المقالات

وسائل “التباعد” الإجتماعي و حرية التعبيربقلم د. سابا قيصر زريق \ المصدر: “ناشطون”

رمى مبتكرو “الإعلام الإجتماعي” أو “السوشيل ميديا”، باستحداثهم لتطبيقات إلكترونية، إلى جعل مستخدميها يتواصلون ويتفاعلون ويتحاورون ويتقاربون، بالصوت و الصورة. و الفايسبوك و الـ X (التويتر سابقاً) و الواتساب والانستغرام هم من أبرز تلك التطبيقات، التي يبحر مستخدموها على بساط أثير الانترنت، مقلصين بذلك الكرة الأرضية ليجعلوها “طاولة حوار”، مهما كانت المسافات بينهم قاصية. غير أن بعض مستخدمي هذه التطبيقات يسيئون استخدامها مبررين ذلك بحرية الرأي والتعبير، ويُقدِمون دون قيد على المراسلة والدردشة، ليس بهدف التعارف و تبادل الآراء وتقريب وجهات النظر في ما بينهم، بل تجاوزوا هذه الأهداف المشروعة ليقعوا في المحظور ويوقعوا بين المتراسلين والمدردشين.
نقرأ أحياناً في مجموعات الواتساب و ما يشابهها، لغةً، و نستمع إلى تسجيلات صوتية هي أبعد ما تكون عن أصول التخاطب الحضاري. اذ يصطف “المدردشون” على ضفاف مقابلة، معمقين الشرخ بينها، بتغريدات هي أشبه بنعيق الغربان، ناهيكم عن الشتائم التي يتبادلونها و كأنهم يتراشقون برصاص كلامي. و النتيجة هي أن ما استنبط أساساً ليكون جسر تواصل أضحى وسيلة تباعد تتسبب بصدعٍ من الصعب رأبه؛ لا سيما أن عولمة التكنولوجيا الرقمية وكون مؤلفو المضامين المخزية مسجلين على مواقع مغلفة في غيمة افتراضية، لا سلطة واضحة لقضاءٍ معين عليها، مما يجعل مقاضاتهم من الصعوبة بمكان.
أما الطامة الكبرى فهي إستغلال سرعة نشر الأخبار على وسائل التواصل الإجتماعي لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد ولبثّ أخبار مفبركة، بهدف التأثير على الرأي العام، الذي يتلقفها ويصدقها. فباسم حرية التعبير، ترتكب أفعال القدح والذم والتهويل ابتزازاً وتنمراً ومساً بحرمة وكرامة الأشخاص المستهدفين، ناهيكم عن تفشي الإباحية الفاضحة على تلك الوسائل.

كما ويلجأ سياسيون، وبخاصة من منهم تتراجع شعبيته، الى تجنيد مرتزقة من الجيوش الإلكترونية، يملون عليهم تعليمات، يترجمها اولئك الجنود المأجورون تهجماً شرساً على الأخصام بهدف اغتيالهم سياسياً.
وبالطبع، إن الاتكاء على حرية التعبير لتخطي كل الحدود الاخلاقية، ممارسة شائنة بحد ذاتها. وهيهات لو أن مصممي وسائل التواصل الإجتماعي يرسمون ضوابط رادعة، تكون كافية لتامين مناخ يسمح بالتواصل الحر من جهة والملتزم أخلاقياً من جهة أخرى، على أن يكون خالياً من الإسفاف والسوقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى