المقابلات

زريق في لقاء مع «اللواء» يطلُّ على الشؤون الثقافية والسياسية في طرابلس: «الواقع يتطلّب العودة إلى الدستور والضمير والالتفات إلى الشعب المظلوم» المصدر: جريدة اللواء

في 7 حزيران 2013 استحصل على العلم والخبر بإنشاء «مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية» تخليدا لذكرى جدّه الذي تحمل إسمه، وهكذا تحوّلت الفكرة التي لطالما دغدغت مشاعره إلى مشروع قائم وناشط يعمل في إطار ثقافي مبرمج ليكون منذ ذاك الوقت شاملا للأنشطة الثقافية والأدبية والفكرية، هادفا إلى تعزيز مقام «لغتنا الرائعة» كما تصفها.
حوار شيّق وعميق أجرته «اللواء» مع الدكتور سابا قيصر زريق.

{ عام جديد يمضي، ألم يشعر سابا الحفيد بالضجر والملل من نصرة اللغة العربية وإدمان العمل في إعلاء شأنها وتشجيع العاملين في إطارها من كُتّاب وشعراء؟

  • بالطبع كلا. فمهما فعلنا نبقى مدينين للغتنا الجميلة. ومهما جهدنا في سبيلها، نبقى مقصّرين. إن من شأن الاستمرار في نصرتها توعية الرأي العام وبخاصة الشباب بأنه ينبغي علينا أن نوليها الاهتمام الذي تستأهله ونشجعهم على التأليف والإنتاج بلغتهم.
    { كم أصبح عدد الكتب والمؤلفات التي ساهمت مؤسستكم في إصدارها حتى اليوم؟
  • سوف تتجاوز إصدارات المؤسسة قريباً الـ112. وكما تعلمون، إن المؤسسة ليست بدار نشر تجارية، بل هي تدعم طباعة الكتب باللغة العربية تاركةً كامل حقوق الملكية الفكرية الأدبية للمؤلفين وهي تحتفظ بعدد من إصداراتها لتوزعها مجاناً على المهتمين من أفراد ومؤسسات.
    { وهل المؤسسة ماضية في رسالتها؟
  • على الرغم من نضوج المؤسسة بعد عقد كامل على إنشائها، بإنجازات كثيرة تشهد لها، فإني أنا شخصياً لم أزل أعتبر أنها في بداياتها.
    { هل أنت راضٍ عن الحركة الثقافية القائمة اليوم في طرابلس والشمال؟
  • قلتها مراراً وأردّد أن الحركة الثقافية الناشطة جداً في طرابلس والشمال قديمة العهد، وهي لم تتوقف حتى في أحلك الظروف التي اجتازتها المدينة والجوار. أكانت الأنشطة الأدبية أو الفنية، فالمدينة تعيش في مناخ ثقافي مميّز، إذ قلّما ينقضي أسبوع ولا تجري خلاله فعاليات ثقافية عديدة، يتضارب تاريخ وموعد انعقاد بعضها أحياناً مع تاريخ وموعد انعقاد البعض الآخر. وربما ينبغي أن يصار إلى إنشاء مكتب مركزي يسجّل هذه التواريخ والمواعيد، يستشيره من يرغب للوقوف على البرامج المذكورة فيه، بهدف تفادي التضارب المذكور.
    { تابعنا إهتمامكم مع مجموعة من الهيئات الثقافية في إحياء مناسبة إختيار طرابلس عاصمة للثقافة العربية، من خلال مسارٍ يختلف بالشكل والمضمون عن البرامج التي أطلقتها وزارة الثقافة، فما هي الدواعي والأسباب؟
  • لا يخفى على أحد أن وزارة الثقافة تأخّرت فعلاً في المباشرة بفعاليات «طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024». وهذا ما دفع جمعيات مختلفة ناشطة إلى التداعي لرصّ جهودها وتنظيم برامج مشتركة. أما هذا فلا يعني على الإطلاق بأن النشاطات التي أطلقتها تلك الفعاليات تتعارض مع البرامج التي تنفذها وزارة الثقافة حالياً. فالكل يعمل لهدف واحد، ألا وهو خدمة الثقافة في طرابلس. وأعيد وأكرر أن أي عملا ثقافيا ناجحا إنما تستفيد منه المدينة والشمال، بصرف النظر عن الجهة المنظمة له. وأنوّه بالجهود التي تبذلها وزارة الثقافة بشخص معالي الوزير في سبيل إنجاح برامج «طرابلس عاصمة للثقافة العربية».
    { هل ترون أن البرنامج الثقافي للوزارة والذي يجري تنفيذه في طرابلس لا يتناسب ولا يتجانس مع الواقع الثقافي الذي مثّلته وتمثله طرابلس عبر عصورها والذي يخلّده التاريخ؟
  • أرى، كما يرى كُثر، أن وزارة الثقافة تبذل ما بوسعها، وضمن الإمكانيات المتاحة لها، لتنفيذ برنامج ثقافي ناجح في المدينة. ولو هي أحسنت منذ البدء تنظيم هذه المناسبة الفريدة لربما كانت النتيجة أفضل، غير أن ذلك لا يعني أن ما تقوم به الوزارة حالياً لا يتناسب أو لا يتجانس مع الواقع الثقافي لطرابلس.
    { كيف تصفون الوضع الراهن في طرابلس على الصعيد الإنمائي والحياتي والاقتصادي؟
  • فالإنماء مفقود والاقتصاد في الحضيض والشؤون الحياتية المرتبطة بشكل وثيق بهذين العاملين هي بنفس السوء اللذين يعانيان منه.
    { هل ترون أن بالإمكان تجاوز هذه الأوضاع وإزالة آثارها ونتائجها؟ وكيف؟
  • إن الأمور المتفاقمة تحتاج إلى حلول سريعة تتوقف لسوء الحظ على الدعم المالي الممكن أن يتوفر للبنان، والذي هو حالياً مشروط بقيام البلد بتنفيذ ليس فقط خطوات معينة بل بالامتثال لأجندات مختلفة ومنها المتناقضة. لكن هذا لا يعني أن بعض المشاكل ليس حلّها بمتناول اللبنانيين أنفسهم، وبخاصة في ما يتعلق بمحاربة الفساد والاحتكار وتنظيم الشؤون الأمنية الداخلية والتربوية والصحية والبلدية، إلى ما هنالك.
    { هل تقومون بدور معيّن في هذا المجال؟ وكيف تتابعون القضايا الراهنة مع المعنيين وذوي الشأن والسياسيين؟
  • أنا حالياً منهمك، إلى انشغالاتي المهنية، في العمل على إنجاح أنشطة مؤسستي، «مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية»، أي حاصراً اهتماماتي في الوقت الراهن بالشؤون المهنية والثقافية. وبالتالي، فإني لا أتابع أية قضايا مع المعنيين، تاركاً هذه المهمة لمن أدليت بصوتي لهم ليقوموا بواجباتهم وينفذوا المهام الموكلة إليهم في الدستور، بهدف تحقيق الآمال التي عقدها عليهم ناخبوهم.
    { هل من مبادرة لتشكيل هيئة أو مجموعة من المهتمين والمتابعين لقضايا الشأن العام؟ وملاحقة هذه الأوضاع ووضع المدينة على سكة الخلاص وتأمين إنطلاقتها اقتصاديا وتنمويا على الأقل؟
  • لا أدري إن كان هنالك من مبادرات بهذا الصدد. أما إذا كنت تعني ما إذا كانت لديّ أنا شخصياً مبادرة من هذا النوع، فالإجابة هي بالنفي.
    { يبدو أو كما يشير البعض أن إنخراط الدكتور سابا زريق في العمل السياسي لم يعد فكرة أو مجرّد شعار أو هدف، ما صحة ذلك؟
  • لا أخفي بأن فكرة الانخراط في العمل السياسي راودتني وما زالت تراودني من وقت لآخر، يعززها تشجيع مقرّبين لي على الترشّح للانتخابات النيابية. غير أني لم أزل على موقفي فيما يتعلّق بما أسمّيه صورية قانون الانتخاب الحالي الهجين والمجحف والذي لا يسمح باختيار الناخبين لوكلاء حقيقيين عنهم.
    { تقرّبكم من قيادات سياسية وشعبية ورجال دين يساهم في تطوير هذا الواقع ووضعه في خدمة المدينة وإنعاشها وتقدّمها، ما رأيكم؟
  • أنا أعتزّ بكوني مقرّباً من كافة الفعاليات السياسية والدينية، بخاصة في مدينتي، وإني على مسافة واحدة من كلّ منهم. غير أن ذلك لا يعني بالطبع أني أرى مانعاً من الانخراط في العمل السياسي. ويمكن العمل في الشأن العام وخدمة أهلنا من أي موقع نكون فيه وليس بالضرورة عبر النيابة.
    { ألا تشعر أن السياسة في لبنان أصبح من الواجب تطعيمها بشيء أو بنكهة من السياسة المتحسسة بأوضاع الناس وآلامهم، وفي آنٍ معا تلبية حاجاتهم وآمالهم؟
  • آن الأوان على السياسيين الممسكين بزمام الأمور في البلد أن يتحسّسوا هم، وبخاصة المخضرمين منهم، بأوضاع الناس وآلامهم. أما عملية «التطعيم» التي أشرت إليها، فقد شهدنا في انتخابات 2022 عملية شبه «تطعيمية»، لم تفضِ إلى أي نتيجة تذكر. إن أي تحسّنا ملموسا في الأوضاع لن يحصل إلّا إذا قام المتحكمون برقابنا أنفسهم بتعديل مسارهم والعودة إلى الدستور والضمير والالتفات إلى الشعب المظلوم. فهم، في المدى القصير، وحدهم القادرون على إنقاذ الوطن والمواطنين المظلومين على يدهم.
    { ولكن إذا تحقق لك أن تتحالف مع سياسيين مخلصين لبلدهم ولشعبهم ألا تقبل بالإنضمام إليهم وتشكيل فريق عمل يحقق المزيد من العافية والإنتاج والازدهار لهذه المدينة وللمنطقة وللبنان؟
  • إن الأمور رهن بأوقاتها. ولا تخلو مجموعة السياسيين الحاليين من طاقات مقتدرة تتمتع بخصالٍ حميدة وبكفاءات عالية، غير أنه تبيّن لنا أنهم لم يتمكنوا ولن يتمكنوا من قلب الطاولة لسببين رئيسين: الأول عدم إجماعهم على حلول جذرية واحدة لكافة المسائل العالقة؛ والثاني، وهو الأهم، عدم قدرتهم على التصدّي عملياً للمنظومة الحاكمة المسؤولة عن تردّي الأحوال في البلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى