المقالات

الشريط الأحمر – د. قصي الحسين

تتخذ البلديات عادة الشريط الأحمر، لتحديد أماكن العبور، منعا للأخطار. تتخذ الشرطة أيضا، الشريط الأحمر، لتحديد الساحات التي تسهل السير، وتمنع تدافع السيارات.
وتتخذ القوات المسلحة، الشريط الأحمر، لتحديد مسرح الجريمة، أو موقع القذيفة، أو مكان سقوط الأجسام الناتجة عن الإشتباك وتبادل النار، تحاشيا للوقوع في أخطارها.
لبنان أكثر بلدان العالم، حظوة بالشريط الأحمر. كثير الإستعمال من البلديات. كثير الإستعمال من الشرطة. كثير الإستعمال، من القوات المسلحة.
ترى الشريط الأحمر، يرسم الطريق للعابرين، لأشهر طويلة، بسبب عطل قناة أو مجرور أو بسبب الحفر لمد كابل للكهرباء، أو كابل للهاتف، أو للكشف عن البنية التحتية، لإنشائها، أو لتجديدها أو لتأهيلها.
ترى الشريط الأحمر، يرسم حادث السير. ويرسم العبوة الناسفة التي أودت بأرواح الناس. ويرسم، مكان سقوط الجدار على السكان.
ترى الشريط الأحمر، يرسم مكان سقوط الطائرة المسيرة. والصاروخ الهادف. والقذيفة العابرة للأرواح. ترى الشريط الأحمر يزنر الأبنية المتداعية والأبنية المتهدمة بسبب الإنفجار.
الشريط الأحمر، من تقاليد الأمم والشعوب والهيئات والمنظمات. يستعمل لوقت محدد جدا. يستعمل لظرف محدد جدا. يستعمل لضرورة محددة جدا. ثم يزال سريعا، بزوال الأسباب التي وضع لأجلها.
أما الشريط الأحمر في لبنان، فهو في مثل هذة الحالات، يدوم ويدوم ويدوم، حتى يصير جزءا من المكان. حتى يصير هوية للمكان.
في كل رايات العالم، نرى الشريط الأحمر، تذكيرا بشهداء تلك الرايات. جميع أمم العالم، إتخذت شريطا أحمر. أشرطة حمراء كثيرة. مساحة حمراء. تعبيرا عن وحدة الشهداء.
اللبنانيون بخلاف كل الناس، يتخذون شريطين حمراوين، تخليدا لشهداء الإنقسام. شريطا أحمر لشهدائنا. وشريطا أحمر لشهدائهم، على قاعدة من المناصفة بيننا. أو على قاعدة من “6 و 6 مكرر”.
لشدة تعودهم على الشريط الأحمر، والإنضباط به، أو تجاوزه في بعض الأحيان، وعدم إحترامه وعدم الأخذ به، صاروا يحتكمون له. صاروا يحكمونه في جميع شؤونهم. وفي جميع شؤون حياتهم. صار الشريط الأحمر عندهم خطا أحمر.
صارت الطائفة خطا أحمر. رسموا حولها شريطا أحمرا، وجعلوا الحوار معها بحذر. وجعلوا التعامل معها، بحراسة من الشريط الأحمر، أو الخط الأحمر.
صار كل زعيم في لبنان خطا أحمرا. لف الشريط الأحمر حول زعامته. حول دائرته. حول طائفته. حول محوره. لف الشريط الأحمر فوق رأسه. حول عنقه. حول كرامته. صار مسلما له، أن مجموعة من الأشرطة الحمر تزنره. وأن مجموعة من الخطوط الحمر تحرسه. فلا يجرؤ أحد على المس به.
صار لكل منطقة في لبنان شريط أحمر، يلفها لفا. وصارت هي خطا أحمرا بالنسبة لأهلها. صار للرئاسات أشرطة حمراء، تلف حولها. صار للوزارات أشرطة حمراء. صار للوظائف، وللإدارات وللنقابات أشرطة حمراء تدار حولها. تلصق بها لصقا، بحيث يصعب فكاكها وتحريرها من اللاصق بها..
صار اللاصق الأحمر درجة الناس في لبنان. يضعونه على جباههم. وعلى صدورهم. وعلى أفواههم. صار اللاصق الأحمر، يتخذونه، لعدم تجاوزهم، وعدم الإشارة أو التنبيه لمخاطر مواقفهم، ولأخطار إرتجالاتهم.
صارت الأحزاب والتيارات والأندية والجمعيات، بكل صناديقها المشبوهة خطا أحمر، مزنرة بالأشرطة الحمراء والشارات الحمراء واللواصق الحمراء. صارت صناديق لبنان كلها خطا أحمر لأصحابها.
بدا لبنان أمس، بلد الأشرطة الحمر بإمتياز. بلد الخطوط الحمر. بلد اللواصق الحمر.
لماذا الذهاب بعيدا. لماذا لا نعترف لأنفسنا، ما دمنا نتمسك بكل أشكال الحظر: بأننا صرنا في “حظائر حمر”؟. قال صاحبي: لا. لا. الحمر أكرم منا!.

أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى