المقالات

لبنان … إلى أين؟\عبدالله خالد

بعد تراكم الأزمات والتداخل بين السياسي والاقتصادي وتزايد طوابير الذل بحثاً عن الحد الأدنى من العيش بكرامة يبدو ان اهتمام الغرب بالساحة اللبنانية قد تجدد مؤخراً علماً ان هذا الاهتمام كان أوروبيا مجسداً بفرنسا وبريطانيا بالدرجة الأولى والإدارة الأمريكية التي ورثت المنطقة بعد ان تراجع الدور الأوروبي وأصبح مجرد أداة تنفيذية لما يحاك في واشنطن. والواقع ان هذا الاهتمام المستجد يعكس الإصرار على الهيمنة على المنطقة لما تشكله من ثروات متعددة ومتنوعة الأمر الذي يفرض استمرار شرذمتها والحرص على منع وحدتها وهذا ما دفع الغرب إلى التفكير بمجموعة مشاريع تحقق هذا الهدف وكان أبرزها مقررات مؤتمر كامبل- بترمان التي أوصت بضرورة زرع جسم غريب في المنطقة يشكل سداً وقاعدة متقدمة تحمي مصالح الغرب وهذا ما ترجم بوعد بلفور الذي أوصى بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين وترجم بمباحثات سايكس- بيكو وتبناه مؤتمر فرساي الذي قسم بلاد الشام إلى مجموعة دول وفرض الانتداب الذي يعتبر رديفاً وصيغة ملطفة للاستعمار الجديد للمناطق التي كانت تابعة للسلطة العثمانية وظهر بوضوح ان المطلوب هو تقسيم سوريا باعتبارها قلب العروبة واقتطاع أجزاء منها وضمها إلى الدول المستحدثة وهكذا ظهرت دولة لبنان الكبير ودولة الأردن وفصلت فلسطين لتصبح الكيان الموعود وخرجت أصوات في الداخل اللبناني تطالب بلبنان دولة مسيحية ( مارونية ) على غرار الكيان اليهودي ( الصهيوني ) الذي كلفت بريطانيا بإنشائه.
ان نظرة إلى الماضي تؤكد ان المصالح الفرنسية حتمت عدم الاستجابة لرغبة البعض في لبنان وتم الحفاظ على الروابط المشتركة التي يفرضها الجوار وتحديداً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي . وهكذا نشأت دولة لبنان الكبير التي احتفلنا منذ مدة قريبة بمئويتها الأولى وسط اصوات نشاز دعت إلى تكرار تجربة الانتداب الفرنسي مجدداً غير عابئة بمستجدات كثيرة ظهرت على الساحة اللبنانية وامتداداً المنطقة تمنع إمكانية تكرارها إذا اضفنا إلى ذلك انه لم يتم التركيز على بناء مواطنة جادة تحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد وتعتمد الكفاءة كنهج للوصول إلى مراكز المسؤولية وتقدم الانتماء الطائفي والمذهبي كبديل للانتماء للوطن أمكننا أن نفهم كيف ان لبنان بقي مجرد مزرعة تتحكم بها المصلحة الذاتية على المصلحة المشتركة لكل أبنائها وبقيت الرغبة في إلغاء الآخر أو تحجيمه على الأقل هي الأساس في ظل تقديم رغبات الخارج ومصالحه على طموحات الداخل وأمانيه.
والواقع ان لبنان يعيش أزمة حقيقية على أكثر من صعيد بعد أن ازداد الحصار عليه ومنعت عنه المساعدات التي أصبحت مشروطة بسلسلة من المطالب يشكل التعهد بتنفيذها المدخل الطبيعي للحصول عليها وهذا ما أكدته المبادرة الفرنسية الخاضعة لرقابة أمريكية مشددة وصولاً إلى الالتزام بتطبيقها دون الأخذ بالاعتبار تداعياتها وانعكاساتها السلبية على التضامن الوطني الذي يشكل حجر الأساس للخلاص من تراكم الأزمات وتداخل المطالب الخارجية مع الهموم الداخلية.
وإذا كان حراك 17 تشرين قد فتح آفاق جديدة لإمكانية التغيير أجبرت الرئيس الحريري على الاستقالة خصوصاً بعد انضمام جعجع وجنبلاط لصفوفها، على أمل أن يعود للحكم متبنياً مطالب الحراك الا ان هذا الأمر لم يتحقق . وكان الحراك قد أوحى بان تياراً عابراً للطوائف والمذاهب قد انضم إليه. ولكن هذا الأمل سرعان ما تبخر نتيجة عدم وجود خطة واضحة المعالم وقيادة موحدة له. إذا اضفنا إلى ذلك انضمام قوى متعددة له حرفته عن مساره وأدخلته في لعبة الصراع على السلطة ولجوء بعض الأطراف إلى العنف وقطع الطرقات الذي انعكس سلباً على الوطن والمواطن أمكننا أن ندرك المأزق الذي وقع الحراك فيه خصوصاً بعد أن اصبح يضم عناصر متناقضة لا تجمعها وحدة الهدف ولم تستطع أن تحقق الفرز المطلوب لإنجاحه وتحقيق أهدافه في الوصول إلى التغيير المطلوب . وهكذا اصبح لبنان ، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي سببته الشبكة الحاكمة الغارقة في الفساد كنتيجة للاقتصاد الريعي والهندسات المالية للمصرف المركزي وهيمنة الرأسمالية المتوحشة وتوازنات النظام الطائفي والمذهبي ، عليه أن يواجه معضلة الحراك الذي وصل إلى طريق مسدود لأنه لم يستطع أن يحقق الفرز المطلوب بين القوى الحقيقية المؤمنة بالتغيير والقوى الأخرى التي تريد حرف الحراك عن مساره الطبيعي وكذلك معضلة تشكيل حكومة جديدة بعد تقديم الرئيس الحريري استقالة حكومته وأصبح من حق المواطن أن يطرح السؤال البديهي : لبنان… إلى أين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى