\ المصدر جريدة النهار

ممّا لا شكّ فيه أنّ #أميركا مشارِكة بشكلٍ كبيرٍ في ملفّاتٍ عديدة، كملفّ #أوكرانيا، وملفّ الشّرق الأوسط، “إسرائيل”.

لكنْ، إن كان النّصر في أوكرانيا سيتمخّض عنه فوائد استراتيجية بالنسبة لأميركا، إذ إنه سيساهم في وحدة الناتو، وتحقيق أمن أوروبا، لتكون هزيمةً نكراء لروسيا في أوكرانيا، فإنّ “نصر” إسرائيل لن يكون إلّا لإسرائيل فقط. بل وأكثر من ذلك، فإنّه سيجرّ أرجل أميركا إلى حربٍ إقليميّة في المنطقة.

فأين دعم أميركا لزيلينسكي من دعمها القوي لإسرائيل؟

‏منذ بداية الحرب الرّوسية – الأوكرانية وإلى الآن، حصلت أوكرانيا على دعمٍ غير مسبوق من نحو 50 دولة، وقُدِّر إجمالي المساعدات العسكرية وغير العسكرية بنحو 350 مليار دولار، فضلاً عن المساعدات التي لا تقدّر بثمن، كالدّعم الاستخباراتي والاستشارات العسكريّة، ومحاولة خنق الاقتصاد الروسي وتقييد حركة الجيش.

‏لكن يبدو أنّ حماس الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لدعم أوكرانيا بدأ يتراجع، فقد أخفق الكونغرس بقيادة الجمهوريين في إقرار دفعة من المساعدات بقيمة 60 مليار دولار، كان بايدن يرغب في إرسالها إلى أوكرانيا، كما أن “فيتو” دولة المجر منع الاتحاد الأوروبي من مدّ أوكرانيا بنحو 50 مليار يورو أيضاً. ‏وفي كانون الأوّل 2023، ووفقاً لبعض التّسريبات، فقد صُدِم وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد أوستن، الذي يُعالَج حاليًا من مرض السّرطان، من تقديرات العسكريين الأوكرانيين بأنّ أوكرانيا ما زالت تحتاج لتحرير أراضيها إلى 17 مليون وحدة من الذخائر المختلفة، التي قُدّرت تكلفتها الإجمالية بـ400 مليار دولار إضافية، الأمر الذي لا ترى أميركا جدوى من تغطيته. كما أكّد أوستن أنّ الحرب وصلت إلى حالة جمود، لا انتصار ولا هزيمة؛ ممّا يعني أننا أمام “حرب استنزاف” طويلة المدى قد تكون مفيدة لروسيا، ومضرّة للأوكران.

‏ولعلّ هذا التّراجع الأميركي في دعم أوكرانيا لإلحاق الهزيمة بروسيا يظهر جليًا في عبارة الرئيس بايدن الذي صرّح في بداية الحرب: “سوف ندعم أوكرانيا مهما تطلَّبَ الأمر”، لتتحوّل العبارة أخيراً إلى “سوف ندعم أوكرانيا على قدر استطاعتنا”، والفرق بين العبارتين كبير جدّاً. وأكّد موقع Politico الأميركي أنّه في حين كانت أميركا تدعم أوكرانيا في بداية الحرب لإلحاق الهزيمة بروسيا، فإنّها اليوم تدعم أوكرانيا وتشجّعها على الجلوس مع روسيا على مائدة المفاوضات، والموافقة على التّنازل عن 20% من أراضيها الّتي استحوذت عليها روسيا بعد شباط 2022، لإنهاء الحرب وحلّ القضيّة ديبلوماسياً.

وهذا التراجع في دعم أوكرانيا يترجم الآن دعماً عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً لِإسرائيل. ولعلّ هذه المشهدية السياسية هي الّتي نراها في حرب “إسرائيل” على غزة.

لا شكّ في أنّ هجوم حماس في ٧ تشرين الأول هو الردّ المناسب لسلسلة الاستفزازات الّتي لم تتوقّف حكومة العدو عن التسبّب بها، بعد أن بلغ عدد القتلى قبل تشرين الثاني 250 قتيلاً، واستهداف المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلّين، والتوسّع في بناء المزيد من المستوطنات.

والمعروف أنّ دعم أميركا لإسرائيل مبني على عوامل عديدة: من جهة، تتمتّع الولايات المتحدة بعلاقات تاريخية ودينية قوية مع إسرائيل، تعود إلى دعم الولايات المتحدة لحركة صهيونية في أوائل القرن العشرين. كما أنّ هناك شريحة كبيرة من السّكان الأميركيين من أصل يهودي، يشكّلون قوة ضغط سياسية كبيرة تدعم إسرائيل. ومن جهة ثانية، فإن موقع إسرائيل في منطقة الشّرق الأوسط، وهي منطقة ذات أهميّة استراتيجية للولايات المتّحدة، يلعب دورًا مهمًا في التّحالف الأميركي – الإسرائيلي ضدّ إيران وقوى أخرى في المنطقة. كذلك، تُعدّ الولايات المتّحدة أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وتستثمر الشّركات الأميركية بكثافة فيها.
بالإضافة إلى هذه العوامل التاريخية والاقتصادية والجيوسياسية، هناك أيضًا عوامل إيديولوجية تدفع الولايات المتّحدة إلى دعم إسرائيل، إذ تؤمن الولايات المتحدة بقيم الديمقراطية والحقوق والحرّيات، وبرأيها أن أسرائيل هي الدولة “الديمقراطية” الوحيدة في الشّرق الأوسط، وفق ما تزعم واشنطن. وهذا ما دفع البعض إلى القول إن اميركا قد تتخلّى عن ولاية من ولاياتها، ولا تتخلّى عن إسرائيل.

فلا غرابة إذن، إن رأينا الولايات المتحدة اليوم تدعم وبكلّ ما أوتيت من قوّة إسرائيل للقضاء على ما تسمّيه “قوى الشر”، أي حماس في منطقة الشّرق الأوسط.

لكن الأهم أنّ أميركا، مع ذلك، تريد أن تبقى الحرب محصورة في غزّة، ولا تريدها أن تتوسّع إلى حرب شاملة.
وقد اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي هجوماً استباقياً على #حزب الله، لكن بنيامين نتنياهو رفض ذلك، بناء على طلب الولايات المتحدة، التي لا تريد أن تجد نفسها متورّطة في حرب تشمل المنطقة، ولا يمكن تجنّبها. وها هي أميركا ترسل الموفدين، “بلينكن” للمفاوضات والتأثير على “إسرائيل” ودول المنطقة، و”هوكشتاين” إلى إسرائيل ولبنان لمنع توسّع الحرب إلى الجنوب اللبناني.

والحقيقة أنّه طالما أميركا تدعم إسرائيل، فالحرب ستبقى مستمرّة، وإذا “توسّعت نحو لبنان”، كما صرّح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، “فعندها الحزب الذي أبقى تدخّله منضبطًا حتّى اللّحظة، سيتدخّل وبقوّة”. والنتيجة أن أميركا ستجد نفسها أمام حرب إقليمية على المضائق. وقد بدت معالم هذه الحرب بهجمات جويّة أميركية – بريطانية على اليمن.

وهنا نسأل: لماذا تدعم أميركا إسرائيل لهذه الدّرجة، علماً أنّ هذا الدعم سيتسبّب بتورّطها في الصّراع العربي – الإسرائيلي، الّذي لا مصلحة لأميركا فيه، والذي يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي؟

ما الذي يُجبر أميركا على أن تتكبّد كلّ هذه الخسائر المادية الفادحة في دعمها لإسرائيل في حرب تجاوزت المئة يوم؟

كيف لأميركا أن تتحمّل تلقّفها للاتهامات بجرائم الحرب التي تُوجَّه سهامُها ضدّ إسرائيل، والتي تؤدي إلى تراجع موقف الولايات المتّحدة وصورتها في العالم؟

وكيف سيتقبّل بايدن المُقبل على انتخابات رئاسيّة تحمّل لقب “بطل حرب”؟

كما ونسأل: إلى أين ستصل أميركا في هذا الدعم المتواصل لإسرائيل؟
وهل سيأتي اليوم الذي نشهد فيه تخلّي أميركا عن شريكتها إسرائيل؟

أستاذة جامعيّة*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى