المقالات

الرّابطة الثقافيّة محطة ولادة وإبداع \ كتبت : الدكتورة سارة ضناوي

الرّابطة الثقاقيّة هي وحدة تنظيميّة عُنيت بالنّشاطات الثّقافيّة،والتَّعليميّة،والتّرفيهيّة في عاصمة الشّمال طرابلس ،ومنذ تأسيسها وحتّى اليوم تواكب هذه الأعمال بجدّ وإقبال لإعادة المشهد الثّقافيّ المعرفيّ ،من أجل توليد الأذهان المفكّرة،وتفريغ الطاقات العلميّة والإبداعيّة في أغلب المجالات والاختصاصات على الورق الأبيض. وبعد هذا الدّأب والجدّ ، هل أضحت الرّابطة محطة ولادة وإبداع في طرابلس ؟

سعى رئيس الرّابطة الثقافيّة بشخص الأستاذ والصّحافي رامز الفرّي إلى إتاحة الفرصة للجميع على اختلاف مسمّياتهم الوظيفيّة، والعلميّة، وانتماءاتهم الدّينيّة، والسّياسيّة لكي يقدّموا كتبًا منوّعة من قصصٍ ،وشعرٍ، ونثرٍ، وأدبٍ ، ترقّ لها القلوب، وتعشق نغمها الآذان بالإضافة إلى التّاريخ ،والتّربية، والسّياسة ،والاجتماع ليكونوا محطّة تطلّع ،وبحث لمستقبل مميّز،وقد لبّت كلّ الأطراف المعنيّة دعوة الافتتاح ،ودوّنت يومًا تاريخيًّا للكتاب والكلمة.
وها نحن اليوم في معرض الكتاب بدورته الخمسين، نشهد على افتتاح ستارة جديدة ،واستهلال باقة من ورود الكلمات، ونموّ سنابل من كنوز شابّة، تزرع ،وتغرس في تربة خصبة طيّعة الاستخدام، تتشكّل كالأفكار، والألوان،لا يحدّها تعرّج أو صلابة ،لأنّ الطبيعة بكلّ عناصرها تأسر القلوب الضّعيفة والمرهفة بحسّها الأنيق ،فكيف لا ترسم الحروف أكاليل العمر في كتاب ؟!،وبروج المستقبل تشتعل بين السّطور، وتشحذ الأقلام مخافة من الرّكود والموت العميق .كما يشيد الجاحظ في هذا المضمار قائلًا : ” الكتاب نعم الذُخر والعُقدة ، نعم الأنيس في ساعة الوحدة ، ونعم القرين ببلاد الغربة ، وهو وعاء مليء علمًا ،وليس هناك قرين أحسن من الكتاب .” وهذه الأخيرة تعدّ ذكرى وافية لبصمة أدبيّة محفورة عند القرّاء، ومحبّي اللّغة العربيّة ، تحثّهم على الاهتمام بالكتاب الورقيّ ،والنّهل من محتواه الثّمين .كما أشار النّاقد نجيب محمود إلى ماهيّة الكتاب قائلًا:” الكتاب لسان اليد، وسفير العقل، وعُدّة المعرفة، وهو صلة النّاس عند الفُرقة، وأنس المحدثين على بعد المسافة، هو مستودع السّر وديوان الحضارة”. وإن سعى كلّ امرىء إلى إطلاق لسان العقل، وفتح خزانته المعرفيّة، فيكون قد بلور حضارة، وأضاف إرثًا جديدًا للّغة العربيّة ومكتباتها ..
لذا افتتحت الرّابطة المعرض على مدار عشرة أيّام حيث ضمّت ندوات لغويّة، نحو : ” العربيّة واللّغات الأجنبيّة”، وشعريّة ،نحو ” عتب على شفاه الورد “، “وميزان العدالة” ،”وفراشة على قيد الكتابة ” ، “وروائيّة، نحو: “سِدرة الشّوق “،”وجنسيّة قيد الدّرس “،”وأرواح مهاجرة “، ” وبرقعد” ،” وأخطاء وخطايا”،وأخيرًا “عندما يستيقظ الوجع ” وتربويّة، نحو:” تحدّيات التّربية والتّعليم في لبنان “،وعلميّة ،نحو :” مستقبل الإبداع الأدبيّ في ظل ثورة الذّكاء الاصطناعيّ”،” والتّحدي العلميّ في مواجهة فيزياء الكون”، “والأمن السّيبرانيّ في لبنان “،وإنسانيّة ،نحو:” كيف نتراحم”،” وإعلان الأخوّة الإنسانيّة تحت المجهر” ،وندوة في كتاب :” الإنزياح في شعر أدونيس “،” ووشوشات في موقع عسكري سوري بين 15 شباط و15 آذار 2005 “، وأمسيات شعريّة متعدّدة منها : “لن يضيع ” ،”همس وهتاف “، وأمسية تكريميّة لـ د.جورج زكي الحاج ” أبو رمح “بالمحكي ، ومعرض تشكيليّ للفنان خالد عيط ، وحفل موسيقيّ لكورال مؤسسة سعادة للثّقافة ،وبراعم كوليت أكاديمي، وعروض مسرحيّة مختلفة ، بالإضافة إلى ساعة مع ميخائيل نعيمة في فيلم “تسعون” لمارون البغدادي مع شهادة الآنسة سهى حداد نعيمة يالتعاون مع CINECLUB،ومحاضرة بعنوان: ” الفشل الشّخصيّ “، وتحيّة إلى غزّة إحياءً لذكرى النّكبة 76 تحت عنوان : ” الرّواية الفلسطينيّة من الذّاكرة إلى الأجيال الجديدة .
وفي خضمّ المآدب الإبداعيّة ، مشاركة متنوّعة من جامعات خاصّة، ورسميّة ،وجمعيات يمثّلها شباب، وشابات، ومنتديات، ومشاريع لغزل الصّوف، وأشكال من الشّمع ، بالإضافة إلى العازفين، والفنانين، ومدارس، ونوادٍ أدبيّة مختلفة في التّسميّة ، تتشارك في العطاء والتميّز…
هاهي الفعاليّات تكرّس الحواس قاطبة بين يديّ حرف تراثيّ غنيّ بقدر مدينة طرابلس الأثريّة الملقّبة بعاصمة الثّقافة العربيّة ،وأهلها الأفاضل ،وكلّ من قصدها، فهم يستحقون مهرجانًا تقدّر فيه إنجازاتهم وتحفظ في المكتبة العربيّة، وأن تحييها المنتديات الأدبيّة من أمسيات، وندوات، وحفلات تواقيع ،وكأنّها الولادة الأولى …
ولتبقى الثّقافة هي البوصلة المتشابكة والمتّصلة بكلّ هيئات المجتمع الإنسانيّ ،وهي المحرّك لكلّ إبداع يُصنع ويُخلق ،وما من فكرة تمرّ إلاّ وعكست وجهًا جديدًا للإبداع الثقافيّ . وكي تواصل الرّابطة عطاءها ،أطلقت العنان للولادة الأدبيّة والإبداعيّة الجديدة والمعاصرة في كلّ ما قدّمته في المعرض،وقد شكّل ذلك نافذة لإحياء فصاحة الكلمة وبيانها،والحرف أداة تطوف السّطور، وتمدّها بالمعرفة الإنسانيّة العريقة،من وجدان، وعِبَر، ونظريّات، وأقوال مستنبطة من عباقرة الأدب كقول ميخائيل نعيمة ،نحو: ” أيتها الكلمة ! علّمتني النّطق فنطقت،وعلّمتني الكتابة فكتبت ،وكان مانطقت به عوالم من السّحر والسرّ”.عاشت الكلمة العربيّة الفصيحة رغم تحدّيات الزّمن والتّكنولوجيا،عاشت أبيّة تستلهم النّوابغ الأدبيّة اللّامعة، والأمل في ولادة الإبداع بئر لاينفذ على مرّ الزّمان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى