المقالات

القيم الأخلاقية وثورة التكنولوجيا

بقلم الدكتورة رانيا الكيلاني أستاذ علم الاجتماع الثقافي ببجامعة طنطا

السلوكيات والمظاهر السلبية التى اجتاحت عقول وتصرفات شبابنا فى الآونة الأخيرة أكثر من أن تحصي، وليت الأمر مقصور على الشباب، بل طال الفتية والأطفال فى مرحلة ما قبل المراهقة والبلوغ.. حيث أصبحوا ضحية العنف اللفظي، والبلطجة، والتهكم والسخرية، والتقليد الأعمى لموضات الغرب، فضلا عن افتقاد التراحم والاحترام، وغياب الحياء والنخوة، وغلبة القسوة وجفاف المشاعر الإنسانية، وفساد الذمم…. إلخ.. كل ذلك ينبئ عن تراجع شديد وفساد كبير فى القيم الأخلاقية التى كانت تظلل مجتمعاتنا الشرقية ونفخر بها إلى سنوات قليلة مضت، قبل أن تهب علينا رياح التغريب والتشويه الأخلاقي، ومفاسد التكنولوجيا.

قديما كانت تسود المجتمع عادات وقيم أساسها الفطرة السليمة، التى تزكى فى أصحابها الصدق والأمانة، والحياء والعفة والاحترام، وتوقير الكبير واحترامه، سواء كان هذا الكبير أبا أو أخا أو معلما أو عالما. وهى نفسها الفطرة التى تفرض على صاحبها حماية الضعفاء وكفالة الفقراء ومراعاة شعور الجار ولو كان غير مسلم. وجاء الإسلام فاهتم بالأخلاق اهتماما عظيما، فالقرآن الكريم والسنة النبوية يستنبط منهما أحكاما يجب على الإنسان أن يتبعها لكى يكون مسلما، وهذه الأحكام تتنوع بين أحكام فى العقيدة، وأحكام فى الأخلاق، وأحكام فى العبادات والمعاملات المالية وغيرها من أفعال المكلفين، فالأخلاق تمثل دعامة أساسية من دعائم المجتمع.

عوامل عدة مجتمعة أدت إلى تلك الحالة المتردية لأخلاق شبابنا، التى تصادم قيمنا، وترفضها جميع الشرائع السماوية والدساتير الإنسانية. وطالبوا بثورة أخلاقية واستراتيجية محددة نعود بها إلى قيمنا التى أمرنا بها الله عز وجل وعلمنا إياها النبى صلى الله عليه وسلم.

الأخلاق هى قوام شخصية الإنسان المسلم والميزان الذى يزن به إيمانه وقربه من الله، قال تعالي: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». ويقول صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، ولا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ” وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ.

الأخلاق ميثاق حياة.. فهى عماد الرقى والتقدم فى أى مجتمع.. وهى أساس التراحم والتعاطف بين البشر.. وميزان العدل فى كل التعاملات، فالمجتمعات التى تتردى فيها الأخلاق تصاب بالعطب الفكرى والجمود العاطفي، فيباح فيها كل ألوان الشرور والهمجية وتسود فيها الأمية الوجدانية وتتأخر علميًا وتنمويًا.

ما شهدته الآونة الأخيرة من صور سلبية تعكس تراجعا بينا للقيم الأخلاقية وظهور غيرها من المظاهر السلوكية التى تنهى عنها كل الرسالات السماوية والدساتير الإنسانية.

هناك نوع آخر من التراجع قد لا يفطن إليه البعض، وهو التراجع الأخلاقى التكنولوجي.. والذى تمثل فى صور متنوعة منها التنمر الإلكترونى عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وتفشى فيروس التحرش اللفظى الكتابى والمرئى والتلصص والتجسس للنيل من آخرين وتشويه سمعتهم أو السخرية منهم أو تتبعهم لتهديدهم وابتزازهم. وذلك كله امتداد للتراجع الأخلاقى الذى نحن بصدده، فالتراجع الأخلاقى أفقد الإنسان الأمانة والمراقبة الذاتية لله عز وجل، الثورة الهائلة فى تكنولوجيا المعلومات وتعدد وكثرة منافذ ما يسمى بالتواصل الاجتماعى سبب رئيسي فى تراجع منظومة القيم والمبادئ حيث فتح أمام الجيل المعاصر أبوابا كثيرة للتأثير والتأثر الذى يأتى بصورة سلبية.

إصلاح الأخلاق يبدأ من البيت: الأب والأم والأخوة والأخوات الكبار على أن يكون الموجهون والمربون قدوة لما يوجهون به، فلا يعقل أن يحذر الأب أو الأم ابنه أو ابنته من مواقع معينة تهدم المبادئ والقيم الأخلاقية وهم يفعلون ذلك .

يجب الاهتمام بتنشئة الشباب وتقويمهم ويجب على ولاة الأمر وضع استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف، مع الرقابة الصارمة على وسائل الإعلام لما لها تأثير من عظيم فى تشكيل وعى الشباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى