المقالات

عملية الأربعين» في دوافعها وأسبابها: دلالات وحصيلة غامضة وتوقّعات \ حسن محمود قبيسي*

في التُّرَهات التلمودية المزعومة، في سفر أراميا :14 من العهد القديم: «من الشمال سينفتح الشر على كل سكان الأرض». وفي يشوع 1: 3 «ُكلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ، كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى». وفق تلك الترهات التلمودية كانت الحركة التلمودية المتصهينة كانت تتصرف مع العرب عامة ومع لبنان خاصة.
تم تحديد الحدود اللبنانية – الفلسطينية في 23/2/1920 بمفاوضات بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، وترسيمها في 1/6/1921، ووقّع الاتفاق بينهما يوم 3/2/1922. وعمل به بدءا من 10/3/1923، بعدما تم تكريس التعديل الحدودي بموجب اتفاقية «نيو كومب بوليه» 3/2/1922. نتيجة ضغوط مارستها الوكالة اليهودية، التي كانت تنظم عمليات الاستيلاء والصفقات العقارية على منطقة مستنقعات الحولة في فلسطين المحتلة، على الفرنسيين. وكانت إحدى الشركات الفرنسية حينها قد التزمت بتجفيف هذه المستنقعات، فاشترط هذا المكتب على الفرنسيين التنازل عن ثلاث وعشرين قرية لبنانية تبلغ مساحتها 192 كلم2 واقعة ضمن النفوذ الفرنسي وضمّها إلى فلسطين في مقابل تجديد عقد امتياز الشركة الفرنسية في تجفيف المستنقعات، وهذا ما حصل، إذ جرى ضمّها بجميع من فيها وما فيها ونقلها من إطار الحكم الانتدابي الفرنسي إلى إطار الحكم الانتدابي البريطاني، وخلافاً للقوانين الدولية التي تمنع الدول المنتدبة من التنازل عن أراضي ما انتدبت لإدارته، تمّت إزاحة الخط المتفق عليه في اتفاقية 1920، فخسر لبنان عدداً من القرى التي باتت تعرف بالقرى السبع.
وفي 4/2/1924 دخلت هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ بعدما أودع محضر الترسيم «عصبة الأمم» وإعلان ضم القرى السبع رسمياً الى أراضي فلسطين، علماً أن الخريطة العثمانية تؤكد أن مزارع شبعا بمجملها كانت واقعة في قضاء حاصبيا. وعند إنشاء دولة لبنان الكبير، ضم هذا القضاء بكامله إلى هذه الدولة، وذلك بموجب القرار 318 الصادر عن المفوض السامي الفرنسي في أيار/مايو 1920 بشأن تعيين حدود لبنان الكبير.
ومن انتزاع الأراضي اللبنانية وإلحاق سكان بعضها بالكيان الصهيوني وطرد بعضهم الآخر، إلى الاعتداءات «الإسرائيلية» المتواصلة من يوم قيام الكيان إلى ما قبل اتفاق القاهرة، وقبل ظهور المقاومة الوطنية وتحالفها مع المقاومة الفلسطينية ونصرة قضيتها العادلة، وطبعاً قبل بدء عمليات المقاومة الإسلامية «وانتزاع قرار الحرب و السلم من الدولة اللبنانية!!!!!» (وكأن للدولة اللبنانية قراراً في هذا الشأن المصيري)، وحصيلتها تحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلة. نذكّر ببعض الاعتداءات الصهيونية على لبنان في تلك الحقبة:

  • شنّ العدو الصهيوني عملية حيرام في 29/10/1948.
  • مجزرة حولا: ارتكبتها القوات الصهيونية المسماة الهاجاناه بقيادة مناحيم بيغن يوم 31 تشرين الأول 1948 في بلدة حولا، إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء مرجعيون. انتقاما من أهل البلدة لمشاركتهم مع جيش الإنقاذ العربي الذي كان قد حقق انتصارات عسكرية في تلك الفترة. وفي كتاب «المتاهة اللبنانية» يذكر مؤلفه الصهيوني رؤوفين آرليخ انه في 31 تشرين الأول سقط 94 شهيداً وفي اليوم التالي قتل الجيش «الإسرائيلي» و34 معتقلًا كانوا معتقلين لديه.
  • 1960: اقتحام صهيوني للأراضي اللبناني، والجيش اللبناني يأسر أربعة جنود صهاينة.
  • تشرين الأول 1965: اعتداء صهيوني على منبع نهري الليطاني والحاصباني.
  • 29 و30/10/1965: دكّت المدفعية الصهيونية بلدتي ميس الجبل وحولا.
  • 28/12/1968: إنزال صهيوني في مطار بيروت الدولي، وإحراق طائرات لشركة طيران الشرق الأوسط، والسلطة اللبنانية تعاقب رتيبا لبنانيا تصدّى للقوات دون أوامر، وتطرده من عمله.
    هذا المسلسل الذي حرّكته الأطماع الصهيونية، تأتي في سياقه «عملية الأربعين». وإلى من يدافع عن العدو الصهيوني بذريعة حب الحياة والسلام بالقول أننا كنا البادئين في تموز 2006 وفي عملية الإسناد 8/10/2023 وفي عملية الأربعين 30/7/2024، إليهم نقول أن الكيان الصهيوني في حد ذاته عدوان، والتصدي له مقاومة.

الدوافع

في دوافعها، خروج العدو الصهيوني عن قواعد الاشتباك التي لم تُخرق منذ التوصل إليها بعد عدوان نيسان 1996 (حرب نيسان) حتى اليوم سوى في عدوان تموز 2006.

الأسباب والمجريات

وفي أسبابها المباشرة الاعتداء الصهيوني على الضاحية الجنوبية 30/7/2024 وقتل مدنيين واغتيال القائد الجهادي فؤاد شكر (السيد محسن). وبعد سبعة وعشرين يوماً كاملة من اغتياله، تزعزع الوضع خلالها في الكيان الصهيوني فعاش وناسه حالة من عدم الاستقرار والضياع والفزع والقلق والجمود الاقتصادي بانتظار ما سينزل بهم؛ والانقسامات والخلافات بين المستويين السياسي والعسكري وتأثيراتها السلبية، كانت العملية.
وقد تضاءلت أمامها محصلة الضربات المتبادلة في الرد الذي أدّعى العدو الصهيوني غشاً أنه استباقي وأنه إنجاز استخباراتي، وهو لا يتعدّى عملية رصد وترقّب لردّ تعبوي منتظر، كان الكل يتوقعه ويتحسّب لنتائج لم يعلن عنها كاملة بعد.
فشل العدو الصهيوني في ضرب مواقع وأهداف استراتيجية، إضافة إلى أن جميع الأهداف التي تم قصفها لم تكن لها علاقة بالرد، وتبيّن بعدما انجلى الغبار، أن المواقع المستهدفة ومرابض الصواريخ، لم تكن كما تهيّأ للمحتل وادعّى، بل كانت قد أُخليت أوسحبت قبل استهدافها. وتبيّن بعدها بساعات أنها (المحصلة) ليست سوى كذبة أراد الكيان تسويقها لتظهير صورة نصر زائفة.
على الرغم من أن العدو الصهيوني لم يفَاجئ لا في الزمن ولا في المكان، وأنه كان هو وحلفاؤه على رصيف انتظار الرد «الانتقامي أو الثأري»، ورغم التجهيز عالي المستوى لقدراته النارية وسلاح الجو، وتحريك مائة طائرة مقاتلة خلال أقل من ساعة، ورغم الغارات الجوية الصهيونية انطلقت صواريخ المقاومة من منصّاتها باتجاه أهدافها العسكرية، فيما انطلقت المسيّرات باتجاه هدفيها في العمق الفلسطيني المحتل. وهو ما أكده، قبل بيان المقاومة، المتحدث باسم جيش العدو، الذي قال إن «حزب الله أطلق أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة على (إسرائيل) وقد عبرت الحدود».
وفشل في منع المقاومة الإسلامية من نقل مجريات المعركة إلى الأراضي المحتلة، وفي الحد من قدرتها على تحقيق الغاية من العملية.
في المقابل، فلا معلومات جليّة عن نجاح أو إخفاق في قصف المقاومة الصاروخي والمسيّراتي ولا تأكيد سوى ما أكدته وسائل إعلام صهيونية بما نشرته من أن إصابات وقعت في عكا، وانقطاع التيار الكهربائي فيها لساعات.

في التداعيات والدلالات

بدأ العدو إجراءاته الوقائية في جبهته الداخلية بإعلان «حالة الطوارئ» لمدة 48 ساعة، ووقف الطيران من وإلى مطار بن غوريون، إضافة الى فتح الملاجئ العامة في تل أبيب وغوش دان وحيفا وكل الشمال، وتعليق التدريس في جامعات حيفا، وإلغاء كل التجمعات، ثم عمد الى مسار تنازلي في هذه الإجراءات، وصولاً الى إزالة جميع التقييدات على الجبهة الداخلية ليلاً، باستثناء تلك المتعلّقة بالمستوطنات الحدودية مع لبنان.
وفي إنجازات المقاومة العسكرية، وبعيداً عن كل ادّعاء بنصرٍ مدوٍ، فإن تعبر عشرات المسيّرات، وتتجاوز كافة الدفاعات الجوية، وتصل إلى عمق الكيان، وتقصف (على الأرجح) ضواحي تل أبيب في ظل استنفار لم يسبق له مثيل في الجبهة الشمالية، لهو إنجاز بطولي وإن تعامى عنه دعاة السلم الاستسلامي.
كما ثبت للجميع أن مصير الكيان الصهيوني بحكومته ومجتمعه المجيّش مرتبط بلزوم ضمان المصالح الاستعمارية والإمبريالية، وقد دُفِعتْ أنظمة التطبيع والمطبعين العرب إلى مربع تأمين تلك المصالح، وهي تنافس اليوم الكيان الصهيوني في وظيفته تلك، إلّا أنه ما زالت هناك حاجة للكيان، وهو ما حمل الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى الدفاع الأرعن وبهذه الصورة المفضوحة عن جيش يرتكب أبشع أنواع الإبادة الجماعية بحق شعب جريمته أنه يقاوم لتحرير أرضه من آخر استعمار اليوم.
في افتضاح واقع الكيان هذا ومشغليه إنجاز للمقاومة أكدته في مقاومتها الإسنادية وردّها التأديبي، بعدما زعزعت الاستقرار فيه والهجرة العكسية منه وما سببته من شلل اقتصادي وخدماتي.

مواقف

أكد السيد حسن نصر الله أن الحزب سيقّيم تأثير العملية بناء على المعلومات، مضيفا «سنقدّر حجم الخسائر وبناء عليه سيكون قرارنا بشأن استكماله وإذا لم تكن النتائج كافية فردّنا على اغتيال فؤاد شكر سيستمر».
وهدّد «إسرائيل بتوجيه ضربة بالصواريخ الباليستية في المستقبل أو في وقت قريب، دون أن يوضح المزيد من التفاصيل».
وخفّ التوتر عند العدو الصهيوني وبدا مستعجلًا إغلاق الملف بإعلانه أن لا نيّة لديه للتصعيد، جاهلاً ان ليس كل من يفتح ملفاً بقادر على إغلاقه، والقول بأن ما جرى قد انتهى، وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، أن «إسرائيل نقلت رسالة إلى مجموعة من الأطراف الأجنبية للمساعدة في منع التصعيد»، وتفيد الرسالة بأن «إسرائيل تحرّكت لإحباط هجوم من حزب الله، لكنها لا تنوي تحويل ذلك إلى حرب واسعة النطاق»، وأشارت القناة الى أنه «إذا كان حزب الله راضياً عن ردّه اليوم، فإن إسرائيل لن توسّع الحملة وسيمكن إغلاق ملف اغتيال فؤاد شكر».
و أما نتنياهو فقد قال في مستهل جلسة مجلس الوزراء صبيحة «عملية الأربعين»: «أن إسرائيل لم تقل كلمتها الأخيرة بضرباتها على جنوب لبنان لإحباط هجوم واسع النطاق لحزب الله».
وبدون إعلان يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه أكثر المرتاحين لنتائج الرد التأديبي والرد على الرد، فلهما أن يعتبر بعد تصريحات نصرالله ونتياهو إن واشنطن قد نجحت حتى الآن بإبعاد الحرب الشاملة في المنطقة وعنها للتفرغ للانتخابات الرئاسية والحرب الروسية – الأوكرانية والصراع مع الصين وروسيا.
نصرالله يكتفي مرحلياً بردّ المقاومة التأديبي وينتظر تقييم قيادتها له ويشجّع الناس على الانصراف إلى أشغالهم. ونتنياهو لم يقل كلمته، وبايدن توقع الأشدّ إيلاماً، والمرشد الأعلى الإيراني الإمام خامنئي يفتح الباب الثلاثاء 27/8/2024، أمام فرصة استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يتقدم بسرعة، مؤكدا أنه «لا ضرر في التعامل مع العدو»، مجدداً تحذيراته من أن واشنطن لا يمكن الوثوق بها، ووكالة أسوشيتد برس تنقل عن ووزارة الخارجية الأميركية: «سنحكم على قيادة إيران من خلال أفعالها، وليس أقوالها». ولن تحسم نتائج تلك المفاوضات إلّا بعد وصول الرئيس/ة الجديد/ة إلى البيت الأبيض، والعالم يتابع الحرب الواسعة لعلّها باستنزافها تغني عن الحرب الشاملة، كل ذلك بالتزامن مع (المفاوضات -المساومات العبثية) حول وقف العدوان الصهيوني حتى الوصول إلى الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية.
فحتى الثلث الأول من العام القادم (2025) ستبقى الحال على ما هي عليه، لا وقف لإطلاق النار بكل مستلزماته، ولا حرباً شاملة.
عن المجلس النيابي والقانون الانتخابي الجديدين والانتخابات الرئاسية اللبنانية الجديدة؛ فحديث آخر ومقالة أخرى.

  • مؤرخ وكاتب سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى