المقالات

الكهرباء والانفجار المؤجل – بقلم: ميرنا قرعوني

يعيش لبنان منذ فترة  أزمة كهرباء خانقة دفعت بجموع غاضبة من  المواطنين إلى قطع الطرقات العامة و إشعال الإطارات احتجاجا ، لاسيما وقد تزامنت هذه الأزمة مع العواصف الثلجية وموجة البرد التي تضرب البلاد، حيث يسيطر الظلام والصقيع على معظم المناطق اللبنانية ، ولم يعد المواطن اللبناني يكترث بالجهة التي يلقي اللوم عليها ، أو حتى بمعرفة من هو المسؤول عن هذا لانقطاع  ، بل أصبح يهتم بعودة التيار الكهربائي الذي  ينقطع  لأكثر من 14 ساعة يوميا في بعض المناطق ويغيب لعدة أيام متتالية  عن مناطق أخرى،  والمواطن الذي يعتبر  ميسور الحال يلجأ  إلى الاشتراك بالمولدات الكهربائية ويدفع مبلغا كبيرا ليحصل على الكهرباء بسبب احتكار أصحاب المولدات تحديد التسعيرة،  أما المواطن الأقل يسرا وحظا فما كان نصيبه سوى  الاستعانة بالشمع والتدفئة على الحطب أو الغرق في الظلام.
كأنه لا يكفي ما يعانيه اللبنانيون يوميا من غلاء وانخفاض القدرة الشرائية ، وعواصف الشتاء وانهيار المباني على رؤوس ساكنيها وتحول الطرقات إلى أنهار جارفة  جراء أي عاصفة ماطرة  تضرب البلد، لنتذكر أنه في القرن الواحد والعشرين يعيش اللبنانيون من دون كهرباء وينتظرون  معالجة حكومية تحيط بها أسئلة كثيرة و يكتنف تنفيذها الموعود غموض كبير تحيط به اتهامات و شكوك لا تحصى ولا تعد .
عندما أعلن عن خطة الكهرباء استبشر اللبنانيون خيرا لكن أحدا لم يكشف للرأي العام طبيعة العراقيل           والعقبات التي لم يتحدث عنها المعنيون سوى في أتون السجالات التي تسببت بها الأزمة الراهنة وكلام الوزير المختص عن الآتي الأعظم لا يقدم تفسيرا منطقيا لما يجري .
قيل في تبرير المشكلة إن استجرار التيار من مصر وسورية قد توقف خلال الأشهر الماضية والسؤال هو من أعاق البحث عن بدائل لترميم قدرة القطاع على سد حاجات البلد و هو سؤال من غير جواب كما هي حال البواخر التي وعد المسؤولون باستئجارها ولم ينفذوا ، كما قيل إن قسما من اللبنانيين ما زالوا لا يدفعون فواتير الكهرباء وهذه الذريعة ساقطة ومردودة لأصحابها فما نعرفه عن المناطق التي يغمز البعض من قناتها في هذا التبرير أن الناس يدفعون فواتير المؤسسة واشتراكات المولدات ، ونعني الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع وعكار والفقراء من سكان هذه المناطق لا يشتركون في المولدات و يسددون فواتير الكهرباء المتضمنة ضرائب التأهيل في مناطقهم دون سواها ، من غير أن يحصلوا على التغذية وإن كانت مشكلة عدم الدفع ما تزال موجودة فما الذي يمنع من كشف المرتكبين ومقاضاتهم خصوصا وأننا كمواطنين ، نشك بأن في المقدمة سياسيون ونواب و وزراء و مؤسسات اقتصادية رابحة يملكها متنفذون؟
لعل لبنان لم يكن من ضمن البلدان التي شهدت ثورات العام الماضي ولعل لبنان له خصوصيته ولكن اللبناني ليس أفضل حالا من باقي الشعوب العربية ومن الممكن أن تؤدي الضائقة الاجتماعية التي يعيشها ممن لم يغتربوا من الشعب اللبناني إلى ثورة شعبية فيتحد أبناؤه يوما للوقوف في وجه من ينتهك            حقوقهم .
اللبناني يعاني مثل غيره من أبناء المنطقة العربية ويفتقر إلى ابسط حقوقه المدنية ولكن الشحن الطائفي والمحسوبية السياسية تجعل منه خانعا أمام من يمثله في البرلمان أو في الحكومة .
لم يعد يهم المواطن اللبناني إذا كان الوزير المسؤول هو من الفريق الذي يؤيده سياسيا أم لا ولكن كل ما يهمه أصبح أن يعيش بكرامة في بلد رفض الهجرة منه أو صمد فيه لأنه لم يستطع الهجرة .
لقد أهدرت حكومات ما بعد الطائف مليارات الدولارات من الديون على قطاع الكهرباء لنكتشف مؤخرا وفقا لتقارير الوزارة أن معامل التوليد تلفظ أنفسها وشبكات النقل والتوزيع لا تكفي الحاجة ولم يتم فتح أي تحقيق جدي يكشف مصير الأموال المنهوبة في هذا الملف ، بينما الخطة الموعودة التي أقرت ما تزال نظرية و بلا جدوى ، بينما يتبادل الزعماء و المسؤولون الاتهامات وينهش بعضهم حلفاءه ويشكك بهم لينجو بنفسه و بفريقه الحزبي من دائرة الاتهام و لكن المشهد السياسي برمته و الحكومي يبدو مخزيا ومحزنا  ويدعو للخجل .
مسؤولية الحكومات هي حل المشاكل وعدم الترويج لحلول وهمية أو التهرب من مواجهة الناس بالحقائق وعلى القيادات اللبنانية إدراك حقيقة أن المواطن العادي ليس بعيدا عن لحظة انفجار ستكون مفاجئة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى