المقالات

قبل أن تبتلعنا حفرة كلية العلوم – كتب د طلال الخواجة

من الطبيعي أن يكون لزيارة رئيسي الجمهورية والحكومة لموقع المدينة الجامعية في المون ميشال آثاراً إيجابية على هذا المشروع الإنمائي الكبير في الشمال، علماً أنها المرة الأولى التي يجري فيها حدثاً سياسياً في الموقع دون تنظيم أو مشاركة أو على الأقل حضور لجنة المتابعة للبناء الجامعي ومكتبها التنفيذي.
فليس سراً أن البناء الجامعي الموحد هو الإبن الشرعي للمجتمع المدني الشمالي، ممثلاً بلجنة المتابعة الواسعة التمثيل، ولطالما شكلت هذه  اللجنة نموذجاً في الشمال والجامعة.   هذه القضية يعرفها جيداً الصديق الرئيس ميقاتي الذي عملنا معه سوياً منذ كان وزيراً للأشغال كما يعرفها الرئيس سليمان الذي ساهم في نقل ملكية جزءاً من المون ميشال من وزارة الدفاع إلى وزارة التربية، وقد التقيناه قائداً للجيش آنذاك، ولطالما شكلت لجنة المتابعة طاقة توحيدية لجميع القوى والفعاليات والهيئات من مختلف المشارب والأطياف، رغم أن محاولات المصادرة والإلتفاف والتسييس والشخصانية لم تتوقف، وهذه ظاهرة “إنسانية” في العمل السياسي، رغم أنها تتجاوز في لبنان الحدود المقبولة أحياناً.
لا ننكر أن كلامنا يضمر بعض الإنزعاج الشخصي والإنزعاج ظاهرة “إنسانية” أيضاً، إلا أنه ما يهمنا هو في إنعكاس تجاهل لجنة المتابعة على تنفيذ المشروع، خصوصاً أنها استطاعت حماية هذا المشروع في ظروف سياسية بالغة الصعوبة.
لنعترف أولا أن لجنة المتابعة عانت في السنوات الأخيرة من التلكؤ والتردد والإنكفاء، خصوصاً أن المراحل كلها كانت صعبة من نقلل ملكية واستملاكات وتلزيم الدراسات ومن ثم بدء التنفيذ الذي أخذ شعار العلوم أولاً، ربما وفاءً لموافقة أهل العلوم الذي قادوا حملة قوية لترميم مبناهم المتهالك في القبة، شارك فيها “الوزير” ميقاتي ومعظم الفعاليات الشمالية سنة 2000/2001 ووصلت لنتائج عملية مهمة مع الفرنسيين مالكي المكان بالتعاون مع الرئيس الشهيد، قبل أن تتحول بطلب من أهل الجامعة وهيئات من المجتمع المدني إلى قوة دفع لإعادة إطلاق حركة المدينة الجامعية في المون ميشال وبالتالي إسقاط مسألة الترميم.
لا بد أن الرئيسين وصحبهما تساءلا عن سر الحفرة العميقة والواسعة، التي حفرت في 2007 لبدء إنشاء مبنى العلوم بعد أن أعاق التمديد وزلزال اغتيال الحريري البدء بالأعمال، ومع أن رئيس مجلس الإنماء والإعمار واختصاصيين كانوا في الموقع، فإن التفسير الفعلي ليس تقنياً فقط، خصوصاً أن أموال مبنى العلوم آنذاك جرى استكمالها في أواخر 2004 من البنك السعودي ما يعني أنه كان من الممكن ان تلزم قبل ارتفاع الأسعار.
لو كان هناك التزاما جديا عند المسؤولين ورؤيا ومتابعة، لكانت أنجزت مرحلة أولى ولكانت العلوم والهندسة والفنون سارت بالتوازي، خصوصاً أن البنك السعودي مقرض مبنى العلوم سيمول فرق ارتفاع الأسعار كما سيمول بنك التنمية الإسلامي فرق مبنيي الهندسة والفنون اللذين باتا شبه مكتملين. كنا نأمل أيضاً ومنذ أكثر من سنتين بتأمين قرض مبنى كلية الصحة ليكتمل نصف المدينة الجامعية الأول كي نتفرغ للعمل من أجل الآداب والحقوق والعلوم الإجتماعية وإدارة الأعمال والإلتفات أيضا لمبنى كلية الزراعة في عكار والسياحة في مكان مناسب.
ربما آن الأوان للجنة المتابعة أن تعيد الإمساك الفعلي بقضية البناء الجامعي الموحد، بعد أن دار لغط صامت مع ما يسمى باللجنة الفنية المشكلة من الهندسة والفنون والتي مالت “إنسانيا” لمصادرة دور لجنة المتابعة والعمل لمبنيي الفنون والهندسة بالدرجة الأولى.
تجدر الإشارة أن أساتذة العلوم يتملكهم الغضب بعد أن باتوا يرون في حفرة كلية العلوم مكاناً لدفن أحلامهم، عوض أن تكون مرتكزاً لبناء حديث كان يجب أن يكون جاهزاً قبل الهندسة والفنون، علماً أنهم يقرون بأن الأخيرتين تشكلان مكسباً كبيرا ولكنه مبتوراً بغياب حض العلوم الدافئ وغياب الكليات الأخرى التي تجعل من المكان صرحاً أكاديمياً وتنموياً وثقافياً وتوحيديا في آن. ويتجه أساتذة العلوم لتشكيل لجنتهم الخاصة، على أن تتواصل مع لجنة المتابعة في إعادة وضع المدينة الجامعية على السكة الصحيحة بعد أن خرجت عنها بفعل العواصف السياسية من جهة والأخطار والأمزجة وعدم الإلتزام من جهة أخرى،  فمناقصة العلوم أجريت منذ زمن بعيد وتنتظر التلزيم بعد أن رست على شركة لبنانية، فكفى بطأْ.
يبقى أن نقول أن زيارة رئيس الجمهورية أتت في سياق جولته على مشاريع أخرى كقصر العدل والمرفأ ومن ضمن رعايته لليوم البيئي الطرابلسي الذي نظمه ناشطون من المجتمع المدني، وهو يوم أراد منظموه أن يظهروا صورة ثانية وحقيقية أيضاً عن الفيحاء بعد أن كادت صورتها النمطية المضخمة بعض الشيء أن تطيح بوداعتها وقابليتها للحداثة، فهل نجحوا بذلك؟ أم أن الرعاية الكريمة لفخامة الرئيس أرخت بظلالها على الحدث البيئي، ذلك أنها أتت في ظروف سياسية بالغة الإنقسام والتعقيد وهذه الظروف أرخت بظلالها أيضا على الجانب التنموي للزيارة.
هذه المسألة تحتاج للتقييم والنقاش الموضوعي والهادئ في إطار المحاولة الدائمة للمجتمع المدني للفصل الممكن بين السياسة(أو لنقل التسييس) والإنماء، ورغم أن المعيار الرئيسي يختلف بعض الشيء في موضوعي البيئة والمشاريع التنموية فإنه يتقاطع في قضية الحرمان والفوضى والمربعات الأمنية، ولهذا كان كثيرون يزاوجون في هذا اليوم بين شعارين.”طرابلس مدينة مع الإنماء وضد التشويه” و”طرابلس مدينة خالية من السلاح” وللجميع أن يحكم أين أطلت هذه الشعارات في هذا اليوم الطرابلسي الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى